آخر الاخبار
من وعاظ السلاطين إلى وعاظ المحتلين/3
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 24 يوماً
الجمعة 28 ديسمبر-كانون الأول 2007 08:45 م

مأرب برس - خاص

لا يوجد جدل بأن العقيدة الإسلامية السليمة هي التي نزلت في القران الكريم وجاء بها الرسول الكريم في أحاديثه الشريفة وهي ثابتة إلى الأزل وغير قابلة للتغيير أو التعديل أو التحريف " إنا نحنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" سورة الحجر وهي تمثل قاعدة الإيمان الأساسية والإيمان ذو ثلاثة أضلاع الاعتقاد والقول والعمل, والعقيدة غير السليمة هي من نتاج البشر وهما بلغت قوتها فإنها تبقي مقيدة بأفكار البشر وعاداتهم وتقاليدهم ومستواهم العلمي والفكري وهي تختلف عن الأولى لقابليتها على التحريف والتغيير والتبديل والتعديل. والعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة تناولت جميع ما يحتاجه البشر في حياتهم الدينية والدنيوية دون الخضوع إلى تحديدات الزمان والمكان.

وكما هو معروف فأن أركان الإسلام هي الشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج, وهي ما تسمى بالفرائض, ونظراً لأهمية الجهاد فأنه سميً بالفريضة الغائبة أو الفريضة السادسة, والجهاد أمر أوجبته الشرائع السماوية والوضعية كما أن القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة سمح بالجهاد منطلقاً من مفهوم الدفاع عن الأوطان والشعوب ومصالحهم أمام أطماع الآخرين من قوات الاحتلال والغزو وهو ما يستلزم مقاومته عبر ما يسمى بالكفاح المسلح, بل أن الرئيس الأمريكي جورج بوش حادي ركب الغزو الأمريكي للعراق أعترف بأن بلاده إذا تعرضت للعدوان والاحتلال فأنه سيكون أول من يدافع عنها. وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الأمريكي بأن الله قد أرسله لغرض تحرير العراق ونشر الديمقراطية في ربوعه, وفي صراحة متناهية اعتبر غزوه العراق حرباً صليبية مقدسة وتم بعد كشف هذه الفضيحة في وسائل الإعلام وخشية تداعياتها أن بررت كزلة لسان وخطأ غير مقصود لكن الرقعة كنت أصغر بكثير من الشق الذي فتقه تشبيه بوش,ونحن لا نود أن نحرج المرجعية وندخلها في متاهات المحظور في توضيح رأيها بالمبعوث الجديد الذي طبق إرادة الله كما أدعى ولا وصف الغزو بالحرب الصليبية لأن من شأن ذلك أن يفتح أبواب السفسطة والجدال في هذا الوقت العصيب .

هناك الكثير من الكتب الإسلامية التي تناولت مفهوم الجهاد يمكن الرجوع إليها ولكن هذا الأمر خارج نطاق حديثنا في الوقت الحاضر, فنحن نناقش موضوع الجهاد في العراق وفق منظور المراجع العليا وأثر هذه الرؤية في الوضع المأساوي الذي يرزح فيه العراق ويعاني من وطأتها, ففي الرسالة العلمية للمرجع السابق الخوئي تم تناول موضوع الجهاد بشكل مبسط لا يتناسب وأهميته وقام بتصنيفه إلى نوعين أولهما الجهاد الابتدائي ويأمر به الإمام المعصوم أي الغائب وهو جهاد غائب بغياب صاحبه ومؤجل إلى ما قبل يوم القيامة, والثاني هو الجهاد الدفاعي الذي يدخل ضمن صلاحية المرجع ويفتي به لمقلديه وأتباعه, ومن عنوانه فأن مفهوم الدفاع يعني الدفاع عن الإسلام كعقيدة وكذلك الدفاع عن حقوق المسلمين وما يتعلق بها من أرض ومال وعرض, ومن المعروف إن السيد السيستاني لم يكتب رسالة علمية فقد أعتبر في كتابه المسائل المنتخبة بأن رسالة سلفه الخوئي كافية وغطت جميع ما يريد أن يقوله ما عدا بعض التعديلات البسيطة جداً, وقام بالالتفاف على موضوع الجهاد الذي تناوله الخوئي وعبره إلى مواضيع أخرى فقد ألغاه في رسالته ولم يتطرق إليه مطلقاً رغم أهميته سيما في الوقت الحاضر ربما يعود السبب إلى تلافي الإحراج أوقع نفسه به جراء الإفتاء بالتعاون مع قوات الاحتلال وعدم التعرض لهم, وأستبدل السيستاني في رسالته "الجهاد" ب" الخمس" فقد أشار إلى أن أهم الواجبات في الشريعة الإسلامية هي الصلاة والصيام والحج وتستلزم ثلاثتها الطهارة من ثم الزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويستغرب المرء وهو يقرأ مواضيع عديدة ومختلفة الأطوار تناولها في رسالته العلمية وفتاوى أعطاها الكثير من جهد والأهمية على حساب الجهاد و الأوضاع المأساوية التي يعيشها العراقيون من افتقاد الأمن والاستقرار واغتصاب بيوت الله وبيوت المواطنين والتهجير لقسري وانتهاكات القوات الأمريكية لحقوق المواطن العراقي وانتشار الميليشيات العابثة وسرقة ثروات البلد وافتقاد الخدمات الصحية والتربوية والماء والكهرباء والنفط والفساد المالي والإداري وغيرها.

فمن القضايا المدهشة التي استحوذت على فتواه, عدم استحباب ذبح الحيوان أمام نظر بقية الحيوانات, وفيما إذا كان الكريم( بسكون الكاف يستخدم لتنعيم الجلد) الذي قد يمنع وصول الماء إلى البشرة يفسد الوضوء؟ وجواز الصلاة بالحزام الجلدي الحيواني, وحكم القطعة الجلدية على بنطلون الكابوي, وحكم الصلاة بعطر الكولونيا ,وحكم ابتلاع البلغم, والسجود على البلوك والموزاييك, وتطهير الأرض تحت الكاربت, وكيفية الصلاة على متن الطائرة, وحكم الحبر الجاف عند الوضوء, وحكم الدم في بياض البيضة وصفارها, وحكم استخدام فرشة أسنان خيوطها من شعر الخنزير, وتطهير ما تنجس بلطعه كلب وحكم الغش في الامتحانات المدرسية وغيرها من الأمور الفريدة التي لا تقدم أو تأخر أو تمثل حالات نادرة وشاذة قد لا تحدث مرة في المليون كابتلاع سمكة حية.

بل أن البعض من الفتاوى تدهش اللب وتحير الذهن ففي الوقت الذي حظي فيه الروبيان بميزة ايجابية بفتوى أتاحت أكله فأن السرطان المسكين حرم من هذه الميزة رغم إن الاثنين من غير ذوات الفلس؟ وعانى الحوت والقواقع من نفس هذا التمييز العنصري؟ وحتى ألأسماك من ذوات الفلس التي أجاز المراجع أكلها وبلعها وهي حية, فقد أظهرت الحقائق العلمية أن هناك أنواع منها بشعر وجلد وقشور أشبه بالصوف وتبقى الجميع محرمة وفق فتوى دكتاتورية بايعت ذوات الفلس على حساب بقية المرشحين على لوحة الطعام.

ولا جدال أن المسلين بشكل عام والعراقيين بشكل خاص يحتاجون إلى فتاوى أهم بكثير مما تحدث بها المرجع الكبير وهي مواضيع الساعة والظروف المأساوية الشاذة الذي يعيش فيه الشعب بسبب الاحتلال الغاشم والفوضى غير الخلاقة التي فخهها في العراق, مما يستلزم وضع النقاط على الحروف إمام الآيات والمراجع الدينية بكافة أحجامها ومقاييسها وتنوعاتها المذهبية لمعرفة أسباب الصمت ومبرراته تجاه قوى الشر والظلام, الأمر الذي قلب الأمور رأسا على عقب هو حديث الناس وتداولهم لفتوى موجعة تحتاج إلى شريط من الأسبرين لفك الصداع الناجم عنها, فقد تناول الإعلام صدور فتوى من السيد السيستاني تعد الأبرياء الذين يقتلون بسبب الإرهاب أو على أيدي قوات الاحتلال والميليشيات السائبة أو بسبب التفجيرات والمفخخات غير شهداء, وهذا أمر عجيب ففي الإسلام إذا وقع على الإنسان حائط يعتبر شهيد ولكن إذا وقعت عليه قنبلة لا يعتبر شهيد! كيف يمكن حل هذا الإشكال؟ بالطبع وكما معتاد لم تكلف الحوزة نفسها بتثبيت أو نفي الفتوى وهذا أعجب من الفتوى نفسها؟

وسنعرض بعض المعلومات والإحصائيات التي تمثل هموم العراقيين ونستفسر فيما إذا كانت تلك تستلزم الجهاد من عدمه؟.

اعترفت الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن المرقم(1483) بان العراق بلدا محتلا من قبل القوات الأمريكية البريطانية وحسب معاهدات جنيف فهما المسئولتان عن توفير الأمن والاستقرار للشعب العراقي وتوفير متطلبات المعيشة من خدمات صحية وثقافية وغيرها, إذن العراق دولة محتلة من قبل قوات أجنبية وأن هذه القوات قد أخلت بواجبها نحو الدولة التي احتلتها من نواحي الأمن والاستقرار وغيرها. وحسب تقرير نشرته منظمة اوكسفام فأن ربع سكان العراق(8) مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات عاجلة(4) مليون منهم يعتمدون على المساعدات الغذائية, وأن 70% من العراقيون لا يحصلون على مياه صالحة للشرب. وتشير المنظمة إلى أن طفل عراقي يموت في كل (5) دقائق. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف " ليس منا من لم يرحم صغيرنا" أخرجه احمد في مسنده.

وتشير المنظمات الدولية بأنه عدد القتلى العراقيين منذ الغزو زاد عن (650) ألف وضعفهم من الجرحى. إضافة إلى ظاهرة انتشار الميليشيات المسعورة وقوى الظلام والإرهاب التي تعيث في العراق الفساد والجريمة والاختطاف والنهب ويزيد عددها عن (35) ميليشيا متعددة الأهواء والأجندات وبعضها مرتبط مباشرة بالمراجع الدينية ن مختلف النحل. و انتشار القتل على الهوية ورمي جثث المغدورين قرب حاويات القمامة. وتوسع ظاهرة فرق الموت والتي تبين إن وزراء ووكلاء وزراء يشرفون عليها مثلما كان الأمر عليه في وزارة الصحة. وأن عدد اللاجئين العراقيين داخل العراق وخارجة كما كشفت المفوضية العليا للاجئين (2) مليون عراقي فروا خارج البلاد و(1,9) داخل البلاد, منهم في الأردن(750) ألف 68% من السنة و17% من الشيعة و 12% من المسيحيين. وأن عدد الأرامل بسبب الغزو حسب تقدير الأستاذ صلاح أمين (560) ألف حالة, وأن نسبة البطالة كما قدرتها منظمة( ARNN ) أكثر من 60% وان أكثر من 60% من العراقيين أي حوالي (9) مليون يعيشون تحت خط الفقر.

و أبدت اريكا فيلر المسئولة في المفوضية العليا للاجئين عن تعاظم مشكلة اللاجئات العراقيات اللواتي يرغمن على تعاطي الدعارة للعيش وأضافت بان العراق يمثل حاليا اكبر مشكلة لجوء في العالم منذ نكبة فلسطين عام 1948. كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن وجود (60) ألف معتقل عراقي في سجون الاحتلال وحكومة الاحتلال وهم يواجهون ظروفا صعبة للغاية, ووصف رئيس البعثة في العراق كارل مانليفي بأن" وضعهم صعب لغاية" وان اللجنة تستخدم الحمض النووي( دي أن ايه) للمساعدة في كشف هويات المفقودين, واعترف الجنرال مايكل نيفن بأنه في سجن كروبر الأمريكي يوجد(950) حدثاً لا تزيد أعمارهم عن سبعة عشر عاما ومعظمهم بدوت تهمة محددة أو محاكم! كما ذكرت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها السنوي لعام 2007 بأن العراق يأتي في المرتبة الثالثة على المستوى العالمي من حيث الفساد المالي والإداري الذي تجاوز(18) مليار دولار منذ الغزو إلى جانب هاييتي وبورما. كما كشف رئيس لجنة النزاهة المفقودة راضي الراضي بأن رئيس حكومة الذل المالكي تستر على سرقة (14) مليار دولار ورفض التحقيق مع اللصوص ومعظمهم من أقاربه وحزبه والمشاركين في العملية السياسية العقيمة. وأن عدد الشركات الأمنية الأجنبية في العراق(160) شركة كما قدرها خوسية برادو رئيس مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة لشؤون المرتزقة ويبلغ عدد العاملين في هذه الشركات ما بين 35-40 ألف مرتزق من جنسيات متعددة وهي ثالث قوة بعد القوات الأمريكية والقوات غير المنظورة في العراق. ناهيك عن انتشار الإمراض الجنسية بسبب زواج المتعة ومنها الايدز والإمراض الزهرية إضافة إلى انتشار المخدرات التي تباع تحت أنظار المراجع والحوزة العلمية قرب العتبات المقدسة, إضافة إلى انتشار إمراض عفا عنها الزمن كالكوليرا والملاريا وغيرها.

بعد أن تمت سرقة الحاضر قامت قوات الاحتلال بسرقة الماضي فقد نهبت حضارة العراق وتاريخه العريق, وما تزال عمليات تهريب الآثار تجري على قدم وساق بالتعاون بين قوات الاحتلال وبعض ضعاف الأنفس المحسوبين على العراق ظلماً وزوراً.

إذا اعتبرنا إن هذه المصائب هي نتيجة الاحتلال وفق نظرية الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن الأنف الذكر وكذلك وفق القانون الدولي وشريعة السماء؟ فهل هذه الحرائق غير كافية لإشعال شمعة المقاومة وإعلان الجهاد؟ وأن لم تكن بالمستوى المطلوب لإعلانه فما هي النسب التي يراها المراجع مناسبة و تستحق الجهاد؟ وهل النسب التي يحددوها تتناسب مع القيم السماوية أو مع القيم التي عبر عنها المسئولون الأمريكيون مثل مادلين اولبرايت عندما اعتبرت أن موت مليون طفل عراقي بسبب الحصار الظالم نسبة معقولة ويستحقها الشعب العراقي؟ أو عندما أعتبر بوش إن (5) مليون مواطن كافي لأشغال الخارطة العراقية بدلاً من (25) مليون وهو بالتأكيد رقم حظ لإسرائيل ويتناسب مع رؤيتها لمستقبل العراق بما يؤمن أمنها الخارجي. وطالما إننا نعيش عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات وبنوك المعلومات التي تعتمد توثيق البيانات والإحصاءات فيمكننا أن نتفهم النسب المطلوبة من المراجع التي تؤهل رفع درجة حرارة المقاومة لحد الغليان؟ وان كانت مبررات الجهاد غير كافية! ألا يمكن إصدار فتوى بوقف التعاون مع قوات الاحتلال أو استنكار الانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد المدنيين العزل والمطالبة بوقفها. أو دعم المقاومة العراقية الباسلة وحل الالتباس الشيطاني بمحاولة ربطها بالإرهاب وهي محاولة دنيئة وقذرة مقصودة الغرض منها رفع درجة الوسوسة في قلوب الناس والتمويه على العمليات الجهادية التي يقوم بها أبطال نذروا أنفسهم قرابين لأحياء كلمة الله والوطن والشعب. إن من الكبائر إلباس الحق جلباب الباطل بهضم حقوق المجاهدين من خلال الغرق في الحمق السياسي ومستنقع العجز الصامت وقد نهى الذكر الحكيم عن هذه الصيغة " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل" سورة آل عمران.

ربما لدفن المراجع الدينية أنفسهم في الكهوف وهم أحياء وابتعادهم عن فتنة ونجومية الأضواء ووسائل الإعلام واستقائهم الأخبار عبر وسطاء من الصعب التعرف عن اتجاهاتهم وأهوائهم وأغراضهم هو السب في عدم وصول الحقائق إليهم مع توفر مبدأ حسن النية, وان كان هذا العذر أقبح من الذنب ولكن لا مناص من مسايرتهم فيه؟ أليس من الاحوط كما تشير لمراجع الرجوع إلى مصادر بديلة الاستشفاف الحقائق طالما أن الأمر يتعلق بمصير أمة؟

وبهذه المناسبة نعيد إلى إسماعهم أغنية شهيرة نقلت كلماتها من واقعة حقيقية جرت في العراق وما زالت تجري كل يوم ومن الصدف أن مؤلفها ومغنيها عريف من المارينز خدم في العراق ويدعى ( جوشيا بيللي) وأسم الأغنية الشهيرة الحجية ( مدتها أربع دقائق) وقد لاقت الأغنية صدى واسعاً لدى الشعب الأمريكي الصديق الذي علمنا بفخر القيم الإنسانية الجديدة, كلمات الأغنية تقول :-

" أمسكت بأختها الصغيرة

وضعتها أمامي !

وحينما بدأ الرصاص يتطاير ..

تناثرت الدماء بين عينيها00

وعندها بدأت الضحك بهوس جنوني ..

أرسلت هؤلاء الأوغاد

إلى الأبدية ..

كان الأوغاد يعلمون إنهم بمواجهة المارينز "

طبعا الأوغاد يقصد بهم أفراد العائلة العراقية الذين قتلوا وربما عندما وضع (بيللي)كلمات أغنيته الشفافة تراءت في مخيلته صورة أحداث عملية اغتصاب عروس الشهداء عبير قاسم حمزة وقتلها مع أفراد عائلتها ومنهم أختها الطفلة التي تناثرت الدماء من عينيها البريئتين من ثم حرقوا جميعا في بيتهم. ولا يخفى عن مراجعنا الكرام إن تسمية الأغنية" الحجية" هو استهزاء واضح من فريضة إسلامية يؤديها المسلم وربما قصد بها الشهيدة( الحجية أم عبير) رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته؟ ولا حاجة إلى استذكار أن المواجهة الحربية الأسطورية حدثت بين قوة من المارينز وهي أفضل قوات عسكرية في العالم من ناحية التجهيز والتدريب والتسليح وبين عائلة مدنية عراقية لا تمتلك قطعة سلاح واحدة وكل ثروتها جمال فتاة وبراءة طفلة وحج امرأة وإيمان أب فأرسلت العائلة حسب الأغنية إلى الأبدية. ومن المفارقات أن دولة الديمقراطية الكبرى قررت عدم معاقبة المطرب المارينزي فقد خلصت المحكمة الموقرة بأن بيللي لا يستحق العقاب عن أغنيته الإنسانية الرقيقة وأغلقت التحقيقات بشكل نهائي!

حادثة قلبت كل موازين القيم والأخلاق وأماطت اللثام عن حقيقة شعارات الحرية والديمقراطية المستوردة وأثارت الضمائر الحية وحتى حفيظة المجرمين واللصوص وقطاع الطرق والكفرة ولكنها مع الأسف الشديد لم تثر نخوة رجال الدين, لا أفهم كيف تتسل هذه الأحداث المريعة إلى خارج أسوار الضمائر بخفة ويسر, دون أن يتوقفوا عندها قليلا ويراجعوا أنفسهم قليلا قبل أن يتوجهوا برؤوسهم البليدة إلى القبلة للوقوف بين يدي الله جلً جلاله؟ وكيف يرفعون عيونهم بوقاحة إلى السماء وما هي الصورة التي ترتسم لهم فيها صورة غضب فاحم أم رضا عارم؟ أما مجلس النواب وقادة الاحزاب ورجال السياسية فلا عتب عليهم فقد قرأت سورة الفاتحة على أرواحهم الضالة منذ باعوا ضمائرهم ودينهم بحفنة من الدولارات والتومانات.

ولنتجاوز عتبة الجهاد إلى موضوع شديد الغرابة وهذه المرة سنقحم أنفسنا في عقر دار الحوزة العلمية ومراجعها العظام بعد أن كشف نائب محافظ كربلاء وهو من التيار الصدري بأن7000 من عناصر الميليشيا يشرفون على هدايا وهبات المرقدين المقدسين ووارداتهما ما بين(3-4 ) مليار دينار عراقي شهريا ما عدا الهبات والهدايا. وهذا التصريح خطر للغاية فأن كان السوس نخب الحوزة العلمية نفسها فهذا يعني إن سقف المرجعية مهدد بالسقوط على قاطنيه؟ لأن هذه الأموال يدفعها أناس بسطاء بصورة اختيارية كخمس يستقطعونه من كبح نداء الجوع في جوف أبنائهم وهم بأمس الحاجة إليها ليتبرعوا بها لمراجع ليسوا بحاجة إليها. يقدمونها كهبة وتستلم منهم كغنيمة.

وهؤلاء البسطاء من السذاجة والبلاهة أن لا يكلفوا أنفسهم السؤال عن مقدارها وكيفية صرفها وهذه حالة نادرة فحتى دافعوا الضرائب يعرفون حجم وطرق صرف ما يدفعونه؟

ومن الأفضل الاطلاع على صرفيات بعض هذا الخمس كما جاء في موقع السيد السيستاني, حيث ورد بأنه تتم تغطية رواتب لطلاب أكثر من (300) حوزة في إيران وكذلك تغطية نفقات تزويدها بالكتب والكومبيوترات ووسائل التدفئة والماء البارد والحار والفرش ومستلزمات الدراسة من مصادر وقرطاسيه وغيرها وكذلك الأنفاق على الدورات التدريبية والثقافية والمسابقات العلمية والقرآنية ونشاطات الفرق الرياضية التي تقام على مدار السنة في إيران. يضاف إلى ذلك دعم طلاب الدراسات الحوزوية لسوريا(300) ألف $ وباكستان (500) ألف $ وكذلك الهند بنفس المبلغ وأذربيجان(300) ألف $ ولبنان(130) ألف$ وكذلك الحال لمراكز شيعية في القارات السبع, رغم علم الجميع إن معظم الشيعة في العالم يرسلون الخمس إلى العراق بمعنى أن المصب واحد رغم أن مجرى الماء هو الذي يتغير. وهنا يحق لنا أن نتساءل هل أن أموال الحوزة التي تصرف على نشاطات الفرق الرياضية في إيران هي أحق من المحافظة على شرف العراقيات في دول الجوار حيث نفذ لديهم كل قرش بعد أن باعوا كل شيء ولم يبقى سوى الشرف فباعوه أيضاً فلا حول ولا قوة. أليس من الظلم أن تصرخ الأوربية اريكا فيلر بأعلى صوتها لتنبه العالم إلى فداحة هذه المأساة ونتائجها المأساوية في حين تلوذ الحوزة وبقية المراجع بالصمت الرهيب؟ دون أن يتحسسوا سياط العار التي تلسعهم على ظهورهم التي نذروها إلى مظلومية الأمام الحسين(ع) بضربها بالسلاسل الحديدية. أليس الظلم واحد والمعاناة واحدة و الآهات واحدة والهدف واحد وهو إنهاء الظلم؟ فلماذا لا يستلهموا تراث سيد الشهداء ومبادئ ثورته الخالدة ويثأروا لمظلومية أحفاده في العراق ويجسدوها في انتفاضة حسينية جديدة حاسمة ضد قوى الظلم والطغيان؟

المؤشر الغريب عن الحوزة إنها تصمت كلما دعت الحاجة إلى الكلام, وتتكلم كلما دعت الحاجة للصمت وهذا شأن رجال الدين! فدعم اللاجئين العراقيين الذين لا يجدون لقمة العيش إلا بصعوبة ومذلة ومهانة ما بعدها مهانة لم يستأثر بالتفاته بسيطة منها أو سخاء بسيط من وارداتها المليارية؟ مما يجرنا إلى التساؤل بصراحة هل أن توفير مستلزمات التدفئة والتبريد والفرش وغيرها إلى (300) حوزة في إيران أهم من علاج عراقيين أصيبوا بعاهات وجروح جراء عمليات قوات الاحتلال أو قوى الإرهاب والميليشيات؟ سيما إن الحكومة الاحتلال هي آخر من يهتم بالشعب العراقي ومشاكله. ولماذا لا تعالج الحوزة مشكلة الفقراء والشحاذين المنتشرين قرب العتبات المقدسة نفسها ومنهم من ليس لديه مأوى غير الشارع متوسدا نعاله ومفترشا الأرض وملتحفا السماء وهم من أبناء الطائفة نفسها؟ ومن وجهة نظر عامة قد تقبل أوجه الصرف هذه على مضض في الظروف الطبيعية ولكن هل يجوز ذلك في الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق؟ وهل الحكومة الإيرانية عاجزة عن توفير هذه الخدمات لطلابها؟ وأن عجزت أليس بوسع حوزة قم أن تسد هذه الفجوة؟ أليس العراقيون أحق بهذه الأموال من بقية الشعوب ممن تغدق عليهم الحوزة؟ أليس هذا الظلم بعينه في الوقت الذي تستذكر الحوزة دوما مظلومية آل البيت, فهل تريد أن تعمم من مظلومية آل البيت بظلم العراقيين جميعاً؟

سنكون أكثر صراحة وأشد جرأة في الذود عن كلمة الحق في وجه المراجع الدينية سنية كانت أم شيعية مسلمين كانوا أو من بقية الملل والنحل, فقد " طمى الخطب حتى غاصت الركب" وساءت الأحوال وطال المنام وبعدت الأحلام ولم يبقى سوى بعض كلام والسلام.

إذا كان بعض المراجع يدعي عجز فتاواه عن إقناع إتباعه لأنهم يختاروا من الفتاوى ما يلاءم أهوائهم ومصالحهم ويرفضوا ما يتضارب معها فالأحرى بهذه المراجع أن تنفض نفسها من عباءاتها وتجد لها عنواناً آخر ليس له علاقة بأسمائها المعظمة والمبجلة لأنها لا تستحقها.

وأن كانت هذه المراجع تخشى قوات الاحتلال وضغطها الشيطاني ولهذا السبب أجرت عمامتها وسدارتها لهذه القوات ورهنت جباتها لهم بدولاراتهم, فالأولى بها أن تخشى الله وترهن جباتها بثمن الآخرة وتبيع عقولها للحق كما جاء في الذكر الحكيم" قل الحق من ربكم" فشرع الله فوق الجميع ومعاذ الله أن يستبدل بناموس الطواغيت.

بألم وحسرة نصارح مراجعنا بأن رجل الدين الذي لا يعتبر عبير وصابرين بناته ولا أطفال ملجأ الحنان أولاده ولا يذرف دموعه عن الانتهاكات والفضائح التي تعرض لها أبنائه في باستيل أبو غريب حيث ذرفها الأمريكيون أنفسهم فهذا رجل ضلال وليس إيمان.

ورجل الدين الذي يعاضد الإرهاب ولا يدرك أن الإرهاب فكرة هوجاء تتسلل من بين يدي رجال الدين إلى أتباعهم قبل أن تتحول إلى سلاح فتاك فأنه لا يقل عتمة عن قوى الظلام نفسها.

ورجل الدين الذي لا يحرك ساكنا تجاه سرقات المال العام ويمنع معيته من ارتكاب هذه الكبائر فإنه لا يختلف عن بقية اللصوص ولا تقل جريمته سكوته عن جريمتهم , أليس الساكت عن الحق شيطان اخرس؟

ورجل الدين الذي يتوسط للإفراج عن المختطفين كرهائن مقابل فدية ملوثة يدخل جزء منها جيبه المتهرئ لا يقل إجراماً عن المختطفين أنفسهم.

ورجل الدين الذي يسكت عن اغتصاب الفتيات الباكرات من قبل قوات الاحتلال وأجهزة الشرطة والميليشيات العابثة هو عار على السماء. وعندما لا ينهي عن المنكر من دعارة وايدز ومخدرات أو يروج لها فهو عار على الأرض. وعندما يسكت عن اغتصاب بيوت الله من قبل عناصر فاسدة يعبثون بمحتوياتها ويسرقونها ويحرقونها فهو عار على الحوزة, وعندما يلوذ بالصمت تجاه تحويل المساجد والحسينيات إلى مخازن للأسلحة والاعتدة وأوكار للتعذيب وسجون للمواطنين فهو عار على الدين. وعندما لا يشارك هموم بقية رجال الدين الذين يتعرضون إلى الاغتصاب الجنسي في السجون فهو عار على الطائفة, وعندما ينفذ أجندات أجنبية ضد الشعب والوطن الذي يأكل من خيراته فهو بحق عار على الوطن.

رجل الدين الذي يساهم في إيقاظ الفتنة النائمة وتأجيجها من خلال الخطاب التحريضي وتكفير الآخر ويكرس طاقاته لنزع غراء الحب والمودة والألفة الذي يربط المواطنين بعضهم البعض ويروج فنون الشقاق خادماً بذلك مبدأ الاحتلال" فرق تسد" هو بالتأكيد مسافر ببطاقة الدرجة الأولى إلى الجحيم.

رجل الدين الذي يغض النظر إزاء الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال وإذنابهم من الرعاع لأبسط حقوق المواطنين, و يفقد الثقة بالنفس والقدرة على المجابهة والمواجهة والتصدي لقوى الشر والظلام ويتخبط في موقفه بين إقدام وإحجام لا يستحق أن يقتدى به أو الوقوف ورائه.

رجل الدين الذي ليس له منهجية في التفكير ورؤية إسلامية واضحة تجاه مشاكل الناس وينحرف إلى جوانب جانبية وهشة تفتقر إلى قيم التصدي للواقع المزري ويتعامل مع الحقائق بفوضى وعشوائية وانتقائية, وينوم إتباعه تنويماً مغناطيسياً بانتظار المخلص المنتظر, وينظر إلى المستقبل كحلم مجرد تعلله الأماني, فأن الوصف الذي يستحقه هو نجم الاحتلال اللامع.

رجل الدين الذي يعجز عن الوصول إلى جوهر الاحتلال وأهدافه الحقيقية وتداعياته المستقبلية ويتوقع الخير والتقدم والازدهار والأمان والسلم من قوات الغزو, فأنه يستحق شهادة تقديريه في اختصاص الحمق والجهل والغباء.

رجل الدين الذي يصافح أيادي قادة الاحتلال الملوثة بدماء أبنائه ويبارك مسعاهم ويطبع القبلات على وجناتهم الدموية و يفتى بالتعاون معهم وخدمة مصالحهم, فإنه يستحق أن يأخذ موقع مميز في فالكون الطابور الخامس.

ورجل الدين الذي لا تبلل مشاعره اليابسة الدماء النازفة ولا يهزه قتل مليون عراقي وعوق وجرح أكثر من مليون, ولا استباحة الوطن من الغزاة وتدمير كل هياكله الرئيسية ولا تبلل مشاعره دموع أربعة مليون لاجئ عراقي داخل الوطن وخارجه, ولا ينطقه سرقة(18) مليار دولار من أموال الشعب, ويضع الوسادة على أذانه كي لا يصل إلى مسمعه أنين وصراخ واستغاثات المساكين والمنكوبين والمساجين في سجون الاحتلال والحكومة العميلة وهم يتعرضون إلى المهانة والتعذيب والاغتصاب والجوع والقهر والظلم, فهو بلا منازع الأخ التوأم للشيطان.

وأخيراً وليس آخراً فإن من يخشى الحق والعدل والحقيقة ليس رجال الدين إنما التائهون في بحر الظلمات والمتشبثون بزينة حياة الدنيا وحطامها, والخائفون على مناصبهم ومكاسبهم, والغارقون في شهوة الطمع والاستحواذ, والحالمون بوهم أمجاد غابرة, والغائبون والمغيبون عن أرض الوقع والمنافقون المزعزع إيمانهم الهش, والسابحون في وهم الشعارات الفارغة, والمتكئون على عصا الماضي البعيد.

نؤكد مرة أخرى بأن الغرض من حديثنا هو إزالة حالة الغموض والالتباس وتحليل مواقف رجال الدين أو ترددهم أو صمتهم المريب اتجاه ما يحدث في العراق, وليس الغرض منه التجريح والتشهير, فأن منطلقنا هو قول الحق مهما كانت نتائجه وآثاره, مع إيماننا الثابت بأن الخلاف في الرأي لا يفسد المودة, ولا يلغي مبدأ الحرص على الآخرين ممن نكن لهم في قلوبنا نفحات من الحب والتقدير والاحترام.

نسأل الله أن ينعم على عراقنا الحبيب بالوصول إلى مرفأ الأمان وأن يبعد عنه طواغيت الدين والدنيا, ,وان يعيد الضالين إلى طريق الصواب فهو طريق واضح المعالم صراطه مستقيم نير تضيئه قناديل المقاومة الشريفة. وان يعتصم رجال الدين بحبل الله جميعاً ولا يفارقوا أو يفرقوا وأن تمتد سواعدهم المتينة ملتفة حول أكتاف المجاهدين الشجعان لتؤازرهم وتنصرهم على قوى الظلام والهلاك وتسدد خطاهم في طريق النصر حتى ترتفع راية الله وأكبر خفاقة في سماء العراق العظيم, وما النصر إلا من عند الله.

* كاتب ومفكر عراقي

Alialkash2005@hotmail.com