هولندية في جلسة قات يمنية
بقلم/ نيكولين دن بور
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 08 مايو 2007 09:12 ص

يلوكه الجميع، من رئيس الدولة إلى أطباء المستشفيات وسائقي السيارات. إنه القات، "المخدر" الوطني في اليمن، فهو مباح ويخلق حماسا لدى الجميع، بل إن التجارة تكاد تستحيل دون أن تكون أوراق نبات القات من بين موادها، و قد يتخذ تأثيره الشافي المحتمل أحجاما خرافية.

 "هل ترين ذاك البرج هناك؟"، يشير عبد الجليل إلى منارة عالية بالقرب منا، "لقد بني البرج بفضل القات، فقد كان العمال يلوكون أوراق القات أثناء البناء، وانظري كم هو رائع الآن. بالإضافة إلى ذلك، لم يسقط أحد من البرج أبدا".

أومأ أصدقاء عبد الجليل برؤوسهم مؤكدين ما يقوله صديقهم. إنهم وكالعادة كل ظهر، في زيارة لمفرج عبد الجليل الخاص، والمفرج عبارة عن غرفة خاصة، يرتادها الرجال اليمنيون في الظهر لشرب الشاي، وللدردشة و مضغ القات (تخزين القات). و توجد المفارج التي تحتل وسط صنعاء القديم، كلها في الطابق العلوي الذي يطل على آلاف الأبراج السكنية المزخرفة في العاصمة. يجلس ماضغو القات على وسائد فوق الأرض، و يحكم إغلاق النوافذ، وهو الأمر الذي يسبب لغير اليمنيين شعورا بحرارة خانقة، إلا أن الحرارة ترفع من التأثير الايجابي للقات، حسب أقوال مستهلكي القات المتحمسين، ولن يضيع بذلك مثل هذا التأثير.

يقول الكُتّاب من أمثال عبد الجليل، أنهم يستقون إلهاما أكبر لكتاباتهم أثناء جلسات تخزين القات وبعدها. و يقسم الطلبة وسائقو السيارات أن القات يجعلهم أكثر انتباها ويوفر لهم طاقة أكثر:

" أستطيع أن أدرس ساعات طويلة متتالية دون تعب. لا أعرف آثارا سلبية للقات، فهولا يسبب في الإدمان، غير أنني أحيانا أصاب بالأرق"، هذا ما يقوله أحد الطلبة.

وحسب معهد ترمبوز الهولندي، يرفع القات بالتأكيد من درجة اليقظة والانتباه، ويسبب شعورا خفيفا بالغبطة، كما أنه يحد من الإحساس بالجوع والتعب. 

و بالرغم من ذلك كله، فإن للقات آثاره السلبية. هذا ما يؤكده المركز المختص في المخدرات، فالاستعمال الدائم للقات يسبب في الأرق وفي اضطرابات في القلب، كما يرفع من ضغط الدم، بل قد تكون للإصابة بسرطان الفم والحنجرة علاقة بورق القات، ومن المحتمل أن للأمر علاقة بالمبيدات الزراعية التي تستخدم لتغذية نبات القات.

تشير السوسيولوجية عفاف أحمد الحليمي من جامعة العاصمة اليمنية صنعاء، إلى العواقب الاجتماعية للقات قائلة:

" يبدو لقاء الرجال كل ظهر ممتعا، إلا أنه لا يخلو من تأثير سلبي على الحياة العائلية. يقضي كثير من الرجال المساء كله و جزء من الليل في مضغ القات مع بعض، ويبتعدون تدريجيا عن نسائهم وأطفالهم لوقت طويل"

 تحكي الحليمي أنها الوحيدة من بين أفراد عائلتها التي لا تخزن القات، فالنساء في عائلتها يستخدمن القات أيضا، وما يقلقها هو كون الأطفال يبدأون الآن في مضغ القات عن سن صغيرة. " يعتبرونه تصرفا جريئا أو يقلدون آباءهم".

لا يُنظر في اليمن إلى أوراق نبات القات الممنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية و الدول السكندنافية مثلا على أساس أنها من ضمن المخدرات، فالكحول و المخدرات في اليمن محظورة تماما. و لا يمكن الحصول على الكحول مثلا إلا في عدد قليل من الفنادق الكبيرة، المتجر الوحيد الذي يبيع الكحول بشكل غير شرعي يبعد 40 كيلومترا من العاصمة. والى جانب الفودكا، يمكن شراء الكلاشينكوف أيضا من ذات المتجر. 

قبل سبع سنين مضت، دعا الرئيس اليمني عبد الله صالح مواطنيه للتقليل من استهلاك والإكثار من الرياضة. و منذ ذلك الحين، أقلع عن تخزين القات إلا في عطل نهاية الأسبوع. إلا أن قليلا من اليمنيين فقط من نهجوا نهجه، والدليل على ذلك شارع صنعاء التي تعج بالأشداق المنتفخة بالقات بعد الظهر.

أوضح لي عبد الجليل في مفرجه أنه من نبات القات تُؤكل الأوراق والشعاب الناعمة. وتكمن تقنية مضغ القات في حشو الفم بما يسع من الأوراق المرة و الشعاب الناعمة معا، ثم مضغها و إزاحتها إلى الجهة الخلفية من الأضراس، و بالنسبة لمن تنقصهم التجربة، يُسمح باستعمال الإصبع.

والقات لا يُبلع، إلا أنه ليس كل واحد ينجح في تفادي ابتلاع كميات وفيرة منه في المرة الاولى على الأقل. لا يجب أن يغتر من يجلس ساعات طويلة لتخزين القات بوجنة منتفخة، في حين يعلق النبات الأخضر بأسنانه. إلا انه وبعد مرور الساعة الأولى، لا يصبح الأمر مهما ما إذا علق بالأسنان نبات أخضر أم لا، إذ يبدو أن شيئا ما يتغير في جو الغرفة. ويبدأ ماضغو القات في الدردشة و في التنكيت

والقهقهة. ويبدو وكأن كل التعب قد راح كما يذوب الثلج تحت أشعة الشمس. وبعد بضع ساعات، يحين الوقت للكلام المفيد. و شيئا فشيئا، يغدو كل من في الغرفة شاردا، ويحدق أصدقاء عبد الجليل في التلفزيون، حيث تُشاهد الأفلام الأمريكية، البريطانية و الفرنسية. " أين هي الأفلام الهولندية؟ " يسألني عبد الجليل، "أريد أن تُبلغي خطابا لملكتكم، نريد أن نعرف المزيد عن الثقافة الهولندية، اسأليها من فضلك، لماذا لا ترسلون إلينا برامج هولندية". و يومئ الحاضرون برؤوسهم موافقين!