ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟ ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب ضبط مصنع ضخم لمخدر "الكبتاغون" بريف دمشق في أحد قصور الاسد
الاحتقان السياسي في لحظات الذروة. ورغم أن اللقاء المشترك يبدو إلى المقاطعة أقرب، إلا انه لم يجازف بوضعها ضمن بدائله المعلنة. وهذا تصرف غاية في الذكاء.
اعترف أنني، شخصيا، وحتى هذه اللحظة، اشد ميلا للمقاطعة.
لكنني بت الآن أراهن على أن قيادة المشترك- حينما تواظب في ممارسة الضغط بإلحاح للحصول على قواعد انتخابية عادلة نسبيا- أدركت كفاية إلى أي حد لا يمكن أن تكون المقاطعة- يوما- حلما سياسيا عظيما يستحق المفاخرة به، وانتظار الأوقات المواتية لإشهاره.
ومن خلال مواقفه القوية في الآونة الأخيرة، لا شك أن اللقاء المشترك عزز من رصيده لدى قواعده ومؤيديه، بعد انحسار مدوِ بلغ مستويات قياسية قبل 18 أغسطس.
صحيح أن لدى المشترك من أسباب المقاطعة ما لا يحصى ولا يعد. فكل دقيقة تشهد ولادة أسباب إضافية تدفع للإحجام عن خوض السباق الانتخابي، غير انه ما يزال قادرا على تمالك نفسه في الأوقات الحرجة، والتخفف قدر ما ينبغي من الغيرة المفرطة على كبرياءه وكرامته الجريحان. وهذا جيد على أية حال.
ما هو مؤكد هو أن الأزمة أكثر عمقا وتشعبا مما تبدو عليه. ثم إن المقاطعة ليست إلا الخيار الذي يمتلكه كل واحد منا وقتما يشاء. ومع ذلك فإن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على فرض نقاط تساهم في إنضاج العملية الديمقراطية. وهذا ما يقوم به المشترك الآن بشكل رائع ومتماسك.
الطريقة التي تتصرف وفقها قيادة المشترك محترمة وتجعلنا نشعر بالاطمئنان. ولقد برهنت الأيام الأخيرة بأن التسرع في إعلان المقاطعة، ولو من قبيل المناورة، ضربا من ضروب المقامرة الغبية. والراجح أن قيادة المشترك أصبحت الآن تعرف، أكثر من أي وقت مضى، ما الذي يجب أن تقوم به خلال الفترة القادمة. فهي ربما ستتبع سياسة تتمثل في الآتي: الاستمرار في المطالبة بتوفير منظومة انتخابية فيها الحد الأدنى من النزاهة؛ الكف عن التلويح بالمقاطعة، إذ إن إعلانها الآن سيكون من شأنه منح الحزب الحاكم سجل اتهام إضافي ممتاز، يستعمله لتلطيخ صورة المشترك عبر وسائل الإعلام الحكومية؛ إبداء الرغبة بين حين وآخر في خوض الانتخابات.
ولكم أن تتساءلوا إن شئتم عما ستفضي إليه هذه السياسة.
يمكن تلخيصها فيما يلي: أولا، استنزاف أعصاب المؤتمر، فهو ينتظر على أحر من الجمر اللحظة التي سيدب فيها الوهن إلى مفاصل المشترك، على اعتبار أن المقاطعة هي الكلمة السحرية التي ستخرج الحزب الحاكم من حالة الترقب، والحيرة، واللا يقين؛ ليبدأ في ضوئها(المقاطعة) تقرير مصيره وتاليا مصير المشترك(هل نقول ومصير البلد؟).
ثانيا، المساهمة في تقليص احتياطي المؤتمر من الزمن الذي يتضاءل شيئا فشيئا، ما يعني أن موعد الاقتراع سيداهم قيادة المؤتمر وهي لا تزال تفتقر إلى الجرأة الكافية لخوض الانتخابات منفردة في ظل تشبث المشترك بعدم المقاطعة وبإصلاح النظام الانتخابي؛ ويمنعها كبرياؤها من الإذعان لشروط الأخير.
ثالثا، وإزاء هذا كله، لا بد أن المنظمات الدولية ستتخذ جانب المشترك، علاوة على كسب مؤازرة الرأي العام المحلي لمطالبه، ومن ثم تفهمه لما سيختاره المشترك من قرارات حيال الانتخابات بالذات.
بكلمات أخرى: صمود المشترك دون إعلان المقاطعة، وبقاءها مسلكا تضطر إليه لا حاجة تسعى إليها، والإلحاح في طلب شروط انتخابية نزيهة، سيدفع المؤتمر إلى احد أمرين: إما الاستجابة لمطالب المشترك بالكامل والبدء في الإعداد لانتخابات قد تتأجل عن موعدها بالضرورة، وإما أن يندفع هو إلى مقاطعة المشترك والسير في إجراء انتخابات غير تنافسية، فيتحمل بذلك وزر مقاطعة المشترك وما سيترتب عليها من أزمات ومخاطر تمس وجوده هو من الأساس.
في نهاية أغسطس الفائت، أعلن عبدالوهاب الآنسي موقف بدا لأول وهلة غريبا ينطوي على غموض مستفز. وإذ ظل، ذاك الموقف، مثار سخرية وتندر وتأويل للكثيرين، فإنه بات الآن جديرا برد الاعتبار.
قال الآنسي إن المشترك "لن يدخل الانتخابات وفق شروط المؤتمر ولن يقاطعها استجابة لاستفزازه". لقد تبين، فيما بعد، أنها مقاربة ثاقبة النظر أكثر من كونها عبارة فارغة المضمون كتلك الجمل المتحاذقة الجوفاء أو الغبية التي لا تقرر موقف. على العكس، كان الرجل يريد أن يقول ما مؤداه: لن يقاطع المشترك ولن يشارك، ببساطة هو يريد انتخابات حرة ونزيهة، هذا كل ما في الأمر. والحق انه موقف ناضج، فيه من الإفحام مثلما فيه من المسؤولية والرصانة.
في الواقع، هناك قضيتان ستقرران ما سنكون عليه بعد بضعة أعوام: حرب صعدة، والقضية الجنوبية. إنهما بؤرتا نزاع ساخنتان وحاسمتان، تتكثف على ضفتيهما مصائر بلد بأسره.
وإنه لمن سوء الحظ أن تأتي أزمة الانتخابات هذه ممتزجة بتينك القضيتين، إذ فيها شيء من هذه وشيء من تلك. وفي العادة، مما يزيد أزماتنا تشابكا واستفحالا، هو أنها، في صميمها، حصيلة عقود من الصراعات التي تُركت على نهايات مفتوحة.
لا توجد نهايات حاسمة وحكيمة للأشياء في هذا البلد. فمن رحم كل صراع يلد الصراع الذي يليه. وفي كل مرة تصبح النتائج، التي تؤول إليها حروبنا السابقة، هي بذاتها النقطة التي تبدأ منها الحروب اللاحقة، وهكذا دواليك.
لم يعد ثمة ما يفاجئ المرء. فالصراع الذي يلوح جديدا لبرهة من الزمن هو حفيد صراع موغل في القدم، وبالتالي فهو بدورة ما يلبث أن ينقسم إلى ما يشبهه في متوالية جهنمية لا حد لها.
تاريخنا يتكرر بصورة بغيضة للأسف. ومع ذلك لا نملك إلا أن نعيش الأدوار والشخصيات والنصوص ذاتها، التي وضعت منذ فجر التاريخ. وهذا ما يدعو للضجر حقا.
ويبدو أن العبارة، ذائعة الصيت، التي تقول إن "كل حرب في التاريخ هي بقية معلقة من حرب سبقتها" يمكن أن تنطبق، بطريقة ما، على مسرح الصراع في اليمن. وهاكم هذين المثالين: فحرب 94 هي البذرة الأصلية لحركة باعوم في الجنوب، والنهايات المرتبكة والضبابية التي آلت إليها ثورة 62 (لم تفض إلى تحولات جوهرية مفارقة –ايجابيا- لما كانت عليه الأمور قبلها) هي المحفز الأول لحركة الحوثي المسلحة في الشمال عام 2004. وبالمثل، فمن مشيمة النتائج، التي تؤول إليها حروب صعدة الـ5، كانت تولد الحرب تلو الأخرى.
إذاً، لا مفاجئات سارة تنتظرنا في هذا الخريف. ربما، ربما، سنشهد تصرفات غير معهودة، لكنها ليست هي ما نصبو إليه بقدر ما هي خطوة أخيرة نحو الهاوية.