الوجه الآخر لحكاية مرافقة بن شملان
بقلم/ عبد الله مصلح
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
الأحد 01 مارس - آذار 2009 08:00 م

بعد بضعة أشهر من المهاتفات والوساطات ظفرنا أخيراً بمقابلة "الياور" وهي التسمية الرئاسية التي أطلقت على المتهم البريء حسين محمد صالح الذرحاني – رئيس الجالية اليمنية بمكة المكرمة "سابقاً" الذي يمارس أعماله كلها طبقاً لتخصصه العلمي ، فكل انتماءاته السياسية وتعاملاته مع الآخرين مجرد علاقات عامة ليس أكثر حتى لو استدعاه ذلك الجمع بين المتناقضات، فهو مثلاً يحمل الجنسية الأمريكية لكنه أحد المجاهدين في أفغانستان حينئذ، وهو من وجاهات الضالع لكنه متزوج من سنحان، وهو متأثر جداً بالحادثة التي تعرض لها لكنه ما زال محتفظاً بنظارته السوداء لاستخدامها وقت الحاجة، وهو ملتزم بالعادات والتقاليد اليمنية، لكنه يتحدث مع أسرته "بما فيهم صغار أولاده" باللغة الانجليزية..فإلى نص الحوار.. 

* من هو حسين الذرحاني؟

- أنا حسين محمد صالح الذرحاني من مواليد جبن الضالع عام 69م، النشأة الأولى لي كانت في جبن وفيها درست بداية المرحلة الابتدائية، ومنها سافرنا إلى أمريكا وأكملت فيها الابتدائية والاعدادية، ثم انتقلنا إلى السعودية ودرست فيها الثانوية والجامعة، حاصل على ماجستير في العلاقات العامة، متزوج بأكثر من واحدة، ولديّ "16" ولداً (11 ذكراً و 5 إناث)

* كيف تمكنت من أن تصبح حارساً شخصياً لمرشح اللقاء المشترك للرئاسة في سبتمبر 2006م؟

- لم أكن حارساً شخصياً، وإنما مرافقاً للمهندس بن شملان فترة وجيزة لا تتعدى بضعة أيام.

* كيف بدأت قصتك مع بن شملان؟

- لم أكن أعرف بن شملان معرفة شخصية، وأول لقائي به كان في أول يوم للدعاية الانتخابية، أي في نفس اليوم الذي بدأت فيه مرافقته.

* هل ذهبت إليه بناءً على دعوة منه أم دعوة من المشترك أم أنك مرسل من جهة معينة؟

- دعاني أحد الأصدقاء في قيادات أحد أحزاب المشترك بحكم معرفته السابقة بي، وكنا نسكن في حي واحد، فطلب مني أن أرافق مرشح المشترك خاصة في بعض المحافظات الجنوبية كوني أحد وجاهات محافظة الضالع، بالإضافة إلى تخصصي كعلاقات عامة ولدي علاقات واسعة محلية وخارجية، كما أنني أجيد التحدث باللغة الانجليزية، وكما قال هو وأقنعني بذلك.

* متى وجهت لك هذه الدعوة؟

- كان هذا قبل بداية الدعاية الانتخابية بيوم واحد.

* وماذا بعدها؟

- خرجت مع بن شملان إلى شبوة وحضرموت، واختلفت معه في المكلا ثم تركته، حتى جاء مهرجان الضالع وبحكم أني من الضالع كان لا بد من حضوري ذلك المهرجان، فكانت هذه أول رحلة وآخر رحلة لي مع بن شملان.

* لماذا؟

- لأنه لم يكن هناك أي توافق بين الأرواح.

* ما سبب الاختلاف فيما بينكم؟

- كما قلت لك لم يكن بيننا توافق في الأرواح والطباع فكان له طبع معين لم يتناسب مع طبعي، مع أني احترمه كوالد، ولا أقول فيه إلا كل خير.

* هل كانت لديك خبرة أمنية حتى تستدعى لمرافقة مرشح المشترك؟

- لم تكن لي أية خبرة أو خلفية أمنية على الإطلاق، وعمري لم أتجند في أي مكان، والأمر باعتقادي لم يكن يحتاج إلى الخبرة الأمنية بقدر ما يحتاج إلى الوجاهة وحشد الطاقات، ولهذا كان ظهوري مع مرشح المشترك.

* لكن الرئيس قالها علناً بأنك الحارس الشخصي لمرشح المشترك حينها؟

- ربما لاعتبارات الجسم والطول والهيئة ووجود النظارات السوداء.

* وكيف بدأت قصة اتهامك بالإرهاب؟

- أثناء رحلتي مع مرشح المشترك قام بعض المطلوبين من القاعدة باقتحام دكان في منزل إحدى زوجاتي بوساطة أحد أقاربها الذي اتضح بأن له علاقة بالأجهزة الأمنية وبتنظيم القاعدة، فقام بأخذ زوجتي إلى بيته وبعدها كسروا قفل الدكان وسكنوا هؤلاء الأولاد ومن القاعدة وأدخلوا إلى البيت عدة أكياس من المتفجرات بحجة أنها أكياس دقيق، وبعد عودتي من السفر أخذت زوجتي من بيت قريبها هذا وعدنا للبيت مساءً، وفي الصباح فوجئنا بتطويق الأجهزة الأمنية للمنزل، وينادون هؤلاء المطلوبين لتسليم أنفسهم، وحاولت أنا أيضاً إقناعهم بذلك لكنهم رفضوا، فحدثت معركة بين الطرفين حتى استسلم المطلوبون، وأخذوهم.

* وماذا بعد؟

- أول ما أخبرتني زوجتي بأكياس الدقيق "حسب زعم قريبها" واتضحت فيما بعد أنها متفجرات اتصلت بمدير أمن العاصمة وأبلغته بوجودها فجاء أكثر من "36" ضابطاً وجندياً من البحث الجنائي لاستلامها، وأقمت لهم مأدبة غداء في المنزل ثم ذهبوا، وفي نفس اليوم أعادوا كل المتفجرات للمنزل لغرض تصويرها من قبل التلفزيون واتصلوا بي وطلبوا حضوري لعمل مقابلة تلفزيونية حول الحادثة، فحضرت وأدليت بتصريحات إعلامية وهاجمت بشدة منهج القاعدة، فقام بعدها مدير مكافحة الإرهاب بتقبيل رأسي، وعرض عليّ مكافأة مالية فرفضتها، ثم قال: لابد لك من شهادة شكر وتقدير من رئيس الجمهورية فقلت له: لا بأس ولنا الشرف.

* وهل جاءتك شهادة الشكر والتقدير هذه؟

- جاءت ولكن لم تكن شكر ولا تقدير وإنما العكس "جزاء سنمار".

* كيف؟

- اتصلوا بي من مكافحة الإرهاب في اليوم الثاني وقالوا لي "الفندم يشتيك" أي رئيس الجمهورية، وطلبوا مني الحضور إلى عند مدير مكافحة الإرهاب أولاً، فذهبت إليه وقال لي: يا أخ حسين عندنا معلومات بأن حياتك في خطر، وأنك مستهدف من قبل تنظيم القاعدة بسبب مهاجمتك لهم خلال تصريحاتك للتلفزيون، ولدينا توجيهات عليا بالتحفظ عليك خوفاً على سلامتك، ولابد من توقيفك لمدة يومين لدينا في البحث الجنائي، وفعلاً تم توقيفي، ورغم معاملتي الجيدة هناك إلا أنني لاحظت الأمور تتجة نحو الأسوأ.

* ما مظاهر هذا الاتجاه الأسوأ؟

- مثلاً لم أعد أشاهد بعض المسؤولين في البحث كما كانوا يزورونني في الأيام الأولى، مع منع الزيارات عني نهائياً، بل منعوني من التحدث مع أي شخص، وكل الإجراءات معي كانت مشددة حتى في الأكل والأغراض الشخصية.

* كم المدة التي قضيتها في السجن؟

- ظللت في البحث الجنائي نصف شهر، ثم نقلوني إلى زنازين انفرادية في الأمن السياسي لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، ثم نقلوني إلى الغرف الجماعية في الأمن السياسي أيضاً أثناء المحاكمة، والمدة كلها سنة وشهران من السجن بالإضافة إلى

الإقامة الإجبارية والمواظبة على توقيعات الحضور في الأمن السياسي أثناء الاستئناف.

* ما هي التهم التي وجهت إليك؟

- وجهوا لي عدة تُهم من العيار الثقيل وكلها "أبو أسد" كما يقولون، فقد اتهموني بالتخطيط لقتل الأمريكان "مع أني أحمل الجنسية الأمريكية" والتخطيط بتفجير فندق موفنبيك وفندق شهران وتفجير صافر/الضبة/ مأرب،...... الخ.

ثم ناقضوا أنفسهم واتهموني بالتستر على جناة ومطلوبين أمنياً.

* كيف كانوا يعاملونك داخل السجن؟

- كان التعامل من البحث الجنائي جيدا بحكم "العيش والملح" وأنهم يعرفون القضية من بدايتها، أما في الأمن السياسي فكان التعامل سيئاً وخاصة من قبل أفراد محسوبين على جهاز الأمن السياسي وهم يشوهون صورته لدى الآخرين، صحيح أنني بفضل الله لم أتعرض للتعذيب الجسدي (وهذه بالذات لم أكن لأطيقها) لكني تعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسي.

* مثل ماذا؟

- مثلاً يأتون إليك ويقولون لك: حكموا عليك بالإعدام وتارة يقولون حكموا عليك بـ(20 أو 15) سنة سجن، ويمنعون عنك الزيارات والاتصالات، حتى منعوا عني العلاج عندما كسرت رجلي أثناء ممارستي لعبة كرة القدم "وقد تكون هذه حادثة غير بريئة" بل منعوني من العلاج حتى على حسابي الخاص!

* لماذا؟

- قالوا: ممنوعين من رئيس الجمهورية، رغم أنه لا يعقل أن يوجه الرئيس بمنع العلاج عن أي سجين، وكذلك الوالد غالب القمش المعروف بتعامله الإنساني، لكن مدير إدارة التحقيقات يبدو أنه يتصرف من تلقاء نفسه. ودون الرجوع لأحد.

* هل سبق وأن التقيت برئيس الجمهورية قبل هذه الحادثة؟

- نعم في لقاءات عابرة، في مهرجانات أو احتفالات، وكانت توجه لي دعوات رئاسية لحضور كثير من المناسبات الوطنية.

* وماذا عن لقائك به بعد حصولك على حكم البراءة؟

- أيضاً كان لقاءً بالصدفة في أحد جوامع العاصمة أثناء افتتاحها، ولم يتسن لي الحديث طويلاً معه.

* ماذا كان شعورك عندما شاهدت رئيس الجمهورية وهو يرفع صورتك في وسائل الإعلام كمتهم بالإرهاب؟

- أنا طبعاً لم أعرف بهذه الحادثة إلا بعد ثلاثة أشهر من وقوعها، وتحديداً بعد نقلي من زنازين الأمن السياسي الانفرادية، إلى الغرف الجماعية في الأمن السياسي أثناء المحاكمة، وعندها فوجئت بأن جميع السجناء يعرفونني، ثم أخبروني بالأمر.

* هل كنت تتوقع أن تتعرض لمثل هذه التهمة؟

- حقيقة لم أكن أتوقع أن أكون ضحية بهذا الشكل، لأني كمغترب جئت إلى الوطن بغرض الاستثمار فاستثمروني بهذه الطريقة التي لم أتصور أن تصل حمى المنافسة الانتخابية إلى هذه الدرجة، لأن معرفتنا السابقة وتقديراتنا كانت تقول بأن المشترك والمؤتمر قد يختلفون فيما بينهم لكن هذه الاختلافات في الأخير مردها إلى البيت العتيق، ويصلون في النهاية إلى سياسة توافقية كالمعتاد.

* الآن هل ما زلت تؤمن بهذا القول؟

- الآن لم يعد يهمني مثل هذا القول، بل لم يعد يهمني المشترك أو المؤتمر أو غيره.

* ما هو السبب؟

- لأنهم تخلوا عني، فالمؤتمر اتهمني بالإرهاب، والمشترك قال عني بأني عميل ومدسوس، حتى أن الناطق الرسمي باسم المشترك قال حينها بأنني عقيد في الأمن السياسي، ولهذا صرت أنا ضحية للجميع "المؤتمر والمشترك" وكذلك القاعدة يعلمون أنني خالفتهم الفكر.

* كنت ضحية للانتخابات كما قال السفير الأمريكي بصنعاء حينها؟

- نعم وكان على المشترك أن يستفيد من مثل هذا الكلام، وأن يقف إلى جانبي ولا يتخلى عني أو يخذلني كما فعل.

* لماذا لا تلجأ للسفارة الأمريكية في الدفاع عنك كونك تحمل الجنسية الأمريكية؟

- أولاً أنا أعتز بانتمائي لوطني، وثانياً لم أكن بحاجة للقيام بذلك، وأتمنى ألا أضطر لذلك إذا لم يتم رد الاعتبار لي.

* رد اعتبارك ممن؟

- من جميع الأطراف التي أساءت لي سواء السلطة أو المعارضة أو الصحافة وغيرها.

* ما الآثار التي لحقت بك جراء تلك الحادثة؟

- تعرضت بسبب هذه الحادثة إلى خسائر معنوية وخسائر مالية واقتصادية وخسائر صحية، وخسائر اجتماعية، ورغم المعاناة السيئة التي واجهتني إلا أن الأسوأ منها ما عانته وتعانيه أسرتي جراء ذلك، فلك أن تتخيل شخصا معروفا في الوسط الاجتماعي، يعيش في قمة الاستقرار النفسي والمعيشي وفجأة يتعرض لأخطر تهمة وهي الإرهاب ومن قبل أعلى مسؤول في البلد، الآن أحد أبنائي مصاب بصمام القلب جراء هذه الحادثة، وفداحة الظلم الذي وقع علي وعلى أسرتي لم يبارح ذاكرتنا إلى الآن، ولا يكاد يمر يوم واحد إلا ونتذكره جميعاً، ومن الطرائف أنني ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين وشرحت له قصتي فبكى وقال: إحمد الله أنك ما زلت في قواك العقلية.

* البعض يستغرب كيف حصلت على حكم البراءة رغم أنك متهم من قبل رئيس الجمهورية نفسه؟

- أولاً هذه شامة في جبين القضاء اليمني، وثانياً هم كانوا يراهنون على أنني سأفقد عقلي داخل السجن جراء التعذيب النفسي، وعندما فشلوا في ذلك حاولوا الحكم بإدانتي ولو بعقوبة بسيطة لكنهم لم يجدوا أي دليل لإدانتي، ثم عرضوا الصلح أو ما يسمى بالعفو الرئاسي لكننا رفضنا ورفضت أسرتي ذلك وأصرّينا على حكم القضاء.

* لمن كان الفضل في حصولك على حكم البراءة والقضاء؟

- أولاًَ الفضل والشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر ثانياً للأخ المحامي حزام محمد صالح المريسي، وكانوا يظنونه أخي لتطابق الأسماء، وهو فعلاً أخ، وقد أخذ القضية من باب إنساني بحت وليس لغرض المتاجرة أو الربح كما أشكر كثيراً فضيلة القاضي رضوان النمر على مواقفه العادلة والنزيهة.

* ماذا بعد حصولك على البراءة؟

- أنا أطالب برد الاعتبار من جميع الأطراف التي أساءت لي، كما أطالب بتعويض عن كل ما لحق بي من أضرار.

* هل تلقيت اعتذاراً من رئيس الجمهورية؟

-لقد وجدت نوعاً من التعاطف من كثير من كبار المسؤولين الذين التقيتهم بعد حكم البراءة،والكل متعاطف مع قضيتي وقد تلقيت بعض الاعتذارات لكنها لم تصل إلى المستوى الذي أطالب به من رد الاعتبار كون التهمة تناقلتها وسائل الاعلام المحلية والدولية، ولكن كما يقول الشاعر:

قد قيل ما قيل إن صدقٍ وإن كذبٍ

 فما اعتذارك من قول إذا قيلا

* ما الذي تنوي القيام به خاصة إذا لم يتم رد اعتبارك؟

- أعتقد أن أمامي عدة خيارات لا داعي لذكرها الآن فلكل حادثة حديث، وحقي لن أسكت عنه مهما كلفني من ثمن.

* صحيفة الناس