الإسلام السلمي نجاحاته ومهدداته
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و يومين
الإثنين 28 مايو 2007 04:01 م

مأرب برس - خاص

ليس سراً الزعم بأن الأنظمة الاستبدادية هي صاحبة اليد الطولى في دعم جماعات العنف المسلح والتمكين لها من ناصية المجتمع ومؤسساته ، وقواه الحية والخيّرة ، وأحزابه المعتدلة ، ولعل الصورة تبدوا في الوقت الراهن أكثر وضوحاً على الصعيد اليمني ، حيث كشفت أحداث صعدة هذه الحقيقة ، وكما نراه مجدداً من دعم النظام للطائفة الإسماعيلية بصناعة الأجواء الملائمة لهذه الطائفة رغم ما تشكله من خطر على الدولة والنظام والمجتمع ، وما تحمله من أفكار ورؤى ضد أمن وسلامة البلد والوطن .

كذلك هي الصورة الحمراء في الجزائر التي أريقت فيها الدماء أنهاراً ، وذهب ضحايا العنف المسلح في هذا البلد مئات الآلاف ، كانت فرنسا بحقوق إنسانها وطابورها الخامس في الجزائر هي وراء هذه الأحداث المأساوية.

كذلك هي الصورة في العراق عبر فرق الموت التي تحظى بدعم إيراني كبير ، وتأييد ومباركة أمريكية كريمة بالطبع .

والأمثلة كثيرة في هذا المقام والصدد ، لا نود الاسترسال فيها أكثر مما يجب .

بيد أننا نود أن نؤكد أن العنف والإرهاب صناعة الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية والاستعمارية، بالدرجة الأولى، فهي التي تغذي هذه الأعمال التخريبية والإرهابية ، كما يسمونها ، لمواجهة الإسلام السلمي، الذي أثبت فعاليته وقوته وانتشاره ، بشكل لا يسر خواطر هذه الأنظمة الاستعمارية والاستبدادية.

 أزعم أنّ الإسلام السلمي القائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة إستطاع التوسع والانتشار على الأرض ، وحقق كثيراً من الوعي واليقظة لدى الشارع الإسلامي والعربي ، وأنتج كثيراً من المكتسبات والإنجازات ، عل كل الصعد والميادين داخل الأمة الإسلامية وخارجها ، وليس هذا عنه ببدعة ، بل تلك هي طبيعة الإسلام الحقيقية ، التي اقتضت ذلك ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208 .

والسلم المراد به هنا الإسلام أو المسالمة كما أشار إلى هذا أئمة التفسير في تفاسيرهم .

إن قراءة عابرة وسريعة للفرق والمذاهب والحركات الهدامة على سبيل المثال في الجزيرة والخليج قبل خمسين سنة مثلا وما عليه حالها الآن ليختلف اختلافاً هائلا ، فما كان لهذه الفرق والحركات أن تتوارى خلف الشمس ، لولا الإسلام السلمي المعتمد في الخطاب على الإقناع والهدوء والعقلانية والرشد ، والقائم على تحطيم الوثنية في الصدور والعقول والأفكار والمناهج والنفوس ، قبل تدميرها وتفجيرها على الأرض ، إنه منهج يقوم على الإصلاح من داخل النفوس والضمائر لا من خارجها ، كما أنه لا يهدف للانقلاب على الحكومات والسلطات بقدر ما يحرص على إيصال الحجة والهداية والنور إليها ، وكما قال بعض حكماء هذا التيار: "إن الإسلاميين يهدفون إلى إيصال الإيمان إلى الحكام أو إيصال الحكام إلى الإيمان" .

إن سطراً من الكتابة الواعية الهادئة أو أنشودة أو مسرحية إسلامية أو شريطا إسلاميا هادفا ، أو خطبة غير متشنجة ، أو حتى لباساً هادئا غير ثائر ولا عنيف ، أفضل ألف مرة من ألف رصاصة طائشة ، لا تريق دماءاً فحسب بل تهريق جهودا وحقباً طوالاً من العمل والبناء والدعوة.

إن ما نراه من عمليات تخريبية في البلاد الإسلامية والتي تستهدف المسلمين الآمنين ، لا غرض من ورائها سوى إجهاض المشروع الإسلامي وتأخير القافلة وعرقلة سيرها ، ومضايقة أعمال البر والخير والدعوة وتشويه الزخم الإسلامي الرائع ، الذي يحسدنا عليه سدنة التطرف والغلو والإرهاب الغربي والأمريكي .

لقد كانت اليمن والجزيرة والخليج كمثال ونموذج حي لنجاح هذا الطريق الرباني ، إنها كانت تعج بالخرافات والصوفيات والحركات الهدامة ، لقد كان السادة المتصوفة وإلى عهد قريب يطوفون قرانا وعزلنا اليمنية ، لجباية الأموال والهبات ، ويأخذون أحسن ما لدينا من سمن وعسل وأنعام ، باسم الدين ، دون نكير أو استنكار من أحد .

 وكانت الشيوعية الحمراء تعبث بأفكار أبنائنا وثقافتنا وأخلاقنا وديننا ، والباطنية والإمامية الإثناعشرية من جانب آخر ، تسيطر على مساجدنا وأئمتنا وخطبائنا ومدارسنا ومحاكمنا الشرعية ، والعلمانية تستحوذ على جامعاتنا ومراكز أبحاثنا ، وبنوكنا ، وثرواتنا ، وإلى عهد قريب تجبرنا على التعامل بالربا ، ولم يكن يدور بخلد أحد أن تكون تجارته إسلامية بعيدة عن الربا والحرام ، كما أن مجتمعاتنا وشبابنا تختطفتهم أيدي العبث والفساد ، أما جيوشنا فحدّث ولا حرج ، إلى غير ذلك من الصور التي يطول تناولها.

لقد أحدثت الدعوة الإسلامية الهادئة والرشيدة والمنضبطة بأصول الكتاب والسنة والمتدرجة والواعية إنقلاباً فكريا هائلا ، وثورة صامتة ، أثمرت المئات بل الآلاف من حملة الدكتوراة والشهادات العلمية العليا ، وانتشر الحجاب الإسلامي في كل دوائرنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الرسمية ، وتحولت قرى ومدن كثيرة من المذاهب الشيعية والصوفية والعلمانية إلى سنية صافية ، لقد تحولت بعض القبائل اليمانية بأسرها في صنعاء وذمار وعمران وصعدة من شيعية إلى سنية ، كما هو الأمر أيضاً في نجران والبحرين والكويت ، وغيرها .

إن جامعات وبنوكا ومؤسسات وشركات عملاقة ومدارس وأمن وجيش وقنوات فضائية وأرقام مذهلة يعجز القلم عن حدها وتحديدها ، ما كانت لتوجد لولا دعوة الإسلام السلمي البعيد عن لغة العنف والدماء والتشنج المقيت ، الذي يحلوا للبعض أن ينهجه ويتدثر به .

على أنّ هناك حركات إحيائية لبعث هذه الدعوات ، بدعم إيراني أو أمريكي أو صهيوني ، وبصوت عال ، من جديد ، لكنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر أثر دعوة الإسلام السلمي في التأثير والبناء والإصلاح .

إن هذا النهج السلمي الوسطي المعتدل في الدعوة الإسلامية المعاصرة تلوح في الأفق بعض المهددات له ، من أهمها:

1) الثقافة الأمريكية الوافدة من خلف المحيطات والبحار عبر الفضائيات ومواقع النت الإباحية ، وعبر الجمعيات والأقلام الأمريكية في المنطقة ، والتي تبشّر صباح مساء بالأمركة والجحيم الأمريكي المنتظر .

2) أعمال العنف والتخريب والإفساد باسم الجهاد والإصلاح ، والتي هي أيضا صناعة النوع الأول الذي ذكرناه .

3) بعض الأفكار المتطرفة ، التي تتبنى لغة المعركة الشاملة مع كل أحد ، دون استثناء ، ولا تؤمن بالشورى والسلام والحرية والتنظيم والتخطيط والأعمال المدروسة والمتأنية ، بل تعتمد الفوضى والهوشلية ، والخطاب العاطفي ، دون الرقمي الصحيح .

4) الأنظمة المستبدة التي تمارس سياسة التجويع والتجهيل والتضليل على شعوبها ، فأزمة كالأزمة اليمنية الراهنة مع الحوتي الذي يكاد يبتلع الخزينة العامة ، بل والبلد ، ما كان ليكون لو أن الحكومة الرشيدة نشرت العلم والتعليم المستنير ، والكهرباء والخدمات العامة في هذه المدينة المنكوبة ، منذ قرون .

5) بعض الليبراليين من القوميين والوطنيين وبعض الإسلاميين الذين يُنَظّرون للمشروع الأمريكي من حيث لا يشعرون .

6) المدارس الفقهية المذهبية التي تفرض على نفسها التقليد الأعمى وتقف في وجه الاجتهاد الشرعي المنضبط ، ووجه الخطر فيها هو الجمود وتقليد مذهب الشيخ ، وحسبك بها بيئة صالحة للأفكار المنحرفة . 
 

 

 على أنه ورغم كل المهددات يبقى القول الفصل بأن الإسلام السلمي هو المنهج الأصوب والأرشد في التغيير والبناء والإصلاح الشامل ، ولا يعني هذا أيضاً تجريد الإسلام من عنصر القوة والمنعة ، بل طبيعة الإسلام تفرض الاستعصاء والقوة ومجابهة البغي والعدوان والظلم ، أياً كان ، وإلا صار الإسلام صورة أخرى مكررة من المسيحية المحرّفة أو الكهنوتية والتخريف .

والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.