هل تكشف أعماق البحر الأحمر عن خفايا العصور الماضية؟
بقلم/ مأرب برس - الشرق الأوسط
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 6 أيام
الإثنين 08 إبريل-نيسان 2013 09:00 م

شهدت مدينة تبوك السعودية، في الشهر الماضي، أول مؤتمر لآثار البحر الأحمر يعقد في الشرق الأوسط، منذ بدايته في 2002، بعد أن تم عقده 5 مرات في أوروبا قبل ذلك. تم عقد المؤتمر في مركز الأمير سلطان الحضاري بتبوك لمدة 5 أيام، ما بين 17 و23 مارس (آذار) 2013، ونظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار بالاشتراك مع جامعة «إكستر» البريطانية وبعض الجامعات السعودية. وافتتح الأمير فهد بن سلطان (أمير تبوك) المؤتمر، بحضور الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وشارك فيه 39 عالما جاءوا من 16 دولة، لمناقشة قضايا تتعلق بالبحث عن بقايا التاريخ الماضي والحفاظ على البيئة في البحر الأحمر.

بينت البحوث والدراسات التي قام بها العلماء أن البحر الأحمر كانت له أهمية خاصة في العصور القديمة، حيث قامت على جوانبه حضارات مهمة؛ سواء في الجانب الأفريقي أو الآسيوي، في مصر والحبشة واليمن والجزيرة العربية، حيث كان ممرا للبواخر التجارية بين دول الشرق الأقصى وأوروبا.

وكان المصريون القدماء هم أول من تحدث عن البحر الأحمر، حيث كانوا يستخدمونه للوصول إلى بلاد بونت المقدسة، للحصول على البخور والتوابل التي استخدموها في طقوسهم. ونقشت الملكة حتشبسوت بالرسم والكلمات قصة رحلة سفنها في البحر الأحمر قبل 4500 عام، على جدران معبدها بالدير البحري غرب مدينة الأقصر بصعيد مصر. وقبل مئات السنين من قيام المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس بحفر قناة السويس في العصر الحديث، حفر المصريون القدماء قناة نيلية تربط وادي النيل بالبحر الأحمر عند مدينة السويس. وعند وصول الرومان إلى مصر في القرن الميلادي الأول، استخدمت أساطيلهم البحر الأحمر للوصول إلى بلاد الهند والصين في شرق آسيا.

ويمتد البحر الأحمر، الذي سماه العرب «بحر القلزم»، 2250 مترا بين المحيط الهندي في الجنوب وشبه جزيرة سيناء في الشمال، وتطل عليه من الشرق اليمن والسعودية والأردن، ومن الغرب جيبوتي وإريتريا والسودان ومصر. وتُعتبر المملكة السعودية أكبر دولة تطل على البحر الأحمر، حيث يمتد ساحلها 2400 كلم، كما أن لديها عددا كبيرا من الموانئ تطل على هذا البحر، مثل جدة وينبع والجار والحوراء والوجه وضباء وحقل ولوكي كومي وأكرا كومي والقنفذة وعثر وجازان وفرسان. وهناك كنوز أثرية لا تزال ترقد في قاع البحر الأحمر منذ مئات السنين تنتظر من ينتشلها، تتمثل في المراكب والسفن القديمة التي غرقت فيه بما تحمله من أسرار، والتي سوف تكشف عن معلومات مهمة تغيّر ما نعرفه عن تاريخنا القديم.

* تجارة البخور

* خلال 13 جلسة، تعامل المؤتمر مع 3 محاور تتعلق بالآثار الغارقة في البحر الأحمر والموانئ القديمة وبقايا الجزر وطرق الملاحة البحرية. وقدم الدكتور أندريو بيكوك الأستاذ بجامعة سانتا دروس الاسكوتلندية ورقة تتحدث عن الطريق التجاري القديم بين اليمن وجدة، حيث كانت الجزيرة العربية معبرا مهما لتجارة العطور والبخور في الأزمنة القديمة، التي كانت تجلب عائدا اقتصاديا مهما للمناطق التي تمر بها في طريقها إلى أوروبا.

ومعظم ما نعرفه عن مراكز تجارة البخور في جنوب الجزيرة العربية، يأتي عن طريق الكتابات والروايات الكلاسيكية القديمة. وهناك كتيب بحري كُتب في الإسكندرية في منتصف القرن الأول للميلاد، يذكر أن كل أنواع البخور الذي يزرع في جنوب الجزيرة العربية تجلبه قوافل الجمال والقوارب إلى قاني لتخزينه هناك بخليج عدن، حيث اكتشفت بعثة أثرية روسية وجود كميات كبيرة من البخور مخبأة تحت الرمال داخل أكياس من ألياف النخيل. وبعد تجميعه في قاني، كان البخور ينقل إلى شبوا ثم تمنع ومأرب قبل أن يتجه شمالا إلى نجران، ومنها إلى البتراء وغزة. وكانت المواد الرئيسة لهذه التجارة تعتمد على البخور الذي يوجد بين حضرموت عسير، وصمغ المر الذي يخرج من شجرة اللبان (العلك).

كتب الرحالة اليونان عن مصدر البخور والصمغ الذي يخرج من شجرة المر، وقالوا إنها تأتي من «بلاد العرب المباركة» ( Arabia Eudaimon )، وتحدث هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد قائلا: «الشجيرات التي تنتج البخور، تحرسها ثعابين ذات أجنحة لونها أرقط، وهناك عدد كبير منها حول كل شجيرة».

أما الرومان، فقد أطلقوا على بلاد العرب اسم «بلاد العرب السعيدة» ( Arabia Felix )، وعندما فشلت حملتهم للاستيلاء عليها، أقاموا خطوط التجارة عبر البحر الأحمر منذ القرن الميلادي الأول، مما حرم الممالك العربية من عائد نقلها بقوافلهم.

* الكتابات القديمة

* وتحدث الدكتور مايكل ماكدونالد الأستاذ بجامعة أكسفورد البريطانية، عن النقوش والكتابات العربية التي ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام، والتي تم العثور عليها بالقرب من مدينة تيماء مؤخرا، وورد بها اسم «مدين» للمرة الأولى. ويسود الاعتقاد الآن أن منطقة «تبوك» هي التي ورد ذكرها في المصادر القديمة باسم «مدين». وتبوك التي تمثل 5 في المائة من مساحة المملكة، تحتل الجزء الشمالي الغربي من السعودية بجوار الأردن والبحر الأحمر وخليج العقبة، وهي منطقة غنية بآثارها القديمة حيث كانت محطة مهمة في طريق القوافل التجارية بين اليمن وبلاد الشام. وهنا توجد قلعة تبوك التي بنيت قبل نحو 3 آلاف سنة، ومسجد الرسول الذي صلى فيه خلال غزوة تبوك، إلى جانب بعض الحصون التي بناها العثمانيون لحماية الحجاج إلى مكة والمدينة. وقد عرفت منطقة تبوك بأنها مكتبة الجزيرة العربية، لما بها من كنوز ومواقع أثرية عبر 5 محافظات على أطرافها.

كما تم العثور على كميات هائلة من الكتابات القديمة، محفورة في الصخور، ولا تزال في انتظار من يترجمها ويتعرف على تاريخها ومعناها. فقد عثر الأثريون والرحالة في المنطقة الممتدة ما بين المدينة المنورة ودمشق، على كثير من النصوص المنقوشة على الحجر، ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام. وتبين أن هذه النصوص مكتوبة إما بلغات جنوب الجزيرة (السبئية والمعينية والقتبانية) أو بلغات شمال الجزيرة (الددانية والثمودية واللحيانية والصفائية). وهذه اللغات، وإن كتبت كلها بخط المسند، تختلف بعضها عن بعضها الآخر اختلافا جوهريا، فهناك بعض الأحرف التي هي تقرأ نفسها بطريقة مختلفة تماما في هذه اللغات.

وتمكن الأثريون من تجميع ما يزيد عن ألفي نص مكتوب باللغة الثمودية، في مناطق الجوف وتيماء وتبوك ومدائن صالح والعلا، التي تقع كلها بشمال الحجاز ونجد. إلا أن «ددان» سبقت مملكة الثموديين، وكانت عاصمتها هي «العلا» الحالية، وكانت واحدة من المحطات المهمة على الطريق التجاري بين الجنوب والشمال، بل إنها كوّنت دولة مستقلة استمرت لفترة من الوقت، قبل منتصف الألف الأولى السابقة على الميلاد. وفي العلا، تم العثور على النصوص الددانية، التي تبين أنها أقدم كتابات في شمال الجزيرة، ويرجعها الأثري الأميركي «ويليام أولبرايت» إلى الفترة نفسها الذي ظهرت فيها السبئية في جنوب الجزيرة.

* 11 متحفا جديدا

* وبمناسبة انعقاد هذا المؤتمر، أعلن الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والآثار، عن بعض المشاريع المهمة التي تنوي الهيئة تنفيذها في المواقع الأثرية بالمملكة. تتضمن تأهيل 120 أثريا سعوديا للقيام بأعمال الكشف والتنقيب، وإنشاء 11 متحفا جديدا إقليمية ومحلية لاستيعاب الكمّ الهائل من الآثار التي يتم العثور عليها، حيث تقوم الآن 24 بعثة بأعمال التنقيب في المملكة. كما تخطط الهيئة لتنفيذ بعض المشاريع التي ترمي إلى الحفاظ على المواقع ذات الأهمية في التاريخ الإسلامي، خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وفي ختام أعمال المؤتمر، أوصى العلماء بإنشاء مركز دائم يتولى الإشراف على الأبحاث والدراسات المتعلقة بالبحر الأحمر، وإجراء مسح شامل للتعرف على المواقع الأثرية الموجودة تحت الماء، للعمل على دراستها وحمايتها. كما طالبوا بوضع برنامج لصيانة الشواطئ والجزر بالبحر الأحمر، وحماية الكائنات البحرية النادرة والمعرضة للانقراض، مثل الشعب المرجانية والمانغروف.