فرائض البناء ...طريق الصلاح والنهوض
بقلم/ عبدالسلام الاثوري
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
الخميس 13 سبتمبر-أيلول 2007 05:11 م

مأرب برس – خاص

 فرائض البناء كطريق لللصلاح والنهوض حددها القران في بنيتها المؤسسية كقواعد منظمة للعلاقة بين الناس وخالقهم وبين الناس في ادارة شئونهم الحياتية السياسية وواجب الاغنياء تجاه الفقراء ومسئولية النماء والمسئولية الاجتماعية تجاه مواجهة الظلم والبغي ليتاسس وفقا لهذه القواعد مجتمعا حرا كريما قويا تحكمه العدالة والقيم الفاضلة .

واذا كنت هنا ساتحدث عن الفريضة الاقتصادية المتمثلة بفريضة الانفاق والزكاة كفريضة محورية قاعدية للبناء السليم للدولة والمجتمع فاني ساحاول الربط بين هذه الفريضة وفرائض الايمان والصلاة والشورى وفريضة مقاومة الظلم والطغيان .

فالزكاة ينطوي فيها مقاصد واسعة كغيرها من الشعائر التعبدية على حكم وفوائد عديدة يحتاج إدراكها العناية بالنظر والاستنباط والتطوير وفيما يحقق المقاصد الاقتصادية والاجتماعية والمالية ؛ وبما يساعد على سد فجوات الفقر والعوز والبطالة . وإعادة توزيع الدخول ( الثروة ) بعدالة ؛ وتحريك الدورة الإنتاجية في المجتمع وبما يساعد على تحقيق النمؤ والازدهار .

 ولان الله سبحانه وتعالى قد فرض الزكاة على عباده وقررها كفريضة وقرنها بفريضة الصلاة في الخطاب القرآني مرارا وقرنها أيضا بالصلاة والشورى لما تمثله هذه الفرائض من أهمية في تحقيق التمثل للعبادة الروحية والعبادة السياسية والعبادة الاقتصادية فالصلاة أداة طهر للنفس والجسد والزكاة أداة طهر وتزكية للنفوس و الأموال قال تعالى(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها.) ..( 103 التوبة ) . والشورى أداة إدارة وتسيير ورأى واختيار .

 والله سبحانه وتعالى جعل من الأموال الوسيلة التى يمكن بها الارتقاء الى مستوى الفلاح لكون أداء هذه العبادة تحقق أساس التضامن والتكامل بين العباد لكونها تلغى دائرة الاستغلال للإنسان المحتاج وانتقاص حقه من خلال ما يناله من ضر الحاجة والضر وف فجعل الله له حقا فيما أعطاه الآخرين من المال والخير؛ ولذلك فان الإنسان وكونه معرض للآثام ومعرض للسيئة قد جعل الله له طريقا للتقرب الى الله والفلاح بان يعطى الحق من المال كزكاة يطهر به نفسه من العيوب والذنوب والآثام قال تعالى..( قد افلح من زكاها) 9 الشمس .

 ولان الله قد ربط فريضة الزكاة بالصلاة لأهميتها ودورها الفاعل في تحقيق الخلافة في الأرض على أساس تكامل المنافع والمصالح بين بنى الإنسان ولتحقيق الارتباط والتضامن والتعاون بين الناس بعضهم ببعض ليتحق على ضؤ ذلك العلاقة مع الخالق بصورتها الفضلى مما يرضى الله على أناس تلك أخلاقهم فيزيد لهم الخير والبركة والرحمة قال تعالى ( وأقيموا الصلوة واتوا الزكوة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) 56 النور وجعل الشورى اداة الحكم ونظامها تتحدد معالمها ومعائيرها على أساس ما يحدده الناس وفقا لما يحقق المصلحة والمنفعة لهم قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) .

واذا كانت الصلاة والزكاة ارتبطتا كفريضتين اساسيتن في منهج الله لما تمثله هاتين الفريضتين كأساس لتطهير النفوس والاموال من الأدران ومحققتا عفو الله والتجاوز عن السيئات قال تعالــى: ( لئن أقمتم الصلوة وأتيم الزكوة وأمنتم برسلي وأقرضتم الله قرضا حسنا لا كفرن عنكم سيئاتكم ...) 12 المائدة.

 ولان الله قد أرسل الرسل وانزل الكتب فقد جعل فريضتي الصلاة والزكاة أساس البناء الروحي والحسي للإنسان على أساس الفضيلة والالتزام بمقتضيات النقاء والطهارة روحيا وحسيا . فالصلاة هى أداة طهارة للنفس والجسد لكونها تنهى عن الفحشاء والمنكر قل تعالى (أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)45 العنكبوت... وهى أداة لتطهير الجسد قال تعالى ( ياايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ..... الى نهاية الآية بقوله . ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) 6 المائدة... . وهى قاعدة للبناء الفكري والذهني والانضباط فقد فرض الله أداءها في أوقاتها حتى في الحرب لكونها تجسد قوة الانضباط بشريا والترابط مع السماء ولا يكتمل هذا الهدف إلا بفريضة الزكاة التي تحقق التطهير للنفس والمال كون المال هو أداة التكامل والتضامن الذي يحقق قاعدة الرضا في تقليص فجوة الحاجة والفاقة والتي تمثل قاعدة الفقر والذي غالبا ما يمثل طريقا للكفر والظلم والفساد لذلك أوجب الأمر بأخذ المال ليمنع واقع هذه الحالة ولتكون أداة طهر وتزكية لنفوس أصحاب المال بقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) 103 التوبة .لتتشكل قاعدة لمنهاج مربع الترابط والتكامل والقوة وهو الأساس الذي على أساسيه تقوم أساس الخلافة ومنه تتحد المسئولية وتدرك الغاية من الوجود .

 هذا المربع تتشكل عناصره من العقل والنفس والجسد والمال وكلها عناصر ينطوي في إطارها كل أبعاد الوحدة والتوحد والعبادة وتتحدد على أبعادها مكونات المسئولية في تكوين أساس القوة والانتماء الى الله وبهما حدد الله غاية تكامل هذه العناصر لتحقق قوة وحدة الأنسانية وقوة انتمائها الى الله قال تعالى( أن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وعلى ضؤها ندرك أن الاستجابة لله تمثل أساس قوة البناء أما اذا اختلت العلاقة بينها بعيدا عن أساس العبادة بمعائيرها اختل توازن العلاقة بين الناس والخالق وبين الناس بعضهم ببعض وبينهم وبين الأرض لتتولد ظاهرة الفساد وتفقد الحياة كل أساس الاستقرار والهدوء والسكينة وتفقد البركة في كل شيء فالأرض ملك الله ومن حق عباده ومخلوقاته العيش فيها بأمان وراحة واطمئنان وسلام فلا ضرر ولا ضرار قال تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس... ) 41 الروم .

 لقد أراد الله أن يكون منهاجه حجة على خلقه لكي يدركوا أن الغاية من الوجود هو العبادة لله وتلك العبادة تتعدد إشكالها ومضامينها وتتسع افاقها وبما يعزز قوة العلاقة بين العباد وربهم وبما يحقق اداة الخلافة على الارض بصورتها المثلى وتتشكل علاقة التراحم والسلام بين العباد وبين المخلوقات والجماد .

 إننا اليوم ونحن نستشف هذه المعاني ونتجه نحو تفعيل معنى من معاني العبادات والفرائض وهى فريضة الزكاة فإننا نكون قد أدركنا أننا بحاجة الى تفعيل دور العلاقة بين عناصر العبادة وأدواتها وفي إطار تهذيب النفس وتقوية الجسد وتنمية المال وبما يستوعبه العقل لكل القيم التي تحقق هذه الغايات والأهداف وتمثل الغاية من جعل العبادات والفرائض الروحية والسياسية والاقتصادية أساس للرضا والقبول لكونها تعبر عن استجابة العباد لرب العباد قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون ) . وهذه العبادات تؤسس قاعدة القوة والطهارة والمسئولية والنما وتمثل قواعد النظام الروحي و السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقاعدة اساسية للحرية والمسئولية .

 ولان الزكاة فريضة فرضها الله في إطار الحق المعلوم وجعلها حق تأخذه الدولة من الأغنياء ومن كل مال لتصرفه في مجالاته المحددة خدمة للفقراء والمساكين والمصالح العامة وفق المصارف التي حددها القران الكريم تعبيرا عن مقاصد شرعية تستهدف تقليص فجوات الحاجة والضرورة وتنمية المجتمع بما يشكل لديه روح الاستقلالية والحرية قال تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم )60 التوبة . ولذلك فقد جعل الله هذا الحق فرضا يتطلب حمايته من ولى الأمروقواعد المجتمع الفاعلة حتى لا يضيع حقا فرضه الله ورسوله على العباد وهذا ماجعل الخليفة الأول أبو بكر يعلن الحرب على أولئك الذين تمردوا من اداء الزكاة وقال قولته المشهورة والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه .

 ولان الله قد ربط فريضة الصلاة والشورى والانفاق كمعيار للاستجابة لله ومنهاجه فهذا يعبر ان تكامل اداوات الاستجابة الإيمانية التي تصنع مجتمعا حرا يمتلك من الامكانات الروحية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية مايوفر له مجالات واسعة للتطور والتقدم والرخاء .

 ولان الشورى فريضة سياسية وواجب على الأمة تمارسه من خلاله إدارة أمرها وشئونها واختيار ولى الأمر منها فتصبح الطاعة واجبا أساسيا ونتاجا لهذه الفريضة قال تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم . ومقتضى هذه الطاعة ان الله قد جعل الحق لرسول الله في اخذ الأموال ليصرفها في شئون العباد وقال تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وجعل الطاعة له فريضة ولا ن الرسول قد انتقل الى ربه فقد رتب الله الطاعة بعده صلى الله عليه وسلم لولاة الأمر ( منكم ) تعبيرا على أن الشورى هي التى تولد هذه النتيجة مما جعل الله الطاعة لولى الامرمقرونة بطاعة ترتيبية لله والرسول وأولى الأمر لانها تحقق الغرض من سلامة الوجود وترفع من مقومات التحضر الإنساني وتحمي الحقوق وتجعل الناس تعيش على قاعدة التكامل والتضامن والواجب والسلام الاجتماعي ولا يتحقق هذا الأمر الا على قاعدة الطاعة لمن اختاره الناس اختيارا حرا ووفق الارادة الحرة ليحقق لهم ذلك ويحمى مصالحهم ويسهر عليها مالم فاالطاعة مشروطة بذلك فمثلا الطاعة لله مرهونة بكونه الخالق والرازق وله الامر كله من قبل ومن بعد ويستحق ذلك ، ولايكره عباده عليها فهم احرارا في الدنيا وكذا الطاعة للرسول لانه مرسل برسالة وحجة فكانت الطاعة واجبه ووفق القناعة والارادة الحرة ولا اكراه فيها ((لاكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) (فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر ) وعلى من اتبع سبيل الرشاد عليه وجوب الطاعة والالتزام لما لهذه الطاعة من حقوق ، ولذلك فان كانت الطاعة لله والرسول قائمة على اساس الارادة الحرة للانسان فان الطاعة للامر لاتقوم الا على اساس عقد يحدد تكامل المسئولية والواجب بين الناس تجاه من اختاروه وبين من اختاره الناس تجاههم وهو مسئول عن اداء الواجب والمسئولية وفق ماتم الاتفاق واقراره عن طبيعة المسئولية والا تسقط مشروعية الواجب بالطاعة اليه بحكم ان السلطة هي اداة ضامنة للاستقرار والامن والرخاء والعدل والمساواة .

اهمية الدولة للناس

 ولنا ان نتصور لو كان الناس بدون سلطة الأمر فإنهم سيعيشون في الفوضى والبطش والهمجية ولذلك فان الدولة كمنظومة قيمية ومؤسسية ينتمي اليها الناس وتشكل لهم اساس المواطنة فانها تمثل معيار الضمير الجمعي الذى يحمى الناس من طغيان النزق والتمرد والفوضى والفساد .، ولذلك فان قاعدة الحرية والشورى تمثل نواة للدولة العادلة التي يبنيها الناس ويحموها لتعلو بهم الى مقام الحرية والكرامة ولذلك جعلها لله فريضة توسطت فريضتى الصلاة والانفاق وجعلها اساس من اسس الايمان لتمثل واجبا يقام من خلاله العدل والمساواة ومنطلقا للحرية وسدا منيعا امام الظلم وطغيان الفرد والفئة والعشيرة والقبيلة والحزب ..الخ وغيرها من قواعد الهيمنة الاحادية التي تفرض سلوكيات اقصاء لحكم الناس خلافا لرغباتهم واستنقاصا لحرياتهم وفقدانا لكرامتهم .

لقد فرض الله الانفاق كنظام اقتصادي لايقف عند حد اداء الصدقات المحددة (الزكاة ) فقط فالانفاق نظام واسع يقوم على اساس توظيف المال واستثماره ليستفيد الناس من دورته واتساع منافعه ليحقق النماء ولذلك فان المال الذي لايستثمر فانه يحمل صاحبه على الهلاك دينا ودنيا لكون المال الذي لايستثمر يتاكل وينتهي فلا صاحبه استفاد منه ولا المجتمع فاستحق بذلك ايضاء العذاب يوم القيامة ( الذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها ) والقصد من الانفاق هنا ليس اخراج المعلوم من الصدقة (الزكاة ) وانما تشغيلها بالسوق فالاكناز وتركيز المال واحتكاره هنا يمثل الجريمة التي يعاقب عليه الشرع ويحمل صاحبها عذاب يوم القيامة وحتى لايصبح المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ليطغوا من خلاله على الناس فالغنى طريقا للبغي ان لم يقيد بقواعد النظام الاجتماعي (ان الانسان ليطغى ان راه استغنى ) ( ان قارون كان من قوم موسى ..... فطغى على قومه ) .

 اداء الزكاة كفريضة اقتصادية توسع من جهد الناس في تحقيق تعمير الارض وحماية الناس من ضروراة الحاجة حتى لايفقدوا كينونة الكرامة والحرية مما اوجب الله حقا للناس من الناس ... حقا في تشغيل الاموال لكي تنمو وتحقق مقاصدها في تنمية المجتمع وحقا ضريبيا يدفع من قيمة الاموال لتسد مانقص في احوال الناس وظروفهم وواجباتهم لغيرهم ممن لم يستغنوا وجعل الله هذه الفريضة تزكية وطهرا حتى لا يتحول الترف معبودا يفقد صاحبه الإحساس والشعور بحاجة الآخرين ولا يدرك بواجباته تجاه امته والإنسانية ولذا جعل الله تلك التبعية المفرطة للترف كجرم تفقد التابع له الاحساس بواجبات الغاية من الوجود ولذلك قص الله قصة قارون الذى جعل الترف وسيلة للطغيان قال تعالى ( واتبع الذين ظلموا مااترفوا فيه وكانوا مجرمين ...) ولان مثل هولاء الذين أترفوا قادرين على التمرد على المجتمع فقد اصبح الحق لازما للدولة ان تفرض قواعد التنظيم وحماية المجتمع من طغيان الاغنياء وتفرض عليهم التزامات توظيف الاموال في تنمية المجتمع ليصبحوا شركاء في المنفعة ودورة المال في الاسواق و ان تاخذ منهم الاموال بالقدر المعلوم كحق اقتصادي يجب ان يدفعه الناس للدولة في اطار الطاعة الشرعية الواجبة .

ولان المصارف الزكوية كلها تنضوي في اطار المصالح العامة للمجتمع ؛ ووظيفة الدولة تتحدد اليوم في اطار خدمة المصالح العامة فان اداء الزكاة يعتبر فرضا إلزاميا على كل مكلف لا يقبل الأعذار في عدم أداءه وكونه من أركان الإسلام الأساسية فقد أنيط بولي الأمر إلزام الناس باداءه وفق أصوله ومعائيره وبما يحقق الأهداف التي شرعت من اجله هذه الفريضة والا فقد مشروعيته كحاكم له الطاعة .

ولان الشورى قد توسطت بين فريضتي الصلاة والزكاة فلان المسئولية مناطة بالمجتمع المكلف بالعبادات أن عليه شرط أساسي بأعمال العقل للوصول الى تحقيق المقاصد الشرعية في إطار الضوابط العامة للمنهج وبالتالي فان أمر المجتمع وتسيير شئونه وخدمة مصالحه يحققها تكامل الأدوار بين المجتمع ومؤسساته أفرادا وجماعات ودولة وبمقتضى الالتزام بمنهج الشورى والحرية والكفاءة والانضباط .

ان الدولة التي يقوم نظامها على أساس الشريعة الإسلامية وولاة الأمر فيها يختارهم الشعب على قاعدة الحرية والشورى فان قاعدة الأمر المبنية على أساس الحرية والشورى تمثل قاعدة أساسية وهامة لتكامل الفرائض والعبادات المتعلقة بتطور المجتمع وانتظامه على أساس العلاقة مع الله وعلى قاعدة التراحم والتكامل والتضامن في المسئولية بين أفراده ومؤسساته لتتشكل قاعدة الوحدة والعبادة لله قال تعالى ( ان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) ولا تتم الاستجابة لهذه الحالة إلا بمنهج تكامل فرائض الصلاة والشورى والانفاق ومواجهة البغى والفساد قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون .والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون ) 38 -39الشورى .

ولذلك فان فروض الصلاة والشورى والزكاة ، وواجب المجتمع في حماية نفسه من البغى والظلم والفساد .تمثل حلقات للترابط والتكوين لمجتمع حر فالإيمان كقاعة للبناء الروحي والسياسي والاقتصادي في المجتمع وبها تتشكل اساس قوة الأمة ومحتوى ركائز الدولة في ممارسة الحق والأمر بالحرية والشورى وينضبط في إطارها الولاء والمسئولية للدولة ونظامها الذي تم اختياره على اساس الشورى والحرية ، والالتزام بقاعدة الطاعة تعبيرا عن فريضة شرعية قال تعالى ( واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم ) . وكما فرض الله على المسلمين فريضة الزكاة والإنفاق أعطاهم الله الحق في مزاولة الأمر والاختيار للحاكم والطاعة له ومحاسبته ماداموا قائمين على الشورى .

والشورى بالمفهوم الإسلامي المعاصر يمكن أن تاطيرها في إطار مفهوم الديمقراطية كالية تقوم على أساس حرية الراى والراي الأخر وعلى حرية التعبير عن هذا الراى مستعملة أخر ما توصل إليه العلم من أدواة نشر المعلومات واختيار الحاكم وممثلي الشعب في أطار الحرية والقناعة والاختيار الحر معبرا عن ذلك أساس الدولة الدستورية .

ولما كانت الشورى تدخل في البنية الأساسية للعقيدة الإسلامية وفي الممارسة العملية لها جعل الأمر بالطاعة لمن يختاره الناس فرضا واجبا على الأمة وتلزمهم أداء ما قرره الشرع عليهم التزاما بالواجب السياسي والاقتصادي وهذا الواجب يعود أثره بالمنفعة عليهم .

وعلى وضؤ هذه القاعدة يصبح الواجب الشرعي قائما على الحاكم والمجتمع بتحقيق التكامل والتضامن في تعزيز علاقة المنفعة والرعاية فالمجتمع عليه واجب أداء ما فرض عليه وعلى الحاكم القيام برعاية مصالح المجتمع سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا .. الخ ومن تلك الواجبات الحق في إلزام الناس بأداء فريضة الزكاة وتحقيق أغراضها وأهدافها التي شرعت من اجله . ولا يجب التغاضي عن أداء هذا الحق والتزام الناس به مهما كانت الأعذار والحجج فالذين يتهربون من دفع الزكاة يجب أن يعلموا أنهم من المرائين الذين يمنعون الماعون ومن المنافقين والدجالين حتى وان تظاهروا بالتقوى فكل تقواهم نفاق ورياء وتظاهر ليس له حقيقة ولا يسندها إيمان صحيح ؛ وان الذين يذهبون مذاهب الفتوى في التقليل من أهمية الزكاة أو يفتون للبعض بان دفع الزكاة ليس شرطا أن تدفع لبيت مال المسلمين ويحق التصرف بها فإنهم يسقطون حقا وجب على الأمة والدولة القيام به وان الزكاة كحق معلوم هو من مسئولية ولى الأمر وما عداه من الإنفاق متسع مجالاته فهو حق وواجب على كل مقتدر أن يعين الناس به لرفع مقامه عند الله أما ما قرره الشرع كحق معلوم ومحدد فهو من حق الدولة تجبيه وتصرفه في مصارفه الشرعية وان على ولاة الامر القيام بالواجب في توظيف تلك الاموال وفق مصارفها الشرعية والا فان لم تؤدى وفق ماحدده الشرع سقط مبرر الطاعة في ادائها وعلى المجتمع ان ينظمها تنظيما يحقق اهدافها والا تؤدى بالعشوائية والفوضى لانها لاتحقق اغراضها المحددة .

والإنفاق ليس مقدرا فقط في فريضة الزكاة فالإنفاق ارتبط بحق الله على عباده في ان يجاهدوا بأموالهم وينفقون في السراء والضراء وان في أموالهم حق للسائل والمحروم وان الصدقة تطفي غضب الرب وان يعالجوا أمراضهم بالصدفة وان مأمن شيء ينفق الا والله يخلفه وكلها جوانب مرتبطة بالأنفاق تقربا الى الله وهو واجب يمارسه الإنسان برغبة وإخلاص وايمان وحرص على خدمة الناس ، اما الواجب المعلوم الذي فرضه الله على كل مكلف وحدده نبيه صلى الله عليه وسلم بمعاييره ونصابه والتزم به الخلفاء من بعده أصبح حقا معلوما تأخذه ألدوله لتحقق أغراضه الشرعية وفق المصارف التي حددها الشرع و لكون الدولة تمثل الضمير الجماعي للأمة فهي تمارس هذه العبادة في اخذ المال وصرفه في مصالح الأمة وفي سبيل الله وليس لاى طرف الحق في التمنع في اداؤ هذه الفريضة او الطلب ان يزكى ويعطى الحق للدولة بفتوى او غير ذلك فالنص واضح والأجراء النبوي معلوم والاهم ان تكون تذهب الاموال في مصارفها الحقيقية وان يتم جمعها وتصريفها وفقا للافصاح والشفافية .

الاولويات واليات التطوير الزكوية

إذا كان الله قد جعل الصلاة والشورى والانفاق ومواجهة البغي في ترابط واحد فلأنه من حق الأمة أن تراقب وتمارس دورها الرقابي على الحاكم فيما يجب عليه القيام بشئونها ومصالحها. 

وإننا نرى أن التحرك الذي يجب ان تقوم به الدولة نحو الاهتمام بموضوع الزكاة يجب أن يتضامن معه كل الفئات الاجتماعية والمنظمات المدنية والأفراد تحقيقا لمبداء شرعي وعبادي وبما يهدف الى إنضاج وتطوير آلية العمل بنظام الزكاة وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية من وراء العمل بهذه الفريضة فإننا نرى أن هذا التحرك يجب أن يحقق الأتي :-

1- انشاء مؤؤسة مختصة للزكاة حكومية وشعبية تسمى (بيت الزكاة والتكافل الاجتماعي ).

2- أحكام السيطرة على أموال الزكاة وضمان منع تسربها وخروجها خارج إطارها المحدد.

3- توحيد أوعية جمع الزكاة وترسيمها و نقلها الى مؤسسة مختصة تقوم على اساس حسن تنظيمها وتدبيرها وتوجيهها في جوانبها الشرعية .

4- المساعدة في حل ألازمات الاقتصادية ومشكلة الفقر والبطالة التي تواجهها البلاد والرفع من مستوى دخل المواطنين عن طريق تمويل الأنشطة الحرفية والاستثمارية للفقراء وتحويلهم الى مجتمع منتج مزكي .

5- منع عمليات التهرب الضريبي أو الحد منها من خلال الاستفادة من الإقرارات الزكوية خاصة أن الإقرارات الضريبية تتعرض لعمليات تحايل واسعة بينما الاقرارا بالزكاة تتعلق بالثقة وتمس الأمانة والعلاقة مع الله .

6- مكافحة التهريب عن طريق آلية الزكاة وتتم بطريقتين وهما :-

1- لكونها أداة لتقييم التكاليف والمصاريف والضرائب والجمارك التي تقيم على السلع والعروض التجارية لكونها تخصم كمصاريف وتخصم من وعاء الزكاة وبالتالي فان السلع الغير مجمركة وعليها ضرائب ستدفع عليها زكاة وغير مخصوم منها تلك المصاريف .

2- ان الدولة تخسر الكثير من التهريب فاتجاهها نحو إحياء فريضة الزكاة سيساعدها على حل مشكلة التهريب عن طريق تخفيض الضرائب والجمارك فالتخفيف فيها يعتبر اقرب الى ما يتطلبه واقع مراعاة المصالح العامة وتقدير ظروف المجتمع والمستهلكين وحاجة الدولة الى تطوير مواردها .

3- تصبح الزكاة الأداة المثلى لتنظيم قاعدة المكلفين ومنها تتمكن من مساعدة المجتمع من رفع عوائد المال وبالتالي يحقق عائد مجزى من العائد الزكوى فالضريبة أحدى المشاكل التي من خلالها يتم التحايل وغيرها أما الزكاة فهي أمانة يجب التقيد بدفعها وإقرارها وبالتالي فبواسطة الإقرارات الزكوية ستتمكن الدولة من تنظيم وعائها الضريبي وتقليص حجم التهربات الضريبية .

7- تأكيد مدى الارتباط الوثيق بين الدولة وواجبها الديني . من خلال إحياء فريضة الزكاة وتأكيد تولي الدولة والفئات المكلفة من القطاع الخاص والقطاع الزراعي بإلاشتراك في الاشراف على ادارة شئون أدارتها وفي اطر مستقلة ومنظمة . تعتمد على وعاء مؤسسي حكومي .

8- ضرورة توليد الثقة لدى المجتمع بما تقوم به الحكومة في توجيه الزكاة نحوا هدافها وتوليد الوعي بضرورة اداء الزكاة للدولة كفرض ديني .وتجريم الخداع والتحايل والفساد في اداء هذه الفريضة .

9- تجديد فقه الزكاة وتطوير التشريعات الخاصة بجمع الزكاة وصرفها والأخذ بالاجتهادات التي تراعي مقتضيات الحياة المعاصرة .

10- تطوير البنا المؤسسي المختص بشئون الزكاة واستقلاله الادارى والمالي و بما يتمكن من تفعيل دوره في التخطيط والمحاسبة والتقييم والاستثمار وتنمية الموارد الزكوية . .

11- خلق تبعية للهيئة والجمعيات الخيرية التي يمكن أن تعمل في مجال صرف الزكاة للفقراء والمحتاجين لبيت الزكاة .

  a-salam1964@hotmail.com