المشروع الصهيوأميركي في لبنان .. حرب طائفية
بقلم/ ابراهيم عامر
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
الجمعة 16 مايو 2008 09:51 ص

مأرب برس – خاص

كثرت في الأيام الأخيرة , وعلى خلفية الأحداث الجارية في لبنان , كثرت الصيحات المتعالية م ن هنا وهناك لاستنهاض السنة العرب للوقوف في وجه المشروع الفارسي الرافضي – كما يطلق عليه – للسيطره على الشرق الأوسط , والدول العربية على وجه الخصوص في مشروع منظم لإستئصال الهوية العربية و التبشير بالتشيع في البلاد السنية ! . نعم , من حق العربي السني أن يخشى على هويته القومية و المذهبية من المد الشيعي المتزايد والمدعوم من إيران, لكن من واجبه أيضاً أن يعرف عدوه الحقيقي الذي يسعى لطمس هويته الدينية, وحتى الإنسانية , ويمارس منذ عقود سياسة التفريق والتمزيق ودعم الأنظمة الديكتاتورية حتى أصبح العرب والمسلمون مجموعة دويلات متجاورة جغرافياً, متباعدة في الأهداف والمشاريع , إن وجدت مشاريع أصلاً.

الإيرانيون يعتزون بقوميتهم ويحترمون أنفسهم ويقدسون مذهبهم , ولديهم مشروع , وليس أدل على ذلك من أنهم استطاعوا بناء دولة قوية , مستقلة القرارات , معتمدة على ذاتها , ولها نفوذ يضرب له الغرب ألف حساب. وأيضاً سعيهم الدؤوب لنشر مذهبهم وثقافتهم , ومن حقهم أن يفعلوا ذلك , ولكن بطريقة لا تستفز الآخر , ولا تهدف إلى إلغاء وجوده.

من المسلم به أن هناك أطرافا في إيران تقوم بدعم مليشيات شيعية في العراق, والتي تقوم بالتصفية والقتل على الهوية والمذهب في جرائم بشعة لن ينساها لهم التأريخ , كما تقوم بذلك جماعات سنية متشددة أيضاً ضد مواطنين شيعة قد لا تربطهم بتلك المليشيات إلا رابطة المذهب. هنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم عن سبب السيطرة الإيرانية والنفوذ الإيراني في العراق؟ وماذا لو كان هناك نفوذ إيجابي للدول العربية في العراق , ياترى هل سيكون النفوذ الإيراني بهذا الحجم الذي نراه اليوم ؟ . لا أتوقع ذلك مطلقاً.

لقد وجد الإيرانيون الفرصة مواتية في العراق المحتل لبسط نفوذهم و توسيع مشروعهم عندما لم يقف أمامهم أي مشروع أخر غير المشروع الأمريكي , وهو المشروع الذي يرفضة الشعب العراقي وشعوب المنطقة بأسرها , ولا يسمح بتمريره إلا الأنظمة العربية التي لا تجد فيه بأساً طالما أنهم لا يملكون مشروعاً عربياً موحداً , ولا حتى مشاريع فردية تقف أمام المشروعين الإيراني والأمريكي في المنطقة.

في العراق تسعى أمريكا جاهدة لفرض إستقرار وهمي يحفظ ما تبقى من ماء وجهها , والذي لم يعد منه ما يكفي حتى وجه جورج بوش في الفترة المتبقية من ولايته , وفي الإتجاه الأخر تسعى إيران لفرض سيطرتها من خلال نشر الفوضى , والتي تحرج أمريكا كثيراً , حيث تظهر للغرب فاشلة في إدارة شئون العراق كقوة إحتلال منوطة بالكثير من الواجبات تجاه البلد الذي احتلته بحسب قوانين مجلس الأمن التي لم تغفل بالطبع عن حقوق الشعوب المحتلة !

وحتى لو كان الأمريكان مستفيدين من حالة الفوضى هذه, حيث تبرر لهم المكوث في العراق ونهب ثرواته النفطية لمدة أطول , فإن النتيجة واحدة, فالعراق سيظل مسرحاً للنزاعات والإقتتال الطائفي لصالح مشاريع خارجية لا تصب في مصلحة العراقيين.

 

أمامنا نموذجين للتحالفات الإيرانية هما الأكثر تأثيراً على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط , الأول هي المليشيات الشيعية في العراق , والثاني حزب الله في لبنان.

المليشيات الشيعية في العراق قائمة على العبثية, ولا تملك مشروعاً هي أيضاً, وإنما هي عصا بيد المشروع الإيراني يلوح بها أمام نظيره الأمريكي متى ما زاد الضغط الأمريكي على الأنشطة النووية لإيران , و طبيعة المجتمع العراقي و العلاقة بين السنة والشيعة في العراق هي أهم أسباب ما يجري من تصفيات مذهبية قذرة من الطرفين.

أما في لبنان فالوضع مختلف تماماً , فحزب الله المدعوم من إيران على مستوى عالي من التنظيم , وخطابه يتسم بالرقي والهدوء, متزن في أفعاله وفي ردود الفعل أيضاً , و له مشروعه الخاص الذي كان متمثلاً في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي وإخراجه من الأراضي اللبنانية , وهو ما تحقق فعلاً في 2000 م , و لكن في ظل وجود رغبة إسرائيلية لإعادة إحتلال لبنان لأنها لم تخرج في عام 2000م إلا بسبب ما تكبدته من خسائر تحت الضربات الموجعة للمقاومة , و إسرائيل لا زالت تحتفظ بأسرى لبنانيين ما يعني أن الحرب لا زالت قائمة و بالتالي فإن الحاجة لمقاومة في لبنان لا تزل قائمة هي أيضاً.

حزب الله في لبنان ليس عدواً لأهل السنة كما يريد البعض أن يقنع أهل السنة في لبنان والعالم العربي , فقد سمعنا في الأيام الأخيرة دعوات كثيرة على مواقع الإنترنت والمنتديات وخصوصاً من التيار السلفي تدعو أهل السنة إلى الجهاد لنصرة إخوانهم المضطهدين في لبنان , والذين ينكل بهم الشيعة , و يؤدي الدور عنهم حزب الله !

القول بأن إيران تقوم بتحالفات مع مليشيات في البلدان العربية هدفها تصفية أهل السنة وقتلهم هو قول بعيد عن الصحة , فالفرق بين طبيعة المجتمع العراقي والمجتمع اللبناني هو السبب الذي لأجله يختلف مايجري في لبنان عما يحدث في العراق. الخلافات بين السنة والشيعة تحولت في العراق إلى حروب طائفية سببها الرئيسي أن العراق بلد ينتشر فيه التكفيريون بكثرة سواء من السنة أو من الشيعة. بالرغم من ذلك , تظل إيران تتحمل مسؤلية كبيرة لأنها هي التي تدعم الجماعات الشيعية , وهذا لا يبرئ أيضاً أي أطراف أخرى تدعم الجماعات السنية.

بينما يحدث ذلك في العراق, فإن الخلافات المذهبية في لبنان لم تتعد الإنحياز السياسي في أسوأ حالاتها , وذلك لأن اللبنانيين يتمتعون بدرجة عالية من الوعي بين شعوب المنطقة. وحتى الأحداث الأخيرة , ليس ثمة ما يدل على أنها صراع بين السنة والشيعة.

في لبنان تمادى حلفاء أمريكا في استفزاز المقاومة , و تكلم جنبلاط عن استعدادهم للحرب , كان واثقاً أكثر من المعتاد , فالأسلحة الأمريكية تتدفق على الموالاه أكثر من أي وقت مضى فالوقت قد حان للخلاص من كابوس حزب الله الذي يؤرق الكيان الصهيوني , وفعلاً بدأوا الحرب بالقرارين الذين اصدرتهما الحكومة بشأن حضر شبكة إتصالات حزب الله و عزل مدير أمن المطار وفيق شقير الموالي للحزب , فإذا كانت شبكة الإتصالات بين قادة المقاومة تعتبر إنتهاكاً لسيادة الدولة , فإن سلاحها يشكل إنتهاكاً أكبر , وكان لا بد من أن يلي هذين القرارين قرار بنزع سلاح حزب الله وهو الأمر الذي عجزت عنه إسرائيل بكل ترسانتها العسكرية. فهم حزب الله الرسالة جيداً , فهب للدفاع عن سلاحه وعن وجوده وهو ما جعل أنظمة العجز العربي تهب هي أيضاً , ولكن للهجوم على حزب الله , وسخرت هذه الأنظمة إعلامها وصحفها للنيل من حزب الله ووصفه بالعمالة , ووصف ماقام به بالإنقلاب على لبنان وشعبه. هذه الأنظمة نفسها اتخذت ذات الموقف وشنت نفس الحملة عندما قام مسلحوا فتح بمحاولة إنقلاب على سلطة حماس المنتخبة من الشعب , فهبت حماس للدفاع عن نفسها وفرضت سيطرتها على قطاع غزة, لكن الملفت في الأمر أن المستهدف من تلك الحملة الإعلامية كانت هي المقاومة أيضاً ممثلة في حركة حماس ! وهو ما يؤكد لنا أن الأنظمة العربية – رغم أن قراراتها ليست بيدها – إلا أنها هذه المرة قد اتخذت قراراً بالوقوف إلى جانب المشروع الصهيوأميركي في وجه أي مقاومة شعبيه للوصاية الأمريكية والصهيونية على شعوب المنطقة.

حزب الله أحرج الأنظمة العربية كثيراً عندما بدد أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر, وهي الأسطورة التي طالما روجتها الأنظمة العربية لشعوبها , الشعوب المسلمة التي تتوق إلى اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين والمسجد الأقصى من أيدي الصهاينة , وليعود الفلسطينيون إلى أرضهم ويمارسوا حقهم الطبيعي في العيش فوق أرضهم كأي كائن بشري أخر.

اليوم هذه الأنظمة المتهالكة تسعى لتشويه صورة حزب الله أمام شعوبها , وتسعى لتبديد قواه , ولكن هذه المرة من خلال الترويج لحرب طائفية يتكاتف فيها أهل السنة لقتال حزب الله الشيعي الذي يشكل خطراً على أهل السنة في لبنان !

وبحسب صحيفة القدس العربي فإن مفتي السعودية عبدالعزيز آل الشيخ كان يحاضر منذ أيام في الرياض, وشن هجوماً على حزب الله , وقال إن الإسلام برئ من حزب الله و مما يقوم به في لبنان. واتهم ال الشيخ حزب الله بالتعاون مع اليهود لتسهيل دخولهم الي بلاد الإسلام وقال : "هؤلاء جاءوا ليهيئوا المكان لليهود وللدول الكبري ويهيئوا لهم الجو ويسهلوا عليهم الدخول ويعينوهم علي السيطرة علي بلاد الإسلام بكل ما تحمله الكلمة، وهذه الخطوات ما جاءت عبثا بل جاءت تمهيداً لشرور أرجو الله ان يكف شر من فيه شر"

وإنه لأمر مؤسف أن يشترك في حملة التحريض هذه علماء كبار كالشيخ عبدالعزيز آل الشيخ. ويحق لنا هنا أن نسأل الشيخ – إن كانت إتهاماته في محلها – عن دور التيار السلفي ( الغير جهادي ) الذي ينتمي إليه في مقاومة دخول اليهود والدول الكبرى إلى بلاد الإسلام؟ و نسأله أيضاً عن دور الحكام في ذلك وخاصة حكام الخليج , وأكثر خصوصية حكام السعودية ؟ أليسوا هم من سهل للأمريكان الدخول إلى بلاد المسلمين وإقامة قواعد لهم في البر والبحر ؟ بحيث أصبح خروجهم من بلادنا شبه مستحيل في ظل الظروف الراهنة.

إنه لأمر مؤسف حقاً أن يسعى بعض أهل السنة بإعلامهم وفتاواهم لحرب مع حزب الله في لبنان , ويتناسوا العدو الحقيقي الذي يتربص الدوائر بالمسلمين جميعا سنة وشيعة , وهي إسرائيل وأمريكا.

العراق ليس منا ببعيد , والجرح العراقي لا يزال ينزف كل يوم وكل لحظة بسبب الإقتتال الطائفي, واليوم هناك من يدعوا لاقتتال طائفي أخر في لبنان سيكون المنتصر الوحيد فيه هي إسرائيل التي ستعود لإحتلال لبنان المنهك , والذي سيكون فريسة سهلة , بسنته وشيعته.

الأنظمة العربية ليس لديها مشاريع ذات طموح البتة, باستثناء الحفاظ على عروش الملك وكراسي الرئاسة , بل يظهر بشكل جلي أنهم قد قرروا الإنخراط في المشروع الصهيوأميركي تحت مظلة السيد بوش والسيدة رايس , والذي يضمن لهم البقاء على عروشهم لفترة أطول , بحسب نظرتهم القصيرة , و إلا فإن مشاريع شعوبهم أبقى لهم وأكثر دواماً.

أصبحت الدول العربية أرضاً خصبة للمتصارعين لكي يقيموا فيها التحالفات , و يطبقوا فيها مشاريعهم الخاصة , ومادام أننا بلا مشروع ففي رأيي أن المشروع الإيراني هو الأقرب إلينا كوننا جميعاً مسلمين ونشترك في هدف رئيسي وهو التخلص من الهيمنة الأمريكية , والجرثومة الإسرائيلية التي نكبت أهلنا في فلسطين ونكبت المنطقة بأسرها.

و ما أتمناه حقيقة, هو أن يصحوا العرب من نومهم الطويل وأن يكون لهم مشروع موحد خاص بهم يجعلهم أقوياء , عندها لا بأس أن يتحالفوا مع المشروع الإيراني ولكن من موقع قوة , ومن منطلق القدرة على إتخاذ قرارات تصب في مصلحة دولهم وشعوبهم , وتدعم مشروعهم الذاتي , وحينها لن تشكل إيران أي خطر على الهوية العربية , وبحكم أن معظم الدول العربية سنية المذهب فلن يكون هناك أي خوف من المد الشيعي على الهوية المذهبية لأهل السنة.

إغراق حزب الله في حرب طائفية هو الحل الأسرع مفعولاً والأكثر جدوى لتدمير قوته وإنهاكه وجعله عاجز عن الوقوف في وجه المشروع الصهيوأميركي , والأنظمة العربية لن تتوانى في تنفيذ هذا المخطط تحت ضغوط من الإدارة الأمريكية , ويبقى الشئ الأهم الذي نراهن عليه هو فطنة حزب الله لهذا المخطط وعدم الإنجرار إلى مثل هذه المعارك المفتعلة , ونراهن أيضاً على وعي الشعوب العربية المتزايد , و أن يتجنب عقلاء أهل السنة - وهم كثر- الوقوع تحت تأثير أي محاولات تسعى لتعبئتهم إستعدادا لخوض المعركة المقدسة ضد الشيعة , و بالخصوص حزب الله.