تتبع سلالة كوليرا شديدة المقاومة للأدوية ظهرت أولاً في اليمن ثم انتشرت في عدة دول ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟ ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب
تهل علينا هذا العام الذكرى الحادية عشرة لثورة فبراير المجيد بغياب الشهيد ضياء الحق الأهدل صوت الثورة وحاديها وأبرز منظريها وأولُ خطيب لساحتها، ظل الشهيد الأهدل ملازمًا للثورة منذ أنطلاقتها وحاضرًا في كل محطاتها ومناسباتها حاملاً معه مشروعًا وطنيًا لدولة مدنية عصرية تتكئ على قيَم الحرية والعدالة الإجتماعية والمساواة والحكم الرشيد، والحقيقة ان هذه القيم القيَم الإسلامية والإنسانية ذات أهمية قصوى في حياة الأمم والشعوب، إذ لا تستقيم الحياة الا بها، ولا تستقر الأوطان ويتحقق النهوض بدونها، وأن للشعوب الحق أن تختار مسار الثورة لإنتزاعها حال منعها الحاكم عنهم وساسهم بالظلم والإستبداد.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على ثنائية الحرية والثورة عند الشهيد ضياء الحق من خلال قراءة بعضًا مما كتبه أو تحدث به، وتكمن الأهمية لهذا الموضوع لإرتباطه بشخص القائد ضياء الحق الذي نظّر للثورة وأسهم بفاعلية في تنضيج خطابها وبلورة رؤاها خلال مسيرتها ومحطاتها ومنعطفاتها منذ إنطلاقتها حتى استشهاده، ولإهمية الحدث الذي نعيشه، فبراير الثورة في ذكراها الحادية عشرة، فــ ضياء الحق الأهدل الثائر العصامي الذي خاطب الشباب الثائر في أول جمعة للثورة بنداء الحرية والعدالة والمساواة، وواجه بفكره وقلمه ولسانه الإستبداد والطغيان خلال مسيرته النضالية والثورية كان عاشقًا للحرية ومؤمنًا بقدسيتها ومدافعًا عنها بلسانه وقلمه، والقارئ للفكر الثوري والفلسفي للشهيد ضياء الحق يكتشف جليًا أن المعادلة كانت واضحةٌ عنده، فالحرية منحةُ الله وهبته لعباده، بها تستقيم حياتهم وتُحفظ كرامتهم، فلا كرامة ولا إستقرار ولا تنمية بلا حرية كاملةٍ للشعوب، يقول الشهيد ضياء الحق أن "الحرية كفطرة فطر الله الناس عليها، تظل قيمة عالية، ومطلب شريف، التنازل عنها وضاعة ودناءة، لا تليق بذوي الكرامة، ولأجلها تقدم التضحيات وتقام الثورات...".
وبهذا التصور الواضح كان الشهيد ضياء الحق يدرك حقيقة العلاقة بين العبودية لله والحرية والعدل والمساواة كقيم جاء بها الاسلام وعظّمها وجعل التضحية والفداء دفاعًا عنها تحقيقًا لعبودية الله، يقول ضياء الحق: "الحج وعرفة والأضحى والأضحية رموز لقيم العبودية لله والمساواة البشرية، وتأتي التضحية والفداء كحتمية دفاع عن ذلك، لتحقيق العبودية لله، وتطبيق المساواة البشرية التي تمثل قاعدة العدل والحرية ".
ووفقًا لفلسفتنا الإسلامية فإن الحرية هي المحفز للنضال ومقاومة الظلم والإستبداد ومن أجلها تقام الثورات، وهي من تصنع الإيمان وتثبته وتقويه وما دون ذلك إيمانٌ ناقص لا يرتقي الى الكمال الذي يريده الله، قال تعالى " ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (الأنعام: ٨٢). ويقتضي الإيمان الصادق بالله التحرر من كل شريك له أو العبودية لغيره، والإسلام جاء لتحرير الناس من كل أشكال العبودية ومنحهم الحرية حتى في اختيار عقائدهم قال تعال " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ .." (البقرة: ٢٥٦)، وقال سبحانه " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" ( يونس: ٩٩) .
وفي تراثنا الإسلامي قرأنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاطب عمرو بن العاص بعد أن شكاه القبطي "متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم امهم أحرارا". والإسلام شرع للحفاظ على الحرية الهجرة والجهاد قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" (النساء:٩٧). وفي السيرة أن الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه أجاب رستم قائد الفرس عندما سأله " ما جاء بكم؟" فقال له "ان الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد الى عبادة رب العباد ومن جور الأديان الى عدل الإسلام".
والحقيقة أن فقدان هذا المبدأ يجعلنا نعيش في حلقة مفرغة لا تنتهي الا بمزيد من الإستبداد والتخلف والانكسار والعجز والفشل، عبر عن رفض هذا الحال الشهيد ضياء الحق في أكثر من موقف، ولعل أبرزها ما دونه في خطبة إنطلاق ثورة 11 فبراير عندما قرر في تلك اللحظه أن يكشف حقيقة الحرية الزائفة التي كان يتغنى بها النظام الفاسد، وفي تلك الخطبة تحدث بألسنة الجماهير الثائرة، وعن آمال وأحلام حاضرة وغائبة في أذهانهم، متحدثًا بإسم الشباب والكادحين من أبناء الشعب بأن الحرية والعدالة والحقوق لن تأتي بغير الثورة، والتي دُشنت كنتيجة لقتامة الواقع حينها.
يومها خاطب الشهيد ضياء الحق الجماهير المتطلعة الى الحرية والتغيير بإستهلالته المعبرة عن الموقف قائلًا: " الحمدلله الذي خلق العباد أحرارا.... وشرع لصون الحرية هجرة وجهادا ..... واشهد ان محمد عبده ورسوله الذي جاء برسالة سمحا تُقر عدلاً وتأبى استبدادا....جاء لتحرير العباد من عبادة العباد والأهواء الى عبادة الله الواحد القهار ...".
والثورة وفقًا لفلسفة ضياء الحق هي تحول إجتماعي يأخذ مداه وزمنه الطبيعي حتى يصل مبتغاه، وهذا التحول مرتبطٌ بحركة التاريخ الذي لا يمكن أن يتوقف بفعل الثورات المضادة، والثورة إن تعثرت لبرهة لكنها تنهض بعنفوان أكبر وإرادة أقوى، وبهذه الروح وهذا الإيمان كان ضياء الحق ينشر الأمل بين الشباب الثائر، حتى لا يُدب اليأس الى قلوبهم او تفُل عزائمهم وهم يرون واقعًا غير الذي رسموه في أحلامهم وناضلوا من أجله، فالثورة فكرةٌ وقيَم، والثورة حقيقة تاريخية تستمد بقاءها واستدامتها من أهدافها العظيمة وقيمها النبيلة، يقول ضياء الحق أن "وهج الثورة لا تطفئه الثورات المضادة ولا تمحو أثره الانقلابات المستبدة، بل لربما تحمل على تعزيز قيم الثورة، وتجديد إرادات الثوار، وشحذ هممهم، جيلا بعد جيل. فوهج ثورة 26 سبتمبر 62 لم يزده انقلاب ونكبة 21 سبتمبر 2014م إلا ألقًا وإن بدى للبعض غير ذلك." ويضيف في مناسبة أخرى "مهما كان التآمر على ثورات الربيع العربي ومهما بلغت انتكاسات بعضها فالأوضاع بعدها لاشك افضل بأضعاف ما كانت عليه قبلها وعيًا وشجاعة وتحرر ".
والثورة فعلٌ دائمٌ وحراكٌ مستمرٌ وحدثٌ متجدد، وقد تتخذ الثورات صورًا مختلفة من النضال، وتسلك مسارات متعددة في مواجهة المشاريع الخارجية والأنظمة المستبدة عبر مراحلها، فعظمة ثورتي 26سبتمبر و14 أكتوبر كما يقول ضياء الحق " لا تنبثق من كون الأولى أسقطت نظامًا مستبدًا وظلاميًا متخلفًا، والأخرى حررت ووحدت وطنًا ممزقًا من أقوى إمبراطورية استعمارية فحسب، بل إنها ممتدة في الحماية من ذلك بأي صور أو أشكال تظهر، مقاومة الانقلاب الحوثي ورفض الوصاية الخارجية صورة لتلك العظمة". والشهيد ضياء الحق لا يشك لحظة أن قدر الثورات الإنتصار مهما ساءت الأوضاع، وتمكنت الثورات المضادة من البطش والإنتقام من الثوار، فإن ثبات الثوار على الثورة ووفاؤهم لها وتضحيتهم في سبيلها تأكيدٌ على عدالة قضيتهم وهو ما يعجل بإنتصارها: " مهما كانت الأوضاع سيئة، والظروف عصيبة، ومن أسقطتهم الثورات اليمنية ٢٦ سبتمبر و١٤ أكتوبر عادوا يعبثون وينتقمون فسيظل للثورتين في قلوبنا حبا ووفاء وللإنتصار لهما تضحية وفداء...عشت ياسبتمبر التحرير يا فجر النضال" (ضياء).
اخيرًا هذه هو ضياء الحق الشهيد العاشق للحرية والفيلسوف الثائر الذي عاش مؤمنًا حقيقيًا بقيم الثورة ومبادئها وأهدافها، عاش الثورة بكل وجدانه ومشاعره، وظل حارسًا أمينًا لها في كل مراحلها ومنعطفاتها، الثائر الذي كان كلما وهن الثوار يلخص المشهد بسطور تضيء دروبهم وتعيدهم بقوة نحو الغايات المرسومة، حتى أُولئِكَ الذين تسرب اليأس اليهم وضاق الحال بهم وتأثرت نفوسهم بطول المدة، أو جرتهم أحداث وقضايا بسبب تنافس حزبي كان يخاطبهم أن لا يميلوا عن الثورة وعمّا حملوه من قيَم نبيلة وأهداف سامية ومشروع حياة، يلمس ذلك بجلاء كل قارئ لكل كتاباته وخطابه الثوري، كتب مرة في ذكرى ثورة فبراير مهنئًا الشعب اليمني الحر وفي مقدمتهم شباب فبراير ممن كانوا في لحظات انطلاقتها الأولى أو لحقوا بركبها، تحية وفاء لشهدائها وجرحاها وأسرهم، " تحية لمن جدد ثوريته مقاوما للانقلاب عليها من قضى نحبه ومن ينتظر وما بدلوا تبديلا، وتحية لمن يحمل فكرتها وينافح عنها حتى أولئك الذين تأثرت نفسياتهم بطول المدة بل ربما جرتهم الأحداث لإبداء تذمر منها ولهم نقول انتبهوا ولا يحملكم سلوك سلبي او موقف حزبي أو تنافس شخصي إلى خدمة عدو للثورة أو منقلب عليها ".