مع القنوات الفضائيه الإسلامية.. الأمة و ثقافة الحوار
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الخميس 20 سبتمبر-أيلول 2007 10:14 م

مأرب برس – خاص

يسرّ المرء لظاهرة القنوات الإسلامية وتزايدها، ويعدّ ذلك واحدة من مظاهر الصحوة الإسلامية المباركة ، بيد أن مشكلة الاندفاعة الأولى تستلزم جهدا موازياً في الترشيد والمناصحة، مع إدراكنا أن بعض القائمين على بعض تلك القنوات قد لايعيرون مثل تلك المناصحة شيئا يذكر، خاصة إذا وردت من خارج إطارهم المدرسي. ولكن ستظل النصيحة هي الأسلوب الأمثل مهما بلغت درجة اليقين والتعالي على النصح لدى بعضهم .

ويقتضي منهج الحديث هاهنا التفصيل لا التعميم والتحديد لا الإيماء لأن المناقشة ستتجه نحو أوجه الخلل التي يعتقد كاتب هذه السطور أنها حريّة بالتأمّل والحوار.ولعلها سلسلة حلقات نبدأها اليوم مع إحدى هذه القنوات)، وتسمى قناة) (الأمة)التي تبث برامجها من الشقيقة مصر بتمويل خارجي واضح شأنها شأن العديد من زميلاتها على الطريقة الإسلامية أو سواها ولا شك أن لذلك أثره السلبي أو الإيجابي بحسب وجهة جهة التمويل .

أبرز عنوان فيها غدا برنامجا مميّزا يسمّى (ثقافة الحوار) ، وهو البرنامج المديد الذي يتولاه مدير عام القناة السيد الفاضل أبو إسلام أحمد عبد اللهوالموصوف قرين اسمه بـ(الكاتب والصحفي)، حيث يخصصه لمناقشة (الكتب المقدّسة) لدى المسيحية، وما يتعلّق بها، وأوجه الخلاف المشتهرة بينها وبين الإسلام، على نحو من التفنيد والنقض والإدانة! وهو أمر أعتقد أنه – مهما يكن له من مسوّغات في ظروف معيّنة- إلا أنه غير ذي جدوى في الظروف الراهنة، إن لم يأت بنتائج عكسية سلبية، من حيث إنه لا يشكّل أولوية دينية أو وطنية أو قومية، لاسيما في بلد تمثل فيه المسيحية نسبة حريّة بالتقارب معها في المشترك، وترك المختلف إلى الباري تعالى ليفصل فيه يوم الحساب، مصداقاً لقول الحق – تعالى- { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد} (الحج:17)، وإلا فلِمَ جاءت أحكام أهل الذمة؟ وهل معتقدات أهل الكتاب(يهودا كانوا أم نصارى) جديدة تستدعي المناظرة والانشغال على هذا النحو؟ إلى حدّ تخصيص أكبر برامج القناة لهذه الغاية ، وللأسف فإن (موضة)(ثقافة الحوار) هي (الإكليشة) الجاهزة لكل مسلك!!

ولكن المفاجأة الأكثر تدهشك( على سبيل المثال: صبيحة الجمعة 2482007م بداء من التاسعة والنصف إلى نحو الحادية عشرة ، ثم مابعدها حلقات تلو حلقات وإن اتخذت موضوعات مختلفة في الإطار نفسه)  إذ تتابع لساعات حديثا يتخّذ منحى آخر غير مناقشة الفكر إلى الاتهام الجماعي التعميمي المطلق الصريح لكل الذين يدينون بالنصرانية في مصر بوصفهم أول من أتى بالخمور ، والدعارة والدخان ونوادي الروتاري(الماسونية)، وأن افتتاح ناديه (الروتاري)في فندق (شيبر هوتيل) بالقاهرة تم على أيدي مسيحية كلّها، ثم استدرك- كأنا استفاق من غيبوبة- فاستثنى( اثنين أو ثلاثة). والعجيب أنه أورد في السياق نفسه أن أولّ من ترجم (دستور) الماسونية هو عميد (الأسى العربي) – على حدّ وصف مدير عام القناة- الدكتور طه حسين. ولا ندري هل أصبح طه حسين مسيحيا كي يستقيم السياق التعميمي دونما خلل قاتل!

ولم يفته أن يورد تسجيلات بعضها مبهم وبعضها صريح لبعض رجال الكنيسة في مصر حاصل قدر منه  تصريحات تؤكِّد التمسّك الشديد بالمسيحية! موحيا إلى المشاهد بأن ذلك دليل إدانة للمسيحية كلّها، مع أنه لو سأل نفسه هل يمكن أن يُستنتج من أنشودة برنامجه في مبتدئه ومنتهاه الاستنتاج نفسه؟ وهل فيه ما يعيب شخصه أو دينه أو برنامجه حين تردّد الأنشودة الحماسية ببيت واحد فقط مثل:

أعتز بديني وإسلامي بنبي الله وقرآني لكل شهيد قد ضحّى وتسربل بالدّم القاني

أما الجزء الآخر من التصريحات التي فيها إيذاء حقيقي لمشاعر عامّة المسيحيين فهي تلك التعميمات المتطرّفة التي تجعل وزر بعض غلاتهم يتحمّل جريرته جميعهم، حيث يحرص السيّد أبو إسلام – وتلك أبرز ملامح خطابه بهذا السياق- على تصويرها معبِّرة عن جميع المسيحيين بشتى طوائفهم. ألم يسأل أبو إسلام نفسه:ألا يوجد فينا – نحن المسلمين- من يدعو إلى إبادة غيرنا من أصحاب الديانات إن لم يسلِموا أو يسلِموا أو يستعبَدُوا على نحو أو آخر؟ : وهل سنزيد على القول ذاك خطاب مغالٍ لا يمثِّل جمهور المسلمين؟

الأسئلة الأكثر حيرة : لمصلحة من تقسيم الصف الوطني المصري على هذا النحو؟ وما مدلول صمت الجهات الرسمية هناك عن هذا المسار ؟ وما هذا المنطق التعميمي العجيب الذي لا يجد من يردعه أو يوقفه عند حدّه من علماء الأمّة ومفكريها؟ ومهما حاول السيد أبو إسلام أن يستدرك أو يستثني بصورة غير علمية ولا منطقية ولا مسوّغ شرعيا لها بعد أن جزم وقطع وأطلق،فإنه لايزيد الأمر إلا مزيدا من الاستغراب والحيرة!

addaghashi@yemen.net.ye