الذهاب إلى صناديق الاقتراع مثل الذهاب إلى المسجد
بقلم/ خالد زوبل
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأحد 19 فبراير-شباط 2012 05:06 م

رويداً رويداً بنفسك علي أخي القارئ.... لا تتسرع في اتهامي باستغلال النصوص أو استخدمها كورقة سياسية أو بنشر أفكار حزبية عبر الدين، فما أنا بالمبتدع ولا البدعة تعرفني، بل أنا مسلم كأي مسلم، صحيح النظر، سليم الفكر بإذن الله....

والفرق شاسع بين استغلال الدين كورقة وبين الموازنة بين المصالح والمفاسد، التي عليها مدار الشريعة كما يقول الإمام العز بن عبد السلام، بل رد بعض الفقهاء كل الشريعة إلى درء المفاسد فقط، لأن من مضمونها تحقيق المصالح تباعاً ،،، ومدار الفقه السياسي وعالم السياسة على مر التاريخ هو هذه القاعدة وهو الموازنة بينهما ، وهي التي جاءت الشريعة وبلورتها ونقحتها وهذبتها وجعلتها في خدمة التمكين للمشروع الأسمى وتعبيد الناس في الأرض لله ...

وعندما يطرح هذا السؤال : المبادئ أم المصالح ؟؟؟ لا نكاد نجد "شجاعا" واحدا يقول : إن المصالح مقدمة على المبادئ، فالكل ينحاز إلى المبادئ ويدافع عنها دفاع المستميت، والمتشدد ويضعها في مقدمة الأولويات، فإذا سألته : ما هو الفرق بين المبادئ والمصالح؟ لفرمل في مكانه ودار وليته ما دار بلا فقه أو قرار...

وهل يمكن أن تعيش أمة بمبادئ ليس فيها "مصلحة" لأحد؟ وهل هناك من مات أو أستشهد وهو يعتقد أن المبدأ الذي ضحى من أجله مجرد لا صلة له بمصالح الناس. ولا علاقة له بالواقع. هذه مالا يقوله عقل راجح، بل إن كل مبدأ يخفي تحته حزمة من المصالح الفردية والمنافع والجماعية، وأن كل \\\"قيمة\\\" من القيم الدينية أو الاجتماعية أو الإنسانية تحمل في طياتها مشمولات كثيرة من المنافع

لذلك قيل : "يدور الإسلام مع المصلحة حيث دارت". . "وأينما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله" كما يقول العلامة ابن القيم – رحمة الله عليه- ....

في عالم السياسة عموماً تتقدم المصالح على المبادئ ، لأن الشعوب دائما ما تتحرك بالعواطف ، والنخب المثقفة والقيادات هي التي تحركها المبادئ.... وأن مصالح الناس لا يمكن أن تحصر...

لكن الفرق الجوهري من يطوع المبادئ لخدمة المصالح الشخصية والطائفية والحزبية، ومن يقدم التنازلات ويتحمل سباب الناس وعواطفهم وحماستهم مقابل تحقيق المشروع الأسمى الذي هو بناء اليمن أنموذجاً هنا في الانتخابات على سبيل المثال .....

فمن يعملون من أجل التمكين للمشروع الأسمى، فإن الأهم من سحق العدوّ هو أن يعمل صاحب المشروع على تحييد خصومه في البداية، ثم – مع مرور الزمن- يدفع بالتي هي أحسن، فإذا تحول الذي بينه وبينه عداوة إلى وليّ حميم، فإنه، في هذه الحالة، يجب أن لا يكتفي، صاحب المشروع الكبير، بالإنفتاح عليهم ب"يُقدمهم" إلى المواقع الأمامية التي تتحول فيها عداوتهم للشخص إلى ولاء للمشروع. فإذا كان الإنفتاح السياسي يعني – فيما يعنيه- تقديم من هو أفضل منك لأنه أكثر منك قبولا عند الناس كما هو الحاصل في انتخابات اليمن أنموذجا، والقبول جاءه من توافق كلا النظام والمعارضة ودول الخليج والمجتمع الدولي ليتحقق به التمكين لمشروعك، يصبح هذا النوع من الإنفتاح من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهيهات من ينطق بها لان سهام الناس ستناله بكل ما أوتيت من قوة.... نطقها الشيخ صعتر شجاعاً-حفظه الله- ومن قبله الشيخ محمد الحزمي، ومن قبلهما كثير على مر التاريخ.... لأن ضريبة الفتاوى السياسية قد تؤدي بعرضك لكلام الناس وتهييج عواطفهم، وربما تودي بالرقبة لو تأزم الأمر، لكننا نقول : أن الرأي قبل شجاعة الشجعان ...

ومن يرى المصلحة الأكبر من حقن الدماء وتجنيب البلاد الحروب، والانهيار الشامل الاقتصادي وفي كل مناحي الحياة، وكثرة الأمراض، بالإضافة إلى سد الطريق أمام المشاريع الضيقة من حوثية وقاعدة وحراك مسلح متطرف للتوسع بالقوة ، ،،، من يدرك هذه القاعدة جيداً يعرف أن كل هذه المفاسد لابد أن تدرأ بتقديم مصلحة الانتخابات في وقتها المحدد، وحتى لو اعتبرناها مفسدة صغرى فتقدم ويعمل بها لتفويت المفاسد الكبرى المذكورة وغيرها ...

والذهاب إليها مثل الذهاب إلى المسجد..... فكلا الأمرين عبادة، ومن يتعبد لله بنفسه ليرفعها .... فالآخر يتعبد لله لشعبه كاملا فيرفعه ويقويه، وأعظم أجرا ،،،، والعمل المتعدي النفع مقدم على العمل القاصر النفع، كما كان رباط يوم وليلة خير ممن يعتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا.....

ولا يتسارع متحامل ويظن أني أكفر أو اتهم من لا يريد الانتخاب في دينه، بل كلامي واضح كالشمس،، ومن لا يريد المشاركة فليسعه بيته، ولا يرتمي في الطريق ليعرقل المشاة للبناء، أو يسمح للمشاريع الضيقة بالنمو والتطور ،، بل رأيه محترم مرجوح ، وليدع للناخبين بالتوفيق والسداد ... فإن دعاءه لهم صدقة على شعبة ...

أما المذموم هو العرقلة وتأييد المشاريع الضيقة ومساعدتها على النمو شعر أو لم يشعر بذلك....

وأختم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب ، قال رحمه الله : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لاقيام للدين والدنيا إلا بها ...... ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ماأوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ......فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ) . شيخ الإسلام ابن تيمية

فرويداً رويداً أرجوكم بشعبكم ،، فأحرص الناس على الدماء من يحافظ على ما بقي، لا أن يلحق شهيدا بأخيه، وأن يجعل الثورة ثورتين والمبادرة مبادرتين.....

فدماء اليمن أغلى ما نملك ....

وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ...