آخر الاخبار

مليشيات الحوثي تُدرج مادة دراسية طائفية في الجامعات الخاصة. اللواء سلطان العرادة: القيادة السياسية تسعى لتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها المختلفة نائب وزير التربية يتفقد سير اختبارات الفصل الدراسي الأول بمحافظة مأرب. تقرير : فساد مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة إب.. هامور يدمر الاقتصاد المحلي ويدفع التجار نحو هاوية الإفلاس مصدر حكومي: رئاسة الوزراء ملتزمة بقرار نقل السلطة وليس لديها أي معارك جانبية او خلافات مع المستويات القيادية وزير الداخلية يحيل مدير الأحوال المدنية بعدن للتحقيق بسبب تورطه بإصدار بطائق شخصية لجنسيات اجنبية والمجلس الانتقالي يعترض إدارة العمليات العسكرية تحقق انتصارات واسعة باتجاه مدينة حماةو القوات الروسية تبدا الانسحاب المعارضة في كوريا الجنوبية تبدأ إجراءات لعزل رئيس الدولة أبعاد التقارب السعودي الإيراني على اليمن .. تقرير بريطاني يناقش أبعاد الصراع المتطور الأمم المتحدة تكشف عن عدد المليارات التي تحتاجها لدعم خطتها الإنسانية في اليمن للعام 2025

عن معنى الحرية
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 13 يوماً
الجمعة 22 يوليو-تموز 2011 04:45 م

تحكي رواية (جذور السماء) لرومان كراي، كيف أنه في أحد (معسكرات الإعتقال الألمانية) حاول الألمان تثبيط همة السجناء الفرنسيين بالتضييق عليهم وتركهم بدون عمل، ولهذا اقترح أحد السجناء على زملاءه أن يلعبوا لعبة، وهي أن هناك فتاة جميلة تسكن معهم في نفس السجن, فإذا ما أراد أحدهم خلع ملابسه كان عليه أن يعلق بطانية كي لا تراه الفتاة، وإذا شتم أحدهم الآخر فيتعين عليه الانحناء في ركن الغرفة والإعتذار لها.. وفي وقت قصير كانت الحسناء الخيالية قد رفعت من معنويات السجناء، إلى حد جعل الألمان يرتابون في الأمر، وهنا يقوم القائد بالتحقيق ويكتشف أمر اللعبة، فيقرر إستخدام نفس الأسلوب، ويدخل الكوخ بمرافقة جنوده قائلاً للسجناء بأنه يعلم أن لديهم فتاة، وأنه يتعين عليهم تسليمها له، كما يخبرهم بأنه سيعود في اليوم التالي ليقوم جنده باصطحابها لأقرب مبغى للضباط الألمان!!

ثم يغادر المكان ويفكر السجناء ملياً فهم يعلمون أنهم إذا سلموا الفتاة -تسليماً رمزياً- فإنها ستذهب إلى غير رجعة، فقد أوجد خيالهم الحياة لها ولكنه لن يستطيع إعادتها ثانية بالإرادة المحضة، ويعود القائد في اليوم الثاني، فيخبره السجناء بأنهم لن يقوموا بتسليمها إليه مهما فعل، وهنا أدرك القائد بأنه قد هزم، إذ ليس بمقدوره أن يسلب السجناء ما أوجده خيالهم من العدم، ويجري تعذيبهم أشد العذاب، ومع هذا فإنهم استطاعوا الحفاظ على قواهم الذهنية سليمة، فلم يهزموا ولم يرضخوا.. ولأنهم قد تعلموا من درس (الفتاة الخيالية) فقد شرع بعضهم أثناء الحبس الإنفرادي بتخيل أسراباً هائلة من الفيلة وهي تطوي سهولاً شاسعة -لا يوقفها شي- محطمة كل ما يعوقها.

ذلك هو رمز الحرية الذي ساعدهم على الحفاظ على عقولهم سليمة، وتلك هي أحد الروايات العظيمة التي ترمز إلى أن سر الحياة في قلب العقل البشري لا يكمن في أي من ملابسات الواقع المعاش أو ظروف وأحداث حياتنا اليومية، ولا في المال والثروة أو المنصب، بل هو في القوة الفريدة الكامنة في عقلنا الخصب القادر على التفكير والإبداع حتى في أصعب الأوقات.. أما السجناء الفرنسيين فلم يقوموا بإستحضار مجرد امرأة بل أنهم نجحوا في خلق شي ما أعاد البهجة والروح إلى حياتهم، وأمدهم بكل تلك الطاقة الهائلة التي مكنتهم من المقاومة والصمود، أو ما يمكن أن نسميه هنا (إرادة البقاء) أو الدافعية لإثبات الذات عن طريق الخيال والإبداع.. فالفتاة هنا ليست (فنطازيا عبثية) وليست هدفاً بحد ذاتها، ولكنها تعكس حياة أخرى أجمل وأروع وأعمق من معسكرات الإعتقال..

الحرية إذا أداة للتغيير والتعمير، وبدونها فلا إبداع ولا فن ولا صحافة ولا ثقافة ولا حضارة ولا نهضة، بل إن الحرية هي جوهر الحياة ومعناها، وهي وسيلة التعبير عن الذات، وهي غاية الوجود الإنساني، ومن يتساءل مذكراً (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أجيبه: نعم، ولكن حتى عبادتنا لله تعالى لن تكون ذات مغزى إذا كانت بالغصب أو لهدف دنيوي فـ(لا إكراه في الدين) و(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، إن إنحناء الإنسان لخالقه سبحانه أثناء سجوده وركوعه بما فيه من ذل وإنكسار وخضوع وإستسلام لن يكون ذا معنى إذا لم يكن خالصاً لوجه الله، أو إن كان في القلب والعقل غير الله -وتلك لعمري أروع وأصدق لحظات التحرر والإنعتاق الوجداني- وهذا ما أفهمه من ترديد المسلم أثناء صلاته (الله أكبر) مراراً وتكراراً..

وهنا أتساءل.. ما جدوى (الإعلام والفكر والأدب) إن لم يسعَ للتعبير عن النفس عندما تكبت الأنفاس؟ وإذا لم تكن الثقافات والفنون إنعكاس صادق لحياة أهلها بحلوها ومرها، فما هي إذاً؟ إذا لم يسع الفنان جاهداً لحل مشكلات الواقع -من خلال تجربته وبأدواته- متخطياً كل العقبات، فما هي وظيفته؟ وسواءٌ أكان هذا الفنان ممثلاً مسرحياً أو كاتباً أو رساماً أو شاعراً أو موسيقاراً، فإنه لن يستطيع أن يخلق عالماً مستقلاً منعزلاً عن محيطه الإجتماعي ليعيش فيه وحيداً، بل عليه أن يهب نفسه ويسخر موهبته للناس من حوله، عليه أن يعبر عن معاناتهم واحتياجاتهم بصدق وشجاعة –وبإرادة حديدية- وإن نسي معاناته واحتياجاته هو، وعندئذٍ فقط سيشعر بطعم السعادة الحقيقية التي لا توازيها أي سعادة.

وهكذا كلما كان الإنسان أكثر وعياً بذاته وإدراكاً لدوره، كلما كان أقرب إلى قضايا وطنه وأمته.. محبذاً العطاء على الأخذ، وإن عانى في سبيل ذلك الأمرين، وإن ضحى بالغالي والنفيس، وليس الإضطهاد والإقصاء والتهميش والتعذيب والتهديد والنفي والسجن والقتل إلا معوقات دفعها -وسيظل يدفعها- الشاعر أو المفكر أو حتى الفنان الجاد المخلص الحر في طريقه الصعب، وليس الإغراء بالمال أو المنصب، إلا بعضاً من الوسائل التي قد يلجأ إليها السلطان لإثناءه عن متابعة رسالته، وتحويله إلا مجرد (مَمسَحة باب) أو (بوق) يسبح بحمده ويمجده ويصف محاسنه ويمدح شمائله –ويدعوه آناء الليل وأطراف النهار- ومن يأبى فليصبح عبرة لكل من تسول له نفسه مجرد إنتقاد الفساد أو التفكير في التغيير.

وللتوضيح فقط أرى أنه من المفيد أن أُوجز ما ذهب إليه العالم (ماسلو) في نظريته (التسلسل الهرمي لإشباع الحاجات) فقد أشار إلى أن (الحاجة إلى الطعام والشراب) هي الحاجة الأساسية لجميع الكائنات الحية، لذا فالبشر الذين يشعرون بالجوع، لا يمكنهم التفكير في إشباع حاجاتهم الأعلى مثل (الحاجة للشعور بالأمن) أي: السكن والمأوى -إذ تتمثل أحلام الفقراء والمشردين في مكان صغير ينامون فيه وحديقة أصغر يزرعون فيها الزهور -هذا إذا ذهبوا بعيداً- وفي حالة إشباع هذه الحاجة فإن المستوى الأعلى سيبرز وهو (الحاجة إلى الشعور بالحب) أو الجنس الآخر، أما المستوى الذي يليه فيتمثل في (الحاجة لإحترام الذات) أي: أن يكون لك معجبين، أو أن يُكن لك أحد جيرانك أو معارفك التقدير، أو أن تكون ذو مركز مرموق، أما أعلى المستويات في السلم الهرمي فيتمثل في (الحاجة لتحقيق الذات المبدعة) كأن تعمل من أجل قضية أو فكرة أو هدف سامي تؤمن به وتحلم وتعيش معه وتضحي لأجله حباً فيه –لا لشيء مادي أو معنوي- أو كأن يكون للمرء إهتمامات ثقافية أو سياسية أو إجتماعية أو بيئية، الخ.

ولذا تسعى الأنظمة الإستبدادية جاهدة –في كل زمان ومكان- إلى منع مواطنيها من الوصول إلى هذا المستوى العالي من الطموحات والاهتمامات، متبعة المثل القائل (جوع كلبك يتبعك) ليظل شغلهم الشاغل هو توفير لقمة العيش بأي شكل من الأشكال، وليبقى همهم الأول هو ملئ البطون وإشباع الغرائز!! تلك الأنظمة القمعية التي دائماً ما تحتكر القرار، وتستنكر الحوار، وتُحرِم (الكلمة الحرة) وتُجرِم (النقد البناء) ولسان حالها يقول لمواطنيها (خليك في حالك) أو على طريقة الشاعر:

سجن اللسان هو السلامة للفتى** من كلِ نازلةٍ لها استئصالُ إن اللسان إذا حَلَلتَ عِقَـالَهُ** ألقَاكَ في شنعـاءَ ليسَ تُقَالُ من أجل ذلك، يجب على شبابنا أن لا يُثبِط من عزيمتهم الإمعان في تجويعهم وإذلالهم وترويعهم، ينبغي أن يزيدهم استعلاء واستكبار النظام إصراراً وقوةً وثقة، ولنتمعن في (مسرحية المحاكمة) للروائي النمساوي (كافكا) فبعد أن أُلقي القبض على البطل، لم يتم إخباره بسبب محاكمته، وظل يرسل من محكمةٍ لأخرى، ومن قاضٍ لثان، وهو يشكو ويتساءل عن الذنب الذي يحاكم لأجله، حتى افتقد القدرة على الوقوف في وجه متهميه، ولم يكن يعلم أن الهدف هو تحطيم كرامته وزعزعة ثقته بنفسه..

أخيراً: يجب أن تبقى (وسائل الإعلام) في بلادنا تعبيراً صادقاً عن ذات الإنسان اليمني وعن دوره الإيجابي، وإلا فعليها السلام!! يجب أن نشد على يد كل صاحب رأي حر شجاع, ، يجب أن يبقى الإعلام اليمني لسان الشعب وصوت الوطن وقلبه النابض بالحياة والمعبر عن أحلام اليمنيين وهمومهم وأفراحهم وأتراحهم، بعيداً عن النفاق والتزلف والتطبيل للحاكم، وليبقى الشباب المعتصمون اليوم في الميادين والساحات رموزا شامخة في ذاكرة كل مواطن غيور مخلص نستلهم منهم معنى الحياة والحرية..