من وحي تفجير السبعين

إفسادٌ لفرحة الاحتفال بعيد الوحدة بدون نظام صالح ؟ّ! أم إلغاء لنشوة النصر على تنظيم القاعدة في ظل حكم هادي ؟! .. أستيقظ الشعب اليمني على حادث أجرامي في ميدان السبعين أدمى العيون كما أدمى القلوب أدى الى استشهاد ما يقارب المائة جندي وإصابة أكثر من ثلاثمائة جريح في عمل بروفات الاستعراض العسكري أحتفاءاً بالعيد الثاني والعشرين للوحدة اليمنية..

رغم أن رائحة تنظيم القاعدة تشتم من على مسافة واقعة بين مرحلة الاعداد الى ساعة التنفيذ إلا أن أكثر من علامات الاستفهام ترتسم في أفق الميدان ملقية بظلالها في ساحات الأمن المركزي والقوات الخاصة بمكافحة الإرهاب والحرسين الخاص والجمهوري متساءلة عن مسئولية أولئك في توفير واجب الحماية الأمنية للميدان الواقع في اطار جيش الأسرة الحاكمة طيلة 33عام , ما يحتم علينا الوقوف للبحث في تفاصيل هذه الواقعة من خلال سبر أغوار معرفة طبيعة العلاقة بين نظام صالح وتنظيم القاعدة , هذا التنظيم الذي مثل الورقة الرابحة بيد صالح سواءاً وهو في سدة الحكم كرئيس دولة أو في خارج السلطة كرئيس عصابة والفزاعة الأنجح في تخويف الخصوم المحلية واستدرار أشكال الدعوم الإقليمية والدولية ..

القاعدة كسلطة حاكمه

أتخذ صالح سياسة اللعب بالأوراق كوسيلة من وسائل الاستمرار في الحكم ولم تكن ورقة القاعدة إلا أحد تلك الأوراق التي أجاد صالح ألعب بها على طاولة الاحتفاظ بالسلطة ردحاً من الزمن بعد أن نسج خيوطاً من علاقة التعاون مع تنظيم القاعدة التي كان يطلق عليها بالأمس الأفغان العرب فاتحاً ذراعيه لهم إبان سقوط الاتحاد السوفيتي نهاية حقبة التسعينيات من القرن الماضي , ويؤكد الكثير من المراقبين أن العلاقة بين صالح والقاعدة أخذت مساراً في التأصيل والتجذر بين الجانبين الى درجة طبقاً لبعض المصادر أن يعرض زعيم القاعدة حينها أسامة بن لادن على نظام صالح تسديد العجز في ميزانية الدولة مقابل السماح لتنظيم القاعدة من الأراضي اليمنية لولا ان أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م افشلت الصفقة بين صالح والقاعدة ما قاد الى إرغام صالح على الرضوخ للضغوط الأمريكية بخصوص الحرب على الإرهاب ممثلاً بتنظيم القاعدة .. و عقب بروز ما يسمى بتنظيم القاعدة كمصطلح إرهابي متداول سياسياً وميدانياً على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م .. أجاد صالح العزف على أوتار محاربة الارهاب أو ما يسمى بتنظيم القاعدة كوسيلة ناجحة في كسب دعم الخارج لبقاءه في السلطة أومحاربة خصوم الداخل الذي ينازعونه إياها ..

بقدر ما نسج صالح علاقة تعاون مع القاعدة .. بقدر ما نسج علاقة من نوع مماثل مع الولايات المتحدة شكلت نوعاً من التحالف في مكافحة ما يسمى بالارهاب الذي مثل نافذة مشرعة الأبواب للفيد والارتزاق المادي والعسكري بذريعة مكافحة الارهاب .. وبمجرد ما أنكشفت أوراق صالح بالفشل في التحقيق الجاد بحادثة تفجير المدمرة الامريكية يو أس أس كول في خليج عدن سرعان ما أدرك الامريكان عمق تحالف صالح مع القاعدة حين لم يلمسوا نتائج على أرض الواقع تعكس جدية صالح في مكافحة الإرهاب ومنذ ذلك الحين حتى تغيرت سياسة واشنطن تجاه صالح الى درجة ذهاب المراقبين والمحللين السياسيين أن تكون الدولة الثانية بعد أفغانستان المرشحة لضربة عسكرية أمريكية .. وينطلق ذلك التحليل من منطلق الاستقراء لخطاب الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش بمناسبة مرور ستة أشهر على أحداث سبتمبر الذي قال فيه ( أن الولايات المتحدة تسعى لإنقاذ اليمن من التحول لافغانستان ثانية )..

وما أن شعر صالح بنوع من الفتور في الدعم الأمريكي المادي والعسكري لنظام حكمه حتى سارع على استعادة ذلك الدعم من خلال التلويح بورقة الإرهاب مجدداً , ولم يكن فرار ما يقارب خمسة وعشرين من عناصر القاعدة في الثالث من فبراير 2006م من سجن الأمن السياسي بطريقة لا يمكن وصفها إلا الاستخفاف بالعقول حينما تصرح وسائل إعلام محسوبه على نظام صالح فرار هؤلاء العناصر بواسطة استخدام أدوات الطعام الا كشف واضح لحجم التواطىء السلطوي لنظام صالح مع ذلك التنظيم , عزز ذلك التواطىء ظهور جبر البناء – على مرىء ومسمع من الجيش العائلي - في فبراير 2008م أمام المحكمة الجنائية الاستئنافية ومغادرة قاعة المحاكمة دون تحريك ساكن من قوات صالح المعنية بمكافحة الارهاب وهذا بطبيعة الحال ليست الا رسالة توبيخ للأمريكان وردة فعل لتقليص دعمها لنظام صالح ..

 القاعدة كثورة مضادة

لا يختلف الساسة أو العارفين بأروقة السياسة في كون أن يسعى رئيس دولة لإثبات مصداقية ما يتنبأ به أو يحذر منه كسياسة استجداء البقاء في سدة الحكم , فلا غرابة أن يكون ذلك هو علي عبدالله صالح الحاكم لليمن طيلة ثلاثة وثلاثين عاماً مجملها خطابات تحذير من أخراجه من السلطه كضمان لبقاء الوحدة واستمرار للأمن والاستقرار في البلاد دون تحولة الى العرقنة أو الصوملة مادام هو القابض بزمام السلطة والمتحكم بمجريات الأمور ...ولا غرابة أيضاً أن يكون ما يحذر منه هو تنظيم القاعدة صنيعة الامس متطلبات اليوم الذي ما فتي صالح أن يراهن على هذا التنظيم كورقة رابحة في بقاءه على رأس السلطة ليرأهن ايضاً على ذات التنظيم مع أختلاف طريقة الاستخدام باختلاف التحول والانتقال من من أطار التنظير الى صعيد الممارسة لأساليب ذلك التنظيم من باب كذب المنجمون ولو صدقوا ..

ودلالة ذلك التحول من أطار التنظير لتنظيم القاعدة الى صعيد الممارسة لأساليبه حينما يخاطب صالح خصومه بمساريهما السياسي والثوري بعد ما يقارب شهر من انطلاق الثورة الشعبية الشبابية السلمية معبراً بلسان حاله (أنا أتحداهم أتحداهم مرتين وثلاثة يستطيعوا يحلوا مشكلة حتى لو رحل الرئيس بعد ساعتين , إذا كنا شطرين في الماضي قبل 22 مايو سنصبح أربعة أشطار وهذا ما سيحصل ولن يستطيعوا يجلسوا إلا في العاصمة صنعاء أو محافظتين أو ثلاث , لن يكون معاهم الجنوب , لن يكون معاهم شمال الشمال ) , ومنذ أن أطاحت الثورة الشعبية الشبابية بصالح ونظامه ليتم الإطاحة بأقاربه وأبناءه بقرارات جمهورية لهادي الموكل بموجب تنفيذ المبادرة الخليجية إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية لا عائلية والمتعهد بالقضاء على تنظيم القاعدة .. حتى أصبح العالم شاهد عيان على التنامي الواسع للقاعدة في الجنوب وسيطرتها الشبه الكاملة على محافظة أبين بعد تخلي رئيس المنطقة الجنوبية مهدي مقولة - المحسوب على بقايا نظام صالح – ما بين غمضة عين وأنتباهتها عن معسكرات تابعة للمنطقة بكامل معداتها والياتها العسكرية لصالح ما يسمى بأنصار الشريعة .. ما لم يصحح لنا طبيعة سرعة التخلي وخفايا التنسيق هذا المفهوم او المصطلح من مسمى انصار الشريعة الى أنصار صالح أو قاعدة صالح أو ثورة صالح التي سعت بشكل أو بأخر لإقناع الداخل والخارج بمصداقية مائلات الأوضاع لبلد لا يتربع صالح على رأس سلطته..

منذ أن بسطت قاعدة صالح سيطرتها على مساحات شاسعة من محافظة أبين نظر كثير من المحللين السياسيين والمتابعين الدوليين للوضع في اليمن والمهتمين بشأنه أن تلك السيطرة من قبل ما يسمى بانصار الشريعة ليس الا محاولة لاجهاض الثورة الشعبية وتعطيل لمخرجاتها في أحسن الأحوال افتعال مشاكل تحول دون الانتقال الى النظام الجديد بشخوصة ومتطلباته الى أنقاض نظام صالح وانتهاءاً بعرقلة لمهام حكومة وفاق وطني ولهذا يرى عدد من المحللين أن تطهير محافظة إبين من رجس قاعدة صالح هو أختبار حقيقي في قدرة النظام الجديد ممثلاً بهادي وحكومة الوفاق الوطني الذي يحظيان بدعم محلي واقليمي ودولي القيام بمهامه في القضاء على الإرهاب وإحلال الأمن والاستقرار في البلاد..

في خطاب له امام تخرج عدد من القيادات العسكرية قبل ما يقارب اسبوعين .. دشن هادي المعركة مع القاعدة بخطاب يمتاز بلغة الواثق من النصر قائلاً ( أقول لهؤلاء القتلة الذين أساؤوا لديننا الاسلامي أن المعركة لم تبدأ بعد ولن تنتهي إلا بعد أن تُطهر كل مُديرية وقرية وموقع ليعود النازحين الى منازلهم أمنين مطمئنين) .. وترجمة لذلك الخطاب قاد وزير الدفاع حملة تطهير لتنظيم القاعدة في محافظة أبين ليسجل نوعاً من بطولات التلاحم مع اللجان الشعبية وبتعاون امريكي وبريطاني استدعاه التحالف الدولي في مكافحة الارهاب ..

 تفجير السبعين

ما يقارب من مائة شهيد وإصابة اكثر من ثلاثمائة جندي من أبناء القوات المسلحة والأمن حصيلة تفجير هز ميدان السبعين - الواقع بين فكي كماشة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب لأحمد علي نجل الرئيس المخلوع صالح وبين الأمن المركزي بقيادة أركان حربه يحي محمد عبدالله صالح – هذا التفجير الذي أفقد ذي العقول عقولهم من هول الموقف لم يخرج الا أن يكون إما تعبير عن افساد الفرحة بعيد الوحدة لوطن جسدتها ثورة شعب أندفنت على حناجر ثائريه دعوات الانفصال , أو إلغاء لنشوة النصر على تنظيم القاعدة التي لم يكن بمقدور صالح ونظامه أن يقف مكتوفي الايدي وهو يرى ورقته الرابحة تحترق ببرقيات التهاني والتبريكات المنهالة مبكراً عن توقيت الاحتفال بعيد الوحدة على هادي وعلى اليمن بدون نظام صالح وكأنها أعتراف دولي بالثورة أستوجب الدعم والتأييد لها بطريقة الاحتفاء بعيد الوحدة .. ما دفع بصالح أن يمكن بطريقة مشابهة لاخراج خمسة وعشرين عنصراً من تنظيم القاعدة أن يمكن التنظيم من اختراق صفوف بروفة الاستعراض بعيد الوحدة وعمل الانفجار كنوع من تحقيق انتصار على مرمى حجر من عقر دار من أنتصر على أنصار الشريعة وان لم يخونني اللفظ أنصار شرعيته ليبعث في نفس الوقت برسالة أخرى الى مؤتمر أصدقاء اليمن قُبيل 48 ساعة من أنعقاده بعدم جدوى دعم بلد غارق في الانفلات الأمني كغرقة في وحل التدهور الاقتصادي الذي يتطلب انتشاله من ذلك الوحل توفير قدر كاف من الامن والاستقرار و لايستطيع النظام الحالي لهذا البلد توفير الامن وحماية مساحة أقل من سبعه كيلو متر مربع هي مساحة ميدان السبعين ناهيك عن توفير ألأمن لبلد تقدر مساحته بخمسمائة وخمسة وخمسين الف كيلو متر توفرت له كامل الحماية الأمنية في ظل حكم صالح في أقل الظروف كعيد الميلاد ناهيك عن تامينه على مدى 33عام ..

 لكل جواد كبوه

بمنطق لكل جواد كبوة ترتسم بصمات المجرم على ساحة التنفيذ وبأساليب معروفه تكشف عن ديمومة الاعتماد في نفي التهم , فقبل يومين من الاحتفاء بعيد الوحدة وطبقاً لقاموس صالح الطبي في أن العمليات الجراحية تعالج حالة الإغماء .. يؤكد احمد علي قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب في موقع المؤتمر نت دخول أبيه مستشفى العرضي لإجراء عمليات تعالج حالة الإغماء التي يعاني منها والده وهو رئيس لحزب .. في الوقت الذي لا يلفظ بذي شفه عن الحالة الصحية لرئيس البلاد في حادثة النهدين حق لشعبه ان يعرف حالة رئيسهم..

ليس ذلك فحسب بل يصل الأمر حسب ما ذكرت بعض المواقع والمصادر الصحفية .. أن يفصح سلطان البركاني البوق الاعلامي لصالح وشيخ بلطجته بإمتياز عشية الحادث عن إحباط محاولة أنقلابية ومخطط تصفية لرجال الدولة وعلى رأسهم عبدربه منصور هادي .. والسؤال هنا ما هي الطريقة التي أحبط بها البركاني تلك المحاولة الانقلابية في استهداف رئيس دولة لا يحضر بروفة استعراض وما هي شواهد ودلائل إحباط تلك العملية الانقلابية التي لم يتطرق لها اي من الإعلام بمختلف وسائله وأنواعه.. في الوقت الذي شاهدنا حضوراً ملفتاً لقناة اليمن اليوم بكامل أدواتها الى ميدان السبعين كما كان حضورها في السابق الى مواقع واماكن ما دمرته عناصر تنظيم القاعدة في المناطق الجنوبية وكأنها رسالة انتصار للتنظيم خطتها حميمية العلاقة بين صالح والتنظيم لمخاطبة المعنيين الدوليين بضرورة بقاء نظام صالح مالم فعلى الباقي تدور الدوائر..

وختاماً فأنه يمكن القول إن أي عمل أجرامي كالذي حدث في السبعين ليس إلا تعبيراً عن الحقد المعتمل في صدور أرباب النظام السابق من منظور أن حدوثه في مكان كميدان السبعين المعروف بقربه من دار الرئاسة الذي ما زال أحمد علي نجل الرئيس السابق قابض على بعض من مفاتيحه , إضافة إلى كون هذا الميدان محاط من ذات اليمين وذات الشمال بالحرس الجمهوري والأمن المركزي والواقع تحت أنظار ورقابة الأمن القومي .. ناهيك عن السراديب التي تحت الميدان والتي تربط بين دار الرئاسة وجامع الصالح والأمن المركزي والحرس الجمهوري , رغم ذلك فأن أصابع الاتهام تشير بطريقة أو بأخرى الى صالح وأبناءه وأقاربه ولو في أحسن الأحوال بتهم التواطىء أو التسهيل لمثل هكذا عملية لم تحدث ميدان السبعين المحُاط بالجيش العائلي لحكم صالح كإحاطة السوار بالمعصم على مدى أثنين وعشرين عام من عمر الوحدة وأكثر من ثلاثة وثلاثين عام من جلوس صالح على كرسي الحكم في اليمن..

تأملات شعرية:

 رُبَّما الزاني يَتوبْ .

رُبَّما الماءُ يَروبْ !

رُبَّما يُحْمَلُ زَيتٌ في الثّقُوبْ !

رُبَّما شمْسُ الضُّحَى

تُشْرِقُ من صَوبِ الغروبْ !

رُبَّما يَبْرَأُ إبليسُ منَ الذَّنْـبِ

فيَعْفو عنهُ غَفَّارُ الذنوبْ !

إنَّما لا يَبْرأُ الحُكَّـامُ

في كلِّ بلادِ العُـرْبِ

من ذَنْبِ الشُّعوبْ !