عائلة صينية تتوارث الاعتناء بقبر عربي
بقلم/ الجزيرة نت
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 13 مايو 2013 07:33 م

غير بعيد عن العاصمة الصينية وصخبها واكتظاظها.. وغير بعيد عن المقابر الثلاثة عشر لأسرة مينغ (أحد الأماكن السياحية الهامة) وبالتحديد في ضاحية تشانغ بينغ شمال بكين، ثمة قرية وادعة شوارعها بلا أسماء ومعظم أهلها يعملون بالزراعة، إنها قرية "خه ينغ" التي يقطنها نحو عشرين عائلة من قومية خوي المسلمة من ضمنهم عائلة جانغ فنغ تشونغ.

جانغ الذي ناهز السبعين من العمر، لن تجده إلا بالقرب من منزله حيث يقضي معظم وقته إلى جوار ضريح كبير حاملاً منجله الصغير ومعوله ليقتلع الأعشاب ويحافظ على نظافة المكان.

المكان يحيط به سور كبير وأشجار هرمة يتجاوز عمر بعضها خمسة قرون، وتعلوها بطاقات حديدية حمر ثبتتها البلدية باعتبارها محميات طبيعية من الدرجة الأولى وتحت ظلال الأشجار تتناثر بعض القبور معظمها بلا شواهد.

أكبر تلك القبور حجماً هو ذلك الضريح الذي يعتني به جانغ، والذي ورث مسؤولية الاعتناء به عن جدوده وآبائه وها هو الآن يورثها لابنه من بعده.

وعادة ما يعرف عن الصينيين احترامهم للأجداد بعد وفاتهم لدرجة التقديس أحياناً، لكن الراقد تحت هذا الثرى لا يمت لهم بأية قرابة أو صلة رحم ولا يعرفون حتى من أين أتى. فهو تاجر عربي جاء غريبا واستقر به المقام في هذه الأرض، وعرف عنه الاستقامة وحسن الخلق وسعة الاطلاع، فتبادل مع الناس البضائع والثقافات ونجح في نشر تعاليم دينه بينهم فخلدوا ذكراه وأصبح ذلك الغريب قريباً.

صاحب الضريح

اسمه محمد البو حاج أو البو حجر، وفق الترجمة عن الصينية. وقد جاء إلى الصين في عهد أسرة مينغ عام 1370، في نهاية حكم "الإمبراطور خونغ وو" كما هو محفور على أحد شواهد القبر، وكما تؤكد وثائق تاريخية.

قدّم البو حجر الكثير من الاستشارات والنصائح الهامة للإمبراطور خونغ وو فمنحه منصباً رسمياً، لكنه تعفف واعتذر وطلب السماح له بأن يسعى في مناكب البلاد يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فأعطاه الإمبراطور ما أراد وزوده بكتاب لتسهيل مهمته.

انطلق على راحلته أو على جمل أبيض يتنقل بين مدن الصين وقراها إلى أن استقر به المقام في منطقة تشانغ بينغ فأحبه أهلها وأجلوه وأطلقوا عليه لقب "الشيخ بابا". وبعد وفاته نسجوا حوله القصص والأساطير التي لا تزال تتوارث حتى الآن.

فقد كانت القرية تعاني من ثعبان ضخم يدعى "الأصَلة" أذاق أهلها الخوف والرعب، فقرر الشيخ بابا التصدي له، فحمل قطعة قماش حمراء ولف جسده بسكاكين حادة وبرز للأصلة وظل يصارعه حتى قضى عليه، لكنه رماه بسمه فلم يعش بعدها سوى أيام قليلة ورحل.

هكذا روى لنا جانغ الابن القصة، وأضاف أنه بعد وفاته امتنع جمله عن الأكل والشراب ففارق الحياة بعده بأيام فما كان من أهل القرية إلى أن دفنوا الجمل إلى جانب صاحبه في هذا المكان. وأشار بيده إلى قبر صغير بجوار ضريح الشيخ الجليل.

ومنذ ذلك الحين لا يزال عشرات من المسلمين يتوافدون بالعشرات من القرى المجاورة ومن العاصمة بكين لإحياء ذكرى وفاته التي تصادف الرابع والعشرين من الشهر الثالث وفق التقويم القمري الصيني.

دوافع الاهتمام

أما الرجل العجوز جانغ الذي تتوارث عائلته الاعتناء بهذا الضريح منذ ستة قرون فإنه يقول "إننا سنواصل توريث هذه المسؤولية ونقل هذه الأمانة للأجيال القادمة. فقد ضحى الشيخ بابا بحياته من أجلنا. وإن الوفاء هو من سمات ديننا وتقاليدنا".

وقد نجح أهل القرية في جمع بعض النقود لترميم الضريح وبناء سور حوله وزراعة بعض الأشجار في المكان. وحصلوا على رخصة لحمايته من أن تناله معاول الهدم وتخطيط المدن أو مد الطرقات، لكن طموحهم هو أن يتمكنوا من إدراجه على قائمة التراث غير المادي للمدينة وأن يتمكنوا يوماً من بناء مسجد بجواره.

يشار إلى أن الصين بها مئات المواقع التي تؤرخ لآثار العرب ومآثرهم التي تحتاج إلى من يزيل عنها تراب النسيان والاستفادة من ذلك التاريخ في صناعة المستقبل، في الوقت الذي تحاول فيه الكثير من الأمم اختلاق تاريخ وصناعته لخدمة مصالحها.