جمهورية الفحم
بقلم/ صادق المولد
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 30 مارس - آذار 2007 08:22 م

 
مأرب برس – نيويورك - خاص

ليس حديثاً يفترى..

" اليمن جوهرة في أيدي فحامين ... نحن جميعاً في السلطة والمعارضة فحامين" ...

 هكذا.. في نصف سطرفقط ..

في جملتين لا تزيدان ، يجمل الجفري (في حواره مع 26 سبتمبر) واقع دولة تنفث الرماد - في رقصة احتضار متشنجة – على وجوه مواطنيها الجاثمين عند قدميه ا في استلاب مهين ! ..فماذا بقي ليقال؟!

لكن إذا كان الجفري محقاً في توصيفه ، فكيف تم ذلك؟

كيف سطى الفحامون على عراقة هذه الجوهرة؟ ..على تأريخها ؟..على مجدها ؟ ..و على نزعتها دوماً للسمو؟

كيف غيبوا وعيها في أوساخ أظافرهم ؟

كيف سحقوا كرامتها فينا ؟

 ثم طمسوا بعد ذلك ذاكرتنا : فنسينا كل شئ ..

 وصمتنا.. وصبرنا.. وأحترقنا..وغدونا رماداًً بين أناملهم ينفثونه في كل إتجاه!

أسئلة مؤلمة .. لا أعتقد أن لها إجابات عندي ..ولا عندهم !

إنها معجزة لا تفسر .. أو مصادفة ربما!

أو لعنة تلاحقنا منذ ( ربنا باعد بيننا وبين أسفارنا)

* * *

لكن.. أهم فقط (من في السلطة والمعارضة ) وحدهم الفحامون؟ ..

ألا يدخل في زمرة الفحامين (بمنطق الجفري) كل من لا يعرف قيمة هذه الأرض وإنسانها ؟

فكم من أهل اليمن يعرف قيمة اليمن؟

وكم منهم فحامون؟!

لنكن صرحاء: ..... ليس الكثير!

كتبت منذ أشهر ثلاثة إلى رئيس الجمهورية.. قلت له ( ولعله يعرف) أن يمنيتنا صارت سمة دونية في هويتنا و وصمة عار مؤلمة ، وسألته : من السبب؟

اليوم.. يبدو أن السيد الجفري قارب - أو كاد – الإجابة عن تساؤلي ذاك.

الفحامون هم السبب (هكذا أفهم ) ، فحامو السلطة التي سحقت كل شئ ، و فحامو المعارضة التي قامرت وغامرت بكل شئ أيضاً ، والفحام في رجل الشارع الذي ضعف عن أن يخبر الجميع أنه تعب من كل زيفهم و كذبهم ، و أنه قرر أخيراً أن حريتهم في العبث والإفساد تنتهي عند أنفه .. وكرامته ..ومستقبل أبنائه!

و تظل بعد ذلك الحقيقة – أوشبه الحقيقة – قائمة تقول:

الجميع مشتركون.. وعيبٌ أن نتظالم !

(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ..

فمن نصر ظالمي السلطة من غبنها وفجورها و تجبرها؟..

 ومن نصر ظالمي المعارضة من نرجسيتهم المفرطة و أفقهم الضيق؟

 .. إلى الآن لا أحد !

وتبقى المشكلة .. أننا نختنق كل يوم في هذا المحيط الملوث ..

ونموت كل يوم ألف مرة:

 في كسب قوت يومنا.. في إنجاز معاملاتنا .. على أبواب المصالح .. على سرابيل القضاة .. في ساحات المدارس .. على بلاط غرف الطوارئ..

ببساطة ... في كل مكان من جمهوريتنا هذه!

يموت المتقدمون منا.. ونبقى نحن بعدهم ننتظر مخلص لن يجئ..

يتامى على أبواب قصر مهجور!

و......مشكلة خالدة!

نتعثر.. و نتغنى بمجد أندثر..

لا هو يعود.. ولا نحن نملك غيره ،

نتذكره: نتعاطاه مخدر رخيص لأنفس نذهبها حسرات – في كل يوم ألف مرة أيضاً - على حاضر فاضح معيب!

* * *

وهناك أيضاً " لماذا " كبيرة:

لماذا نستمرئ الكذب على أنفسنا؟

لماذا نلوك الواقع ونمجه في برود كأنه لا يعنينا؟

لماذا نقول أنصاف الحقائق في كل شئ؟

حتى القرآن لم نقدسه عن ذلك: نكتب على اللافتات الكبيرة في زهو (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) ..ونقف.

 نتغافل عن أن (كان) للماضي.. فقط

وننسى أن فواصل هذه الأيات غير قاطعة للمعنى ، فالعظة القرآنية لا تكتمل إلا بتمام المعنى ، لكننا – مع ذلك وبعد كل ذلك نجد من الوقاحة ما يكفي لأن نقف عندها.. فقط لأننا نريد أن نكذب!

وفقط لأننا نخاف من أن نأتي على ذم الله لمن نفاخر بهم مباشرة في الآية التي تلتها (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ) .. بصدق: أليس هناك فرق بين ما قاله الله وبين ما نريد أن نقنع أنفسنا أنه يقوله؟ ..

ثم .. أليس هذا الاجتزاء المأفون لكليات المعاني هو نفسه قاعدة ( ولا تقربوا الصلاة...) البغيضة ؟!

* * *

بقي أن أقول أن فحامي (السلطة والمعارضة) يكتبون وحدهم تاريخنا اليوم ، وسيكتبونه غداً.. 

ونحن نكتفي بلعن رمادهم الذي طمس فينا كل شئ .. 

أكتب هذا.. والألم يعتصرني على أبناء الجعاشن ..

في فصل جديد من مآسي (مجلس النواب ) : تعديل للتقرير الأساسي ، حذف لتوصيات لجنة تقصي الحقائق .. ثم تصويت بدون نقاش بعد أقل من 48 ساعة (في مخالفة للوائح السارية) !

لا أعلم إجهاض لقيم العدالة أكثر من هذا؟ .. ولا أعلم نصراً للإفساد أكثر من هذا؟ ..

ثم ..كيف تجرأ (الراعي) وأكل أغنام الجعاشن عياناً هكذا ؟

 لا أدري؟! ....

كل ما أدريه هو أنني كتبت منذ ما يزيد على العامين تقريباً أن هذا المجلس وصمة عار في جبين ما تدعيه الجمهورية اليمنية من ديمقراطية ، وأن إصلاح الدولة يبدأ به - كونه ذراع الفاعلية الشعبية السلمية ، وقلت يومها أن هؤلاء الأعضاء لا يزيدون – في مجملهم مع قليل الإستثناء – عن كونهم ممثلين للطبقات النافذه في هذا المجتمع المتآكل. الأيام لم تزد على أن وثقت ما ذهبت إليه.

بالأمس القريب عجز هؤلاء النواب عن دفع ظلم عن مواطن ..فلم يجد المسكين إلا قطع سبابته ليدخل بها على الرئيس ، فأين من كان يفترض أن ينوب عنه ويتحدث بصوته ؟

واليوم يعجزون – بهيلماناتهم وما يدعونه من وجاهة - عن دفع مظلمة الجعاشن ؟

يعجزون عن كل ذلك وعن كثير غيره..

لكنهم ينتصرون لأنفسهم من سفاسف لقطة الثورة أو زفرة قائل للحقيقة !

.. هذه ديمقراطية الثلج المقلي يا سادة !

ولو قلت - كما كتبت سابقاً – بأن هذه جمهورية موز جديدة ، لجانبت الصواب في التوصيف ، فجمهورية الموز تحافظ على مظاهر سطحية كاذبة ..لتخدع بها الأعين عن حقيقتها.

جمهوريتنا هذه مختلفة كلياً..

فكل شئ فيها محترق :

قيم الخير وقيم العدل، مفاهيم الحياة المدنية، ونظم وهيكلية الدولة العصرية.

هي بإختصار صورة معتمة ..و متحللة .. لدولة ذبحت في مهدها ،

وهي بإختصار صورة لمواطنيين .. هم (في أحسن حلاتهم) بقايا إنسانية:

عضيات مشوهة تتنفس هواء سام في جمهورية فحم !

• مدير مركز الراصد الإعلامي - نيويورك

Sadek76@gmail.com