رحل أغلى الضيوف وسط عالم مضطرب
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 25 يوماً
الخميس 18 أكتوبر-تشرين الأول 2007 01:45 م

مأرب برس - خاص 

حركت جمرات الموقد بعصا معدنيه ، ثم أضفت قطعة فحم طوقتها بالجمر المتقد ، أخذت تلتقط النار ببطء علها تؤخر عملية فنائها المحتوم .

قربت من مجلسها في تلك الغرفه الذي أستوطن البرد كل مافيها .

أتحدنا في توحيد نظرنا إلى ألسنة اللهب وهي تمتد إستخفافاً وإستهزاءً بالبرد .

توردت وجنتاها ، بعد ماسرى الدفء في غرفتها وأطلت تجاعيد وجهها من تحت ذلك النور المنبعث من الموقد ، وإذا ببريق عينيها الخضراوتين كزمردتان أضاءتا الوجه الذي كان أيه من الجمال ومازال يختزن بعضا منه برغم كل السنيين .

توالى دخول باقي الأسرة واحد تلو الاخر تلبية للبرتكول السنوي بأن نكون أول المهنئين لجدتي قبل بزوغ شمس العيد .

خيم سكون بعد ضجيج صاخب ملئ بالمشاعر الفياضة بالمحبه والجميع يتبادلون التهاني مع عميدة الاسرة ويتطلعون لنيل من بركة دعاها بعد سؤال من أحدنا كيف كان رمضان ياجدتي العزيزة ...؟

أبتسمت بعد أن تسللت بعض الأفكار إلى لسانها وقالت وهي تهز رأسها :-

لقد رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور وياعالم هل سيستضيفنا في عامه المقبل ...؟

علا الضجيج في غرفتها مرة أخرى بالدعاء لها بطول العمر وأن يعييد عليها رمضان أعوام عديده ، وأتسعت عيناها وكادت تطلعان من محجريهما بعد مانظرت إلى أحدنا وهو يدعو لها أن تتم المئة عام بيننا وأجابته ساخرة :-

الرمضان المئوي !!لا ...لاأحد يعيش الى ذلك الوقت ... وبعدين تعال ... أين رمضان الذي تتحدثون عنه أتسمون ماتعيشونه هذه الايام رمضان ...!؟

تسمرت أعيننا ونحن نتلهف أن نسمع حكايا جدتي عن روعة رمضان بعد أن تنتقد رمصان مابعد عام 2000 وهي دائما تنتقد كل ماله علاقة بالالفيه الثالثة دون ان تعرف أو تسمع بمصطلح الألفية الثالثة من مناسبات دينييه ، وإجتماعيية ، ووطنيه وحتى عالمية وتهزاء بعصرنا بكل ثقه وشموخ أغبطها عليها في مجمل الإحيان .

أنقسمت الأسرة الى فريقيين الأول مؤيد لجدتي ولإرائها وأفكارها بالمقابل فريق يكيل الإتهامات للفريق الأول المناصر لجدتي ويصفه بالتعصب والرجعيه وعدم مواكبة عصر العولمة والانفتاح .

دخلت في عالم من الإستغراق فصلني عن مبارزات الفريقيين وانا أفكر بكلمة جدتي حين قالت:-

 نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور.. ووجدت نفسي أضيف لجملة جدتي الإيمانية جملة أخري وهي جملة

( وسط عالم مضطرب )... وبدأت أزن ثقل هذه الجملة أمام جملة جدتي ،وغرقت بالفعل في عالم مضطرب وماهي إلا حسبه بسيطه ورددت في نفسي :

نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

ونحن لم نصم الشهر جوعاً وضمأً فقط وإنما حنقاً وغضباً ولم تستطع أجواء رمضان بكل مافيها وماعليها أن تقف حائلا ًأمام مافيا التجار في إستقبال رمضان وتوديعه في رفع الأسعار ومساومة الناس في لقمة عيشهم وكيف لم يذوقوا حلاوة هذا الشهر أو يستشعرون به وهم ملتهون بمعركة رفع الأسعار والمساهمة في إيصال المواطن العادي لمرحلة العجز وفقدان البصيرة أمام مابيده وماينتظره داخل بيته .

وهذا عنف ووحشيه

 نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

ولم يستطع أن يقف حائلا ً أمام تلك الفتن والقلاقل فإن نجحنا في إيقاف نزيف الدم لكي ندخل جولات من مفوضات مذله ومهينه ، لتتوقف تلك المفاوضات من فرط اليأس ومن عدم إحراز أي تقدم لبدء مواجهه أخري من بيع للإجساد والأنفس ولأغلى من ذلك الوطن .

وهذا عنف ووحشيه

 نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

ولم يقف حائلاًكعادته في الإزمنه السابقه بأن يكون علم في لم شمل المختلفيين والمتشاحنيين والمتباغضين وكل من قاطع أخاه أو هجره .

وهذا عنف ووحشيه

نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

 ولم يقف حائلاً أمام أحوال العالم العربي المضطرب

فأسرائيل تزداد بطشاً وعتواً في فلسطين وأخواننا في فلسطين مشغولين من وجهة نضرهم بأمر أهم .... العراق يفيض نهريها بالدماء وهي تفكك على جزء جزء وتصنف ببلد الارهاب .... والصومال تعيش جوع الرجال والمال .....و.. و...و.... و الخ

وهذا عنف ووحشيه

نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

ولم يقف حائلاً أمام عبث الفضائيات التي أفقدتنا عذوبة نقل الصلوات وقراءة كتاب الله الكريم التي كان يتميز بها رمضان الى سيل من المسلسلات المخلوطه إما بحلقات تاريخيه تكرس توقف الحضارة بحديثها عن الماضي بأمجاده دون الكلام عن الحاضر ومشكلاته ولا كيفيية التعايش معه والقاء الضوء على المبدعيين والقاده في عصرنا الحاضر كأمثله وأسوة حسنه تشعر السامع بأن الخير باق وممتد بجذوره الاسلاميه الى يومنا هذا ولم ننسلخ عن هويتنا الاسلاميه العربية اليمنيه ، أو حلقات إجتماعيه تنحصر بلغه واحده هي لغة الانتقام والصراع الذي يكون فيه الشر سيد الموقف وفي الاخير ينتصر الخير وكأن المجتمع قائم بالأصل على الشر ، أو حلقات لاطعم لها أو لون من كوميديا، وبرامج مسابقات ،وفوازير لتسلي الصائم باليل والنهار على قاعدة أن الصيام عادة وليست عباده والصيام حرمان أكثر مما هو إستشعار وبالتالي يسلتلزم هذا الحرمان مساعدة الصائم على قطع الوقت تحت شعار :

( سلي صيامك )

 نعم رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور

ياجدتي في عامه السابع من الألفيه الجديده التي انتي ناقمه عليها فما هو العمل ..؟

ومن بيدهم اللأمر غير قادرون على التفكير والتخطيط نحو التغيير ... وكل مايفعلونه أنهم يجروننا خلفهم في دوائر مغلقة من العجز ندفع ثمنها من ضياع رجولتنا .. وترمل نسائنا .. ودم أطفالنا ..!

وهذا عنف ووحشيه

لقد تحول رمضان الذي كان دوما ً عيد للأمة الإسلاميه إلى غصة تمتلئ بها الحلوق .. فلا الصيام مطهر للنفس .. ولا الطعام مشبع للروح الثكلى ..!

وصدقت جدتي ..رحل أغلى الضيوف وسيد الشهور وسط هذا العالم المضطرب..!

Zaan75@hotmail.com