لم تعـد اللعبة مقبـولة!
بقلم/ عــلي الفـــقيه
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 5 أيام
الثلاثاء 25 مارس - آذار 2008 01:37 ص

جاء الرئيس صالح إلى سدة الحكم بينما كانت الجمهورية العربية اليمنية حينها تمر بالحكومة الخامسة والعشرين منذ قيام الثورة وخلال الثلاثة العقود الماضية من حكمه شكلت 12 حكومة وحوالي 19تعديلا وزاريا لم تخرج أي منها وهي تحظى باحترام الشارع اليمني.

وخلال هذه الإثني عشر حكومة استطاع الرئيس علي عبد الله صالح التخلص من مسؤولية كل السلبيات التي ترافق أداء الأجهزة التنفيذية والتدهور الذي طرأ على حياة المواطنين.

من التكنوقراط إلى الوجوه الشابة أو ما أطلق عليه بالتشبيب إلى حكومة ائتلاف ثلاثي إلى ائتلاف ثنائي إلى محاصصة مناطقية مر عليها الحاكم كلها محاولا صنع الأمل للشعب بأن الخروج من الأزمة يكمن في القادم بينما ظل خلال ثلاثة عقود - عمر جيل- يمسك بمقاليد الأمور، ووحده من يحكم وهو ما أثبته فشل التشكيلات المتتابعة.

والفشل المستمر ظل لفترة طويلة بنظر غالبية الشعب مرتبط برؤساء الحكومات المتعاقبة.. وخرج هؤلاء بانطباعات سلبية عنهم في ذهنية الشعب ليس أقلها العجز، فعميد التكنوقراط في اليمن والأطول عمرا بين رؤساء الحكومات عبد العزيز عبد الغني غادر المواقع التنفيذية كلها وهو في الذاكرة الشعبية ليس أكثر من موظف يجيد تنفيذ أوامر الأفندم وخرج حاملا لقب «عبده مرحبا».

فعبد العزيز عبد الغني يحمل من الكفاءة والخبرة الطويلة ما لا يمتلكه أحد في البلد فهو الوزير الذي عاصر أربعة رؤساء منذ أن عين وزيرا للصحة في نوفمبر 67م في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني في حكومة عمرها شهر ونصف، وتوارى بعدها عن الحكومات المتوالية - قصيرة العمر- ليظهر مجددا في عام 70م كوزير للاقتصاد في حكومة العيني التي لم تستمر أكثر من عام ونصف.

وظل عبد الغني يتنقل في التشكيلات الحكومية المتتالية طوال فترة الاضطرابات إلى أن كلف بتشكيل ثاني حكومة في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي والتي استمرت إلى نهاية عهد الحمدي.

وظل هو الرجل الثابت في وقت تغير الرؤساء حيث كلف بتشكيل الحكومة في عهد الغشمي ولم يستطع الاستغناء عنه الرئيس علي عبد الله صالح، حيث أبقى على ذات التشكيلة الحكومية نظريا بينما أدخل عليها عمليا ثلاثة تعديلات وزارية أتت على تسعة عشر وزيرا والتي تم فيها استبعاد عناصر لا يرغب فيها الرئيس الجديد، واستحدث خلال تلك التعديلات خمسة مواقع لوزراء بدون حقائب وزارية، كانت عبارة عن استحقاقات لمن أعانوه على الوصول إلى الحكم. وبرهنت تلك التعديلات على انعدام الرؤية لدى النظام الجديد حيث جاءت تلك المناصب الوزارية المستحدثة لتضيف أعباءاً إضافية على ميزانية الدولة دون حاجة حقيقية لتلك المناصب، خاصة أن التعديلات جاءت بعناصر من قيادة الجيش من زملاء الرئيس فقد أدخلت أربعة ضباط برتبة (مقدم) ،ولم يعدم لهم الرئيس الجديد موقع فقد عين أحدهم «وزير دولة ومستشار لشؤون الثقافة والإعلام».

كما جاءت تلك التعديلات على شخصيات أخرجتها بالركلة الثانية من المرمى مثل باسندوة ود.عبد الكريم الإرياني. لكن الأخير الذي خرج من بوابة وزارة الزراعة عاد بعد عام مكلفا بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة عبد الغني في أكتوبر 1980م.

وبعد أن كانت حكومة عبد الغني المشكلة في عهد الرئيس الغشمي مكونة من 17وزيرا وسعتها تعديلات الرئيس صالح إلى 22 وزيرا خمسة منهم بدون حقائب وزارية، في تلك الفترة كان صالح يشعر أن كرسيه لا يزال مهددا بالخطر مما دفعه بقوة نحو انتهاج إتباع أسلوب الترضيات في التعيين، وإمعانا في هذا الأسلوب ارتفع عدد الوزراء في حكومة الإرياني إلى 26وزيرا وتصاعدوا مع إحداث أول تعديلات عليها إلى 27وإن بدون حقائب لكنها محاولات مستمرة لاستيعاب لاعبي الاحتياط الذين يرفضون الانتظار طويلا.

حينها كان أمام الرئيس صالح فرصة التجديد في الوجوه على عكس سابقيه من الرؤساء وخاصة السلال والإرياني، لكنه غير مستعد لإغضاب مراكز قوى أو قادر على الخروج عن مبدأ الترضيات وبالتالي فقد عمد إلى استبدال كثير من الوجوه المكررة بعناصر من الجيل الثاني من الأولاد والأقارب الذين عادوا للتو من الخارج بعد أن حصلوا على مؤهلات في تخصصات مختلفة فالمشائخ الذين تسنموا مناصب وزارية في الستينيات والسبعينيات تمكنوا من إرسال أبنائهم وأقاربهم إلى الخارج للدراسة وقدموهم كوجوه جديدة معول عليها التغيير، مع إبقاء نظام صالح على العناصر غير القابلة للاستبعاد.

استمرت حكومة الإرياني أربع سنوات وكانت بمثابة استراحة محارب لرجل الدولة عبد العزيز عبد الغني الذي عاد بعدها في نوفمبر 1983م إلى موقعه الطبيعي كرئيس للحكومة السابعة والعشرين في عمر الثورة والثانية في عهد صالح والتي استمرت حتى يوليو 88م بقوام 24وزيرا ارتفع إلى 25في أول تعديل أعاد الإرياني كنائب لرئيس الوزراء وزيرا للخارجية خلفا لـ د.أحمد الأصبحي.

و استمرت حكومة عبد الغني مع أربعة تعديلات متباعدة طرأت عليها نقل أحد التعديلات د. أحمد الأصبحي إلى الشؤون الاجتماعية وأخرجته أخرى من الحكومة تماما ليتفرغ للعمل الحزبي في قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام.

وعلى الرغم أن النظام أخذ استراحة من التغييرات الحكومية خلال فترة حكومة عبد الغني 11/83م - 7/88م إلا أن أربعة تعديلات دخلت عليها وفت بالغرض، جاء آخر التعديلات بالسلامي وزيرا للمالية والذي ظل ثابتا فيه لـ19عام.

وعقب انتخابات مجلس الشورى في ما كان يسمى الجمهورية العربية اليمنية في عام 1988م كلف الرئيس صالح عبد العزيز عبد الغني بتشكيل حكومة جديدة وظهرت في هذه الحكومة موضة تعدد نواب رئيس الوزراء حيث وصل إلى أربعة كما كان الحال في أول حكومة عقب الثورة ولم يكن بداعي الاحتياج بقدر ما كان إمعانا في منهج التوازنات وإرضاء كل مراكز القوى في البلد.

ومع حضور الأكاديميين بشكل أكثر في هذه الحكومة إلا أن الطابع الأغلب كان تكرار الوجوه السابقة مع تبديل المواقع.

تضخم واستقرار

عقب إعلان الوحدة اليمنية في عام 1990م تضخم حجم الحكومة كما لم يحدث من قبل حيث وصل قوام حكومة الائتلاف الثنائي بين شريكي الوحدة الاشتراكي والمؤتمر والتي ترأسها المهندس العطاس إلى 39 وزيرا بعد أن صارت الاعتبارات أوسع من السابق فإلى جانب اعتبارات مراكز القوى والمحاصصة المناطقية التي كان النظام يعتمدها عند توزيع المناصب الحكومية دخلت اعتبارات أخرى من ضمنها المحاصصة بين مخلفات الدولتين الشطريتين، وتلتها حكومة ائتلاف ثلاثي بين المؤتمر والإصلاح والاشتراكي كانت البداية لمرحلة غير مستقرة فرضت تعديلات متكررة وأفضت إلى حكومة ائتلاف ثنائي بين شريكي الحرب المؤتمر والإصلاح، ليعود عبد العزيز عبد الغني من جديد رئيسا للحكومة وشهدت استقالات لاحقة أبرزها استقالة فيصل بن شملان من النفط ود.محمد الأفندي من التموين والتجارة مما دعى إلى إدخال أربعة تعديلات وزارية.

خلال هذه الفترة ازدادت الأوضاع سوءا عقب أزمة الخليج الثانية وحرب صيف 94م وتدهور العملة اليمنية وارتفاع الأسعار وكان النظام يمني الناس بالفرج القريب ويعدهم أن مفتاح الفرج بيد كل تشكيلة حكومية جديدة يهيء لها الإعلام الرسمي.

فشلت تجارب الائتلافات وخرج الأطراف الأضعف في الإئتلاف يشكون التعطيل وتقليص الصلاحيات لدرجة أن الوزير لا يستطيع حتى تغيير مدير مكتبه مما أفضى إلى عدة استقالات، وخرج جميع من شاركوا في الإئتلافات بقناعة أن الوزراء والحكومات لا يحكمون بقدر ما هم موظفون ينفذون توجيهات الرئيس، أصيب الشركاء بصدمة وخرج الإصلاح - آخر شريك- بقناعة بأنه لا يمكن المشاركة في الحكومة ما دامت المؤسسات شكلية وأن من يحكمون البلد هم أفراد.

فرج.. وموجة إحباط

ازدادت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءا، والحزب الحاكم يريد تنفيذ إصلاحات مالية لم يكن له مناص منها، ولم يستطع إجراء إصلاحات إدارية كان يفترض أن ترافقها، وترافق هذا مع انفضاض الشركاء وبقاء حزب الرئيس في مواجهة مباشرة مع الشعب، خاصة أنه فقد الشماعات التي يمكن أن يعلق عليها فشله الذريع وأصبح يواجه موجة السخط، وإن كان بوسعه سب شريكه الأخير (الإصلاح) فإن حرب الانفصال مضت عليها عدة سنوات ولم يعد مقبولا منه أن يظل يعلق عليها كل إخفاقاته..

ومحاولة في طمأنة الشعب فقد قرر حزب الرئيس أن يأتي بشخصية مستقلة لترؤس الحكومة وكان الاختيار على فرج بن غانم الذي يحضى بسمعة طيبة محليا ودوليا، وبعد أن قبل بن غانم بترؤس الحكومة بشروط أبرزها صلاحيات كاملة بحسب ما يخوله الدستور، عاش الشعب لحظات تفاؤل بالخروج من الأزمة وإصلاح الأوضاع التي تتدهور كل يوم، لكن موجة من الإحباط وخيبة الأمل عمت الشارع عندما أعلن بن غانم استقالته قبل انتهاء عام من تعيينه.

واضطر المؤتمر أن يواجه الحقيقة بنفسه وبدلا من البحث عن شركاء لتحميلهم المسؤولية عاد الرئيس إلى ديدنه القديم في تحميل أشخاص مسؤولية التدهور، فبعد استقالة بن غانم عاد رأى الرئيس في د. عبد الكريم الإرياني- أمين عام المؤتمر حينها- أنه رجل المرحلة، وغامر الإرياني في تحمل المسؤولية رغم أنه يدرك حجم السخط الشعبي الذي ينتظره ليقضي على ما تبقى له من رصيد في الشارع المثقل بهموم المعيشة.

ودخل الإرياني الحلبة في مايو 89م بحكومة قوامها 30وزيرا وبدأ السير الجدي في تنفيذ برنامج الإصلاح المالي (الجرعات السعرية) التي وإن قالت الحكومة أنها حافظت على اقتصاد البلد من الانهيار إلا أنها زادت وضع الشعب سوءا وكان مصير الآلاف السقوط يوميا تحت خط الفقر وانتقال آخرين إلى تحت خط فقر الغذاء بينما تتضخم أرصدة الفاسدين وناهبي المال العام الذين يعرفهم النظام جيدا لكن حرص أركانه على الإمساك بالكرسي لفترة أطول يدفعهم إلى التغاضي عن كل ذلك.

وخرج الشارع حينها في مظاهرات عارمة ليردد «لا إرياني بعد اليوم»، بعد أن غذت هذا الشعور الصحف القريبة من أجهزة المخابرات وصورت للشارع أن الإرياني هو غريم الشعب.

ولأن كرت الإرياني حرق شعبيا ولم يعد يصلح ليستخدمه النظام كورقة قرر إزاحته محاولا بذلك تخفيف السخط الشعبي وقدم باجمال ليقوم بالمهمة التي انتهى منها صاحبه للتو..

ففي 2001م كلف عبد القادر باجمال بتشكيل الحكومة لكن الشعب وصل إلى درجة اليأس من قدرة أي حكومة على تحسين الأوضاع وإيقاف تدهور العملة ما لم يكن هناك إرادة جادة من الرئيس، فقد اتضح للشعب أن باجمال ومن سبقه مجرد موظفين ليس بإمكانهم القيام بشيء وإن بلغ قوام حكومة باجمال 35وزيرا منهم ستة وزراء دولة بدون حقائب.

قرابة خمس سنوات قضاها باجمال على رأس حكومتين كلف بتشكيلهما كانت المرة الثانية عقب الانتهاء من الانتخابات النيابية في 2003م وظل الإعلام الرسمي يردد شعارات التكنوقراط والتشبيب والوجوه الجديدة لكن القادمين إلى الوزارات يرون في هذه المواقع فرصاً للإثراء ووضع باجمال بصراحته المعهودة الشعب أمام الحقيقة عندما قال أن الفساد ملح التنمية، إيذانا بعجز النظام عن محاربة الفساد، أو تغيير ما هو قائم.

تشكيلات حكومية متتابعة 2003م -2005م- 2007م حاول بها النظام إيهام الشعب بجديته في تحسين وضع الشعب إلا أن كل التغييرات والتشكيلات الجديدة أصبحت محل تندر لدى الشارع اليمني، وشكلت عبء على الخزينة العامة حيث تصرف المليارات مع كل حكومة كسيارات وأثاث وترضيات وغيرها.

الحكومة الأخيرة شكلت برئاسة مجور بعد تفريغ باجمال لقيادة المؤتمر الشعبي وكانت وجوه رحلت عن سابقتها أبرزها السلامي وصوفان والأكوع وأخرى عادت مثل اللوزي الذي شغل منصب وزير الإعلام في مطلع الثمانينيات، وكان النظام مجبرا على تغييب البعض كمحاولة لإثبات جدية لدى الأطراف الدولية المانحة وكذلك حضور المرأة بمقعدين وزاريين في آخر حكومة.

لعبة قديمة

الحديث الذي أثير مؤخرا عن تعديل وزاري في حكومة مجور لم يستهو الشارع بقدر ما استهوى النخب والشخصيات المنتظرة دورها في أخذ نصيبها باعتبار المناصب الوزارية أو ما دونها أصبح استحقاقا ينال بموجب الانتماء المناطقي أو الارتباط بمراكز قوى من أي نوع، ولم يعد المطلب الشعبي مجرد تغيير الوجوه، بقدر تغيير سياسة النظام الذي قد لا يتحقق إلا برحيل النظام ومجيء آخر عبر صندوق انتخابات لم يطاله التزوير.

alfakeh25@gmail.com  

 * نقلا عن ألأهالي

 * نقلا عن ألأهالي