مصر تحت الحصار ؟ !
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 06 فبراير-شباط 2008 01:20 م

في طريقي إلى حفل التوقيع على كتابي " معركة الفلوجة " في معرض القاهرة الدولي للكتاب يوم الجمعة الأول من فبراير ، لاحظت كثافة أمنية كبيرة من الجنود و والضباط من أعلى الرتب وأدناها تتجمع وسط أرض المعارض في شكل يدعو للقلق سألت مرافقي ما الأمر ؟ قال : إنهم يحاصرون مظاهرة داخل المعرض اعتراضا على إغلاق الحدود مع غزة ، توقعت أن يكون الحشد ضخما وكبيرا من المتظاهرين إلا أني فوجئت بأن المتظاهرين لم يكن عددهم يزيد عن بضع عشرات كانوا محاصرين بآلاف الجنود والضباط .

في نفس الوقت كان آلاف من الجنود و الضباط الآخرين يحاصرون مقر نقابة الأطباء في شارع قصر العيني وسط القاهرة حيث كان خمسة آلاف طبيب يتظاهرون في اجتماع جمعيتهم العمومية احتجاجا على رفض الحكومة إقرار كادر الأطباء

. بينما كان آلاف آخرون من الجنود يمنعون مئات الأطباء الذين وفدوا من محافظات مصر من الوصول إلي مقر النقابة للانضمام إلي زملائهم ، وقد قرر الأطباء رفع الرايات السوداء على مقار النقابات بدلا من المعاطف البيضاء التي اعتادوا على ارتدائها وذلك للتعبير عن الحال والأيام التي يعيشونها. فبعدما كانت مهنة الطبيب من أرقي المهن وأكثرها دخلا في مصر أصبح الأطباء حسب الشعارات لا يجدون قوتهم وقد عبروا عن ذلك من خلال بعض الشعارات التي رفعوها مثل " ياحكومة الانجاز مش لاقي حق الجواز " ، أما نقيب الأطباء الدكتور حمدي السيد فقد عبر عن حالة الحصار والإذلال التي يعيشها الأطباء في مصر قائلا : " نحن أحق الفئات بالكادر الخاص ، فنحن أفضل شباب هذا الوطن من حيث العلم والتحصيل وأطباؤنا نجوم ساطعة في كل بلاد العالم ، بينما يعيشون غرباء في وطنهم ، والدول العربية " تبهدل " الكفاءات الطبية المصرية مقابل ريالات قليلة " ، وقبل الأطباء أضرب أساتذة الجامعات أرقي المهن العلمية والتعليمية في مصر والعالم لأنهم لا يجدون القوت الذي يكفيهم أن يعيشوا شرفاء ، ولا أدري كيف سيعد هؤلاء جيل المستقبل وهم محاصرون في أرزاقهم ، أما معركة القضاة مع الحكومة بشكل عام و وزير العدل المصري بشكل خاص ـ الذي يبدوا أنه عين ليقوم بمهمة واحدة هي ممارسة الحصار والإذلال لهم وكأنه لم يكن واحدا منهم ـ فلازالت مفتوحة ، ومن خلال أحداث العام 2007 نجد أنه لا يوجد فئة من فئات الشعب المصري لم تضرب أو تتظاهر بدءا من عمال النظافة وحتى القضاة والأطباء وأساتذة الجامعات ، وهذا يعكس حالة الحصار العامة التي يعيشها الشعب المصري من قاعه إلي قمته ، وحالة الحصار هذه أدت إلي التراجع في كل مجالات الحياة وإلي الشلل في كثير منها ، فكل مسئول يحاصر من تحته لأنه محاصر ممن فوقه وفي شكل بسيط من أشكال هذا الحصار ما نشرته صحيفة الدستور عن محافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير في عددها الصادر في الثالث من فبراير حول اعتراض أعضاء المجلس المحلي لمحافظة القاهرة على قرار اتخذه الوزير بفرض مبلغ 25 جنيها على كل متر مكعب لكل مواطن صاحب عقار يريد هدمه أو بناءه ، فإذا بالحاكم بأمره عبد العظيم وزير يقول لهم ردا على اعتراضهم " أنا لا آخذ رأيكم أنا فقط أخبركم به " ثم أغلق باب المناقشة ، هكذا يحاصر المحافظ من تحته لأنه محاصر ممن فوقه ولأنه لا يؤخذ رأيه أيضا وإنما فقط يخبر ، وبالتالي فهو يطبق السياسة العليا على من تحته ، ومن يرأسهم يطبقون سياسة الحصار على من دونهم ، وتستطيع أن تعمم هذه الحالة على كل القطاعات في مصر ومن ثم فلا إبداع و لا حلول ولا ابتكار ولا خروج من المأزق الذي تعيشه مصر طالما أنها محاصرة بهؤلاء الذين يديرون شئونها بسياسة الحصار و القمع و الإملاء ، أما الذين يخالفون التعليمات أو يحاولون كشف الفساد و الحقائق موظفين رسميين أو قضاة أو صحفيين أو كتاب أو من بسطاء الناس أو كبارهم فسرعان ما يجدون أنفسهم في دوامة القضايا والمحاكمات من قبل الأزلام والمنتفعين ، وأقرب مثال لهؤلاء المهندس يحي حسين الذي كشف عن عملية تلاعب كبيرة في بيع محلات عمر أفندي حيث أبلغ النائب العام المصري أن اللجنة التي قدرت قيمة الشركات قالت إنها تزيد عن مليار جنيه لكنها بيعت بما يقرب من نصف المبلغ ، لكن الرجل الذي كشف عن إحدى عمليات النهب التي تتم لمصر وممتلكات شعبها يحاصر الآن في بلده بأكثر من عشر قضايا رفعها ضده أنصار المنتفعين من وراء بيع مصر بتهم السب والقذف التي من السهل أن يجد أي منا نفسه وقد أصبح مدانا بها أو يركض في المحاكم ليدافع عن نفسه بعد مقال كتبه أو رأي قاله أو كلمة حق صدع بها ، لتصبح كلمة الحق وحتى مجرد الرأي أو الكلام أو الكتابة أيضا تحت الحصار ، ومن ثم فإن الجميع يكتب أو يعترض أو يكشف عن الفساد ويحاربه وهو تحت الحصار .

نفس هؤلاء الذين يفرضون الحصار على شعب مصر في كل شيء هم الذين يحاصرون مصر من الداخل ويجعلوا شعبها يقضي نصف يومه للبحث عن بعض أرغفة الخبز ليسد بها رمق أولاده ، فمصر بلد النيل هي أكبر مستورد للقمح في العالم بعدما شارك القائمون على أمرها في عدم اكتفائها واكتفاء شعبها من القمح المحصول الاستراتيجي الأول في العالم ، ولا يكفي أن يخرج مسئول ليعلن على صفحات الصحف الحكومية الصادرة في الثالث من فبراير أن مصر لديها مخزون استراتيجي من أجود أنواع القمح يكفي لستة أشهر ، وماذا عن الستة التي تليها إن كان هذا صحيحا والتي تليها والتي تليها ، لماذا لا يصبح القمح محصولا استراتيجيا يتم دعم الفلاح المصري لإنتاجه بدلا من دعم الفلاح الأمريكي والإيراني والأوروبي وغيره ، لماذا يهان الفلاح المصري الذي يزرع القمح ويحاصر ويحصل على الفتات مما يدفعه للهروب إلي محاصيل أخري وهذا واضح من مساحة الأرض الزراعية التي انخفضت وتقلصت هذا العام عن العام الماضي بالنسبة للقمح ، وكيف يتم الحديث عن مخزون ستة أشهر في الوقت الذي تزداد فيه الطوابير للحصول على الخبز ؟ لماذا يحاصرون مصر ويمنعونها من أن تكفي نفسها من القمح كما تكفي دول أوروبا وأمريكا وكثير من دول العالم الأخرى نفسها من القمح ، ولماذا تتعامل كثير من الدول مع القمح على أنه محصول استراتيجي ويتعامل معه القائمون على أمر مصر على أنه استيراد استراتيجي .

إن الأمة التي لا تملك خبزها لا تملك قراراها ، وبالتالي لماذا يصر هؤلاء على أن حصار القرار المصري وجعله تحت رحمة الذين ينتجون القمح ويستطيعون إيقافه أو منع تصديره لتجويع شعب مصر في أي لحظة ؟ كذلك فإن مصر تحت الحصار التكنولوجي والعلمي والإبداعي في كافة المجالات الأخرى ، لأن الذين يحكمون مصر تسببوا في هجرة ما يقرب من مائة ألف عالم مصري يفيدون الدنيا الآن بعلمهم بعدما لفظتهم بلادهم ، كما أنهم عاجزون عن تشجيع أية صناعة علمية أو تكنولوجية لخوفها من الذين يصدرون القمح إلينا ، بينما إسرائيل تعلن أنها الدولة التكنولوجية الأولي في المنطقة ، وبينما يتم تشجيع المخترعين من الشباب والأشبال واكتشافهم من المدارس والجامعات في الدول الأخرى ورعايتهم حتى أن الحكومة الأمريكية تدعم الجامعات سنويا بأكثر من عشرين مليار دولار لتشجيع الطلاب والأساتذة على البحث العلمي والاكتشافات و الاختراعات الجديدة ، فإن الجامعات في مصر محاصرة بالأمن طوال الوقت مما دفع بالعشرات إلي الهروب من حالة الحصار التي تعيشها مصر ولو إلي الموت غرقا على سواحل إيطاليا أو اليونان أو تركيا ، والعجيب أن الذين يفرضون هذا الحصار كأنهم مصابون بالعمى و الصمم وتعطل الحواس والعجز عن إدراك الحقيقة التاريخية التي كان أهل غزة آخر من عبر عنها وهي أن الحصار يقود في النهاية إلي الثورة والانفجار وهدم الأسوار ، وبالتالي فكل من ألقاه في مصر أو خارجها يسأل السؤال الكبير الذي يبحث عن إجابة كبيرة أيضا .. إلي مت هذا الحصار وإلي أين يمكن أن يذهب هذا الحصار بمصر وشعبها ؟

 * الجزيرة توك