سِرِّي للغاية
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 16 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الجمعة 12 ديسمبر-كانون الأول 2008 08:47 م
اكتشفنا يوم الأحد الموافق (2 /12/ 1429هـ) معلومة سرية خطيرة، إنها اكتشاف أسرار الكون، فقد زرت مع بعض الإخوة القبة الفلكية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولما دخلنا القبة أغلقت علينا ثم أظلمت ثم فتح لنا الكون، وقربت لنا النجوم والكواكب والنيازك وضخمت بواسطة جهاز ضخم، فرأينا السماء وأبصرنا بديع خلق الله وجميل صنعه وعظيم إتقانه وروعة حكمته، فوالله لقد أبصرنا ما أدهش العقل وأبكى العين وهزَّ النفس من أعماقها، شاهدنا المجرّات وهي تعمل بانتظام، رأينا النجوم وكل في فلك يسبحون، أبصرنا المذنّبات تسعى سعياً في خطوط مرسومة وحدود معلومة، اطلعنا على الشمس والقمر، وأحدهما يجري خلف الآخر لا يدركه ولا يصطدم به، والقارئ يتلو علينا في نفس اللحظة قول الباري: (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، شاهدنا منازل القمر حيث ينـزلها منـزلاً منـزلاً والله يقول: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)، قُرِّب لنا المريخ والمشتري وزحل وغيرها، وكلها تعمل بانتظام وتتحرك بحساب دقيق وتمشي بإتقان في مهمة محددة وبحكمة فائقة، يذهب السهم ليرينا الثريّا ومنازلها ثم يعود السهم إلى سهيل اليماني ثم يذهب السهم إلى مذنب طوله مائة مليون ميل كلما اقترب من الشمس ازداد شعاعاً، رأينا إقبال الليل وإدبار النهار وأبصرنا إطلالة الفجرِ على بعض دول العالم وغروب الشمس على دول أخرى، شاهدنا المهرجان في السماء كأنه حفل بهيج، الشمس ساطعة لامعة كأنها عروس حسناء تسرُّ الناظرين وتبهج المشاهدين، والقمر باسم وقور مشرق الطلعة كأنه ملك مهاب على عرشه، النجوم متناثرة كأنها حبات لؤلؤ على بساط أخضر، يا الله، يا للروعة، يا للجمال، يا للإبداع، يا للإتقان: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ). جلسنا على الكراسي ولما بدأ العرض وأغلقت القاعة وأطفئت الأنوار وشاهدنا روعة الكون وهوله وغصنا في أماكننا وأصبحنا كأننا ذرات خائفين وجلين، غمرنا الخجل وغطانا الحياء من رب الأرض والسماء، وحدثت نفسي وأنا جالس: أين الملاحدة قاتلهم الله ألا يبصرون كما نبصر؟ ألا يشاهدون كما نشاهد؟ ألا يتدبرون كما نتدبر؟ فما لهم لا يؤمنون؟ يا الله هل يريدون دليلاً أكبر من هذا الخلق العجيب والنظام الغريب والكون البهيج والصنع المتقن والنظام المتكامل؟ ومن شك في كلامي فليزر أي قبة فلكية لتقرّب له السماء فينظر في الأبراج ومنازل القمر وحركة النجوم ودورة الفلك وسقوط النيازك وسير المجرّات بحساب دقيق مع الحكمة في الإبداع والجمال والإتقان، فسبحان الله ما أعظمه! ما أجله! ما أحكمه! ما أقواه! (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وسبحان الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، وبعدما عشتُ هذا المشهد أدركتُ سبب إيمان علماء الفلك والطب والجيولوجيا لأنهم أبصروا الحقيقة فصاحوا مستسلمين مذعنين وصرخوا: (لا إله إلا الله)، وأدرك كلام اينشتاين حين يقول: «إن من ينظر في الكون يعلم أن مبدعه حكيم سبحانه لا يلعب بالنرد».
الآن أدعوكم يا بشر، يا بني آدم، يا عالم، يا ناس، استيقظوا، انظروا في الكون، تدبّروا، تفكروا، تأملوا، أطلقوا النظر ولو لدقيقة واحدة وفي كل شيء أمامكم، في الماء، في الظلماء، في الهواء، في السماء، في الغذاء، في الدواء، في السراء، في الضراء، في كل حمراء، وبيضاء، وسوداء، وخضراء، وزرقاء، لقد أخذنا دورة تدريبية قصيرة في الإيمان وقد نفضنا المشهد نفضاً، وهزنا المنظر هزّاً، حينها أدركنا أن الإنسان صغير، فقير، حقير، ضئيل، مسكين، بائس، هزيل، ضعيف، جاهل، وأن الكبير هو الله، والعظيم هو الله، والقوي هو الله، والغني هو الله، والعليم هو الله، والحكيم هو الله، والخالق هو الله، والحي القيوم هو الله، فلا إله إلا الله، ما أعظم الله! وأجل الله! وأحكم الله! ولا إله إلا الله.