ثورة الروتي
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 16 يوماً
الأحد 28 أكتوبر-تشرين الأول 2007 01:49 م

مأرب برس – خاص

مشيت بعد أولادي أجر الخطا بعد أن قرأنا الفاتحة على قبر جدهم الشهيد دأبنا في كل عام فنعطفا نحو الوادي، وانعطفت معهم متأملاً الغيوم الجاريه فوق خط الشفق كأنها قطيع خرفان بيظاء والاشجار باسقه الى السماء بملحمة مناجاه عجيبه ، تعمقنا في النزول للوادي قلت لهم ياقرة العين الى اين ..؟أوشك المغيب أن يداهمنا وثنيت منادتي لهم ياقرة العين ...!!!

ألتفتالي بوجهيهما في لحظة واحده كأنهما أتفقا مع الشفق ليعكسا لي صلابة قرارهما كصلابة الاشجارالتي في الوادي ،صبراً يأغلى الاباء لاتحتار فالحيرة بدء المعرفه كما ربيتنا .

 في لحظتها إذا بحوريه تقترب منا كالخيال فصرخت مستغرباً : ماذا أتابك الى هنا ؟

نحن هنا منذ الظهيرة نعد العده نحن ووالدتنا وأمك الحنون لنحتفل بالمعادله الصعبه التي دائما كنت تفتخر بها

 ( عيد تحررنا هو يوم إستشهاد جدنا ويوم ميلادك) 

 فأخترنا الوادي لتشترك معنا الارض بترابها هذا الاحتفال المفرح المبكي ....!

ساعتها تأبطت حوريتي كما كنت احب أن ادعيها وأسمها ( حوريه ) ساعدى فانتشيت فرحاً مسروراً ورأيت والارض ومافيها منبسطه أمامي كالصفحه الخضراء متهبياً بجانب حوريتي .

وصلنا الى المكان المعد للمخيم والمبيت ...فلقد كبروا أولادي وتعلموا فالكبير تخرج قريبا من كلية الطب.. وحوريتي أمتهنت التدريس ،والصغير مازال في الجامعه.. على حب مهنة الأجداد وهي الرعي والمبيت في الخلاء .

 قبلت يدي أمي الحنون ورأسها، والقيت تحية الوفاء لشريكة دربي واستندت على الجهة الأخرى لشجره التي تستند عليها أمي الحنون وتوسطت حوريتي المكان بيننا ....وهنا رفعوا أولادي أصواتهم مطالين أمهم الحنون ان تتوسطهم غيرة من حوريتي التي نالت نصيب الاسد من الحنان ، تناولنا عشائنا والذي يعد مماأنجبته أرضنا من ذره ، ودخن ، وشعير فأبني الطبيب وأمي الحنون أتحدوا بأن لايغزونا غير الأكل الذي تنتجه أرضنا .

هجم الليل علينا مسرعاً جاعل كل تلك الوديان والهضاب ساكنه ولايقطع ذلك السكون سوى تلاعب الرياح الذي يمتزج برائحة الأشجار ليعطيك نشوة عطرية فريدة المنال .. قطع كل ذلك التأمل صوت أمي الحنون وهي تقول :

في مثل هذا اليوم ولدتك ياراجح ...

في مثل هذا اليوم من نيف وأربعون عام ملئت الوجود بصراخك ...

في مثل هذا اليوم يارجح اعطيتك ثدي لترضعه حتى لاتبكي فلقد كان والدك يردد دائما قدولى زمن البكاء والنواح يامحصنه

ايه يارجح توسلت اليه إلا يتركني ويذهب ومازلت حنا عرسنا تفوح راحته من بين أصابعي أصر على الذهاب وهو يقول: يامحصنه لابد من الذهاب لنقطع دابرهذا الظلام الذي يخيم على بلدنا وأنه سيعود ليبنى المدرسه ويعلم جميع اولاد القريه ...

وببتسامه خجلى لقد وعدني بأني سأكون من أول الملتحقين في مدرسته للأقوم بتلعيم نساء القريه فيما بعد...

 وفي مثل هذا اليوم أتوا لنا بوالدك ليزفوه زفة الشهداء لذلك أرضعتك حتى لاتصرخ وتقلق روح والدك المحلقه فوقنا وهو رافع راية النصر والحرية والشهاده

وظلت روحه تأتيني في كل عام متراكضه نحوي لتحيط بي مرتله أهازيج الشهاده مزاحمة ذكرياتي لناي والدك عنما كان يختلس متخفي بين الاشجار ليغني لي وانا ارعى الغنم بناي الذي كان يعشقه ويردد 

ياوطني أحب محصنه ... ولكني ياوطني احبك اكثر من محصنه ...

قطعت حوريتي إسترسال جدتها لذلك أبي مدير المدرسه الذي في بلدتنا ياجدتي الحنون ؟

نعم ياحوريةوالدك ففي يوم ولادته أقسمت على نفسي بأن يكون راجح أول متعلم بالقريه.. وأبني له المدرسه التي حلم بها والده ... فأحببت التعليم حب جدك للحريه.. وبحكم إني زوجة الشهيد رفضت ان أقترن بأي رجل أقل منه في نظري ودخلت في صولات وجولات مع إخواني للإقناعهم أن نرحل من البلده ونتجه نحو الشاطئ.. لينال إبن الشهيد حقه من التعليم تحقيقاً للهدف الذي رحل والده قبل ان يراه وينعم بتربيته كما كان يريد له .

 وكانت وجهتنا الى الشاطئ وعلى معاش جدك وماكينة الخياطه ربيت والدكم وكبر وكبر الحلم معه ودخرنامن المال مايجعله أول حاصل على الشهاده الجامعيه في البلده.. وعدنا ادراجنا وأستقطعنا من أرضنا مقر للمدرسه وشتركنا مع أبناء البلده في بناء المدرسه وهكذا حتى أصبحتي ياحوريه أباك أول المتخرجات والعاملات فيها .

هنا تدخل ولدي الأصغر سنا تدخلا أغضب جدته بقوله : إذا أنتم جيل الحريه ونحن جيل العبوديه فلابد ان أسلك مسلك جدي الشهيد ...!

هنا أمتزج الماضي بكل الأمه وأفرحه لدى أمي الحنون ولمعت في عينيها بريق الخوف من المستقبل وخاطبة ولدي بصوة قوي أعادني للأيام شبابي عندا كانت تعتريني بعض حالات الفتور فتعيد فيني الروح

ماذا تعرف انت عن العبوديه حتى تطالب بالحريه

وانت لم تلد على مهد الشقاء ..ولم تربى في أحظان الإستعمار.. والإستبداد ولم تأكل خبزك اليابس.. وماؤك المعكر.. ممزوج بالمرض ....!

ماذا تعرف عن العبوديه حتى تطالب بالحريه

 وأنت لم تساق الى الجنديه رغما عن إنفك وتذهب الى ساحة الموت ليكون طرفي الموت أنت وأبن عمك فقط ..!

ماذا تعرف عن العبوديه حتى تطالب بالحريه

وأنت لم تزج في سجون الغاصب للأجل فقرات من أبيات شعريه قلت فيها كلمة حق في وطنك ..!

لقد جبت الوطن أنت وأخوانك من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها من دون أن تكون حافي القدمين.. أو يتقطع لك قطاع الطرق في جنبات وطنك ..!

تدخل ولدي متمسكاً برأيه ولكن ياجدتي الغاليه البلد والوطن كله بيغلي ... المظاهرات ،الجوع ، الفقر ، المرض الناس... يرفعون شعارات الثوره تعرفين ماذا يسمونها ياجدتي... يسمونها.......... (ثورة الروتي ياجدتي) ........
 

هنا تبسمت والدتي ورددت .. ثورة الروتي .. ثورة الروتي .. وأختتمت كلامها بعد ان ارخت جسدها متوسده الحجر الذي بجانبها بقولها : 

إني أنوح عليك ياوطني لأن الغناء أمام ماأنت فيه ضرب من الغباء ...!!