رسالة عاجلة للسفير الأمير كي بصنعاء
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 20 يوماً
الأحد 05 أكتوبر-تشرين الأول 2008 10:59 م

سعادة السيد ستيفن شاس سفير الولايات المتحدة في صنعاء
تحية طيبة
أوجه إليكم إليكم هذا الخطاب المفتوح بصفتي مواطن يمني أميركي، يهمه المصلحة العليا للبلدين والشعبين. ويهمه أيضا أن تغتنم حكومة الولايات المتحدة فرصة ذهبية نادرة، أتاحها القضاء الأميركي للسلطة التنفيذية من أجل إنجاح دبلوماسيتها العامة مع أبناء الشعب اليمني. هذه الفرصة تتمثل في قرار محكمة الاستئناف الفدرالية بولاية نيورك إلغاء الحكم الابتدائي الجائر ضد رجل الدين اليمني محمد المؤيد ومساعده محمد زايد، بسبب أخطاء جوهرية في صحة الأدلة المستخدمة ضدهما أثناء المحاكمة الأولية. وبما أن القضاء الأميركي يمنح السلطة التنفيذية خيار الإفراج عن المتهمين، وعدم محاكمتهما مرة أخرى، فقد أصبح الآن القرار بيد الحكومة، وبالتالي فإن مسارعتكم بتوضيح الجوانب السياسية المتعلقة بالقرار الحكومي القادم، لم يعد تدخلا في شؤون القضاء، بل أصبح مطلبا ضروريا وملحا، لأسباب متعددة من بينها ما يلي:
أولا: بما أن قرار محكمة الاستئناف الأميركية بشأن المؤيد وزايد قد أعاد بناء الثقة والاحترام للقضاء الأميركي في نظر كثير من اليمنيين، وعرفنا ذلك من خلال الكتابات الصحفية والتصريحات الصادرة عن الصحفيين وقادة الرأي والفكر في اليمن، ومن رجال السياسة في المعارضة والحكومة على حد سواء، وبالتالي فإن الحكومة الأميركية سوف تخسر هذه افرصة الذهبية لبدء صفحة جديدة مع القوى المؤثرة في المجتمع اليمني إذا ما قررت إعادة إجراءات المحاكمة.
ثانيا: بما أن إجراءات المحاكمة كما تعرفون فيما لو أعيدت، لن تكون سريعة بل قد تستغرق سنوات أخرى قبل أن يقول القضاء كلمته الحاسمة الأخيرة، وبالتالي فإن الفرصة المتاحة أمام الإدارة الأميركية الجديدة لفتح صفحة جديدة مع العالم العربي سوف تهدر بدءا من اليمن، وستكون مهمتكم في اليمن وربما مهمة من سيأتي بعدكم ستكون صعبة للغاية، كما سيؤدي تفويت هذه الفرصة إلى حرمان إدارة أوباما أو ماكين من بدء مرحلة طازجة غير مثقلة بقضايا غير محسومة، رغم أن معتقل غوانتانامو نفسه اصبح في طريقه للحسم.
ثالثا: إن استمرار اعتقال ومحاكمة الشيخ المؤيد في الولايات المتحدة، يعطي الحكومة اليمنية ورقة سياسية لا تستحقها، تستخدمها دوما كما تعرفون في تبريرها لأسلوب المهادنة في التعامل مع مدانين في قضايا إرهاب حقيقية، من بينهم من شاركوا في الهجوم على المدمرة كول، في حين أن الإفراج عن الشيخ المؤيد - الذي لم يحمل مسدسا في حياته-، سيؤدي على الأقل إلى إجبار الحكومة اليمنية على احترام أحكام القضاء اليمني المتعلقة بسجن المتورطين الإرهاب ممن حملوا المتفجرات لقتل أميركيين ويمنيين، وافرجت عنهم الحكومة اليمنية مرات عديدة تارة باتفاقات مبرمة مع وسطاء، وتارة أخرى بتهريبهم من السجن في ظروف مثيرة للتساؤل.
رابعا: إن الإفراج الفوري عن الشيخ المؤيد سيدخل الفرحة إلى قلوب المئات من فقراء حي القادسية بصنعاء الذين يعتمدون حتى الآن على خبز مجاني يوفره لهم مخبز خيري اسسه الشيخ المؤيد من أموال التبرعات في حين أن انتظار الشيخ لمحاكمة جديدة لن يصب إلا في مصلحة المحرضين على الإرهاب وأنصار القاعدة الذين يستغلون الفقر والغضب الشعبي لخدمة أهدافهم المدمرة.
خامسا: الشيخ المؤيد رجل كبير في السن، ويعاني من جملة من الأمراض المستعصية، ولو توفي أثناء المحاكمة لا سمح الله، فإن جرحا تاريخيا غائرا سيصيب العلاقة الأميركية اليمنية، وسيظل ينزف طويلا جدا، ومن الصعب على الخيرين في البلدين معالجة مثل هذا الجرح الإنساني، الذي سيؤثر على جهود الدبلوماسية العامة الأميركية مع شعب من أهم الشعوب العربية والإسلامية، لأنه شعب مجبول على العرفان والاحترام لكل من يقدره ويحترمه.
سادسا : لقد أثبت القضاء الأميركي، في حكمه الأخير، أن التساؤلات التي أثارتها الصحافة أثناء محاكمة المؤيد، كانت صحيحة ومشروعة وبالذات ما يتعلق، بعلاقة الحكومة اليمنية مع الشاهد الرئيسي محمد العنسي، الذي أقر أمام القضاء الأميركي أنه خدم عشرين عاما مع الأمن السياسي اليمني قبل أن يعرض نفسه لمكتب التحقيقات الفيدرالية، للعمل كعميل متطوع، كما أثبتت وثائق القضية، والتحقيقات التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز بعد إقدام العميل المذكور على محاولة للإنتحار أمام البيت الأبيض، أنه كان من جيران الشيخ المؤيد في صنعاء، ومدفوع بمشاعر إنتقامية بسبب خلاف مع أفراد من أسرة الشيخ الضحية، ومن هنا، و بعد أن أبطلت محكمة الاسئناف معظم الأدلة السماعية المستقاة من مصادر وشهادات عديمة المصداقية فإن إعادة المحاكمة لن تؤدي إلى كسب الحكومة الأميركية لها بل على الأرجح تتكبد خسائر سياسية غير ضرورية.
سابعا: إن إعادة المحاكمة بعد التشكيك القضائي الواضح في صحة معظم الأدلة فيه إهدار غير مبرر لأموال إضافية فوق تلك الملايين التي تكبدها دافع الضريبة الأميركي في دفع نفقات المحامين، وتحمل نفقات شهود أتضحت دوافعهم، وتحمل نفقات خطة استخبارية لاستدراج رجل مسن ومحاكمته في بلد لم يرتكب فيه أي جرم، ثم إدانته بجرم يندرج في إطار التصرف القانوني في أي بلده، حيث أن التهمة التي أدين بها وهي التبرع لحركة حماس الفلسطينية يمكن أن يحاكم عليها جميع المسؤولين اليمنيين بمن فيهم الرئيس اليمني نفسه لو طبقنا هذه المعايير.
سعادة السفير:
لك هذه الأسباب فإن الفرصة أمامكم سانحة لتقديم توصية للحكومة في واشنطن بشأن أهمية الإفراج الفوري عن الشيخ المؤيد ورفيقه، لأنهما يستحقان رفع الظلم عنهما، وليس هناك أسوأ وأقسى من الظلم الذي قد يتلقاه الإنسان في مجتمع معروف بالعدالة، والإنسانية. ولكم الشكر سلفا على جهدكم الخير، وأتمنى لكم التوفيق في مهمتكم الدبلوماسية في خط الدفاع الأول.
كلمة شكر للأستاذين علاو والآنسي:
النص الإنجليزي للرسالة أعلاه جرى إرساله عبر البريد الإلكتروني التابع للسفارة الأميركية في صنعاء، ولكني رأيت نشرها هنا لضمان أن يقرأها السفير بنفسه لأنه من المتابعين لما تنشره الصحافة اليمنية في مختلف الشؤون بحكم مسؤوليته، وبسبب إلمامه باللغة العربية. وبعد إشراك القراء الكرام في قراءة الرسالة، بقي هناك جانب آخر يتعلق بالقضية رأيت تدويه هنا.
قبل حوالي أسبوعين من صدور حكم محكمة الاستئناف أجريت اتصالا هاتفيا بمحامية أميركية تشارك في الدفاع عن الشيخ المؤيد في نيويوك، وأعربت المحامية عن شعورها بالإحباط لأن محاكم الاستئناف من النادر أن ترفض أحكاما، بل تميل أكثر إلى تأكيد سلامة رأي القضاة الآخرين. وأشارت كذلك إلى أن الشيخ المؤيد وزايد لديهما فرصة بنسبة 20% فقط أن ينجحا في الاستئناف، وكان هذا هو توقعي الشخصي أيضا، ولهذا فإن قرار المحكمة كان بمثابة المفاجأة الكبرى والعيد الحقيقي هذا العام لدى كثير من أبناء اليمن في أميركا. وجميعهم يقدرون الجهود الذي بذلها المحامون الأميركيون وعلى رأسهم المحامي الخاص بمحمد زايد، وهو بالمناسبة يهودي أميركي، يرفض بشدة الإيحاء بأن المؤيد وزايد تسببا أو شاركا من قريب أو بعيد في تفجيرات حافلات تل أبيب عام 2002، وتولى طوعا كتابة الجزء الأكبر من المرافعة الأخيرة الناجحة. ولكن نجاح المحامين الأميركيين، لم يكن سهلا بدون المساعدة والنصائح التي لا تقدر بثمن التي تلقوها من صاحبي الخبرة السياسية والحقوقية في الشأن اليمن وهما المحاميان القديران محمد ناجي علاو، وخالد الآنسي. ومعظم الإيضاحات في تفنيد الأدلة المتعلقة بتفجيرات تل أبيب، والدعم المزعوم لحماس والقاعدة، وشهادة العنسي المشبوهة، وشهادة جوبح، المثيرة للجدل سمعتها شخصيا من الصديقين خالد الآنسي، ومحمد ناجي علاو، قبل أن يتحول التفنيد إلى كلمات مكتوبة ومرافعات ناجحة على الورق. كما أن الأدلة الأخرى كانت ضعيفة من اساسها، ومن بينها العثور على رقم هاتف الشيخ الزنداني في مفكرة تابعة للمؤيد، وجميعنا لديه رقم هاتف الزنداني، فهل هذا مبرر كاف أن يحاكم حامل الرقم بتهمة دعم الإرهاب. كما أن العثور على اسم الشيخ المؤيد في استمارة لأحد الملتحقين بمعسكرات القاعدة في افغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر شئ معتاد لأن الجميع بمن فيهم أميركا نفسها دعموا تلك المعسكرات في عقد الثمانينات واستمر الدعم من قبل البعض إلى أواخر التسعينات ولكن أحداث 11 سبتمتبر كانت نقطة التحول الكبرى، ولم يوجد أي مؤشر أو دليل على أن الشيخ المؤيد تعامل مع القاعدة بعد ذلك التاريخ، ولو كان الأمر غير ذلك لما استحق الرجل تعاطف قطاع واسع من اليمنيين بمن فيهم كاتب هذه السطور المعروف بمقته للتطرف والمتطرفين.