بين يدي السفير الأمريكي..ماذا كسب الأمريكان بسجن الشيخ المؤيد؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
السبت 13 سبتمبر-أيلول 2008 12:19 ص

إلى قبل مجيء بوش الصغير أو الغبي بحسب تسميتهم هم ، كنا في اليمن كغيرنا من سكان المعمورة ننظر إلى الأمة الأمريكية نظرة احترام وتقدير وبكثير من الإعجاب ، رغم تاريخها الملبد وافتقادها فيه إلى الموروث الأخلاقي، فما حققته في مسارها المختلف من خلال أداء ماكينتها الرسمية وعبر مؤسساتها المختلفة من إبداع في مجال الحريات والحقوق ومنظومة المجتمع المدني والسلوك الديمقراطي - رغم الغبش المصاحب - فضلا عن الانجاز الهائل في المجال التقني والتكنولوجي ، ومقومات أخرى كل ذلك ساعد على تبيض الصورة نوعا ما على حساب تلك القاتمة المتوحشة التي ظلت تتخلل بين فينة وأخرى ، خصوصا أن الولايات المتحدة حاولت أن تملا الفراغ الاستعماري بآلية قشيبة شبه مرحب بها إلى حد ما مقارنة بالنموذج السابق للوجه الأوربي البشع .

بل ربما كانت عواطفنا تميل للأمة والمشروع الأمريكي كثيرا لغير صالح السوفيت والقوى الدولية الكبرى ، باعتبار هذه القوة العملاقة الحديثة أمة من طراز فريد ورائع مفتوحة على كل الألوان والجنسيات والأعراق والثقافات والأديان ، وأرضها وطن لكل غريب قادم ينشد الحرية والإبداع والسبق والعمران التقني ، ومن ثم فما كان يصيبها في شيء ما يعود عليها بالضرر ، يعبر عنه تلقائيا الكثيرون من سكان المعمورة ونحن من هنا في اليمن بالرفض والشعور بالألم ، وقد تجلى ذلك عقب أحداث سبتمبر ، إذ كان الرفض والتنديد واضحا لا لبس فيه ، رغم الاستفزاز الصارخ لمنهج وسياسة من ليس معنا فضدنا ، أو مقولة سنواجه بحرب صليبية ، فرغم اثر وقع ذلك على النفوس إلا أن موقفنا جميعا في موضوع التضامن ضد الإرهاب وإدانة أحداث سبتمبر ظل إنساني ويتجه للشعب الأمريكي في فصل واضح بينه وبين الأحمق والطائش لإدارته .

كنا في اليمن مثقفين ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وفواعل مختلفة نفرق في مواقفنا تجاه السياسة الخارجية الأمريكية والقرار الأمريكي ومن يحكم ، وبين أمريكا كأمة ومجتمع ، إلا انه وبالتمادي ومع الوقت فان الإدارة الأمريكية اليمينية المتصهينة الحالية التي على رأسها من يسمونه هم بالغبي بوش ، ونسميه نحن بالأحمق المطاع ، استطاعت أن تدفع بنا كشعب وشعوب في الشقين الرأي العام وقياداته إلى أن نكره فعلا الولايات المتحدة ، إدارة ، وشعب ، ومؤسسات ، برغم الأسف في أعماقنا الذي يتوارى بخجل جراء وصولنا فعلا إلى هذا الموقف النفسي على غير رغبة منا .

نعم نحن الآن نكره الولايات المتحدة دون تفريق أو فصل ، حصل ذلك بالتراكم ولا شعوريا ، فإذا كنا بالأمس نتمنى أن لا تغلبها أي قوة أخرى في الميدان الدولي ، فنحن اليوم نتمنى أن تغلبها على قيادة النظام الدولي أي قوة كا الصين ، أو الاتحاد الأوربي ، أو روسيا الاتحادية ، في الوقت الذي نتمنى لها أبشع هزيمة عسكرية في العراق وأفغانستان أو في أي مربع في العالم .

فان كنا في الوقت نفسه نرفض وبشدة تبعا لديننا وأخلاقنا المتوارثة ، أي عمل إرهابي يستهدف مواطنها هنا أو هناك أو مصالحها ، فإننا لا نخفي فرحتنا إن هبت عليها الكوارث الطبيعية كسنن إلهية تعمل ، إننا نسجد لله شكرا ، وكم نبتهج إن حصل لها زلزال اقتصادي بل ونعلن بوضوح عن دورنا الاقتصادي في مقاطعة منتجاتها ومؤسستها الاقتصادية ، في الطريق الذي نتجه فيه كجزء من سكان المعمورة إلى شل دبلوماسيتها وأدوارها السياسية بمنطق المقاطعة نفسها ، إن لم تسعفنا إمكاناتنا اليوم فستسعف أولادنا أو أحفادنا في الغد ، ونحن نورث لهم التاريخ في ملاحم .

أما لماذا نكره الولايات المتحدة ؟... فهذا سؤال يجب أن يجيب عنه الحزب الديمقراطي والمؤسسات الأمريكية الأخرى باستثناء تلك ذات الهوس الديني المتطرف الذي توجه بمفردات تلمودية تقوم على أفكار من مثل أمرني الرب ، ووجهني التلمود ..الخ

يزعم الأمريكان أنهم يمتلكون رؤية بعيدة واستراتيجيا ذات معالم تمتد إلى عشرات السنين بل وأكثر من نصف القرن بشان مستقبل الهيمنة والبقاء الإمبراطوري على العالم ، والحقيقة أن مقولة كتلك تثير كثيرا الضحك والسخرية ، فإستراتيجية على هذا النحو حسب زعمهم - في ظل هذا الحراك الإنساني الذي فجرته ما تسمى العولمة في مجالات الاتصال ، والتأثير ، والعصر الذهبي الذي لم يسبق لما تسمى المقاومة في جوانبها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها - تعتبر غاية في الغباء وستأتي بضدها عقب سنوات كما هو حاصل الآن ، إلا إذا استبق القرار الأمريكي القادم الزمن باستعادة رشده وتصحيح مساره وإصلاح ما أفسده تجار الحروب والدمار، الذين شوهوا الصورة الأمريكية .

سأقصر حديثي على اليمن ، الذي ظل شعب ومؤسسات وحكومات يحتفظ بالتقدير والاحترام للولايات المتحدة حتى الانقلاب الأخير في السياسة الخارجية الأمريكية والتي اتخذت من سبتمبر فرصة لتغيير كل شيء وتدمير كل ما بناه الحكماء الأمريكيون في السابق في المجال ألقيمي وبناء العلاقات الخارجية ..

قام الأمريكان بخطف الشيخ محمد المؤيد عبر لعبة استخباراتية قذرة من ورائها اللقيطة إسرائيل بمبرر علاقاته بجمعية خيرية فلسطينية تقوم بجمع التبرعات للشعب الفلسطيني ذات علاقة بحماس ، فالمصلحة هنا إسرائيلية صرفة ، وقد يكون الأمريكان كا الأطرش في الزفة أو فعلا تم التدليس عليهم بفرية وجود علاقة موجودة بين الشيخ وتنظيم القاعدة ، رغم حقيقة التباين الفكري الحاصل بين الشيخ وتنظيم القاعدة ، فضلا عن أن الشيخ يغلب عليه كما هو معروف والذي لا يخفى على الأمريكان مكونه القبلي العفوي التلقائي ، ولو كان الشيخ على علاقة بالقاعدة أو به شيء من التطرف لأوحى إلى أنصاره وأبناء قبيلته بخطف من كان من الأمريكان على ارض اليمن ، لكنه وجه أنصاره وأبناء قبيلته بالهدوء وعدم الانجرار لأي فعل طائش .

وبقراءة برغماتية كما يدعيها الأمريكان ، سنحسبها هنا بدقة كما هي على الواقع ، وسنرى الأرباح والخسائر التي ستعود ، أو على الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة على المدى البعيد.

سجن الشيخ المؤيد بريئا مظلوما دون أن يسيء أبدا للمصلحة أو للأمن الأمريكي من قريب أو بعيد وهو في سن الشيخوخة ينتظره الموت اليوم أو غدا، والذي سيكسبه الأمريكان هي جثة لشيخ قد يسلموها لأهله إن مات - وهذا متوقع في زنزانته - .

-  في المقابل فان الشعب اليمني الذي يتجاوز الخمسة وعشرون مليون وتربطه وشائج الروح والدم مع دول الجزيرة ، وهو الذي يعيش وجدانيا آلام ومرارة الشيخ بحكم المركب القبلي الاجتماعي الديني الجامع لا يمكنه أن ينسى اليوم وغدا مأساة الشيخ الذي تعتبر مأساته هو في كل مكوناته ، والذي لن يعبر عنها وهو الرشيد بمواقف الغلو والطيش والإرهاب ، إنما بكراهية تتجه نحو تجميع الموقف باتجاه رفض ومقاطعة كل ما كان أمريكي وقد ظهر ذلك على الواقع أشبه بثقافة وسلوك في الرفض القاطع للمنتج الأمريكي مهما كان ، والسياسة الأمريكية ، حتى الأفلام الأمريكية التي كنا نتسابق عليها ، بل إن قنوات كا الحرة والعربية وأخواتها أصبحت عند نسبة كبيرة من هذا الشعب في عداد الممنوعات ، بل وأشد من تلك الاباحيات.

- والذي سيكسبه الشيخ سيرة عطرة خالدة لأحد أحرار الإنسانية ، وعلم من أعلام التاريخ اليمني ، سيموت الشيخ وستظل ذكراه تلاحق الأمريكان باللعنات ، أما نحن فسنتخذ من اسمه مسمى لمواليدنا وشوارعنا ومدارسنا ومساجدنا ، وحاراتنا ، ومؤسساتنا المدنية والحقوقية ، وسنظل نحاكم الأمريكان أدبيا وأخلاقيا وقضائيا أمة وشعب وتاريخ كلما سنحت لنا فرصة في المحافل الدولية ، والمؤتمرات والندوات العالمية ذات المكون الإنساني والحقوقي.

- قد يكون الأمريكان كسبوا من وراء القيود التي وضعوها ظلما على الشيخ متعة إشباع الأنا المريضة في دواخلهم جراء قهر وإذلال الآخر ، ولا شيء سوى ذلك ، إلا الكراهية التي عادوا بها من شعبنا اليمني والتي ستظل تتوارث ما بقيت المرارة في نفوسنا تجاه الشخصية الأمريكية..

لو كنا نعتقد بما نسبته أل (5 % ) بوجود علاقة للشيخ مع ما يسمى الإرهاب أو بشان استهداف الأمن الأمريكي لكنا سكتنا ولم ننبس .

الولايات المتحدة اليوم وبفعل توصيات بعض مؤسساتها البحثية الفطنة تسعى إلى إعادة كسب ثقة الشعب اليمني – كما هو حاصل مع بلدان المنطقة - من خلال تنظيم زيارات لوفود برلمانية ، ولمثقفين وإعلاميين ومنظمات مجتمع مدني وغير ذلك إلى أرضها واطلاعهم على النمط الايجابي الذي لا زال متاح في داخلها في عمل دبلوماسي يراد منه تحسين الصورة ، فضلا عن محاولة شراء بعض الإعلاميين والمثقفين والسياسيين لهذا الغرض ، والحقيقة أن ذلك كمن يحرث في البحر ، فلن نزداد إلا رفضا لوجهكم القبيح وسياستكم الظالمة .

فان كنتم فعلا تريدون تحسين صورتكم واستعادة ثقتنا وصورتكم السابقة فأمامكم أمر بسيط لا يستدعي الكثير من الجهد والإمكانات وسيستعيد فعلا مكانتكم الأخلاقية والإنسانية التي سفحتها إدارتكم العمياء ، وذلك في إطلاق سراح الشيخ المؤيد ، وتقديم الاعتذار الرسمي، ودفع التعويضات المادية والمعنوية .

ليس في ذلك حرج لكم ، بل ستحصلون على الاحترام ، كا لذي أخطا ثم عاد .

إن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان يمنعه الرب عندكم ، ويحرمه الله عندنا ، وان الظلم في وعيكم ووعينا عبر كل أدبيات الإنسانية في كل مراحلها سبب في تدمير أمم وحضارات اتخذته سبيلا .

إننا في هذا الشعب الحي النامي المعتد بنفسه نريد أن نحترمكم ، ونحمل لكم مشاعر الإخوة الإنسانية ، فلم تحملونا دفعا على أن نكرهكم ، ونحتقركم ، ونلعنكم أمة وتاريخ ومعاصرة ؟ .

إن كان لكم ثمة استراتيجية في هذا البلد وجواره الإقليمي ، فأقيموها على الثقة والاحترام ، والمثل الإنسانية في التعايش بين البشر ، ولا تؤسسوها على الكراهية ، وليس بيننا وبينكم هنا وفي هذه الزاوية سوى الشيخ المؤيد .

نتمنى للشعب الأمريكي الخير والأمن والأمان ، كغيره من بني الإنسان ، وله كأمة وحضارة مسار الرشد وبقاء القيم ، ما دامت العدالة تعم الجميع ، وألف لا للإرهاب في صوره ومجالاته المختلفة.

  alhager@gawab.com