البطالة بين مطرقة ضعف التأهيل الأكاديمي و سندان المتطلبات المهنية لسوق العمل
بقلم/ فارس صالح حسن الجعدبي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 18 يوماً
الأربعاء 08 أكتوبر-تشرين الأول 2008 03:21 م
عانى شعبنا اليمني منذ ما قبل 47 عاماً من الجهل، ومحدودية التعليم، و قد شكل ذلك مشكلة أمام بناء الدولة الحديثة تمثلت في ندرة حملة الشهادات الجامعية، مما جعل في ذلك الزمن مجال متسع لأن يجد عملا كل حامل شهادة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية ناهيك على من يحمل مؤهل جامعي فقد فتحت له أبواب الدواوين الحكومية للعمل وبعوائد متميزة، بغض النظر عن التخصص الذي يحمله، وقد سميت هذه المرحلة شعبيا ب ( زمان ما كان الدم راقد ). ذلك الوضع جعل هنالك توجها قويا لدى الحكومات المتعاقبة لدعم التعليم الجامعي، بغض النظر عن التخصصات التي يقدمها، كما أن ذلك رسخ مفهوما لدى مجموعة كبيرة من الناس مفاده بأن التعليم الجامعي هام، وشرط للحصول على وظيفة حكومية من باب ( شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي ) في تفضيل غير محمود للعمل في القطاع العام عن العمل في القطاع الخاص، كما أن ذلك جعل من التعليم الجامعي شرط لدى بعض الأسر لتزويج أبنائها، على اعتبار أن من أنهى تعليمه الجامعي سيجد وبالتأكيد وظيفة تكفيه فاقة الفقر، وبالتالي بدأ الإحجام عن التمسك بالمهن الصناعية والتقنية الموروثة وتطويرها. وقد صاحب عملية تكاثر وانتشار الجامعات والمؤسسات والمعاهد التعليمية، و تضاعف أعداد الخريجين منها، تغيرات مختلفة من أهمها: 1- 
 تغير المعطيات الاقتصادية العالمية، فاتسعت حدود المنافسة، وتطورت تكنولوجيا المعلومات، وأساليب الإنتاج، و تداخلت الثقافات، وغدا العالم قرية صغيرة. 2- 
انفتاح اليمن على دول العالم، ودعمها لمضاعفة حجم القطاع الخاص، وبناء مؤسسات المجتمع المدني ( [2])،
وسعيها لجذب استثمارات الشركات والبنوك الدولية، الأمر الذي أدى إلى تطور الاقتصاد المحلي ليصل إلى مستوى التطلع للاندماج في الاقتصاد العالمي. 3- 
 تغيرت شروط ومتطلبات بناء الدولة في الفترة الحالية على أسس حوكمة ( [3]) القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ليشارك الجميع في تحمل مسؤولية بناء الوطن، وعدم اقتصار مهمة توفير الوظائف وبناء المشاريع المنتجة على الحكومة. 4- 
تضاعف الفرص التجارية، وانتعاش حركة الاقتصاد، مما أدى إلى توفر فرص للثراء المالي، دون الحاجة إلى شهادات أكاديمية. إن تلك التغيرات قد أسقطت المفاهيم القديمة عن حقوق وفرص حملة الشهادة الجامعية، وضرورة أن يكون العمل مع الحكومة مقدم على العمل في القطاع الخاص، ولكنها سقطت دون أن تشعر شريحة واسعة من المجتمع بتلك المتغيرات ، لتضل تلك المفاهيم راسخة لديهم و تقف من ورائهم وهم يقاومون البحث عن التخصص و الاحتراف المهني، أو الاندماج في القطاع الخاص بالعمل فيه، أو إقامة المشاريع الصغيرة. كما أن تلك التغيرات، إلى جانب التوجه العام والثابت منذ ثورة 26 سبتمبر لسياسة التعليم الأساسي والجامعي في اليمن، قد أدت إلى ظهور مشكلة جديدة، من أهم أعراضها: 1-
تجاوز أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد الأكاديمية احتياج القطاع العام من الموظفين، مما أفرز أعداد من الخريجين الذين يعانون من البطالة. 2-
ظهور الآثار السلبية لاستهداف الحصول على الشهادة وعدم الاكتراث للتخصص، أو مستوى التحصيل العلمي، مما جعل جزء كبير من الخريجين لا يناسبون فرص العمل في القطاع الخاص. 3-
توجه شريحة من المجتمع إلى التخلي عن التعليم الجامعي، والتوجه باكرا إلى سوق العمل، وظهور ثقافة إكمال التعليم الجامعي كمكمل شكلي واجتماعي ووظيفي أحياناً. 4-
الاستغلال الحزبي والطائفي لارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين، وخاصة بين حملة الشهادات الجامعية الذين يعتقدون بأن حصولهم على الشهادة يعطيهم الحق في مقت الحكومة والمجتمع الذي لم يوفر لهم فرص العمل، ويكون سببا للندم على ضياع العمر في الجامعات والمدارس. 5- 
استقدام الخبراء الأجانب، وتفضيل المهنيين غير اليمنيين للعمل في الشركات والمنظمات الدولية، وبمرتبات مرتفعة. 6-
التوجه العام نحو العمل المكتبي والإداري، والإحجام عن العمل الفني والتقني الإنتاجي، و الذي أدى إهماله إلى التقادم، واللجوء إلى الاستيراد الذي تميز بالجودة والحداثة ومنافسة السعر، مما ساعد في القضاء على الصناعة المحلية اليدوية. وفي ضل تفاقم هذه المشكلة، وتطور التغيرات المؤدية إليها، ضل التعليم تقليدياً، محدودا بالمدارس والجامعات التي تمنح الشهادات لمن توفرت لدية الحدود الدنيا من المعرفة الأكاديمية بناء على معايير متواضعة للتقييم، لم تكن تصل في معظمها إلى الحدود الدنيا للمعرفة المقبولة لدى الجامعات في الدول الأكثر تقدما، أو الحدود الدنيا للاحتراف المهني المطلوب للعمل في سوق تعصف به تلك التغيرات. وذلك أدى إلى ظهور و اتساع ما يسمى الآن بالفجوة بين المخرجات التعليمية والاحتياجات المهنية لسوق العمل الذي بات يغرق بحملة الشهادات ـ الأكاديمية ـ من الأطباء والمحاميين والمحاسبين والمهندسين والمعلمين والنجارين والفنيين وغيرهم من حملة الشهادات، و في الوقت نفسه يعاني من شحه لذوي الاحتراف المهني المعترف به من أطباء و محاميين ومحاسبين ومهندسين ومعلمين ونجارين وفنيين وغيرهم من جميع التخصصات. وقد يتبادر إلى الذهن بأن التأهيل المهني والتقني هو الحل لتلك المشكلة ومعالجة أعراضها، وهو الوسيلة المثلى لردم الفجوة المذكورة. وفي الحقيقة يعتبر التوجه نحو التأهيل الفني والاحتراف المهني هو الجزء الهام من الحل، إلى جانب التوجه نحو بناء الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ومضاعفة القطاع الخاص، ولكنه ليس كل الحل. وهنا يبرز السؤال التالي: ما هو المقصود بالاحتراف المهني المعترف به؟ وأين يمكن الحصول عليه أو اكتسابه أن لم توفره الجامعات ؟ الاحتراف المهني التقليدي: من الأمور المتعارف عليها بأن الخبرة المهنية يصنعها العمل في السوق، ويمكن اكتسابها من الممارسة المتواصلة للمهنة، فيكتسب الفرد سرعة ودقة وإتقان، وتزداد معرفته بمتطلبات السوق وأساليب العمل فيه، والمشاكل المتوقعة والشائعة فيه، ، وحينها يطلق على الفرد صاحب خبرة عمرها سنوات معلومة، وقد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيجزم بأن الخبرة المكتسبة من السوق أهم من التعليم الأكاديمي والتخصص الجامعي. ونحن هنا لا نقلل من شأن الخبرات المكتسبة في أسواق المهن المختلفة ( الطب، الهندسة، المحاسبة، التسويق، الميكانيكا، السباكة، الحدادة، النجارة.... )، كما أننا لا نعظمها، ولكننا نقول وبحيادية بأن الأعمال الإنتاجية التي كان اليمنيون يتقنونها، ويكتفون ذاتيا من إنتاجهم، قد انقرضت معظمها، وأخذ البعض القليل الباقي في الانقراض، وذلك لأسباب من أهمها وأبرزها ثبات المفهوم السابق للتأهيل المهني واكتساب الخبرة في عقول الناس.  فاكتفى الجميع في البداية بتوارث المهنة من الآباء والأجداد، ثم هُجرت مهنة الآباء والأجداد، واختفت منتجاتهم وخدماتهم، وحل في الأسواق عوضا عنها منتجات وخدمات مستوردة، وكأن أبائنا لم يمتهنوا يوما حرفة ، ولم يبنوا حضارة، ولم يكن في أجدادنا من يدق مسمارا أو يكتب رقعة. ذلك لأننا تعلمنا التقليد في إمتهانننا لجميع الأعمال، ولم نعتمد التجديد، ولم نرد أن نتحمل عناء مواكبة تطور تكنولوجيا الإنتاج وفنون الإدارة الحديثة، فبدت تلك المهن قديمة متهالكة، ولم تفي بمتطلبات السوق من حيث الحداثة، وتنوع الأذواق ومناسبة السعر، في ضل منافسة لا ترحم أتت بها المتغيرات السابق الحديث عنها. فمن ورث دكانا أو ورشة صغيرة من القرن الماضي، أو ما قبله، لا يزال دكانا كما هو، ولم يضف عليه شيء أكثر، إن لم يحوله إلى محل لبيع القات، أو خان لنوم المعدمين من العمال، وقطع بذلك الذرية المهنية لحرفة أبائه، ودفن أحلامهم. وهذه نتيجة طبيعية لتوارث المهن المحلية، وتقليد الآباء بدون وعي أو إعمال للعقل المميز لبني أدم عن سائر المخلوقات، ذلك على مذهب (( قالو بل نتبع ما ألفينا عليه إباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون )) – البقرة (170)، وحقاً لم يكن آباؤهم قد عاصرو تطور التكنولوجيا حتى يعقلوها، ولم يهتدوا إلى أساليب الإدارة المعاصرة، وقد عقلوا التطور في أيامهم، واهتدوا إلى المتاح من الإدارة في زمنهم، فعملوا به، وأوفوا بذلك، فكنا بئس خلف لخير سلف. الإحتراف المهني المعترف به والقائم على التجديد : كما أوردنا إن الاحتراف التقليدي، لا يضمن الاستمرار بل ويصل بصاحبة إلى مرحلة الاندثار، وبالعكس فإن الاحتراف المهني القائم على التجديد والتطوير، لا يمكن الوصول إليه إلا عبر قنوات الاحتراف المعتمدة دولياً، متجاوزاً بذلك معايير الاحتراف المحلي، الذي فقد شعبيته والثقة به. ويمكن إجمال قنوات الاحتراف المهني الدولي، والعوامل التي تقود إليه في العوامل التالية: 1- 
التعليم الأكاديمي والتخصص الجامعي: يعتبر التعليم في أي دولة أو حضارة في العالم وفي أي زمن هو المعيار المباشر والمستخدم لقياس مستقبل تلك الدولة أو الحضارة، لذلك قيل: ( إذا أردت هلاك أمة فأهمل تعليمها )، وهذا ما يترجم حجم ما ينفق على التعليم في الدول المتقدمة، وسر رد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران عن سؤال حول مستقبل فرنسا، فقال اذهبوا إلى الجامعات والمدارس، وستجدون مستقبل فرنسا هناك. فالتعليم هو الأساس الذي سيبنى عليه كل تراكمات الخبرة والمعرفة، فإذا كان الأساس هشاً أو محدودا، فلا يمكن البناء عليه عالياً، كذلك التعليم الضعيف لا يمكن أن يبنى عليه مهارة عريقة وخبرة واسعة، ناهيك عن حالة انعدام التأهيل العلمي، ومحاولة اكتساب الخبرة المهنية من دونه، فيكون صاحبه كمن يحاول اكتساب مهنة الطب من خلال العمل المستمر في الشعوذة، أو التواجد الدائم في قسم الطوارئ. لذلك يعتبر الالتحاق بالجامعات والمعاهد ، هو الخطوة الأولى فقط للاحتراف المهني، والذي يجب أن يوفر للفرد قاعدة المعرفة الأساسية بالتخصص الذي سيمتهنه، ويعمل به طوال حياته، والتي بناء عليه يكون قد تعرف على أساليب التطور والتحديث، وعلم البعد العلمي لكل القواعد السلوكية والممارسات المهنية التي تنجزالعمل، وذلك يمكنه من اكتساب الخبرة المهنية في وقت أقصر، وتطوير العمل حسب احتياجات العملاء، ومتطلبات السوق بناء على معرفة علمية مسبقة بأسباب الأداء ونتائجه. ويجب على المؤسسة الأكاديمية والتعليمية أن تضع ضمن مقرراتها أجزاء تطبيقية، تلزم الفرد بممارسة العلم وتحويله إلى ممارسة تطبيقه، وهذا ما نسميه بالامتهان أو ا لاحتراف. وفي حالة قصور هذا الجانب في الجامعات، يجب على الطالب إقحام نفسه في التطبيق العملي المستمر، وبدون تردد، وعرض نتائج تجاربه و أعمالة التطبيقية على أساتذته في الجامعة دون أن يطلبوا منه ذلك، فيتجنب أن يكون كمن يتعلم السباحة عبر قراءة ملازم مختصرة عنها. وهنا يجب أن نسلط الضوء أكثر على المسؤولية الجسيمة التي تتحملها الجامعات والمعاهد المختصرة للمناهج . والمقررة للملازم الفقيرة، التي تستغني عن الكادر الأكاديمي المؤهل بالمدرسين الذين لم يخوضوا تجربة واحدة في البحث العلمي، والتي تمنح الإجازات، وتكتفي من الموسم التعليمي السنوي بستة أشهر فقط، وبهذه السياسة يفرح الأطفال الذين يطلقون على أنفسهم طلبة علم، وهم لا يدرون بأنهم يضعون حدودا دنيا لمستقبلهم في بدايته. تلك المسؤولية التي لا تسقط عن الجهات الحكومية التي تمنح التراخيص، بدون معاييير أو رقابة مستمرة، ومباشرة. مسؤولية تصل إلى تردي الخدمات الصحية، وموت المرضى داخل المستشفيات، مسؤولية رحلات العلاج التي تستنزف الاقتصاد الوطني، وتحرمه من ضخ تلك الأموال الداخلة، مسؤولية استقدام الخبراء الأجانب في جميع التخصصات لاستنزاف المنح والقروض الممنوحة لنا من المنظمات والدول المختلفة، ذلك لأن جامعاتنا عجزت أن تخرج كوادر تصلح لأن تصل إلى مستوى هؤلاء الخبراء، مسؤولية انقراض الصناعات والمنتجات الحرفية، مسؤولية التخلف الاقتصادي وتسميتنا بالدول الأقل نموا والأكثر تخلفا، مسؤولية تكالب الأمم مهنيا علينا كما تتكالب الوحوش على قصعتها، وليس ذلك من قلة المتخصصين فينا، ولكنهم كغثاء السيل، بمعنى لم يحصل على القاعدة العلمية و الجرعة المنهية الحديثة والكافية، التي تغنينا عن احتياجنا للآخرين، وتسمح لنا بتصدير نتائج أعمالنا للخارج. 2- 
المستوى المهني للسوق المحلي : يلتحق الفرد للعمل في السوق، بعد تخرجه من المعهد أو الجامعة وبعد أن تخصص في مهنة معينة، ومن المفترض أن يكون عمله ممارسة تطبيقية للقواعد والأساليب العلمية التي تعلمها طوال دراسته الجامعية أو المتخصصة في المعاهد. ولكن وبشكل ـ للأسف ـ غير مفاجئ يكون التطبيق المهني في بلادنا مختلف تماما عن الأسلوب العلمي، فيتجه الفرد للتخلي عن ما تعلمه في الجامعة، واكتساب أصول العمل كما يسميها من السوق مباشرة، دون أن يدرك بأنه في الحقيقة يتخلى عن أصول العمل، ويتقن عشوائية التطبيق. وهذا يعني أن الخطوة الثانية من الاحتراف المهني، تتوقف على نوع ومستوى تطور سوق العمل الذي يعمل فيه الفرد، فكلما كان الأداء المهني في السوق متطورا وحديثا، ويعكس القواعد العلمية الحديثة للتخصص، كلما كانت الممارسة المهنية ترفع من رصيد الخبرة والاحتراف لدى الفرد، والعكس صحيح.   3- 
تطورالأدوات والتقنيات المستخدمة في العمل المهني: نتيجة للتطور السريع في تقنية الاتصالات والمعلومات، أصبح العالم قرية صغيرة، يتسابق من فيها على مواكبة التطوير، وساعدت سرعة انتقال المعلومة على نقل التطورات، وسهلت من الحصول على المعرفة العلمية بها. والعمل المهني داخل حدود العالم يتطلب إتقان إستخدام وسائل الحصول على المعلومة في جميع التخصصات، من حاسبات ولغات، كما فرضت ضرورة الحصول على تكنولوجيا الإنتاج الحديث للسلع والخدمات، وإتقان استخداماتها. وهذا التطوير في التقنيات هو ما يفسر القدرة الأحترافية والمهنية المتنامية لمهنة الطب في علاج الأمراض المختلفة بمخاطر منخفضة عما سبق، كما أن الاحتراف المنهي القائم على التجديد. يخفض للتكاليف الزمنية والجهدية والمادية لإنتاج منجات النسيج أو الهدايا والديكور، وكذلك الحاسبات، وغيرها.  وبالتالي من لا يحترف استخدام التقنيات والإدارة الحديثة، يظل يعمل عند مستوى مخاطرة مرتفعة، أو عند مستوى تكاليف مرتفع، يفقده القدرة على المنافسة، أو الحفاظ على ثقة وولاء الجمهور. ولهذا كان إتقان استخدام الحاسبات واللغات الأجنبية، والتدرب على استخدام التقنيات الحديثة للإنتاج والإدارة في جميع المهن والتخصصات هو الخطوة الثالثة للوصول إلى الاحتراف المهني القائم على التجديد والمتجه نحو الاعتراف الدولي به.   4- 
الحصول على زمالة وعضوية الجمعيات المهنية العالمية: نتيجة للتطور السريع لجميع المهن، وتوحد المعطيات والمتطلبات المهنية لممارسة وإنجاز الأعمال في العالم، ولأسباب الحفاظ على مستوى راقي ومضمون للمهن، يمنع المتطفلين وغير المهرة من تشويه سمعتها أو الأضرار بالمجتمع باسمها، تم تكوين وإنشاء جمعيات ومجالس ومعاهد مهنية عالمية متخصصة في جميع المهن، وقد كلفت بوضع معايير الأداء المهني وإقامة وتمويل مشاريع بحث وتطوير أساليب الأداء، وتوحيدها في جميع دول العالم، كما حملت مسؤولية اختبار ومراقبة جميع المتخصصون الراغبون في الانتماء إلى عضويتها أو زمالتها وفقا لمعايير مهنية متخصصة وحديثة وعالية، ثم إمدادهم بأحدث التطورات والأبحاث ونتائج المؤتمرات التي عقدت في العالم، حول المهنة، وكذلك أحدث أساليب وطرق ومعدات ممارسة العمل المهني. وبالتالي ليس من السهل الحصول على عضوية أو زمالة هذه المنظمات، كما أن الحصول على هذه العضوية أو الزمالة تعتبر الخطوة الأساسية للاحتراف الدولي المعترف به، والتي تكسب صاحبها صفة الخبير الدولي، والمحترف الدولي في تخصص مهني دقيق، كما تضمن له مستوى معيشي مرتفع وفرص وظيفية ممتازة في جميع أنحاء العالم، ومن أمثل هذه الدرجات المهنية المتخصصة والعالمية: ( زمالة جمعية الجراحين الملكيين البريطانيين – عضوية معهد المحاسبين الإداريين الأمريكيين )   5- 
البحث العلمي المستمر والعمل المباشر والمتكرر: إن قطار العلم والتجديد لا يتوقف أبدا، وإن توقف الباحث عن العلم تركه القطار وتجاوزه ليصعد غيره، حتى بات عالم اليوم غير المتابع للجديد في العلم، هو جاهل الغد الذي لا يُطلب علمه ولا ينفع، و لا يُبلغ الاحتراف المهني ولا يُحافظ عليه إلا بالعلم واكتساب الجديد فيه. وفي الحقيقة أن الكم من الجديد العلمي في أي تخصص، والذي ينتج في اليوم الواحد، يحتاج إلى شهر على الأقل لقراءته وتعلمه نظريا فقط، وهذا ما جعل المهمة أكثر صعوبة، وتحتاج إلى وقت طويل، وهذا ما يفسر أيضا تفرغ شريحة واسعة من الأطباء أو المحاسبين أو المحامين أو المهندسين وغيرهم في الدول المتقدمة لحوالي ثلاثة أشهر من السنة فقط للتحصيل العلمي وتحديث معلوماتهم، ليعودوا بعدها لمزاولة المهنة وبأسلوب حديث عما سبق، وربما لاحظ البعض عند سفرة للعلاج في الخارج أن الطبيب قد أقر له نوع معين من العلاج، وعند معاودته بعد فترة من الزمن، يجد الطبيب قد غير ذلك العلاج بنوع أخر أكثر فاعلية وربما يكون أغلى لأنه حديث، ولكن أغلب الأطباء المحليين يكتبون الأدوية التي تداوى بها أجدادنا و أبائنا، دون أن يدرون بان هناك جديد في التخصص، حتى يمن الله علينا بأحدث طبيب عائد من الخارج، ولكنه كسابقة يتوقف عن التعلم والتطوير فلا يلبث أن يضل معنا سنه أو سنتين حتى نكتشف بأنه قد لحق صاحبة، وباتت أدويته قديمة وأساليبه في العلاج بالية.

ذلك إسقاط على مهنة الطب لأنها الأكثر وضوحا في التعبير عن أثر إهمال التعلم المستمر على فقدان الاحتراف المهني، وإن استمرت الممارسة التطبيقية، فالعلم مقرون بالعمل، ولا غنى لأحدهما عن الأخر، فالعلم أساس التطبيق، والتطبيق ترجمة للعلم، وبكلاهما فقط يمكن أن يحافظ الفرد على مهنيته العالية، و إحترافة للتخصص الذي ينتمي إلية.


[2]
- مؤسسات المجتمع المدني: الجمعيات والنقابات والمؤسسات الخيرية، والاتحادات، والأحزاب.
[3]
- الحوكمة : نظام متطور لبناء الدولة على أساس مشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني إلى جانب الحكومة مسؤولية بناء الوطن وتقديم الخدمات المختلفة للأفراد في المجتمع، ولكن بعد تأهل هذه الأركان الثلاثة للقيام بهذا الدور، (تسمى عملية التأهيل هذه ب حوكمة الشركات أو المنظمات أو البنوك أو ..... )، وبمعنى أخر، منح هذه الأركان الثلاثة صلاحيات حكومية لتقديم الخدمات وبناء الاقتصاد، ولكن بعد تأهيلها لتتوفر فيها متطلبات الحوكمة وهي أن تكون على مستوى متقدم من الشفافية والعدالة والمسؤولية ولها نظام واضح ودقيق يتم محاسبتها ومراقبته على أساسه، وفي حالة عدم توفر هذه المتطلبات تكون عملية الحوكمة بمثابة إهدار للموارد والدخول في مرحلة متقدمة من الفساد.