هل هناك من مؤامرة؟؟
بقلم/ جمال الهنداوي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 14 يوماً
السبت 15 سبتمبر-أيلول 2012 06:47 م

نظرية المؤامرة ككشك الجرائد,لا بد أن نمر عليه كل يوم لنطالع العناوين حتى لو كنا نعرف الأخبار,فهي العادة,أو التطبع الذي يجعلنا نتحمل الترحيب المبالغ به من بائع الصحف عندما تكون صورنا في الجريدة,ولكننا قد نجد لأنفسنا عذرا هذه المرة بعدم الاكتفاء بالنظرة العجلى المعتادة بسبب الوفرة -الزائدة عن الحد- للمعطيات التي تزدحم وتتشكل منذرة بالمزيد من الوقائع والمآلات التي قد تفضي إليها الأمور مع انتشار الفلم المسيء لمقام الرسول الكريم (ص), والتي هناك العديد منها-او جلها- يصلح لكي نمارس معه هوايتنا الأثيرة في سوء الظن.

فمن الصعب مقاومة النفس الأمارة بالبحث عن المؤامرة وسط كل تلك الشواهد التي تطل علينا برأسها في خضم هذا التسارع اللاهث الحثيث والتي قد يكون أولها الأنباء التي تحدثت عن طريقة إنتاج تلك اللقطات التي عرضت على أنها جزء من الشريط المسيء والسرية المطلقة التي تم تصويرها من خلالها واستخدام التدليس مع الممثلين وغموض شخصية الجهة المفترضة بالإنتاج والتي بدت كأنها اقرب إلى تقنيات العمل الاستخباري منها إلى عمل الهواة الذي يدل عليه هزال الشريط وضعفه الإنتاجي وسطحيته وإسفافه , وكذلك التوقيت الذي وائم بغرابة مفرطة ما بين ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول وبين شريط بقي مرميا على قارعة الشبكة العنكبوتية لأكثر من شهرين, وهنا قد تكون الصدفة, وقد يكون تزامنه مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية صدفة أيضاً, ولكن ما يثير الاهتمام-او قد تكون الريبة- حقا هو اقتصار الغضب الجماهيري –بصورته الصدامية المنفلتة –على دول الربيع العربي او تلك التي على قائمة الربيع,والاهم ,وما يجب ان نضع تحته الكثير من الخطوط, هو التسابق الواضح للتيار السلفي في تصعيد الموقف نحو التأزيم الكامل الحارق لجميع الخطوط في الدول التي يحكم فيها الإخوان او ينشط فيها \"التأخون\" , مقابل سكون نفس التيار و\"حضاريته\"في الدول المتأسلفة او الممولة والباثة للفكر السلفي, ونحن لا نحتاج إلى نظرية المؤامرة لنعرف ان حركات الإسلام السياسي لا تغضب إلا بأمر ولا ترضى إلا بأمر ,ولا تصعّد ولا تهادن إلا بأمر..

هذا قد يكون بالتحديد مافهمته حركة النهضة التونسية ودفعها لإصدار\" تعليمات لأنصارها بعدم تنظيم احتجاجات على الفيلم الأميركي المسيء للرسول\",وهو نفس ما دفع \"الجماعة\"في مصر إلى التراجع عن \"مليونيتها\"التي دعت إلى تنظيمها في جميع أنحاء مصر,وهو ما كانت تقصده بـ\" تطور الأحداث في اليومين الماضيين\",وما جعلها تأخذ التقارير التي أشارت إلى وجود مؤشرات-خارج نظرية المؤامرة- إلى أن الهجوم الذي استهدف القنصلية الأمريكية كان مدبرا و\" مخطط له مسبقًا، وأن المنفذين استغلوا بدهاء ومكر التظاهرة التي كانت محتشدة أمام مبنى القنصلية\"و\"أن المنفذين قاموا بما هو أشبه بالمناورات العسكرية\".

وهنا قد يكون السؤال الأصعب حول ان كان هذا الشريط وكل تلك البراكين التي أثارها مجرد محاولة لإرسال رسائل معينة إلى الولايات المتحدة تتعلق برهانها السياسي والأمني في دول الربيع العربي, وخطر الاعتماد على الحركات السياسية \"التي كانت مكبوحة الجماح بفعل الأنظمة الديكتاتورية التي أطاحت بها ثورات العام الماضي\",أم هو فقرة من التسابق نحو حجز المساحات السياسية المحتدم بين الإخوان والسلفيين ,وان كان كذلك, هل سيكون هذا السجال مقدمة لحرب اسلاموية\"ساخنة\" للسيطرة على مساحات اكبر من الأرض والرضا الأمريكي المنشود.

والاهم,هو هل هناك\"مؤامرة\"مسبقة تجلت في \"صناعة\" الشريط او انه انتهاز لفرصة سفحتها الهدهدة المتقادمة للأحقاد والكراهية التي تعتمل في نفوس الجهات القائمة على إنتاجه وترويجه.ولماذا لم يتم التعتيم عليه مثل الرسوم المسيئة بل تولت العديد من المواقع العربية مهمة تيسير الحصول عليه بيسر وسهولة تثير الظنون..

قد نتفق أن هذه التساؤلات قد تعتمد كثيرا على الهواجس في مقاربتها ولكنه مما لا ينكر ان هناك الكثير من المعطيات التي قد ترفعها إلى مستوى الاستقراء المنطقي وان بعضها قد نصل بها إلى إمكانية التحقق استنادا إلى تجاربنا الطويلة مع قوى الإسلام السياسي وتقنيات الأنظمة الديكتاتورية المستبدة..

لا نملك إجابات واضحة, وقد لا نتحصل عليها قريبا, ولهذا فإننا لا نملك أمام هذه التداعيات سوى إدانة أي محاولة للإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وان نتمنى أن لا يؤسس على هذه الممارسة البشعة ما تستثمره القوى المعادية لحرية الشعوب في جهدها اللجوج في اختزال الأوطان وأحلام الشعوب في معركتها الطويلة ضد الحرية والعدالة والمساواة.ونرجو ان لا يكون هناك من مؤامرة حقيقية وراء ما يجري.