تتبع سلالة كوليرا شديدة المقاومة للأدوية ظهرت أولاً في اليمن ثم انتشرت في عدة دول ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟ ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب
هناك غموض كبير يحيط بمستقبل الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو غموض يبدأ بالحزب الحاكم ولا ينتهي بأحزاب المعارضة. وقد يظن القارئ أن سبب الغموض هو عدم معرفة الناس باسم مرشح المؤتمر أو مرشح أحزاب اللقاء المشترك وظن القارئ صحيح جزئيا فقط وذلك لأن الغموض القائم لا يقتصر على مسألة اسم المرشح بل يمتد إلى الكثير من الجوانب بما في ذلك إمكانية عقد انتخابات رئاسية في ظل وضع أشبه ما يكون بفوضى عارمة في تنظيم وإدارة العملية الانتخابية. سيركز هذا المقال على خيارات الحاكم في الانتخابات القادمة بالنسبة لمسألة واحدة فقط وهي مسألة تحديد المرشح....
تشكل الأزمة
بدأت الإشكالية بالنسبة للحزب الحاكم بإعلان الرئيس في السابع عشر من يوليو 2005 وعلى نحو مفاجئ عزمه عدم الترشح للرئاسة من جديد. فقد دعا الرئيس في خطابه ذلك اليوم القوى السياسية في المؤتمر وأحزاب المعارضة إلى البحث عن كفاءات تقود المسيرة. ولعل ابرز ما جاء في ذلك الخطاب هو النقاط التالية:
1- قول الرئيس: «أنا أولاً لن أرشح نفسي لرئاسة الجمهورية في الدورة الانتخابية القادمة... أن ذلك ليس لضغط أو كلام صحافة بل قناعة، نحن نريد أن نؤسس نموذجا مثلما أسسنا التعددية السياسية وأعدنا تحقيق الوحدة، فنريد أن نعمل على ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة في إطار برامج كل القوى السياسية...».
2- قول الرئيس أيضا: «أنا سأكون راعياً لهذه المسيرة التي أسست بنيانها وثباتها».
3- تمنى الرئيس في خطابه أن تتوفق القوى السياسية في العثور على قيادات شابة للدورة الانتخابية القادمة كون البلاد بحاجة ماسة إلى دماء جديدة (وشابة)... وأضاف الرئيس قائلا: «وليست مثلنا نحن وقد بدأنا نعجز ومازلنا نحكم، فمن اللازم وجود قيادات شابة وطنية متعلمة تقود المسيرة وتتحمل المسؤولية، ونحن إلى جانبها».
4- قول الرئيس: «إذا أنا أمضيت ست سنوات أو سبع سنوات ويأتي البديل الآخر لا يجلس مؤبد كون الناس يملوه، إحنا ملونا ونحن نمل.. هكذا طبيعة الحياة».
5- قول الرئيس: «أنا ملتزم دستورياً أنني ساؤدي واجبي بكل أمانة واخلاص خلال الفترة الرئاسية المتبقية وسأعمل مع كل الشرفاء على سد الثغرات وعلى تجاوز كل السلبيات مع كل المخلصين الشرفاء».
6- تعبير الرئيس عن رغبته في أن يكون نموذجا حيث قال في خطابه: «لم نعمل هذا الحفل لطلب بيعة، نحن نقول نريد ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة لكي نتعلم من بعضنا البعض ونشكل أنموذجاً للعالم الثالث، مثلما شكلنا أنموذجا بإعادة تحقيق الوحدة، فهذا شيء رائع، شكلنا أنموذجا للتعددية السياسية وهذا رائع أيضا، شكلنا أنموذجا لحل مشكلة الحدود مع الجيران بطرق سلمية وهذا شيء جميل، فكيف نتداول السلطة؟» وفي إطار تأكيده على أهمية التداول السلمي للسلطة قال الرئيس: «لماذا قامت الثورات؟.. قامت الثورات لوجود التمسك والتمترس وراء كراسي السلطة».
وقد تحول إعلان الرئيس عزمه على عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة إلى كرة من الثلج تكبر كلما تدحرجت حيث التقطتها وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية وعملت على إخضاعها للنقاش والتحليل. أما أحزاب المعارضة فقد وجدت في إعلان الرئيس حلا لها من أي التزام بدعمه وعمل بعضها على الأقل إلى تحويل خطاب الرئيس إلى التزام منه بعدم الترشح. ورغم ظهور مؤشرات عديدة على تراجع الرئيس عن قراره بعدم الترشح خلال زيارته لليابان وأثناء المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام الا أن الرئيس أعاد وبقوة تأكيد عزمه على عدم الترشح في لقاء مع صحيفة الحياة نشرته في فبراير من العام الماضي.
ويواجه المؤتمر الشعبي العام وهو على أعتاب الاستحقاقات الرئاسية القادمة ثلاثة خيارات صعبة بالنسبة لاختيار مرشحه وهي: ترشيح نجل الرئيس، ترشيح محلل (شخص يتولى الرئاسة صوريا فقط حتى يبلغ العقيد احمد السن القانونية)، وإعادة ترشيح الرئيس نفسه.
ترشيح نجل الرئيس
لا يوجد أدنى شك في أن رئيس الجمهورية قد عمل منذ وقت مبكر وبالتحديد منذ عشر سنوات على: أولا، تهيئة نجله العقيد احمد للسلطة، وثانيا، تهيئة السلطة لأحمد. ومع انه من الصعب الجزم بالسبب الذي جعل الرئيس يبدأ بالتفكير في مسألة توريث «القصر الجمهوري» إلاَّ أن
تلك الأسباب قد ارتبطت بشكل أو بآخر بحرب عام 1994، فالانتصار الذي تم تحقيقه في تلك الحرب على الخصوم السياسيين قد ولد مطالب متزايدة من شركاء الرئيس وحلفائه في تلك الحرب. ويمكن الحديث عن عدة مجموعات تدعي كل منها لعب الدور الرئيسي في حسم المعركة لصالح النظام القائم أو على الأقل المساهمة في الوصول إلى النهاية التي تم الوصول إليها. ولم يقتصر الأمر كما يبدو على التجمع اليمني للإصلاح بتياراته الثلاثة (القبلي، العقائدي، التجاري) و على جناح علي ناصر محمد، بل امتد ليشمل بعض الأطراف الرئيسية في المؤسسة العسكرية. فنصر عام 1994 قد أعطى الكثير من القوى المتحالفة مع الرئيس شرعية جديدة جعلتها تصعد في حجم مطالبها من النظام.
بالنسبة لتهيئة العقيد احمد للسلطة فأبرز الخطوات التي قام بها الرئيس هي ترشيح احمد لعضوية مجلس النواب عن المؤتمر الشعبي العام في عام 1997، ولا بد أن الرئيس حينها قد فكر بان أحسن مدرسة لتخريج قائد سياسي يمتلك قاعدة شعبية مدنية هي مجلس النواب. وبحسب بعض أعضاء مجلس النواب الذين عرفوا احمد من خلال عضويته في المجلس ومشاركته في لجانه فان احمد قد ترك وخلال فترة قصيرة انطباعا جيدا لدى الذين عرفوه... لكن الرئيس سرعان ما غير رأيه بشأن تأهيل احمد عن طريق مجلس النواب... وقرر بدلا عن ذلك تأهيله عن طريق المؤسسة العسكرية.
وقد يعود ذلك إلى أن الرئيس، وفي ظل الطموحات والمطالب المتزايدة للأجنحة المتحالفة معه، قد بدأ ينظر إلى الشرعية في المجتمع اليمني على أنها تستمد من السيطرة على أسباب القوة، والقوة العسكرية بالذات. ولعل الرئيس قد استلهم تجربته الشخصية في ذلك الجانب. ففي الوقت الذي فشل فيه غيره من الرؤساء السابقين في البقاء في الحكم (في الشمال وفي الجنوب على السواء) فانه قد تمكن من الحفاظ على موقعه بفضل سيطرته المحكمة على المؤسسة العسكرية وهي سيطرة ما كان لها أن تتم دون جعل الجيش في أيدي «إخوانه وأبناء منطقته.».
ولعل الرئيس، قد أدرك بذكائه الفطري الذي يتحدث عنه بعض الذين عرفوا الرئيس عن قرب، أن الخطة التي اتبعها في جعل الجيش تحت سيطرة إخوانه وأبناء قريته ستجعل من الصعب على نجله الصعود إلى كرسي الرئاسة أو ممارسة السلطة مهما اكتسب من معارف ومهما توفر له من قاعدة شعبية مدنية. ولا بد أن الرئيس قد اتخذ قراره في تأهيل نجله عن طريق المؤسسة العسكرية مستفيدا من تجارب المرحومين بإذن الله وخصوصا الملك حسين والرئيس حافظ الأسد. ولا بد انه اتخذ قراره في ظل شعور بظهور مؤشرات على وجود منافسين أقوياء لنجله على السلطة في الدائرة العسكرية التي رأت في نصر عام 1994 تأكيدا لدورها وشرعيتها.
وقد عمل الرئيس وبالتزامن مع جهوده المنصبة على تهيئة العقيد احمد لرئاسة اليمن على تهيئة مؤسسة السلطة للعقيد الشاب. وقد تمثلت خطوات الرئيس في ذلك الجانب في العمل على الدفع بالأنساب والأصهار وأبناء سنحان إلى مختلف مؤسسات المجتمع، وفي العمل على السيطرة على القوة الاقتصادية في المجتمع، وفي إعادة بناء الجيش حول نجله. وقد اقتضت عملية تهيئة السلطة لنجل الرئيس إحداث تحولات في المؤسسة العسكرية هدفها إضعاف قبضة أعمام العقيد احمد وتركيز السلطة بيد العقيد الشاب وبيد أبناء عمه الراحل العقيد محمد عبد الله صالح وهم يحيى وطارق وعمار. فجهاز الأمن القومي مثلا وبحسب العديد من المصادر لا يدخله أي شخص الا بتوصية من نجل الرئيس أو من أبناء العقيد الراحل العقيد محمد عبد الله صالح
ويوحي خطاب الرئيس في 17 يوليو 2005 بان الدماء الجديدة والقيادات الشابة الوطنية المتعلمة التي يتحدث عنها هي نجله العقيد احمد و أبناء أخيه الراحل العقيد محمد عبد الله صالح... والملفت هو قول الرئيس وهو يقارن الدماء الجديدة بالقديمة «وليست مثلنا نحن وقد بدأنا نعجز ومازلنا نحكم». ولا يمكن أن يفهم كلام الرئيس هذا سوى انه يعني نجله وأبناء أخيه وأقاربهم وأصدقاءهم. وإذا كان لدى المحلل من شك فان قول الرئيس «ونحن إلى جانبها» لا يدع أي مجال للشك في أن الرئيس إنما يتحدث وان بلغة مبطنة عن نجله وأبناء أخيه لان الرئيس يعرف بالتأكيد أن صعود دماء جديدة غير متصلة به ستعني نهاية دوره.
بالنسبة لانتخابات سبتمبر 2006 فان المؤتمر الشعبي العام سيجد صعوبة بالغة في ترشيح نجل الرئيس. فالأمر يتطلب أولا إجراء تعديل دستوري يخفض سن المرشح لرئاسة الجمهورية بما يتناسب وسن العقيد احمد الذي يعتقد انه لم يصل بعد إلى السن القانونية التي حددها دستور الجمهورية اليمنية في الشخص الراغب في الترشح للرئاسة وهي الأربعون سنة. ورغم أن المؤتمر قد أرسل إلى مجلس النواب طلبا بإجراء تعديلات دستورية لا علاقة لها في الظاهر بمسألة تغيير سن المرشح لرئاسة الجمهورية إلا انه لا يستبعد أن يكون المؤتمر يخطط لتعديل المادة (107) من دستور الجمهورية اليمنية والخاصة بالشروط التي ينبغي توفرها في المرشح لرئاسة الجمهورية والتي تتضمن شرط السن. ومن الملاحظ أن التعديلات التي تم إدخالها على دستور الجمهورية في عام 2001 لم تشترط إجراء استفتاء شعبي عند تعديل المادة (107)، وهو ما يعني انه يمكن لمجلس النواب تعديل المادة بأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء المجلس فتصبح بعد ذلك نافذة. ولا يواجه المؤتمر مشكلة من حيث الحصول على الأغلبية اللازمة لتعديل المادة وهي (225 عضوا). لكنه وبالنظر إلى المدد الزمنية المتبقية فانه سيكون من الصعب على المؤتمر تعديل المادة (107) قبل الانتخابات القادمة الا إذا لجأ إلى استخدام النص الوارد في الدستور والذي يعطي مجلس النواب الحق في التمديد للرئيس لثلاثة أشهر أخرى إذا لم يتم عقد الانتخابات في موعدها.
ولعل العقبة الكبرى التي ستواجه المؤتمر إذا ما فكر في تعديل الدستور تتمثل في موقف المعارضة. فتعديل الدستور يتطلب إجماعاً وطنياً ولا يمكن للمؤتمر الشعبي العام أن يفرض تعديلا على الدستور لا توافق عليه المعارضة. وينطبق نفس الأمر على قيام مجلس النواب بالتمديد للرئيس لمدة ثلاثة أشهر أخرى في حال تعذر عقد الانتخابات في وقتها. وفي حالة أصر المؤتمر على تعديل الدستور بقرار أحادي فان المعارضة لن تجد حرجا في إنزال مرشح قوي ينافس نجل الرئيس، وهو ما يعقد الوضع ولا يساعد على تحقيق الأهداف التي يسعى المؤتمر ورئيسه إلى تحقيقها. وحتى لو وضع الإنسان شرط السن جانبا، فان ترشيح الرئيس لنجله في هذا الظرف بالذات لن يكون الإستراتيجية المثلى لأسباب كثيرة بعضها يتصل بالظروف التي يمر بها التحالف الحاكم والبعض الآخر بظروف المجتمع اليمني والبعض الثالث يتصل بطبيعة الإنسان نفسه، والبعض الرابع في الإشكالية التي أوجدها وضع العقيد احمد كعسكري لا يحق له التحزب. ولا يمكن أن يكون خيار ترشيح نجل الرئيس عمليا الا في ظل توافق وطني وفي مقابل تنازلات يقدمها الحاكم لأحزاب المعارضة وهي تنازلات لا يبدو أن الحاكم مستعدا أو راغبا في تقديمها.
الخيار الصيني
يتمثل الخيار الثاني أمام المؤتمر الشعبي العام فيما يتصل باختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في القيام بإنزال مرشح للرئاسة بخلاف الرئيس شريطة أن يكون ذلك المرشح بعد فوزه مجرد واجهة فقط في حين تكون السلطات الفعلية بيد الرئيس الذي سيحتفظ بقيادته للحزب الحاكم وسيعمل من خلال موقعه ذاك على أن يكون رئيسا لكل رئيس. ويلاحظ أن الدكتور محمد عبد الملك المتوكل عندما تحدث عن هذا السيناريو في مقال له نشر على موقع « نيوز يمن" ثم في صحيفة الوسط قد أثار رد فعل سلطوي غير عادي وصل حد التهديد بالقتل بالسم وهو ما يؤكد أن مقال الدكتور المتوكل لم يكن محض خيال.
وهناك دلائل كثيرة على وجود «الخيار الصيني» على الطاولة ليس من بينها بالطبع زيارة الرئيس إلى الصين في وقت سابق من هذا الشهر. وقد أطلق على هذا الخيار «الخيار الصيني» لتشابهه كثيرا مع أساليب القادة الصينين في نقل السلطة من جيل إلى آخر مع إخضاع الجيل الجديد لفترة تدريب طويلة يتمكن من خلالها المدربون من ممارسة السلطة من خلف ستار. فدنج زيوبنج الذي تولى السلطة في الصين في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وذلك بعد رحيل «ماو" قد حكم الصين في السنوات الأخيرة من عمره دون أن يتولى أي منصب رسمي.
وابرز الدلائل على وجود «الخيار الصيني» هي أن الرئيس، وفي الوقت الذي أعلن عزمه على عدم الترشح للرئاسة، لم يتحدث قط عن تخليه عن رئاسة المؤتمر. وفي المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام الذي عقد في عدن في منتصف ديسمبر الماضي، احتفظ الرئيس لنفسه وبقوة برئاسة المؤتمر الشعبي العام وبشكل يوحي بأنه لن يترك الحزب قط. أما الدليل الثاني على وجود هذا الخيار فهو حرص الرئيس وخلال المؤتمر السابع على انتقاء أعضاء اللجنة العامة في الانتخابات الأخيرة وبطريقة أطاحت بأي شخص يمكن أن يعارض الرئيس في مسألة تحديد المرشح أو يمكن أن ينظر إليه الناس على أنه الأجدر بالنزول باسم المؤتمر.
ويتمثل الدليل الثالث في تعيين باجمال أمينا عاما للمؤتمر وفي تعيين سلطان البركاني أمينا عاما مساعدا لشئون الفكر والثقافة والإعلام (ومؤخرا تم إضافة التوجيه والإرشاد). وبالنظر إلى الدور الذي يقوم به كل من باجمال والبركاني في المرحلة الحالية، فانه من غير المستبعد أن يكون احدهما هو المرشح لتولي الرئاسة صوريا.
والخيار الصيني هو خيار ضعيف (بل وانتحاري) عندما يطبق في بلد كاليمن. فإذا كان الزعماء الصينيون ينظرون إلى مسألة الإكثار من الظهور في التلفزيون وفي المناسبات العامة على أنها أمر ينقص من هيبتهم فان اليمنيين يؤمنون بان «الغائب عن العين غائب عن القلب». ضف إلى ذلك أن السياسة بطبيعتها يستوي فيها الممثل بمن يتم تمثيله. بل أن السياسة نفسها هي نوع من أنواع التمثيل.
خيار ترشيح الرئيس
من الصعب التفكير بالمؤتمر الشعبي العام بمعزل عن مؤسسه ورئيسه وراعيه وهو رئيس الجمهورية. وبالرغم من انه يتم الحديث عن المؤتمر الشعبي العام كحزب الا انه في الواقع ليس أكثر من تجمع لمؤيدي الرئيس سواء في السلطة أو خارجها. ولقد كان الأستاذ طارق الشامي رئيس الدائرة الإعلامية بالمؤتمر الشعبي العام محقا عندما صرح مطلع هذا الأسبوع بان المؤتمر لن يشارك بمرشح في الانتخابات القادمة إذا رفض الرئيس ترشيح نفسه. فالمؤتمر يمكن تعريفه وبدون مبالغة بأنه «حزب الرئيس بالرئيس وللرئيس».
وبالنسبة للرئيس فان ما يحول بينه وبين الترشح للرئاسة ليس ما أعلنه في يوليو من العام الماضي ثم أكده في مناسبات أخرى من انه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة. ما يحول بين الرئيس وبين الترشح هو الرئيس نفسه. فأي متأمل لخطاب الرئيس الذي ألقاه في يوليو الماضي سيلاحظ أن الخطاب ذاته كان صادق المضمون ولكنه وكما قال الرئيس السابق علي ناصر محمد «صعب التطبيق». فالرئيس كما يبدو وكما يستدل على ذلك من خطاباته ومن الطريقة التي يدير بها الأمور قد وصل إلى مرحلة من الملل بعد سنوات من الإرهاق الشديد. ويرجع الإرهاق الشديد الذي لحق بالرئيس إلى الكيفية التي تطورت بها الأمور والى تركيز السلطة بعد السلطة في القصر الجمهوري وبشكل أصبح فيه الخلاف بين وزيرين حول مبنى يتصعد حتى يصل إلى مكتب الرئيس ليتولى حله بنفسه. وإذا كان الرئيس يشعر بالتعب والإرهاق ولم يعد متحمسا للوظيفة التي مارسها لمدة سبعة وعشرين عاما فانه ولظروف موضوعية لن يجد بديلا سوى الترشح من جديد.
وسيكون التحدي الكبير أمام الرئيس هو أن ينجح في تحقيق هدفين في نفس الوقت: الأول حرمان المعارضة من تحقيق أي من مطالبها التي وضعتها على الطاولة، والثاني إقناع المعارضة ليس فقط بالمشاركة في الانتخابات ولكن أيضا بالقبول بنتائجها. وسيواجه الرئيس صعوبة بالغة في تحقيق الهدفين معا، ذلك لأن المعارضة تنظر إلى ما سيحدث في سبتمبر على انه المؤشر على ما سيحدث في المستقبل. كما تنظر إلى مشاركتها في الانتخابات القادمة وقبولها بنتائجها على انه قبول ضمني بالتقسيم القائم للسلطة والثروة والقوة وتثبيت لذلك التقسيم وإعطائه الشرعية، وبالتالي قبول الوضع القائم بكل علاته.