عـذراً أيـها الحـبيـب
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 5 أيام
السبت 08 مارس - آذار 2008 03:59 م

من يعتقد أن الدعوة إلى احترام العقائد والأديان تنتقص من حرية التعبير فهو أحمق كبير، ومن يقل أن الدعوة إلى تعزيز حرية الصحافة هي دعوة للنيل من الأديان فهو بالتأكيد أحمق أكبر!

من حق الإنسانية جمعاء أن تشعر بالاشمئزاز تجاه محرري الصحف الدينماركية الذين أساءوا إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأيما قارئ أو مطلع تمر عليه فلا يشعر بالاشمئزاز والأسف فانه قارئ مشكوك في ذوقه وحسه الإنساني !

لسنا أمام ممارسة مسئولة لحرية التعبير ، والناشرون كانوا يهزؤون بكل مواثيق شرف المهنة، وقبلها كانوا يعبثون بمنظومة القيم والمبادئ التي قامت عليها الحضارة الغربية نفسها وينتظر الإنسانية منها ما هو أعظم انجازا .. إن لم ينحرف بها هؤلاء الصبية عن الطريق القويم.

* من المسيء ..؟

قبل أن نمضي في تلك الحملة المناهضة للإساءة إليه عليه الصلاة والسلام، سيكون علينا جميعا جماعات وأفراد أن نحدد المشكلة بدقة ومعها طريقة الرد.

هناك أسئلة يجب أن نطرحها فورا.. من الذي ارتكب الإساءة هل هو الغرب أرض وإنسان؟ أم الدنمارك؟ أم هم اليهود والنصارى كما ذهب للجزم بذلك الكثير ممن وجدوها فرصة للنفخ ببورزان الدعوة لحرب كونية غير مسبوقة تفتح ما وراء الأطلسي وتخضع بالسيف بلاد الكاريبي وما بعد المحيط الهادي؟!

هل الغاضبون هنا يعلمون بالضبط حدود الإساءة ومن ارتكبها .. وما هو الرد العادل في نظرهم؟ أم أن التهمة موجهة إلى الغرب كل الغرب وإلى اليهود والنصارى كل اليهود والنصارى ، والرد العادل رغبة في التدمير الشامل يتمنى الواحد من العامة أن يتحول معها إلى قنبلة ذرية تنفجر في قلب عواصم الغرب فلا تبقي ولا تذر !

أستطيع الجزم وبكل ثقة أن الذين ارتكبوا تلك الحماقة هم في الدنمرك سبعة عشر محررا .. وقد يتبعهم آخرون، لكنهم يظلوا أفراداً لم تنتخبهم شعوبهم ليكونوا ممثلين عنها ولم يدعوا هم هذا الشرف، وليس علينا ان نعطيهم وساما لا يستحقوه ولم يدعوه.

* ميثاق شرف .. وتشريع ملزم

بعيدا عن سبب الإساءة ومن هو المسئول عنها، وهل هي الرغبة الأكيدة لدى الغرب لاستئناف الحرب الصليبية .. أم أن هناك جماعة لا تزال مصرة على إظهاره صلى الله وعليه وسلم ودينه وأمته على أنهم إرهابيين وقتلة وقطاع طرق! 

سيكون من المناسب أن يشترك الجميع هنا علماء ونخب سياسية وفكرية وكل من يشعر بالحزن والأسى من تلك الرسوم في حملة عالمية تدعو إلى استحداث تشريعات دولية ملزمة تجرم الإساءة إلى الأنبياء والرسل وتدعوا إلى ضرورة احترام عقائد الناس وأديانهم.

في الوقت نفسه على إعلاميي العالم الإسلامي واتحاداتهم ونقاباتهم الإعلامية المضي في المطالبة بميثاق شرف عالمي لمهنة الصحافة يقطع بضرورة احترام الأنبياء والرسل والرموز والمقدسات الدينية، بميثاق شرف يجد فيه كل السفهاء والصبية الذين يسيئون إلى معتقدات الآخرين وأديانهم أنفسهم أمام الخيار الصعب ووجها لوجه أمام القيم الإنسانية.

حين تتجه الحملة هذا الاتجاه فلا مانع عندها أن نشعر بقليل من الرضى بأننا نمضي في الطريق الصحيح للانتصار له عليه الصلاة والسلام وقبل ذلك للقيم التي جاء من اجلها والتي في جوهرها انتصارا مبكرا لقيم حقوق الإنسان.

تجاوز ذلك إلى الدعوة لمقاطعة الدنمرك وسحب السفراء وحشد الرأي العام لمعركة كوبنهاجن ففضلا عن كونه سيرا أعمى في الاتجاه الخطأ، فإنها تؤدي الى ما هو أسوأ والمؤسف أن أصحابها إن كانوا حسني نية فهم ليسوا حسني الاستفادة من التجربة.

قبل عام كانت هناك صحيفة واحدة تنشر الرسوم المسيئة ، قرائها تقول الاحصائات أنهم لا يتجاوزون الآلاف، الآن أعادت الرسوم سبعة عشر صحيفة في الدينمارك وحدها ، خلال عام لم تسلم عاصمة أو دولة من إعادة الرسوم ويكفي أنها وجدت طريقها للنشر في بعض الصحف في القاهرة وعمّان وصنعاء والرباط،

فمالذي تعلمه دعاة المقاطعة والتعبئة الشاملة من هذا النمو المتسارع في الإساءة إلى أحد أهم رموز الإنسانية، من ظل يقول عنه الغرب بأنه الرجل رقم واحد في كل مرة يذهب باحثوه ليحصوا عظماء الإنسانية.

 * نحن خير أمة .. وطعام أهل الكتاب حل ٌلنا

قبل أكثر من عام إبان الإساءة الأولى حين كانت المظاهرات تجوب المدن تدوس الأعلام وتحرق سفارات الدنمرك ، كان عمرو خالد في قلب كوبنهاجن يحشد المستهجنين وأصحاب الذوق الحضاري في الدنمرك ومن جاورهم وهم أكثر بكثير من سبعة عشر محررا، كان عمرو خالد هناك من على منابرهم الإعلامية يصدح "لسنا قطاع طرق .. ونحن خير أمة أخرجت للناس" وقد كان لحملته تلك أن تنجح في تقديم الإسلام للغرب بصورة مشرقة كدين حضارة وسلام لو سانده فيها كبار علماء المسلمين، والأكيد أنها فرصة حقيقية لو التقطها القرضاوي والعوده والترابي والزنداني وأترابهم، وحظيت بالاهتمام الذي تستحقه من قبل منابر الفكر والإعلام، وجلس الجميع على طاولة واحدة يتجادلون " بالتي هي أحسن " ويقفون على " كلمة سواء"

غير أن الكثير ممن هم أكبر قامة وحضورا من عمرو خالد اختاروا الطريق الأسهل أو فلنقل سلكوا الطريق المعتاد، و راحوا يخوضون حربهم ضد الجبنة البيضاء!، وحتى مع اعتذار الشرائك المصدرة التي أسفت للإساءة وأعادت التأكيد عبر الفضائيات احترامها للإسلام ديناً ومقدسات وللمسلمين أمة ونبي ، لكن وللأسف ظلت الفتوى قائمة مفادها " أيها المسلمون طعام الذين أوتوا الكتاب حرام عليكم "!!

* ليست لوجه الله

سيكون من المناسب أن نذكر بالحملة التي أطلقها شباب دنمركيون قبل أيام للتصدي للإساءة للنبي الكريم عبر حملة الكترونية استحدثت موقعا الكترونيا أطلق عليه "عذرا محمد"، وقد وصل عدد أعضائها خلال أيام إلى عشرة آلاف عضو .. فهل سيشفع ذلك قليلا للشعب الدنمركي الذي عرف دوما بأنه الأكثر قربا من العرب وقضاياهم العادلة ؟!

وإن لم .. فمن حقنا أن نقلق وأن نضع علامات استفهام كبيرة أمام أولئك الذين لازالوا يصرون على القول بأن الإساءة حدثت بإرادة غربية شاملة، خشية أن يكون وراء هذه الغيرة استخداما سياسيا لا علاقة للغيرة على النبي العظيم به !!

ماسر اهتمام الإعلام الرسمي العربي بهذه الرسوم؟ ما من غضبة رسمية ينفذها الإعلام الرسمي العربي الا وكانت ورائها أهدافاً أخرى غير وجه الشعوب وغير وجه الله ورسوله، هكذا اعتدت أن أرى الأمر ولا استثني منهم أحدا.

ومع أن هناك رفضا تلقائيا ومطلقا لتلك الإساءة لدى جميع المسلمين، إلا أنه لم يعد خافيا أن هناك من يجدها فرصة لاتهام كل غربي بالضلوع في المؤامرة صراحة، والى السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة ضمنا.

ما نعلمه جيدا أن هناك رغبة جامحة لدى الحكومات العربية في خلق القطيعة بين المسلمين والغرب خشية أن يتأثر مواطنيهم بديمقراطيته وان تنتقل إليهم عدوى ثقافة الحقوق والحريات، وهناك رغبة جامحة أخرى لجماعة قليلة هنا وهناك لرؤية الدماء والجماجم والأشلاء ما تلبث أن تطفوا إلى السطح بمثل هذه المناسبات !

* لنا في الحبيب أسوة 

هل أنا هنا لا أعبأ بالإساءة إليك أيها الحبيب .. لا عشت أن كان الأمر كذلك، لكنه منهجك أيها العظيم وهي سنتك .. لم ينقل عنك أحد أنك انتصرت لشخصك يوماً ..كاذب من يقل انك أردت الانتقام ممن قال عنك" ساحر" أو "مجنون".. ومن قال "كاهن" افترى على الله كذبا ، ومن راح يتربص بك ريب المنون.. وحتى أولئك الذين نالوا من زوجك الطاهرة في زحمة حديث الإفك .. رحت أيها الحبيب تنقل لأصحابك بحزم وحسم ورضى ما قاله ربك من أن عليهم "أن يعفوا وأن يصفحوا" "إن كانوا يحبون أن يغفر الله لهم".

 قلت لأعز أصحابك أن عليه أن يقابل إساءة قذف ابنته وزوجة نبيه بالإحسان .. وأن ذلك شرط المغفرة ..

ببساطة .. كنت يا قرة العين تقول لأصحابك أن عليهم أن يتساموا فوق الإساءة دوما.

===

رئيسة منظمة صحفيات بلاقيود

tawkkol@gmail.com

صحيفة الثوري العدد 1997