خريف الحوثيين في اليمن 1-2
بقلم/ مأرب برس - خاص
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع و يوم واحد
الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:08 م
 
 

في حين يشهد الوطن العربي زخما ثوريا واسعا ضد الأنظمة الاستبدادية القمعية والحاكمة على رؤوس الشعوب بقوة الحديد والنار , تنبري في الوقت الحالي جماعة الحوثي في اليمن لتفرض نفسها على أرض الواقع تحت لغة الحديد والنار .

وفي والوقت الذي تثور فيه هذه الشعوب ضد تلك الأنظمة التي عصفت بعدد من زعماء " الظلام والرجعة " التي سعت أن تظل الشعوب تركع أمامها وتقبل أياديها, نجد تصدر الحوثيين في أكثر من جبهة تسعى لإخضاع الناس بقوة الحديد والنار وقوة السلاح , وتسعى أن تقدم نفسها مدنيا في الساحات وصفحات الفيس بوك وتويتر في حين تنعكس الصورة بشكل " مخيف جدا لذلك التناقض " الذي يبدو أنه مغطى بشموع التقية .

فمع بزوغ الربيع العربي في القرن الحادي والعشرين نجد ان هناك قوى تؤمن في هذا التيار " الشيعي " بإقصاء الناس " وتقدس الصنمية والسلالية , لتجعل فئة من الناس قادة مقدسون وآخرون " توابع ليس لهم مقام أو قامة .

 الحوثييون وفي قلب " الربيع العربي " دخلوا في لحظة من الزمن وبعيدا عن كل تداعيات المنطقة , ليختطفوا لأنفسهم مساحات من أرض لا تدين لهم ولا تعتقد معتقدهم بقوة السلاح , مستغلين انشغال ثوار اليمن وأحرارها في ترحيل " رابع صنم عربي " .

الحوثيون يعيشون في وهم وانتصارات خارج إطار المعادلة التوازنية لتركيبة المجتمع اليمني , انتصارات بنت مشهدها النفسي والإعلامي على نتائج قتال الجيش اليمني أو السعودي .

تحركات الحوثيين في محافظة حجة وعمران بتلك الطريقة التي بمكن أن نطلق عليها " استعمار " مناطق ما في داخل الوطن الأم " اليمن " في حين يتم التهامس فيما بينهم على أنهم فاتحين لتلك المناطق .

في هذه الحلقة التي ينشرها " مأرب برس " نستعرض لحقيقة الحوثي , وكيف وقع الكثير من أبناء اليمن خديعة هذه الحركة التي استغلت تعاطف الشارع اليمني مع ماضيهم مع النظام في صناعة مشهد مغاير للحقيقة والواقع , على أنهم قوة قادمة تقبل بالأخر وتسعى إلى بناء يمن متحضر قائم على المدنية والقبول بالأخر , لكن يبدو أن ثورة الشباب في اليمن قد أسقطتهم , وسيكون الحديث في هذه الحلقة الأولى عن محور محافظة الجوف لنرصد نتائج أولى تجارب الحوثيين في الحرب مع أبناء القبائل .

الزحف نحو محافظة الجوف :

حاول الحوثيون في الأشهر الأولى للثورة الشبابية في اليمن إلى إسقاط محافظة الجوف لتكون امتدادا إلى محافظة صعدة , إضافة إلى إسقاط محافظة مأرب في محاولة إلى تكوين مكون جغرافي واسع خاصة في المحافظات التي ترتبط حدودها مع المملكة العربية السعودية .

حيث فوجئ أبناء محافظة الجوف بتدفق المئات من " حوثة صعدة وحرف سفيان ولفيف من مناطق أخرى " إلى مناطقهم وقراهم وبدأت تلك العناصر الزاحفة إلى محافظة الجوف في خوض مواجهات مسلحة مع أبناء الأرض بقوة الحديد والنار , مصحوبة بتطلعات الزحف صوب محافظة مأرب , وبدأت تلك الخطوة فعلا , حيث تجاوزا جغرافيا مديرية الغيل , إضافة إلى غراسهم السلالي والطائفي في بعض مناطق مديرية مدغل وبدبدة في مأرب , وكانت أمالهم تتجه صوب محافظة مأرب كونها العصب النفطي لليمن , وشريان تغذية عاصمة صنعاء بالنفط والكهرباء والغاز .

الجوف محرقة الحوثيين في اليمن :

لقد مثلت المواجهات التي جرت منذ بدايات الأشهر الأربعة الأولي من عمر الثورة اليمنية في محافظة الجوف درسا مهما لهم , خاصة وأن عامة الناس اكتشفوا حقيقتهم القتالية , وهشاشة قدرتهم في المواجهات مع رجال القبائل إضافة إلى تعلقهم بالطلاسم والخزعبلات .

لقد كانت محافظة الجوف أحد المناطق التي ظن الحوثي أنه " أغلقها على نفسه " بعد توسعه في عدد من مديراتها الشمالية, لكن يبدو أن المواجهات المسلحة التي دامت قرابة ثلاثة أشهر مع رجال القبائل جعلت الحوثيين يولوا " فرارا " من تلك المحافظة تحت صمود أبناء القبائل الرافض لأي تمدد تحت لغة الحديد والنار أو فرض أي عقيدة دينية جديدة مخالفة لعقيدة الآباء والأجداد .

تعد المواجهات المسلحة التي دارت في محافظة الجوف وفي لحظة عابرة من الثورة اليمنية , محور هام الأحرى بالحوثي وأنصاره أن يغيروا من خلالها المضي تحركاتهم القمعية , ضد أبناء اليمن كما يمارس حاليا في محافظة حجة.

 كما كشفت تلك المواجهات عن تلون الحوثيين بأكثر من قناع , ففي حين كان من يطلقون على أنفسهم أنهم " ثوار في ساحة التغيير" " كان أتباعهم القادمين من صعدة ومن حرف سفيان يتدفقون إلى محافظة الجوف بأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة كان من بينها " الدبابات والمدفعية وهمرات الجيش السعودي وراجمات الصواريخ " الكاتيوشا " التي تم الاستيلاء عليها في المواجهات السابقة في محافظة صعدة أو تم منحها لهم من قبل جهات مرتبطة بصالح , لقتال أنصار المشترك وقبائل الجوف, وسفك دماء الناس تحت مبررات التوسع وقتال من يخالفهم في عقيدتهم رغم أدعائهم المعتاد أن تلك المواجهات كانت لدفاع عن النفس .

 كما مارس الحوثيون مفارقات في غاية الغرابة في حين كان بعضهم يتمايلون طربا في ساحة التغيير بصنعاء على النغمات الثورية كان عناصرهم توغل في اعتدائها ضد أنصار المشترك من أبناء الجوف , وظلت كتائب الحوثيين " الغزاة " كما أطلق عليهم أبناء القبائل , تتدفق كتيبة تلو الأخرى لقتال أهل الأرض من ابناء المحافظة دون أن تحقق تلك الكتائب أي تقدم سوى الموت بعد أن تعلو حناجر مقاتليهم بصارخات " الموت لأمريكا الموت لإسرائيل " .

خيار المواجهات المسلحة :

ظل الحوثيون يرسلون رسلهم ومبشريهم طيلة أكثر من عشرة أعوام إلى محافظة الجوف, وبدأ تأثيرهم يظهر في بعض مناطق المحافظة خاصة الشمالية التي لها اتصال جغرافي مع محافظة صعدة , نظرا لاستفحال ظاهرة الأمية والفقر والجهل في المجتمع , وبدا عبدالملك الحوثي يرسل " السادة والإشراف " على أساس أنهم " يمثلون أهل البيت " لقيادة القبائل " الطبقة المقاتلة " .

وقد نجح الحوثيون في تكوين شعبية في المحافظة خلال تلك السنوات الماضية التي لوحظ أن هناك تقارب بينهم وبين النظام خاصة في تسهيل مهام التبشير والدعم المالي وتقريب بعض الواجهات الموالية للحوثي من صناعة القرار داخل المحافظة على شكل وكلاء ومدراء عموم .

ما مثلت الحملة الإعلامية التي قادها الحوثيون خلال تلك الفترة معتمدين على توعية مظللة مستغلين جهل الناس وفقرهم , إضافة إلى التركيز على أخطاء النظام في تقديم أنفسهم على أنهم " المنقذون لهذا البلد ولمحافظة الجوف أولا .

تنامي ذلك النفوذ وبدأت نعراته في إقصاء الأخر وعدم الاعتراف به كشريك وطني في الحياة , وهو الأمر الذي سرع إلى تفجير الوضع بين أبناء المحافظة فيما بينهم في بداية الأمر .

وقد برزت مرارة ما يفسده الحوثي في المجتمع في الجوف أن من يعتنق فكر الحوثي ل يجد أي محاذير قتال قبيلته وأبناء عمومته بل وفي مواجهات ذوات الرحم من الأسرة الواحدة " الولد يقف في وجه أبية أو أخيه " وهي سابقة لم تشهدها اعراف القبيلة أو ثقافة المجتمع أو مبادئ الإسلام .

.

وقد نخلل تلك الفترة مواجهات مسلحة من وقت لأخر في أكثر من جبهة ومديرية بين الحوثيين والقبائل لكنها كانت متقطعة وسريعة , لأنه كان يتم احتوائها من قبل مشائخ ووجهاء المنطقة خوفا من توسع رقعتها وخطورة آثارها , إضافة إلى أنها كانت أحيانا تقابل بروح " اكتفاء الشر " وعدم رغبة القبائل في الدخول في مواجهات مسلحة مع عناصر الحوثي , خاصة وأنه لم يكن هناك أي داعي " ثأر " أو خلاف على " حد قبيلة " أو خلاف شخصي .

وكانت القبائل تحاول تجنب شر ذلك التوغل , وهو الأمر الذي ساعد الحوثيين في الوصول إلى عدد من مديريات المحافظة في وقت قياسي رغم وجود استياء واسع من تتلك الطريقة التي كان يمارسها الحوثيين .

لكن الأمر لم يدم طويلا حتى أضطر أبناء الجوف من أنصار المشترك إلى حمل السلاح في مواجهة " الغزاة " من خارج المحافظة , حيث جرت مواجهات عنيفة بعد أن شعر رجال القبائل أن هناك مخطط يهدف إلى إسقاط المحافظة بقوة الحديد والنار وضرب كل من يحاول أن يرفع رأسه ضد تلك التحركات , فاندلعت مواجهات مسلحة بين الطرفين , حيث تكبد الحوثيون فيها خسائر فادحة , مما اضطر عبد الملك الحوثي إلى أن يرسل الكتيبة تلو الأخرى في محاولة للحفاظ على الصورة الذهنية لدى العامة عن " الحوثيين التي بدأت ترتسم بأنهم " جماعة لا تهزم " , وفي كل مرة كان يتم إرسال التعزيزات إلى الجوف, كانت قياداتهم تتوقع أن النصر سيكون حليفهم في المعركة القادمة , لكن صمود رجال القبائل كسرت تلك الطموحات , وتحطمت أمامه آمال التوسع, مما تسبب في حصول انقسام داخلي في جبهة الحوثيين أنفسهم خاصة بعد أن قرر عبد الملك الحوثي بوقف الدعم عن إرسال أي دعم من الحوثة إلى الجوف , بحجة أن " حوثيي محافظة الجوف كان غالبيتهم لا يشاركون في القتال لأن الغالبية كانوا من الأشراف وهم يمثلون طبقة " لا يمكن أن تقاتل , وإنما القتال على طبقة أخرى في المجتمع هم أبناء القبائل " لأنه في نظرهم " أشراف لهم قداستهم " والجميع يطلق عليهم لقب " سيدى " .

تصدع جبهة الحوثيين وقتال داخلي :

اضطرت عدد من القيادات الحوثية القادمة من صعدة إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الجوف بعد تكبدهم خسائر فادحة في صفوف " مقاتليهم " بل بالغ البعض من الحوثة أن قالوا لقد خسرنا في ثلاثة أشهر من قيادتنا في الجوف ما لم نخسره في حروبنا الستة مع الدولة – سقط أثنين من أسرة الحوثي بينهم شقيق عبدالملك الحوثي في تلك المواجهات ونجل يحي بدر الدين الحوثي .

كما كشفت المواجهات التي جرت خلال تلك الأشهر عن هشاشة التكوين العسكري للحوثيين , واعتمادهم على مقاتلين " لا يعرفوا سوى الهجوم " وهم يصرخون بالصرخة ,و قتل العشرات منهم في عمليات هجوم بطرق غريبة , حيث عثر رجال القبائل أن بنادق أولئك المهاجمين كانت مؤمنة ودن أن يتم شحنها بالذخيرة قبيل أي هجوم , وكان يشعرون أنهم أذا شنوا أي هجوم وهم يهتفون بصرختهم- الموت لأمريكا الموت لإسرائيل - أنهم سينتصروا , إضافة إلى مشاركة أطفال بأعداد كبيرة في تلك المواجهات إضافة إلى اعتقادهم في " الطلاسم " التي كان يروج لها فيما بينهم على أنها طلاسم تقي من الرصاص وهي من قبل سيدهم " عبدالملك " حيث عثر في ثياب كل قتلى الحوثيين في الجوف على طلاسم سحرية, كما كشف عدد من الأسرى الذين وقعوا في يد رجال القبائل المواليين للمشترك " عن اعتقاد كبير للحوثيين في تلك الطلاسم.

قيادة الحوثي توجه مقاتليها بالرحيل :

غادر الحوثيون الجوف تحت قوة السلاح و محملين بتجارب وطأة الهزيمة النفسية والعسكرية , نتيجة لتكبدهم خسائر فادحة في العدة والعتاد , حتى تلاحقت هزائمهم لتصل تداعياتها إلى ضرب العمق الجغرافي لأنصار الحوثيين في منطقة الزاهر – شمال المحافظة - مما تسبب تراجع نفوذهم في المحافظة بشكل كبير وبعد انكسار الوهم حول حقيقة الحوثيين في نفوس العامة من الناس .

كما كشفت مواجهات الجوف عن عدم احترام الحوثيين العهود والمواثيق , وأكدت تلك المواجهات التي تخللها عشرات الاتفاقيات من " صلح أو هدنة " على أنهم يعشقون الغدر بخصومهم , حيث سقط غالبية قتلى رجال القبائل أثناء صلح أو هدنة , برصاص الحوثيين وهم يهتفون " الموت لأمريكا الموت إسرائيل " , دون أي مراعاة لتلك العهود التي كانت تستباح تحت فتاوى أثني عشرية قادمة على المجتمع اليمني تستند إلى التقية .

محرقة الحوثيين في الجوف :

مثلت المواجهات التي خاضها الحوثيون في الجوف ضربة موجعة لطموحات الحوثيين في التمدد الجغرافي شرقا وتحديدا في المحافظات التي ترتبط بالجارة السعودية , , حيث قوبل ذلك الزحف برد عنيف ومنظم من قبل رجال القبائل, ولم تجدي عشرات المعارك الضارية التي خاضوها مستخدمين الأسلحة الثقيلة بكل أنواعها , في إحداث أي تغيير لكفة المواجهات سوى الهزيمة والتآكل الداخلي لهم .

إضافة إلى هبوب عاصفة أنباء الهزائم التي كانت تلحق بهم في أرجاء المحافظات الشرقية في اليمن وغيرها من المناطق وهو ما كان يعد لدى " مرجعياتهم الدينية " إنهيار مبكر لطموحاتهم وخوفهم من اكتشاف أن الحوثيين ظاهرة صوتية .

يمكن أن نقرأ أن ثمة خريف قادم تتساقط أوراقة قادما من بلاد الشام ومرورا بجبال اليمن ليكشف حقيقة " خريف الحوثيين في اليمن ..