هل تنجح صفقة الأنسي
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 29 يوماً
الإثنين 11 أغسطس-آب 2008 05:24 م

 مأرب برس – خاص

دائما ما تكون نقطة ضعف المعارضة في اللحظات الوطنية الحاسمة هي حزب الاصلاح الذي تلجأ قيادته الى سياسة اللعب بالعصا والجزرة فهي من جهة تمارس بالعلن التصعيد مع الحاكم ومن جهة أخرى تقوم بتوقيع الصفقات الانفرادية معه من وراء الكواليس وهذه السياسة التي ظلت تنتهجها قيادات حزب الاصلاح طوال مراحل مضت منذ انتخابات 1997 تتكرر اليوم ولكن بطريقة انتهازية ومكشوفة للعيان ،.

فالصفقة الجديدة التيوقعها عبدالوهاب الأنسي أمين عام الاصلاح مع الرئيس صالح فضحت المخطط الذي ترسمه القيادات الاصلاحية المحسوبة على الرئيس صالح الذي يرمي الى تحقيق هدفين في وقت واحد : الأول  هو اعا دة حزب الاصلاح الى حظيرة التحالف الاستراتيجي مع الرئيس صالح وهذا يعني بالضرورة استمرارية بقاء حزب الاصلاح كمجرد كرت يستخدمه الرئيس في مواجهة معارضية وضرب القضايا الوطنية ومعاناة الناس وبالتالي ضمان استبداده بالسلطة وتوريثها على أيدي الاصلاحيين أما الهدف الثاني من وراء صفقة الأنسي - صالح فهو ضرب تجربة اللقاء المشترك واعلان فشلها جراء فقدان الثقة بين احزابها التي تفاجأ بصفقات انفرادية لا تعلم عنها شيئا.

عبدالوهاب الأنسي أجاد اللعبة بذكاء منقطع النظير فالرجل ظل يخادع شركاء حزبه في ائتلاف اللقاء المشترك وينكر ان هناك حوارا بينه وبين الرئيس ويصر على أنه مجرد تواصل و الى جانب هذا يطلق التصريحات النارية التي وصف فيها رجال السلطة بأنهم مجرد سفهاء يجب الحجر عليهم ثم اذا به يوقع خلسة وبالنيابة عن أحزاب المشترك ودون علمهم صفقة انفرادية مع الرئيس صالح زعيم سفهاء السلطة حد ماوصفهم قبل يوم واحد فقط من توقيعه للصفقة

صفقة الأنسي-صالح بشان التعديلات على قانون الانتخابات تجاهلت أبجديات مطالب المعارضة التي ظلت تنادي بها طوال السنوات السابقة وتقدم من أجلها مبادرات وبرامج للاصلاح السياسي والوطني والتي ظلت تقدم رؤى ومشاريع اصلاحات حقيقية للمنظومة الانتخابية توفر بيئة مناسبة لاجراء انتخابات عادلة ومحادية ونزيهة لكن كل مطالب المعارضة وخطابها وبرامجها جاءت صفقة الأنسي مع الرئيس لتنسفها من الأساس وتنسف معها أيضا مصداقية المشترك و كل ما ظل يدعو له من قيم ومبادئ ومبادرات اصلاح لانقاذ اليمن

الشيء الأكثر درامية أن عبدالوهاب الأنسي ظل يتنصل من الحوار مع الحاكم وينكره حتى اذا ما خرجت بعض تفاصيله الى العلن راح يعطي هذا الحوار اسما اخر اطلق عليه التواصل ثم اذا به ينقلب بزاوية 180 درجة و ينتقد المنزعجين من الحوار والتواصل بعد اعلان الصفقة فيما كان هو اول الرافضين لجولات الحوار العبثي الفاشل مع سفهاء السلطة حينما كان يتواصل مع الرئيس سرا وينكر أي حوار مع السلطة بالمطلق.

نعود مرة اخرى الى موضوع هذه الصفقة الانفرادية التي وجهت طعنة غادرة للقضية الوطنية ولمعاناة هذا الشعب الذي فقد ثقته بالعملية الانتخابية كاداة للتغيير ونسفت أخر امل لدى الناس في جدوى امكانية تحقيق اصلاحات انتخابية يمكن لها ان توجد بيئة مناسبة لانتخابات عادلة نزيهة لا تزور فيها ارادة الشعب فالمؤكد انه بعد تفريط هذه الصفقة في مطالب المعارضة وحقوق الشعب سوف تجري انتخابات اعتبادية تماما كشأن كل الدورات الانتخابية الماضية التي تفضي دوما الى اعادة انتاج الفساد وتكريس شرعية استبداد الحكم الفردي .

من حسنات صفقة الأنسي - صالح أنها كشفت القيادات الانتهازية المرتبطة بالحاكم في قمة هرم حزب الاصلاح والتي تعمل جاهدة في المرحلة الراهنة الى تفكيك اللقاء المشترك وكسر التحالف الوطني وفك ارتباط حزب الاصلاح بقاعدته الجماهيرية وبشركاؤه في المشترك وبقية القوى السياسية الوطنية واعادته الى مربع التحالف الاستراتيجي مع الحاكم هذا التحالف الذي أدى الىفرعنة الحاكم الفرد واستبداده بالوطن الى جانب الأذى والتهميش والاقصاء الذي نال حزب الاصلاح بنفس الوقت

ان صفقة الانسي - صالح قبل أن تكون ضربة لأحزاب المشترك هي في المقام الأول ضربة لحزب الاصلاح نفسه اذ يقف الاصلاحيون اليوم أمام خيارين لا أكثر هما :

الأول : ام ان يقفوا في صف صفقة الأنسي - صالح وهذا يعني العودة الى مرحلة التحالف الاستراتيجي بين الاصلاح والرئيس و يدرك الاصلاحيون طبعا أنهم سيكونون مجرد كروت ستحرق مباشرة بعد الانتخابات القادمة في2009 كما يعرفون أيضا الى اين سينتهي بهم طريق التحالف الاستراتيجي ما هي نتائجه وتجارب التحالف الاستراتيجي لازالت نتائجها المأساوية شاخصة للعيان سواء على مستوى الوطن او على مستوى الحزب .

ام الخيار الثاني هو : أن يقف حزب الاصلاح الى صف الناس والى جانب المطالب العادلة لأبناء هذا الشعب ويواصل شركته للقوى السياسية الوطنية في نضالاتها ضد حكم الاستبداد وهذا الموقف يعني بالضرورة رفض الصفقة التي تجاهلت معاناة الناس ويأسهم من جدوى انتخابات تزور فيها ارادتهم ويشرعن فيها الفساد والاستبداد غصبا بأصواتهم

ان الجهود الوطنية لمختلف القوى السياسية على الساحة الوطنية اليوم ينبغي ان تكرس في اتجاه واحد فقط وهو تحقيق اصلاحات حقيقية تضمن توفير بيئة صالحة مناسبة لانتخابات عادلة ونزيهة ومحايدة لا تزور فيها اراداة الشعب كما جرت العادة طوال الدورات الانتخابية الماضية ونحذر انه في حالة نجاح صفقة الأنسي- صالح فان الانتخابات القادمة ستكون صورة طبق الأصل من سابقاتها بل ستكون الصورة أشد سوداوية وقتامة ولا نبالغ ان قلنا ان البلاد ستعود بعد الدورة الانتخابية القادمة الى الاستبداد السافر ولن يكون بمقدور المشترك أو غيره بعد ذلك ان يتحدث عن اصلاحات جراء هذه الصفقة التي تدمر مصداقية أحزابه ووطنيتها والتي بنفس الوقت ستوصل الناس الى قناعة تامة بعدم جدوى أي برامج اصلاح مثلما تعززت لدى قطاعات واسعة من فئات الشعب بعدم جدوى الانتخابات كاداة للتغيير والاصلاح في ظل استبداد وفساد وصفقات بين السلطة والمعارضة .

انه من الطبيعي ان ينقسم موقف أحزاب المشترك من هذه الصفقة وتتباين رؤاها بعد ان رأت مختلف أحزابه بما فيها الاصلاح كيف أن صفقة انفرادية هدت مصداقية المشترك على المستوى الشعبي و نسفت رصيد النضال السلمي والحراك الجماهيري الرافض لحكم الاستبداد والفساد

ان خطورة صفقة الانسي-صالح على المستوى الوطني تستدعي موقفا جادا وواضحا من احزاب المشترك واءا مواقف جماعية او فردية لأن القبول بهذه الصفقة يعني التسليم بمخطط الحاكم الذي يهدف من وراء هذه الصفقة الى الأتي :

- الدخول الى الانتخابات القادمة تحت نفس الظروف والشروط التي جرت في ظلها الدورات الانتخابية الماضية وهذا يعني التزوير المعتاد واغتصاب الشرعية الدستورية تحت قوة الأمر الواقع المسنود بامكانيات الدولة ( جيش ، مال عام ، وظيفة عامة ) .

 

- ضرب الحراك الجماهيري السلمي المتصاعد والرافض لحكم الاستبداد والفساد واستهداف الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية بالدرجة الأساس

ان وطننا في وضعه الحالي لم يعد يحتمل مزيد صفقات اضافية وعليه فان المسؤلية الوطنية تستدعي من كل الفعاليات السياسية افشال صفقة الأنسي- صالح وهذا يتطلب من الاحزاب والقوى السياسية أن ترفضها نهائيا وأن تضع الحقائق أمام الشعب وتكشف الأطراف والجهات التي تقف وراء حكم الاستبداد والفساد وتسنده وتتحالف معه على حساب تدمير البلد، واذا كان حزب الاصلاح يريد ان ينجر وراء الصفقات فلينجر وليجرب مرة اخرى وثانية وثالثة طعم التحالف الاستراتيجي مع الحاكم ولكن النتائج معروفة ومحددة سلفا والرئيس صالح نفسه اعترف بأنه ظل يستخدم الاصلاحيين مجرد كروت.

ان وقوف كتلة الاصلاح البرلمانية الى جانب الصفقة وتأييدها للتعديلات الانتخابية انما يكشف هذا الموقف عن أبعاد الصفقة الحقيقية بين الرئيس صالح و حزب الاصلاح الذي تريد قياداته الانتهازية جره مرة أخرى الى صف الحاكم وتحالفاته الاستراتيجيةمقابل وعود رئاسية بمصالح وامتيازات لن يتحقق منها شيئا وتجربة حرب صيف94 على سبيل المثال لازالت شاخصة، وفي حالة انجرار حزب الاصلاح مرة ثانية الى مربع الحاكم فأن هذا بكل وضوح يعني اصطفاف حزب الاصلاح الى جانب الحاكم ضد الشعب ومعاناته وتسخير امكانيات الحزب لأن يكون مجرد كرتا أو أداة لتنفيذ أجندة الرئيس الصالح المتمثلة في ضرب النضال السلمي ومحاصرة الحراك الجماهيري واستهداف القضية الجنوبية بالدرجة الأولى

وأحزاب اللقاء المشترك هي المعنية قبل غيرها برفض وافشال هذه الصفقة التي ستكون هي النهاية الحقيقية لائتلاف اللقاء المشترك في حالة نجاح الصفقة لأن اللقاء المشترك انما قام على أساس اصطفاف مجموع أحزابه السياسية على مجموعة قيم ومبادئ تنشد الحرية والديمقراطية و الحياة الانسانية الكريمة لأبناء الشعب والدفاع عنها في مواجهة نزعات الفردية والتسلط والاستبداد فعندما تتعرض هذه القيم التي قام عليها تكتل المشترك للضرب والتدمير من الداخل بواسطة صفقات انفرادية تقايضها بمصالح وحسابات انانية وشخصية ضيقة وخاطئة فان الحاجة تفرض على أحزاب المشترك أن تنكر وترفض هذه الصفقات بكل وضوح وشفافية دفاعا عن كينونة ووجود اللقاء المشترك ووطنيته ومصداقيته وقيمه ومبادئه التي تأسس عليها

اننا نحذر أحزاب المعارضة من الاستجابة بأي شكل كان لصفقة الأنسي- صالح لأن هذه الصفقة فرطت بمطالب الناس وبمعاناتهم وقضت على ماتبقى من ثقة بأحزاب المعارضة وبرامجها التي ظلت تدعو الى اصلاحات حقيقية في المنظومة الانتخابية ونجدد التحذير مرة ثانية وعاشرة وألف من أنه اذا مررت هذه الصفقة فانها ستكون انتحارا لأحزاب المشترك لأن نتائجها ستكون كارثية على كافة المستويات حيث ستكون مخرجات الدورة الانتخابية القادمة محسومة سلفا بنفس الشروط والاليات المعتمدة في الدورات السابقة والى جانب هذا ستتراكم المزيد من عوامل الاحباط واليأس وفقدان الشعب لثقته بالانتخابات كوسيلة سلمية للتغيير والاصلاح الى جانب فقدان ثقته بوطنية أحزاب المشترك التي تساوم الحاكم بمعاناة وعذابات الناس بمقابل صفقات انفرادية مرتبطة بمصالح شخصية وحزبية أنانية.