صراع السيطرة
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 16 إبريل-نيسان 2008 05:21 م

مأرب برس - خاص  

احتفى المتقاعدون العسكريون قبل ايام مضت بالذكرى السنوية الاولى لبدئهم مسيرتهم الاحتجاجية السلمية ، التي تعددت فيها أساليب تعبيرهم إزاء واقع فرض عليهم إلى حد كبير،أسهم في تفاقمه الاهمال المتعمد واستخدام السلطة لسياسة الاسقاط القسري المنظم،وإن من قبل البعض ، مقابل غض الطرف من البعض الآخر، ولم يتوقع أحد أن تتطور الاصوات المحتجة التي كانت متناثرة في بقاع متعددة من الجسم اليمني لتتجمع ضمن كيان جديد غير مألوف في الحياة السياسية اليمنية، وكان لالتقاء خصوم الامس وتشكيلهم لكيان جديد ذو طبيعة اقصائية متوارثة - من تاريخ الصراع المر والدامي الذي عاشته كثير من مناطق اليمن تحت تأثير نخب دموية سلبت من اليمن حيويته وهويته وذاته اليمنية – ذلك الكيان يحسبه الكثيرين رخوا هلامياً لكن عند محاولة الاقتراب منه سيثبت أن له قدرة عجيبة على التحرك والتجانس ، ظهرت فيه رغبة واضحة للخروج من بوتقة القيادة الفردية والانطلاق نحو مزايا القيادة الجماعية التي تعطي لجميع الافراد حضورا متوازيا وتربك الجهات المراقبة نظرا لعدم وجود رأس واضح ومحدد يقود ذلك الكيان وبالتالي تصبح عملية احباطه والسيطرة عليه خارج اطار الممكن ، مما اصاب منظومة الحكم بارتباك في تحديد ملامح واضحة للتعامل مع تلك الحركة الاحتجاجية التي امتدت أذرعها بشكل واسع وتنوعت وسائله بإختلاف المناطق التي نفذ فيها فعالياته، ومن الواضح أن المتقاعدين أستخدموا سقف خطاب مرتفع جدا بغية الحصول على استثارة غضب السلطة - في البداية على الاقل - ودفعها للقيام بأعمال مجنونة وعنيفة ، من شأنها إكسابهم حضورا واسعا مبني على التعاطف وكسب التأييد محليا وخارجيا، وبناء قاعدة جماهيرية واسعة في المحافظات الجنوبية على وجه التحديد لآن المحافظات الشمالية بحسب تعبيرات العديد من القيادات في حركة المتقاعدين تلك مشاكلها أخرى وعلى أبنائها التحرك في إطار منفصل لا يلتقي مع حركتهم نهائيا، وذهبوا ابعد من ذلك عندما اعتبروا أن أبناء المحافظات الشمالية هم جزء من مشكلتهم وبالتالي لن يصبحوا جزءً من الحل،وكانت مسألة رفع الشعارات المناطقية والانفصالية ورفع صور قيادات الحزب الاشتراكي التاريخية مع استثناء القيادات الشمالية (كما حدث عندما تم شطب صورة عبد الفتاح اسماعيل من الصور التي رفعت للرؤساء الذين حكموا الجنوب قبل إعادة تحقيق الوحدة ) بالإضافة لرفع علم ما كان يعرف ب(ج- ي –د ش) هي تعبير كلي عن رفضهم لاي وجود نفسي أو معنوي لكل مايأتي من أبناء المحافظات الشمالية، بإعتبار أنهم شر يجب تفادية ، على الرغم من أن معظم الكتابات والكتاب والصحف التي أبرزت مطالبهم ورفعت سقف خطابهم ومطالبهم وصنعت رموز للحركة هم عملياً من أبناء المحافظات الشمالية والذين تحمسوا لقضيتهم لدوافع مختلفة مدفوعين برغبات مهنية وأخرى سياسية دونما مراعاة لاي قواعد ، وظهر جلياً أن للصحافة دورا حاسماً في قولبة الراي العام الداخلي والخارجي نحو قضية المحافظات الجنوبية، وخلال عام كامل فرضت احداث تلك المحافظات ايقاعاتها على الصحف ومستوى توزيعها وغابت معظم المحافظات اليمنية والقضايا العامة عن تناولات الصحافة ومن الناحية الجغرافية كانت مساحات الاحداث في نطاق محافظتي لحج والضالع وفي بعض الاحيان عدن ابرزت أن هناك قصورا في أداء الصحافة باعتبارها الصوت المعبر عن المواطن بشكل عام وغابت المظالم التي يتعرض لها الناس في مختلف المحافظات الاخرى. وعلى الرغم من أن البدايات الاولى لتلك الحركة كانت تقول على لسان قادتها "أنها حركة حقوقية وليست سياسية" ،إلا انها بعد ذلك رفعت شعارات سياسية واصبحت تطالب بحق تقرير المصير ، والعودة لما قبل 1990م ، وشككت في مشروعية قيام الوحدة لانها قامت دونما استفتاء عليها. وقد اتخذت الفعاليات الاحتجاجية للمتقاعدين منحى تصاعدي أبرز ملامحة استمرار الفعاليات وتنوعها مكانياً وزمانياً (الضالع – ردفان – عدن – المكلا) وحاولت استحضار شتى المناسبات الوطنية وتواريخ الصراعات السياسية من اجل ربط الاحداث الحالية بما كان سابقاً، وتميزت تلك الفعاليات بالتنظيم الشديد المبني على قدرة فائقة على الحشد والتبليغ ، وتنوعت اماكن اقامة الفعليات بما أوحى بأن هناك تزايدا لقدرة المحتجين ونجاحا في تكتيكاتهم في حشد الانصار والمؤيدين، وظهر أن للحركة الاحتجاجية آليات تواصل وحشد غير معهوده ، وكان واضحا أن هناك استفادة حقيقية وواضحة من قدرات وامكانيات غير محددة أو معروفة انتجتها الممارسات السيئة والخاطئة للسلطة منذ ماقبل حرب 1994م حيث أدت تلك الممارسات التي فشل في معالجتها وحلحلتها إلى تزايد أعداد الساخطين ضده وبالتالي تحالفهم لاسقاطه أو إحراجه على الاقل ،و مما سيؤدي في اسوأ الحالات لاعادة اللاعبين ضده الى مربعات سابقة. ولاول مرة يخرج الفعل السياسي في المحافظات الجنوبية على الاقل من عباءة الحزب الاشتراكي ، وإن كانت العديد من قيادات حركة المتقاعدين او غالبيتها هي من قيادات الحزب الاشتراكي الساخطة على ما تعتبره تخلي الحزب عن القضية الجنوبية، وانصرافه عن تبني ملف إعادة مسار الوحدة ومعالجة اثار حرب صيف عام 1994م وكان في ذلك إشارة واضحة ان هناك أزمة حادة ستعصف بالحزب الاشتراكي اليمني شريك الوحدة، ويبدو أن إضعاف الحزب الاشتراكي كان هدفا للسلطة لكنه خاطئا هذه المرة على الاقل ، وكان هناك تواطء من الاحزاب الاخرى التي كانت تمني النفس بوراثته في المحافظات الجنوبية، لكن الارث لم يكن سهلا وليس واقعيا بالحسابات الجيوساسية ، وكان اشبه ما يكون بعبوة مؤقتة قابلة للانفجار حذر منها الحزب الاشتراكي خلال مؤتمره العام الخامس عندما اعتبر أن اتجاه السلطة لدعم المشاريع الصغيرة داخل الحزب ، والتي تدعي حق تمثيل ابناء الجنوب ، وأن سيطرة تلك المشاريع وسطوتها هي خطر حقيقي يتهدد الوحدة اليمنية . لكن استجابة السلطة لتلك التحذيرات كانت منعدمة تماما . 

اللقاء المشترك اللاعب الثاني في الساحة السياسية كان يرى في تلك الفعاليات التي إرتفعت وتيرتها بعد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006م وعلى لسان عدد من قياداته أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية رد فعل طبيعي على ممارسات السلطة ولم تسعى لدراسة تلك الاحتجاجات بشكل جدي مؤملة أنها ستسفيد من حالة السخط تلك في فرض شروط جديدة للتفاوض مع السلطة والرئيس صالح الذي رفضت الاعتراف بمشروعية فوزه مفضلة التعامل مع ذلك الفوز من باب فقة الأمر الواقع وكان لفوز مرشحي المشترك في معظم مقاعد المجلس المحلي في محافظة الضالع فعل السحر في أن حالات من السخط ضد سياسات الحزب الحاكم ستتزايد وأنه ما دام الناخب الساخط سيصوت لصالح المشترك فلا يهم الشعار أو المطالب التي يرفعها، لانه لن يختار في انتخابات البرلمان القادم غير المشترك ، وبهذا يكون قد استطاع كسب ثمار لم يبذل جهودا حقيقية في زراعتها،وانما كان قاطفا لثمرتها، وهذا ما جعل الناطق الرسمي وقتها للقاء المشترك يقول (إن ما يحصل في المحافظات الجنوبية هو نتاج طبيعي لسياسات السلطة وأن المشترك لن يلعب دور الاطفائي في المحافظات الجنوبية) حينها كان المشترك مؤمناً بقدرته على النزول للشارع والسيطرة على الجماهير وتسخيرها لصالحه ، وكان يعتبر ما يحدث جزء من مشروعه المسمى بالنظال السلمي الذي دشنه الاصلاح بشراكة محدودة مع بقية احزاب اللقاء المشترك، وكان يحاول بمناورته تلك تحقيق مكاسب سياسية وادعاء الوصاية على الحركة في الميدان التي منحها بركاته ومساندته السياسية باعتبارها حقا كفله الدستور، لكن المفارقة حدثت عندما أراد المشترك النزول للشارع والمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية تم رفضه ومقاطعة الفعاليات التي يدعو إليها بل وتعرضت قيادته لاعتداءات من قبل المنتمين لحركة المتقاعدين كما حدث في ردفان أولا والضالع تاليا، وعلى الرغم من أن قيادات حزبية من اللقاء المشترك ركبت موجه المطالب التي نادت بها حركة المتقاعدين بل إن قيادات التجمع اليمني للاصلاح في محافظتي عدن وحضرموت تبنت خطاباً سلبياً متشنجاً ، فيما يخص قضية الوحدة ، وبدأ وكأن الطرفين في ساحة للمزادات والتسابق على تحطيم أرقام قياسية في سقف الخطاب السياسي الذي كانت الوحدة تعد فيه سقفاً أعلى ، تلك التصريحات جعلت القائم باعمال رئاسة الاصلاح يتدخل ليعلن ان الوحدة خط أحمر وان الاصلاحيين سيقاتلون من أجل الحفاظ عليها مستحضرا تجربة حزبه عام 1994م. 

وقد أدى استخدام المتقاعدين لتكتيك الاستمرار في تنظيم الفعاليات الاحتجاجية والاعلان المتكرر عنها وتعمد الاطراف المشاركة فيها على استفزاز النظام بالشعارات والخطابات المحرضة بغية انفلات السيطرة على الامور بهدف الحاق الضرر الجسدي المادي والنفسي بالمعتصمين مما يكسبهم تعاطف اكبر شريحة من المجتمعات المحلية وقد تؤدي تلك الاصابات الى كسب الاطراف الخارجية وتعاطف منظمات حقوق الانسان، وقد أدت مجمل تلك الاحداث لسقوط تسعة قتلى وتسعة وثلاثين جريحا إلى ما قبل احتجاجات العاطلين عن العمل. 

ولان حركة الاحتجاجات السلمية تلك كانت بمثابة تكريس لثقافة جديدة لم يعتدها المجتمع بسبب استمراريتها ودلالااتها السياسية كونها تعبر عن شريحة واسعة تعرضت لاقصاء قسري نتيجة لحدث سياسي فقد اكتسبت تعاطف جماهيري واسع في انحاء واسعة من اليمن ، لكن يبدو أن ذلك التعاطف لم يرق كثيرا للمتقاعدين وقوبل باستخدامهم لسقف خطاب اقصائي مرتفع ومحاولة الوصاية على كافة أبناء المحافظات الجنوبية واعتبار اي اصوات مخالفة لموقفهم ذلك من أذناب السلطة والنظام إلى التأثير على الاصوات المعتدلة أو المخالفة وتحييدها مستندين على أخطاء السلطة والمعارضة في تبني رؤى واضحة وشفافة لمعالجة ووقف تلك التداعيات وفي لحظة ما غاب حزب الوحدة العريض ولم يعد هناك صوت وحدوي قادر على التحدث في تلك المناطق.