أين هيكل... من قراءة حماس ؟
بقلم/ الحاج معروف الوصابي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و يومين
السبت 30 يونيو-حزيران 2007 11:33 ص

مأرب برس - خاص

محمد حسنين هيكل ،مضرب المثل في القول والتحليل السياسي ،خضرمته المراحل والأحداث ،عاش ولم يزل حينا من الدهر في قلب المعلومة والتحليل ..

ما ميزه عن غيره من زملاء المهنة هو ذلك الكم التراكمي من المعلومات وسير الأحداث في سياقها التاريخي والقريب والتي درتها عليه صلاته بصناع القرار ومراكز المعلومات .

لكنه في النهاية بشر فرغم اللامع للاسم والبريق للمسمى إلا انه يبقى كغيره في مضرب التحليل والقراءات في السياق المتحول والغير ثابت للظاهرة والاتجاهات .

فهيكل اصدق ما يقال عنه انه أرشيف عالمي للمعلومات السياسية والأحداث ،اكتسب شهرته مع اندفاعة الحرب الباردة والتصاقه الشديد بالعهد الناصري الذي أفاده عن غيره سبق معلوماتي ،واحتواء أسرار ،وإطلاع واقتراب من السياسات والرموز الدولية.

هذا الأرشيف إن صح القول لا يعول عليه اليوم في مجال التفسير للظاهرة والحدث ، والاتجاهات المستقبلية بقدر ما يستفيد منه محللون وقارئون آخرون يسعفهم هو بالمعلومة ..

أما وان وصل إلى هذا المقدار من العمر والكم من المخزون حتى تزاحمت في ذاكرته الملفات فتجدك تتوه معه يمنة ويسرة في (مع هيكل للجزيرة ) حيث تندفع هذه المعلومة فتقلب مسار سابقتها فيخرج بك من هنا إلى هناك ،فان الاسترخاء والتعويل على قراءته أمر غير ذي جدوى.

هيكل الذي لا زال مسكونا ومسيجا بالعهد الناصري عاطفة ورؤية رغم كل ما يمتلكه من حصافة وخبرة إلا انه يفتقد للتجرد والاستقلالية والتغطية من أكثر من زاوية .

رغم أهمية حلقات الجزيرة مع هيكل من حيث السبق والفكرة والتكلفة ،إلا أني اجزم بشرود والتفات الكثير من النخبة عنها بسبب تلك المتاهات التي يجرك إليها ،وبسبب الاجتزاء للتاريخ واللحظة والحدث ،فلا تسمع إلا أسماء كأحمد ماهر ،وحسنين باشا وعبد الناصر والسويس وفي هذا السياق ،وكان المشهد اليوم لا يتسع إلا لأولئك شخوصا ومسرح ،وكأنما المستمع والمشاهد ليس سوى احمد سعيد ..

فضلا عن أن تلك القراءة المجتزأة للتاريخ والحدث تسكنها العاطفة وتحكمها الايدولوجيا ونظرية المرحلة .

في لقائه الأخير مع الجزيرة وحول المستجدات الفلسطينية ،جزم هيكل بيقين قاطع بحصول خطا فادح ارتكبته حماس جملة وتفصيلا بفعلها السياسي والأمني الأخير ،إذ أن حماس حسب زعمه أشبه بالفجائية والخبط والفاقدة للحسابات القريبة والبعيدة ،بل وزاد بعدم معرفة قياداتها للعالم .

والواقع هنا وبغض النظر عن الايدولوجيا ،فان هيكل بضاعته كاسدة تماما ومردودة عليه في مضمار التعاطي بالقول والتفسير للظاهرة أو المتغير الإسلامي.

إذ أن الأدوات التقليدية في التحليل لا تنفع وحدها في التعاطي هنا ،فضلا عن أن حماس التي ولدت كبيرا قد أوجدت عملا وخطابا وتعاطيا للسياسي من نوع آخر جديدا وغير مسبوق ،قلب الطاولة والموازين والأدوات على الكثيرين .

يعتبر هيكل ما قامت به حماس تهورا وخبطا غير محسوب للأبعاد والردود .

والتساؤل هنا وبذات القراءة والتشابه للبيئة والأبعاد ..ما قول هيكل عليه السلام في قرار تأميم قناة السويس ؟وحسابات ردود الأفعال ؟ ألا يعتبر ذلك وبذات القراءة تهورا ومجازفة وقيامة تقوم على حد الرؤية الهيكلية قياسا ؟

رغم أن ذلك وما جره من عدوان ثلاثي يعتبر من أهم القرارات المصيرية والنادرة في التاريخ القريب لمصر يحسب لعبد الناصر في كل الأحوال رغم انه جاء في سياق عفوي.

إذن فهناك محطات وتحولات وراء الحجب لا يحدق إليها ويدركها إلا أصحاب المعرفة والبصيرة والعزم والمضاء.

لو قيل لهيكل زمانه ،كيف تقرا الحدث والعواقب والرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جيشه من الصحابه يتحركون لقطع الطريق على قافلة قريش أثناء عودتها وعليها أبو سفيان قبيل معركة بدر ؟

لصاح هيكل دي كارثة وأفعال متهورة ،قريش مش حتقبل ،دي حترد وحتجيش معها القبائل ،ومحمد وجماعته لسه جداد في المدينة ومش معقول يثرب حتتهور وتحارب مع محمد ،ده بن سلول حيرفظ وحيحافظ على علاقاته ومصالحه مع قريش ،ومش معقول يخاطر ويعرض بلاده لمستقبل مجهول ..

أما كيف سيكون رده أثناء سماعه بمجيء قريش وقد أعدت وأرعدت ؟

الجواب ستقراه على ملامحه ..

نفس الأمر لو سئل هيكل زمانه عن تقيمه للموقف وقريش تجيش الجيوش والقبائل والأحزاب للهجوم على المدينة (في معركة الخندق) ثم انتفاضة بني قريضة من الجهة الأخرى .

إذن فلا عتب ..فواقع الحال أن هناك أشياء فوق حدود التصور للسياسي المحلل إذا تعلق الأمر بالظاهرة أو المتغير الإسلامي ،يحتاج معها المحلل إلى دراسة المنظومة القيمية والمحركة أولا بعمق والى أن يعيشها في ذاته وعبر المراحل من التاريخ حتى يستخلص معه أدوات أخرى إلى جانب تلك تفيده في التحليل من مثل القياس ، والسنن الإلهية التي تعمل .

أيهما خير لحماس ..أن تكون فاعلة للمتغير والحدث ؟أم أن تبقى في سياق رد الفعل ؟

أن تسبقها أدوات التآمر الصهيو-- غربي لتجتز عنقها بخنجر دحلان فتنتهي وتنتهي قضيتها ؟أم تسبق هي إلى كسر اليد والخنجر فتشتغل وتشاغل ولكن هناك ؟

ايهما خير وهيكل ما زال شاهد على المرحلة ..أن تباديء مصر عبد الناصر في 1967م بضرب إسرائيل وقد تناهى إليها استعداد إسرائيل واليقين بالعدوان ؟أم تنتظر ولا تتهور حتى تتكسر قوائمها وأضلاعها فتخر مغشية بلا سقف ؟.

وقس على ذلك من 1967م –إلى تدمير صواريخ وأسلحة العراق .

على ذلك فقاعدة التحليل هنا التي لم يفقهها هيكل حتى بعدان تآكل وتهيكل تكمن هنا في (ادخلوا عليهم الباب).

أما وان كانت حماس على حد قول هيكل لا تعرف العالم ،فان كان الأمر يتعلق بالأرقام وحفظ المسميات للشخوص والمدن والحدث ،فهيكل بذلك اعلم وأدق ،لان حماس في مضمار الفعل والكليات والتفاصيل والخطوط الأهم ،أما وان كان الأمر يتعلق بأبعاد وملامح الاستراتيجية الدولية واتجاهاتها ،فان الواقع اثبت ولازال أن حماس ومعها حزب الله وحدهما من يحتكرا الرؤية السديدة وكرامة الفعل والموقف وسواء التعاطي .

في الوقت الذي أثبتت فيه الأحداث والمتغيرات أن النظرية السياسية التي صاغها القرار المصري عبر مراحله ومعه نخبته المحنطة وتبرمجت عليها نخب القرار الأخرى في الأقطار العربية قد كلفت امتنا الكثير من الموارد والقيم والموقف والإنسان ،وأنها بيت القصور والفضيحة والخطأ ..

ويقصر هيكل مرة أخرى في قراءته لتجربة الإخوان المسلمين في مختلف المعمورة .،حيث يرى في ذات قراءة له أنهم –أي الأخوان- بعيدون في المستقبلي عن السلطة لقصور في السياسي والفهم والجمهور المصاحب .

والواقع هنا أن منظار هيكل لا زال بعدسة صلاح نصر والبسيوني حمزة ،وانه لو تمطى قليلا والتفت لوجد الإخوان هم جمهور الأمة اليوم ،وأنهم هم الشارع المتحرك والنخبة المحركة ،وما مصر اليوم الا قافلة تسير في درب الإخوان .

ختاما لا نبهت أحدا ..إنما من تزاحمت عليه الأعوام وامتلأت ذاكرته بالثقوب فضلا عن الاحتباس على عهد ومرحلة لا يصح أن تعول عليه في التقييم ،إنما ليس عليك أن تكون له في بعض الحين مستمع فرب شاردة منه أو عابرة قد تكون ذات فائدة.