اليسار يفشل في اختبار الثورة السورية
بقلم/ مارب الورد
نشر منذ: 12 سنة و 3 أسابيع و 3 أيام
الإثنين 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 12:30 م

في ما مضى صدّع اليسار العربي رؤوسنا بخطاب عنتري عن ضرورة الكفاح وقيام الثورات للإطاحة بأنظمة الاستبداد قاصداً بذلك الأنظمة التي ولت شطر وجهها نحو البيت الأبيض بعدما نقلت قبلتها من موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي المنهار وليس من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية التي يتحدثون عنها ولم يورثوا في البلدان التي تولت فيها نظم الاشتراكية الحكم إلا طوابير طويلة من الفقراء والمعوزين وفاغري الأفواه.

ادّعى اليسار انه شارك في ثورات الربيع العربي وكان له نصيب من فاتورة ثمن الحرية,لكن نتائج الربيع في الانتخابات كشفت أن حجمه في الشارع والثورة محدود وخير دليل انه لم يستطع الفوز بالرغم أن الانتخابات كانت نزيهه وشفافة وديمقراطية لأول مره,ورأى قادته خصومهم الإسلاميون الذين دفعوا ثمن حريات شعوبهم من دمائهم وأوقاتهم يصعدون إلى دفة القيادة وهم ينظرون.

ربما كانت نتائج الانتخابات التي جرت في تونس ومصر وليبيا كفيلة بإظهار حجم اليسار شعبياً,غير أننا كنا بحاجه إلى مقياس آخر لمعرفة حجم مساهمتهم في الثورات فجاءت الثورة السورية كاشفة رصيدهم المخزي والمتناقض مع الضمير والأخلاق والقيم حتى تلك التي يتشدقون بها,حين انحاز أغلبهم إن لم نكن مبالغين وقلنا جميعهم إلى صف نظام الأسد الإجرامي والتابع للفرس الصفوي.

يقسم الباحث في المركز الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى ببيروت نيكولاس دوت بويارد،اليسار على ضوء نتائج اختبار الثورة السورية,إلى ثلاثة أقسام منهم المستمر في دعم النظام السوري باسم الصراع ضد إسرائيل ومقاومة الاستعمار, في حين يقف البعض الآخر منهم إلى جانب المعارضة بحجة الثورة والدفاع عن الحقوق الديمقراطية، بينما اتخذ فريق آخر موقفا وسطا مبنيا على التضامن مع مطالب المتظاهرين، ورفض التدخل الأجنبي والدعوة إلى المصالحة الوطنية.

واعتبر في مقال نشره معهد الدراسات الإستراتيجية والبحوث أن مؤيدي الثورة بدون قيد أو شرط لا يشكلون الأغلبية, ومعظمهم من أقصى الطيف السياسي لليسار، وفي العادة هم من التروتسكيين أو الماويين,مشيرا إلى أن الناشطين العرب اليساريين يرون سوريا بوجهين, فالقليل منهم ينكرون طبيعة النظام السوري القمعية والشمولية.

هل هناك أسوأ خاتمة من تلك التي أنهى بها الكاتب الصحفي المصري عادل الجوجري رئيس تحرير جريدة الأنوار مجلة الغد العربي، ومدير المركز العربي للصحافة والنشر، حياته في 11 يوليو الماضي,أثناء دفاعه عن نظام بشار الأسد على الهواء مباشرة في قناة فضائية,بالطبع لا يعادلها خاتمة أخرى,ونحن لا نتشفى ذلك أن الموت حق,ولكننا نستشهد على سبيل المقارنة إلى أي مستوى من الانهيار القيمي وصل به بعض مثقفي اليسار والقوميين العرب.

كانت كل تبريرات اليساريين المعارضين للثورة السورية أقبح من ذنوبهم وأبشع من صورهم,وهم يحاولون ستر عوراتهم المكشوفة وإخفاء سوءاتهم بوقوفهم في وجه الحرية والكرامة قبل وقوفهم أمام الشعب السوري أن دول الخليج وتحديداً السعودية تدعم الثورة السورية وتمولها وهلم جرا من الكلام الفارغ.

عندما تسأل أحدهم:لماذا وقفت ضد نظام بن علي والقذافي ومبارك سيقول لك بأنهم طغاة وجبابرة,وحين تباغته بسؤال آخر:أليس الأسد ينتمي لنفس الفصيلة,يرد عليك انه نظام مقاوم ومن يقف وراء الثورة ضده دول الخليج,متجاهلين حقيقة الشعب السوري صاحب المصلحة ومفجر الثورة الأساسي كما هو حال الشعوب في دول الربيع الأخرى.

كيف نسي هؤلاء أن الشعب السوري هو الأصل وما دونه هو الفرع,بمعنى آخر,طالما وأن الشعب هو من خرج مطالباً بالحرية والكرامة,فما وجه التناقض بين هذا الموقف والتأييد الخارجي أياً كان لهذه المطالب التي تعتبر قيم إنسانية مشتركة.

وإذا افترضنا جدلاً أن دول الخليج تدعم المعارضين لنظام الأسد,فهل هذا الأمر جديد وهل كل الثورات التي قامت في العالم تخلو من وجود أطراف خارجية لها مصلحة في اندلاع ثورة ضد النظام أو ذاك تؤيد,وهل وجود تأييد خارجي لمطالب المعارضين بالداخل يمنع من دعم أي ثورة طالما وأهدافها الحرية والكرامة الإنسانية وإسقاط الدكتاتورية.

في هذا السياق,أليس الأهم هنا الذي يحدد موقفنا هو الحرية والقيم الإنسانية المشتركة,أليست أهداف الثورات واحدة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا,أم أن هناك شروط أخرى ابتدعها شيوخ اليسار كي يحددوا متى ينضم الشخص إلى هذه الثورة أو تلك وكيف ينضم.

كيف تؤمنون بثورة هناك وتكفرون بثورة هنا,الم تعلموا أن أسرة واحدة وحزب واحد يحكم سوريا منذ الأربعينات وحتى اليوم ومع ذلك لا تستحوا من مواقفكم المناصرة لبقاء هذا النظام الذي كان يفترض أن يسقط في أول يوم تولى الحكم.

إن حالكم يشبه حال أولئك الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم ازدادوا كفرا,ومن كان حاله هكذا فان مستقبله واضح ومفلس فلا يزعج الآخرين بأن لديه مشروع يتضمن العدالة الاجتماعية والانحياز للفقراء ومحاربة الاستبداد.

ولا تكمن المفاجأة بتعبير الكاتب حازم صاغية في أن موجة النقد التي طالت اليسار بسبب حجمه ووزنه,ولكن لأن«أهل الثورة» بات بعضهم يقف في مواجهة الثورة، وبعضهم في موقف التحفّظ عنها، تاركين لهامش ضيّق منهم أن يؤيّدها.

ويقول الكاتب في مقال بجريدة " الحياة " اللندنية,أنه يتّضح، ولو على نحو مداور، كم أنّ الموقف اليساريّ من الثورة السوريّة يخفي الانقطاع عن التنوير الغربيّ الذي بدأ مع الثورة البلشفيّة، بعدما كانت ماركسيّة كارل ماركس من بنات هذا التنوير.

الشيء الأسوأ من كل ذلك هو ارتماء أنصار اليسار في أحضان إيران الفارسية التي يقوم نظامها السياسي على ولاية الفقيه والإمام الغائب في السرداب التي تعيدنا إلى عصر القرون الوسطى من التخلف والانحطاط,في الوقت الذي يرفعوا فيه شعار الحداثة والمدنية في تناقض غير مفهوم إلا لمن كان له قلب أحب السفر إلى طهران وضاحية بيروت الجنوبية للاستمتاع بما لذا وطاب من مضيفيهم هناك.

حين حارب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إيران في ثمانينات القرن الماضي وقف العرب باستثناء سوريا معه ومنهم اليساريون باعتباره يخوض حربا ضد ما أسموه المد الشيعي والصفوي ونحوها من المفردات التي ترى في إيران حينئذٍ دولة مارقة متخلفة تستحق تضييق الخناق عليها فما لكم وقد تحول الأمر اليوم إلى التحالف معها بل والتمجيد لقيمها ورفع شعاراتها بعدما تحولت عندهم إلى دولة عريقة في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتعاني من ظلم عالمي تستحق معه التضامن والتحالف.

إن اليسار بخذلانه للشعب السوري يكتب آخر فصوله بنهاية سيئة لن يغفرها له التاريخ ولا الشعوب العربية ولا حتى جيفارا في قبره أو فيدل كاسترو ولن يقبل عاقلاً تبريراتهم إلى يوم القيامة مع العلم أن السعودية التي يتحدثون عن دعمها لمعارضي الأسد لم تدفع ريالا واحدا للمجلس الوطني الممثل للمعارضة والحراك الشعبي بعدما كشف المجلس في تقرير مفصل لكل مداخيله ونفقاته، أوضح فيه أن مجموع ما تلقاه من هبات بلغ 40 مليون دولار، نصفها من ليبيا والنصف الثاني من قطر والإمارات، أنفق منها حوالي 30 مليوناً، وذهب حوالي 90% منها لعمليات الإغاثة.

إن باب التوبة السياسية مفتوح ولا يزال أمامكم فرصة للتكفير عن مواقفكم المخزية بالاعتذار للشعب السوري ثم إعلان براءتكم من دعم نظام الأسد والالتزام بدعم ثورات الحرية والكرامة أيا كانت وفي أي دولة.