ليس دفاعا عن الاشتراكي ولكن إنصافا للحقيقة
بقلم/ محامية/ليندا محمد علي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
السبت 21 يوليو-تموز 2012 09:31 م

نعم يجب الاعتذار للجنوب! ومن لم يرد الاعتذار للجنوب فهو إنما يمجد القتل والنهب والسلب،فعندما تقدم الحزب الاشتراكي بنقاطه الاثنتي عشر لم يكن يمارس عملا تعجيزيا ضد أحد،بل كان يطالب بإنصاف الحقيقة والتهيئة للمصالحة الوطنية ولم يكن من الطبيعي ونحن على وشك البدء بحوار وطني ان يتم الإبقاء على مفهوم "أن اجتياح الجنوب في حرب 94 هو عمل وطني وتعميد للوحدة بالدم"، . . انظروا الى بشاعة التعبير "الدم" هذا الدم الذي يوحي بالانتقام والقهر والإذلال والاضطهاد وتبرير المذابح التي ارتكبت بحق الجنوب، ولماذا ينكر على الجنوبيين هذا المطلب إذا كان قادة حرب 94 أنفسهم قد اقروا بأن هذه الحرب كانت استعمارا للجنوب وهذا ما اتى على لسان اللواء علي محسن الأحمر أحد كبار القادة العسكريين في تلك الحرب وهو اعتراف يستحق عليه الشكر، وهناك الكثير من الشخصيات الوطنية التي اعترفت بذلك، فلماذا نشاهد بعض الكتاب والكاتبات من المحسوبين على حزب الإصلاح يظهرون للمهاجمة في هذا الوقت الذي من المفترض تهيئة الأجواء فيه للحوار الوطني؟ ولماذا ينكرون هذه الحقيقة؟ هل همأعلم بالحقيقة من قادة الحرب أنفسهم؟بينما كان هؤلاء الكتاب في البيوت لا يعلمون شيئا عن تلك الحرب.

إن كل ما تم بعد حرب 94 من نهب وسلب واغتنام لكل ثرواث الجنوب وأراضيه وتدمير بنيته التحتية وإيقاف مينائه العالمي وتحويله إلى مستودع والغاء مطاره الدولي ونهب شركة طيران اليمدا وشركة النفط الوطنية وغيرها من شركات القطاع العام،ونهب مزارع الدولة والممارسات العنصرية تجاه الموظفين الحكوميين من تسريحهم وإذلالهم وفي أحسن الاحوال تحويلهم إلى مدربين للموظفين الآتين من أنصار النظام وتلقينهم كل الخبرات ثم يصبح هؤلا المتدربون هم المدراء على أصحاب الكفاءات والخبرات، فضلا عن ظواهر الاغتصاب وقتل المواطنين الجنوبيين وانتشار الثقافة التحقيرية تجاه ابناء الجنوب ـإن كل هذا يؤكد أن هذه الحرب لم تكن بهدف الوحدة أو من اجل الشريعة الإسلامية كما روج لها زعمائها آن ذاك (المؤتمر والاصلاح ) والا لما شاهدنا كل هذا النهب والسلب لأموال المسلمين ولما افتتح عشرات الكباريهات في عدن وكان يؤتى بالعاهرات والمنحلين من المحافظات التي يدعي قادتها حمايتهم للشريعة ويمارس الموبقات باسم ابناء عدن، فأين كان من ادعوا أنهم اجتاحوا الجنوب لنصرة الشريعة؟ولماذا صمتوا عن تلك المسالك؟الأنهم هم أصحابها أم أن من مارسها كانوا شركائهم ولهذا غلبت المصالح واقتسام الغنائم في الأموال والأرض على مصالح الدين والوطن؟ وأقول لهؤلاء الكتاب الذين تحولوا فجأة الى منظرين ومحللين يهاجمون الجنوب والحزب الاشتراكي دون علم او وعي: اعلموا جيدا إنكم لا تمتلكون أي ثقافة أو معلومة عن تاريخ الحزب الاشتراكي أو عن الجنوب ومراحله وانجازته ومنها قيام دولة القانون والعدالة الاجتماعية وذلك لأن البعض منكم عندما اتت الوحدة المزعومة كانما يزال في مراحل الطفولة المبكرة،وعندما أتت حرب 94 منع تدريس تاريخ الجنوب ومنع نشر الكتب المتعلق بهذا التاريخ، وإلا لكنتم علمتم بأن الجنوب دخل الوحدة برصيد مالي يبلغ ملياري دولار، بينما كانت المؤسسات الدولية ترفض الشيكات المحولة من صنعاء لأنها بلا رصيد، حيث إن نظام صالح قد دمر بعقليته الإقطاعية اقتصاد الجزء الشمالي من الوطن،وليس كما يدعي هؤلاء الكتاب أن الجنوب دخل الوحدة هروبا من الانهيار وإلا لما وجد المنتصرون في حرب 1994م تلك الكنوز الهائلة التي أصبحوا بفضلها مليارديرات بين عشية وضحاها، وعليهم أن يعلموا أن الجزء الشمالي من الوطن لم يكن سويسر أو ألمانيا أو اليابان حتى يهرب إليها الجنوبيون، ولكنه وطننا الذي أحببناه.

ولا ننكر أنهم (أي الاشتراكيين) كبشر أخطأوا،فالسواد الأعظم من الجنوبين يعتبرون أن من أبرز أخطاء الحزب الاشتراكي هو الدخول في الوحدة دون ضمانات وهو ما يؤاخذ عليه حتى اليوم، بينما نجد هؤلاء الكتاب يتهمون هذا الحزب بالانفصالية وأن له مشاريع خاصة على حساب الوحدة.

وأقول لهؤلاء انه ليس من العيب عندما نقدم على كتابة مواضيعنا أن نتحرى الصدق في كل حرف وأن نمرن أنفسنا على الحيادية وأن لا نعتمد على ما نسمعه من أقاويل تلقن في الظلمات فقط لأننا اختلفنا في الآراء فيتم استخدام الكُتّاب كوسيلة هجوم لصالح أحزابهم فقط للدفاع عن المنافع الشخصية لبعض الأفراد في هذا الحزب أو ذاك،وما يؤكد أنتلك الكتابات تفتقر للصحة وأنها كتابات مؤدلجة هو ادعاء كتابها أن الحزب الاشتراكي هو من بدأ بالحرب في 1994م، مع العلم أنه قد جرى استجلاب الجماعات الجهادية من أفغانستان وفتح المعسكرات لتدريبها استعدادا للحرب على الجنوب، وإنبن لادن شجع ودعم الحرب على الجنوبين بحوالي مليار دولار لشريكي الحرب، وهذا ما أكدته وكالات الأنباء العالمية ووثائق ويكيليكس، وقناة الجزيرة .

ولم يقف التلاعب على الحقائق عند هذا الحد بل راح هؤلاء الكتاب يهاجمون الآخر بأنه متخبط وغير وطني وله طرق احتيالية وأنه متآمر مع ايران والحوثين وهي تخرصات لا دليل عليها، ولم يحدثنا هؤلاء عن أخطاء أحزابهم وتحالفاتها التي حققت من ورائها مكاسب اقطاعية في الجنوب لهذا هو لايراد أن تقوم للقضية الجنوبية قائمة حتى يبقى هؤلاء مستأثرين بما استولوا عليه من ثروات الجنوب، لهذا ضايقهم مطالبات الحزب الاشتراكي بإحقاق الحق لأهله وسيظل هؤلاء يهاجمون كل من يطالب بإعادة حقوق الجنوبيين لأن هؤلاءمازالوا يتمتعون بدر الأموال التي تنهال عليهم من مجموع ما اغتصبوه من ممتلكات الجنوبيين دون وجه حق.

إن هذه المصالح التي تحققت لهم بطرق غير شرعية ستقودهم للهجوم على الجنوب دفاعا عن مصالحهم الأنانية وحبا لذاتهم على حساب البسطاء والفقراء أصحاب الحق، كما إن هؤلاء الكتاب عندما يحدثوننا عن العمالة لم يخبرونا عن تقاضي زعمائهم لعطاءات مالية ورواتب شهرية تصل إلى مئات الآلاف من الريالات السعوية، ولم يخبرونا عن تواطؤات بعض تلك الزعامات على الشعب اليمني ومساندتهم لنظام صالح لآخر دقيقة والصمت على الظلم بل وشرعنته تحت مبررات دينية تم التلاعب بها لتركيع الشعب اليمني، وإنهم فقط التحقوا بالثورة عندما تأكدوا انه لاعودة عنها، والا لما اتى بعض (علماؤهم) في المساء يضغطون على المشترك لسحب قواعده من الساحات ويقولون عليكم احترام كرامة الرئيس ثم عندما رفض طلبهم ذهبوا وأعلنوا تأييدهم للثورة في صباح اليوم التالي، هذا يظهر مدى النفاق في سلوك تلك الأحزاب.

إن منطق الحياد يقتضي قبل أن ننظف الغبار من على أبواب الآخرين أن ننظف الأوساخ والقاذورات التي داخل بيوتنا، فلا ترمبيوت الناس بالحجارة وبيتك من زجاج، وإذا كان هؤلاء يستكثرون على الجنوبيين تقديم حلول للقضية الجنوبية بتهمة أن الجنوبيين يريدون تفصيل القميص على مقاسهم،فمن باب أولى لايحق لهؤلاء،البعيدين عن معاناة الجنوبيين، تفصيل قميص الجنوب على مقاسهم هم، كونهم الجناة والجاني بالطبع لا يحق له الحديث نيابة عن الضحية.

 إن أسوأ ما في تلك الكتابات هو أنها تتعاطى مع الجنوب باستعلائية واستكبار، ولا يتم تناول الجنوب إلا كمزرعة لإنتاج السلبيات والخطايا وهو نفس انفصالي أكثر من الدعوة إلى الانفصال، ويضع مصداقية أدعياء الوطنية والوحدوية في خانة العداء للوحدة وللوطن، وهذا هو الانفصال بعينه.

من المؤلم انه بعد قيام الثورة نجد بروز أعمال رخيصة تهدف لحماية مصالح ضيقة شخصية على حساب مصالح اليمن الكبير، لقد صدمت بظهور كتابات تشع شرارا بالتهم والتكفير والسب والشتم ووصف الآخرين بأوصاف جارحة مثل العمالة والتآمر، . .إن مثل تلك الثقافة هي التي دمرت اليمن، ثقافة انك ان لم تكن معي فأنت ضد الله والوطن وخطورة تلك الثقافة في انها تحرم على الآخرين الاختلاف مع صاحبها لمجرد ان هذا الاختلاف لا يناسبه ولا يأتي على هواه فهذه العقلية هي عقلية عنصرية خطيرة لأنها تصور لمعتنقيها أن من يخالفني يجب اجثاثه من الحياة ومهاجمته واعتباره عميل وليس وطنيا لمجرد انه لم يرغب بمسايرتي في مزاجي وأهوائي، فهي خطيرة بما تبرره من وسائل لتكفير الآخر وبالتالي لتبرير قتله أو إقصائه كما إن خطورتها تكمن بأنها تجعل صاحبها يجد لنفسه حق القداسة على الآخر في كل ما يريد هو بالتالي يجب على الآخر أتباعه دون أي مناقشة أو تفكير وإلا فان سلاح التكفير والوصف بعدم الوطنية والعمالة سيقف له بالمرصاد.

 ان هذا الأمر يضر بالوطن لانه يجعل أمثال اؤلئك الأشخاص لايرون إلا مايريدون مهما تكن الخسائر فادحة، ولايعترفون بالآخر شريكا بل لايسمحون له سوى بلعب دور التابع وهذا النوع من الناس لايستطيع أن ينسج سوى خطاب عدواني عنيف يعتمد على التنكيل والسب والقدف على الآخر لمجرد أن هذا الآخر لا ينتمي إلى فريقه، ونقول لمثل تلك العقليات وكتابها إنه من السهل ممارسة تلك الثقافة عليكم كما تمارسونها على الاخرين فاذا ما اعتمدتم في أسلوبكم على إلصاق التهم والأقاويل على الاخرين جزافا، فمن السهل أن يشرع الآخرون في البحث عن تاريخكم وسيجدون الكثير من العيوب والخطايا التي ترى بالعين المجردة والتي تدينكم بأكثر مما تدينون به الآخرين، لهذا نقول لهذا النوع من الكتاب أن هذه الأساليب لن تفيد اليمن في شيء، ومن اليسير شتم الآخر ولكنه ليس من الأخلاق ان نتجاهل ونخفي عيوبنا ونمضي في الوقت نفسه في القذف ورفع السيوف والمشانق للآخرين بدلاً من الوقوف على مصالح الوطن، ويجب في هذه المرحلة بالذات الدفاع عن الوطن لاعن بعض الأطراف في داخل هذا الحزب او ذاك.

إننا هنا لا ندافع عن الحزب الاشتراكي ولكننا أردنا أن نتصدى لثقافة الإقصاء والتزييف التي تبرز كلما تحدث الناس عن مظالم الشعب اليمني شماله وجنوبه، وكشفوا للجناة حقيقتهم وعروهم أمام الرأي العام، وبصروهم بما يجب عليهم عمله للتكفير عن خطاياهم إنصافا للضحايا وإحقاقا للحق.

إنه من السهل ان نجد انتصارات وهمية تشفي رغباتنا وأهوائنا ولكنها لا تفيد الوطن بشيء ولا تقدم سوى المزيد من التمزيق للحمة الوطنية التي هي أحوج ما تكون إلى مزيد من التماسك وتطبيب الجراح، وحشد الطاقات للنهوض لا للتفكيك وتصفية الحسابات.

*محامية وناشطة حقوقية