الاعراس والزواج عند سكان عدن وضواحيها
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
السبت 18 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:13 م

مارب برس - أحمد حسن عقربي

لا شك أن طبيعة الأرض وتضاريسها وخيراتها وانبساطها تحدد طبيعة المكون الثقافي والتاريخي لأي شعب أو أمة أو جماعة، مما يعكس ذلك على حياة الناس ومعيشتهم وطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم وفلكلورهم الشعبي بمختلف طقوسه وعاداته. ومن بين هذه العادات والتقاليد القديمة تقاليد الأعراس والزواج الأصيلة لدى تلك المجتمعات في شكل جماعات أو فصائل أو شعوب.

 

في هذا المجال اخترنا طقوس واحتفالات وتقاليد الأجداد اليمنيين بالأعراس والزواج، في ضواحي عدن الأصيلة والتاريخية، والتي تمثل نسيجا اجتماعيا أساسيا في تركيبة المجتمع العدني في مناطق "العقارب" و"المصاعة" والبدو الرحل القاطنين في مناطق بير أحمد والحسوة والمهرام والرباط ودار منصور والمصعبين والشيخ الدويل، إلى جانب الصيادين في قرى الخيسة وفقم وعمران فضلا عن مدن عدن الرئيسية الغنية بعاداتها وتقاليدها المتنوعة في هذا المجال.

بادئ ذي بدء تجسد العائلة في المجتمع اليمني القديم في تلك المناطق النواة الأساسية في كل تشكيل اجتماعي. وهكذا اعتبرت الحياة الاجتماعية بدون عائلة لدى قبائل وبدو وصيادي وهذه المناطق لا طعم لها، وهكذا كان الشاب الذي يبلغ سن الزواج يتم استشارته في أمر زواجه من فتاة تناسبه وتناسب أهله، بل يصبح هذا الشاب إن لم ينخرط في مؤسسة الزواج فرداً منعزلاً لا قيمة له، وتصبح أهميته ثانوية ولا يتم الاعتراف به إلا بعد الزواج. وأصبحت العائلة في المجتمع السكاني القديم في ضواحي عدن هي العنصر الأساسي والحيوي للحياة الاجتماعية، سواء في المجتمع الريفي أو البدوي أو الساحلي أو حتى الحضر داخل مدينة عدن وهو السبيل إلى حركته وديناميكيته.

مراحل تكوين العائلة

وكان يمر تكوين العائلة عبر مؤسسة الزواج التي تخضع لآليات وميكانيزمات تعطيه تميزا ينفرد به المجتمع في تلك المناطق القديمة التاريخية بضواحي عدن، وإن كان في كثير من أبعاده يتقاطع مع نمط الزواج السائد في مناطق أخرى كالمجتمع اليمني في لحج. وهكذا نجد أنفسنا أمام مجموعة من التساؤلات حول ممارسة طقوس الزواج، مثلا في منطقة "العقارب" والمناطق الريفية والساحلية المجاورة لها، فكيف يتم الزواج لدى هؤلاء السكان؟ ما هي الأشواط التي يمر عبرها؟ كيف تتم الخطبة؟ ما هي آلياتها؟ وما هي مستلزمات العرس؟

قبل التطرق للتساؤلات الآنفة الذكر لا بد أن نضع إطارا جغرافيا وطبيعيا لسكان عدن القدماء في تلك المناطق التاريخية؛ إذ أن الحديث عن تقاليد الزواج وطرحه موضوعا للبحث لا يجب النظر إليه كثقافة طوباوية أو كفلكلور؛ لأن ما تعانيه تقاليد الزواج القديمة لدى اليمنيين من سكان عدن القدماء وما تتعرض له من انقراض يدفعنا إلى ضرورة الحفاظ عليه وتوثيقه عبر الإذاعة والتلفزيون والفضائية اليمنية وجامعة عدن والمراكز البحثية ولدى المهتمين بالأدب الشعبي والشفوي على وجه الخصوص، وأن تضخم المسكوت عنه من منطلق الزواج وهو في حد ذاته ليس أداة من أدوات الترفية الاجتماعي فحسب، ولكنه قبل ذلك وسيلة للتواصل الاجتماعي وقناة من قنوات التلاقي والتبادل، فلا تلامس أثرا للتفاوت الاجتماعي ولا يلزم طبقة دون أخرى، بل الكل يذوب ضمن نسيج اجتماعي متكامل يظهر في شكل لوحة فسيفسائية تستقطب الوافد من المدينة لينصهر ضمن هذه اللوحة.

 

هذا التساؤل يمر بنا إلى المراحل التي يمر بها الزواج لدى سكان عدن القدماء في ضواحي عدن ويجرنا إلى البحث عن الآليات والإجراءات المتخذة في تقاليد الزواج. ولذلك يمكننا تقييم مراحل الزواج حسب التالي: ما قبل الخطبة، الخطوبة الأولى، الخطوبة الثانية (العقد، تحديد المهر وتحرير عقد الزواج والدفع، الزقرة، حنا العروس، واليوم الثاني الدخلة واليوم السابع)... طبعا يسبق طقوس العرس مخدرة للرجال.

ووفقا لعرف ما قبل الخطبة فإن زواج الشاب من فتاة يمر عبر عائلته عامة ووالديه بدرجة خاصة وأمه على وجه أخص، ويعني بذلك وصول الشاب مرحلة البلوغ بحسب الثقافة الشعبية لسكان تلك المناطق الريفية في ضواحي عدن أي بما معناه قدرة الشاب والفتاة على تحمل مسؤولية إدارة البيت، حتى وإن كانت العملية من تصميم الكبار، وهو ما يعني تأهيله أو البحث له عن فتاة تخلف له ذرية للحفاظ على استمرارية الدم واللقب العائلي.

وهكذا تشرع أم العريس في عملية البحث عروسة ابنها دون علم منه وبتنسيق مع والده، مستعملة في ذلك جميع الأساليب. وفي كل المناسبات تلجأ الأم إلى التشاور مع صديقات لها تثق بهن لأجل تعيين فتاة من القبيلة أو العائلة. وبمجرد أن تقع عينها على إحداهن ترسل في هذا الشأن رسولا وقد يكون امرأة في سنها وخبيرة بشؤون النساء لتعقب خطاها ومراقبتها على مستوى قوة التحمل وبعض المقاييس المتعارف عليها. ولذلك فالأم لا تقوم بهذه الخطوة إلا بعد استئذان زوجها وأخذ موافقته، فإذا اعترض على ذلك يتم غض الطرف عن الفتاة المعينة ويتم استبدالها بفتاة أخرى تليق بمقام العائلة الخاطبة. وغالبا ما يتم اختيار الخطيبة وفقا لمعايير اجتماعية متداولة بحيث لا تستطيع العائلة الباحثة عن زوجة لابنها التقدم إلى عائلة أخرى ليست في مستواها الاجتماعي من حيث الوجاهة والمكانة الاجتماعية الرمزية لطلب ابنتها خشية رفضها مما يجعلها تبحث عن العائلة الأنسب لها اجتماعيا.

دور الأم

وقد يحدث أن يلفت نظر الأم فتاة في إحدى المناسبات الاحتفالية فيثيرها من حيث المعايير الجمالية، الخد، الشعر، جمال العينين... وتناقش المقترح مع زوجها لتطلب من إحدى صديقاتها التوجه إلى عائلتها لمراقبتها على مستويات أخرى كالخبرة في اللباقة والخدمة المنزلية والاحتشام... ويحصل هذا دون إشعارها أو عائلتها بذلك.

تعود هذه المرأة، وتدعى "المكدية"، بالجواب على طلب والدة الشاب، بالإيجاب، فتخبر زوجها بذلك ثم يحددان يوما للذهاب إلى عائلة الزوجة بعد إعلامها بذلك. وبمجرد أن يقتنع الأب ورب العائلة بالفتاة المقترحة من طرف زوجته ويقبل بها حيث الوصف المقدم له عنها تقوم الأم بالخطوبة الأولى حيث تطلب من بعض جاراتها أو قريبات الابن كالعمة والخالة حسب الاستعداد للتوجه إلى عائلة الفتاة لتطلعها بشأن الزيارة، وما إن يصلن ويتم الترحيب بهن فتتقدم إحداهن لإطلاع أم الفتاة بمقصود الزيارة بعد تناول كوب القهوة "المزغول" أو الشاي يتخلله حديث عن قضايا نسائية مرتبطة عادة بالشغل والأتعاب المنزلية. وقد يكون العريس في هذا الأثناء على علم بما يجري، وشيء طبيعي ألا تقدم الأم الجواب النهائي وتطلب من ضيفاتها مهلة للتشاور مع زوجها وهي في العادة إشارة أولى لقبول الفكرة دون الحسم النهائي فيها.

خلال هذه الفترة التي تمكثها أم العريس عند عائلة الفتاة وعادة ما تكون في المساء، تحاول قدر الإمكان لمح الفتاة التي جعلتها حشمتها ألا تجاريهن في تبادل أطراف الحديث أو شرب الشاي. إذ إن القواعد الاجتماعية كانت تفرض على الفتاة عدم الظهور للائي يقدمن لخطوبتها انسجاما مع اللياقة والأعراف.

  

حذر المخطوبة

ومع أن الفتاة دائما تمارس نوعا من الحذر والاحتراز حتى لا تكون عرضة للأعين التي تتربص بها، فإن إحدى الخاطبات -قد تكون الأم- تطلب رؤيتها فتنادي عليها أمها للمجيء للسلام على الحاضرات، وتظهر حينذاك علامات الرضا والقبول على استقبال الخاطبات خاصة أم العريس، إذ بمجرد أن تسلم عليهن حتى يرافق ذلك من قبلهن ترديد عبارات "ما شاء الله، يعمي عين الشيطان...".

وتنتهي الزيارة الأولى بالاتفاق بين النساء على ضرورة الإسراع بالرد وبتوديع كل منهن وتوجيه الدعاء لله لتحقيق مقصودهن. تعود النساء إلى حالتهن وتصل الأم إلى بيتها وتقدم نتيجة زيارتها إلى زوجها وربما إلى ابنها كذلك، ثم يصل المدعو المتفق عليه من طرف الخاطبات وأم الفتاة فتقوم أم الشاب بزيارة ثانية إليها لاستقصاء الخبر النهائي، فإذا حصل الاتفاق والقبول صرحت لها بذلك، وإذا كان العكس فالرفض يتم بلباقة وأدب على شاكلة أن أباها مازال يفكر في الأمر أو أن الفتاة مازالت مترددة، إلى غير ذلك من أشكال الرفض المهذب. ثم تستقبل الأم الخاطبة من جديد من طرف عائلة الفتاة، وهذه المرة قد تكون لوحدها ولا تنتظر كثيرا لتلقي الخبر، إذ تزف لها أم الفتاة أن ابنتها لابنها وتدعو لها بالكمال ثم تنهيان الحديث المصحوب بالشاي والقهوة في وقت وجيز ويطلب من الأم الخاطبة أن تجعل الفتاة في مكانة أولادها. ثم تنصرف الأم الخاطبة إلى حالها بعد أن ودعت الفتاة وأمها، مؤكدة رغبتها الجامحة في الفتاة، وتنقل الخبر إلى زوجها وإلى ابنها إذا تم إقحامه في الأمر. تقف هنا مساعي الأم الخاطبة لتفسح المجال للآباء للتداول في الأمور الصعبة بدءاً بالخطبة الرسمية ثم تحديد الموعد لمناقشة حيثيات أمر الزواج وتحديد الوقت المناسب لزيارتهم. وحينما يجيء موعد الذهاب يحمل الأب معه مستلزمات الخطبة الرسمية من ألبسة وقد تكون ألبسة واحدة مع كيس من حلويات "المضروب الوهطي" و"المشبك" الحلو، فتكون هذه الهدية رمزية؛ لأنها تقتصر على والدي الابن وأحد أقربائه فتتم الجلسة الأولى الرسمية بين العائلتين ويكون موضوع الحديث محدودا نسبيا مرتبطا بالحياة اليومية إلى حين الانتهاء من وجبة الغداء ليتم الاتفاق على موعد العقد (الخطبة الثانية).

ماذا يجري في الخطبة الثانية؟

الخطبة الثانية هي العملية التي تقصد فيها العائلة الخاطبة بيت العروس بشكل رسمي وأمام الملأ، فإذا كانت الخطبة الأولى تتم بنوع من السرية تفاديا لأقاويل الناس والنميمة في هذه العائلة أو تلك، فإنها الآن تتم علانية يصطحب فيها أهل العريس مجموعة من ذوي القرابة والجيران بعد أن تخبر عائلة الفتاة باليوم، ويتفق الرجال مع والد العروسة على تزويجها لولدهم ويبلغ والد العروسة زوجته دون علم ابنتهم التي تكون فيما بعد تحت رحمة زميلاتها اللواتي يبلغنها خبر خطوبتها وتعود باكية إلى والدتها التي تقول لها إن الكلام كذب. ثم تقوم عائلة الشاب بإحضار جميع مستلزمات الخطوبة بدءا بالذبيحة (كبش) وكل المستلزمات من توابل وأرز وبطاط وغيرها وبعض الهدايا الخاصة بالفتاة. وهكذا تتوجه العائلة نحو بيت أهل الفتاة صباحا حيث تجد في استقبالها أب الفتاة وأبناءه الكبار في حالة تواجدهم وعمهم وخالها وبعض الجيران... وبمجرد وصولها يرحب بها أهل العروسة ويتم إدخال المستلزمات السابق ذكرها إلى البيت، أما الذبيحة فعلى التو يتم ذبحها وهو إعلان رسمي في ثقافة القبائل والبدو من سكان عدن القدماء في مناطق العقارب والحسوة والمناطق المجاور لها عن المصاهرة بين العائلتين.

وهنا ينشغل الضيوف بتبادل الآراء والأحاديث حول قضايا ومشاكل الحياة الزراعية في المنطقة ومشاكل المراعي والبدو فيتحول مشهد الاستعداد للعرس إلى مشهد اجتماعي تطرح فيه حاجات القبيلة من ماء وأرض أو مراع، وهكذا يصبح الزواج عند هؤلاء الناس ليس فقط مصاهرة عائلتين وإنما قناة من قنوات التواصل الاجتماعي.

في هذه الأثناء تكون النساء من جهتهن وفي أماكن إقامتهن يتداولن في أمور نسائية منتظرات وجبة الغذاء لينصرف الحاضرون كل حال إلى سبيله باستثناء أهل العروسة والعريس بدرجة أخص الوالدين حيث يتم البت في الدفع وتحرير العقد والمهر بحضور القاضي ووالدي العروسين ومجموعة من أقاربهما والأهل... ومن مرسم العقد يطلق مرافقو العريس ثلاث طلقات من الرصاص ويرد عليها أقارب العروسة بطلقة نارية في الهواء فقط، ثم يتم استقبالهم لإجراء مراسم العقد في بيت العروس وهكذا يتفضل أهل العريس في مراسم العقد بتسليم ما تم الاتفاق عليه من دفع المبلغ المالي وهدايا للعروس ستحتاجها ليلة "حنا العروس". تسلم كل هذه الحاجات في جو فلكلوري ويتم الالتقاء في منزل أهل العروس ثم يتم تحرير العقد بحضور والدي الزوجين والقاضي والشاهدين. ويقرأ على مسامعهم تفاصيل العقد بعد اطلاعهم على مضمونه وهو اليوم الذي يحس فيه العروسان بالفعل أنهما بدآ ارتباطا بالنسبة للعائلتين وانصهرتا في قرابة دموية.

بدء مراحل الزواج

تبدأ مرحلة العرس بعد صلاة الفجر ويسمى "الزقرة" حيث تقوم امرأة تسمى "الماشطة" بتحجيب العروسة بفوطة حرير كانت تسمى حينها "مسعيدون" تغطيها من رأسها إلى قدميها، وفوطة أخرى من القماش تربطها حاجز بين العروسة والأخريات اللاتي يحضرن للمشاركة في هذا اليوم. وتعتبر "الحجبة" أو "الكلفاسة" أول مراسيم هذا العرس وتستمر النساء بالزغاريد أو "الإحجار" والفرح إلى وقت الظهر وهو ما يسمى "العفصة" حيث يتم إعداد وجبة "العُشر" أو "المقرمش" ويقدمونه بعد قليه بالزيت للحاضرات في حفل "المحجبة" مصحوبا بـ"الشتني" المخلل بخل الحسوة أو السكر. وبعد الظهيرة يتم تناول وجبة الزربيان والعصيد مع العسل والسمن. كما يتم وضع إناء معدني كروي الشكل يسمى "الطاسة" تضع فيه المدعوات من النساء في مراسيم "التحجية" مبالغ مالية بسيطة تتراوح بين "الباولة" ونصف روبية، تجمع فيما بعد لصالح أحد أولياء الله الصالحين الذي تعتقد فيه عائلة العروسة ويتم أيضا إعطاء والدة العروسة "النقط" (النقود) لمساعدتها في تكاليف الزواج.

دفع العروس

أما عماذا يتكون دفع العروسة، فكان يشمل "الصولي" الأحمر إلى جانب "الوزق" الذهبية و"درع" كان حينها يسمى "الكرب" الأخضر و"المقرمة" الدورية و"المقارم" الكشمير والتي تكون إلزامية لكل عروسة. ويضيف المقتدرون دروعا أخرى تسمى "السهرة" وهي من الدروع الغالية إلى جانب دروع أخرى. أما الذهب فيشترى للعروسة "وزق الجمك" الذهبية إلى جانب عقد أو سلسين ذهبيين وخاتم ذهبي هذا إذا كان الدفع كثيرا.

ويعد عصر يوم "التحجية" أو "الزقرة" تزين "الماشطة" العروسة بوضع الطيب على شعرها وتضفره وتخلط معه المشموم والكاذي و"تعرفصها" بالزباد فتضع على حاجبيها خطا منه الزباد ذي الرائحة العطرة ويلصقون به بين الحاجبين ثم يلبسونها "الصولي" الأحمر ومن فوقه "الكرب" الأخضر و"المقرمة" الدورية على رأسها علما أن العروسة تظل في "قعادة التحجية" لم يرها أحد لمدة يوم، وفي اليوم الثاني تقيم أم العروسة حفل غداء للنساء تدعو فيه الأهل والأقارب والمعارف وصديقات العروسة. ثم يأتي وقت الخضوع لفلكلور الرقص الشعبي مثل رقصة "الميحة" مع أغنية المغنية والطبالات وتجاريها أغنية "شراحي" كيف سمعوا الأوصاف، وكذلك رقصة "المركح النعشة" ومعظم الأغاني التي يرقصون عليها هي من أغاني فلكلور الزواج اللحجي على أنغام الهاجر والطبول والمراويس من قبل فرقة الغناء والطرب النسائي التي كانت حينها تسمى طبالات فرقة المزماز النسائية التاريخية والفلكلورية المعروفة في مدينة الشيخ عثمان وعدن وضواحيها ويستمر الحفل حتى بعد صلاة العشاء.

ماذا يجري في ليلة حنا العروس؟

المهم في كل هذا أن فترة قبل العرس أو الدخلة تمتد من يوم "الزقرة" حتى يوم العرس وخلالها تقام ليلة الحنا لكل من العروس والعريس إضافة إلى عملية إلباس العريس وليلة عرس العروس وانتهاء بليلة الدخلة وهي الليلة التي تذهب فيها العروسة إلى البيت الزوجية. أما كيف تقام ليلة حنا العروسة فإنها تقوم وفق قواعد ومعايير اجتماعية مضبوطة وهكذا حينما تكون هذه العملية تقام خلال يوم الدخلة أي بعد إلباس العريس لباس العرس الخاص وتوجه أهل العريس مع فرقة الطاسة والمزمار الفلكلورية للاحتفال معها بليلتها ويجدون في انتظارهم أهل العروسة.

وفي هذه الليلة تعمل أم العروس على إحضار طبق يحتوي على حنا وبيض وقالب سكر والكحل والخاتم الفضي ويشرعون في إقامة الحناء وتعمد إحدى الفتيات إلى تزيين يدي العروسة ورجليها في حين بعض صديقاتها يمازحنها بقبصها بأظافرهن استعدادا ليوم الدخلة وترافق هذه العملية المحجرة (الزغرودة) ودق الطبول والهاجر من قبل الطبالات تصاحبهن أغاني الحناء التراثية مصحوبة بأهازيج نسائية حيث تعمد بعض الشابات في إطار الابتهاج بتقطيع "مصر" والدة العروسة مرددات عبارة: "يا أم العروس سرنا بسرورك.. يا أم العروس قطعنا مصرك". يتوقف بعدها الطبل والرقص والغناء ويصمت الجميع وتقوم واحدة من كبار السن أو عاقلة القوم في أهل العروسة تبدأ بالبسملة وتقول: "بدأنا بذكر الله وبالصلاة على النبي محمد صلى لله عليه وسلم.. قوموا يا الأهل نحو العروسة". وفي طقوس الحناء يقدم الأهالي والأقارب والصديقات الهدايا للعروسة.

كيف تتم مراسم الحناء والغسل للعريس؟

يؤتى بالعريس بعد أن اغتسل إلى وسط الجمع من الفتيان والرجال والأطفال من أقرباء العريس وأصدقائه. وفي هذه اللحظة يكون هناك فضاء فسيح يتوسطه كرسي مخصص للعريس للجلوس عليه وأمامه طيف يشتمل على قالب سكر وبيضتين ويكون جسمه عاريا سوى من الفوطة التي تستره ثم يتم غسله بالماء المخلوط بالغسل والحناء ويرددون أصوات حول العريس ثم يرددون: "واعالم حنا واعالم حنا..."، ويختتمون الغناء بقولهم: "حنوا لابننا وابن سيدنا"، فيقوم الشباب بوضع الغسل والحناء على رأسه ووجهه وجسمه ويصبون الماء عليه في حين يتجرأ البعض من الشباب في إطار الممازحة بخدش ظهر العريس بأظافرهم بشكل خفيف اعتقادا بتهيئته لليلة الدخلة وهو بنفسية مرتاحة ويكون الكل مغمورا بالفرح والابتهاج وبعدها يظهر العريس في أبهى حلته حيث لا شيء يعلو فوق كلمته أنه سلطان بالفعل يأمر ولا يؤمر. وما إن يتم الانتهاء من عملية الإلباس حتى يشرع الناس بالتوجه إلى مائدة غداء الزربيان.

"المخدرة" شكل من أشكال التعاون

قبل ليلة الدخلة بأسابيع ينظم أهالي العريس حفل زواج يسمى "المخدرة". ومن تقاليد "المخدرة" أن الكل يتعاون مع العريس بدءا بجمع الوسائد لـ"المتاكي" من قبل الأهالي بمستوى الحارات ويقوم الأطفال بكتابة اسم مالكي هذه الوسائد التي تطوعوا بها لإحياء حفل "المخدرة" ثم يتم إعادتها بدون مقابل إلى جانب الكيزان التي تحفظ الماء "المكبي" التي توزع على المدعوين المخزنين في "المخدرة" في حين يتطوع عدد من البيوت المتعاونة بتوفير خبز "الموفى" ونقله إلى منزل العريس خاصة خلال الأيام الثلاثة التي تسبق "المخدرة" ويتم فيه الاحتفال بالرقص والطبل والمزمار من قبل أهالي القرية والقرى المجاورة الذين يشتركون في رقصة "الركلة" في حين يتطوع بيوت خاصة لتوفير "دسوت" الطباخة وأدوات الطباخة مجانا لمساعدة العروس، بل إن بعض النساء المعروفات يتعاون في الأعراس بالتطوع بالمجان في طباخة غذاء الزربيان الذي يقدم للمدعوين وكل أمور الزواج كانت تتم ببساطة وتعاون الجميع دون تكلف وفي إطار التكافل والتعاون الاجتماعي.

وفي "المخدرة" يكون لبس العروس العمامة الحرير على رأسه والكوت والقميص وبجانبه والده. و"النقط" والورد من عادات "المخدرة" التي تكاد تكون قد انقرضت، كان يوجد واحد كبير السن يسمى "المعدرس" يستقبل الوافدين قبل "النقط" برشهم بمياه الورد مرددا: عروسان، عروس، عروس، مرحبا وسهلا... وهناك مجموعة من الشباب يستقبلون المدعوين بالترحيب والتسهيل ويقربون لهم كيزان الماء المبخر تستمر حتى ما بعد فجر الصباح، وبعدها يكملون مراسم السمرة بالاصطفاف في دائرة ووسطهم الفنانون المغنون والطبالون والمزمرون والأيدي المتشابكة يرقصون رقصة "واعالم حناء.. واعالم حناء.. و"نجيم الصباح .. جالس على الورد والحناء.. واللي ما يحني حنوله".

بعد ذلك تكتمل مراسم سمرة "المخدرة" بذهاب كل إلى منزله للنوم بعد سهرة طويلة مملوءة بالبهجة والفرح وأغاني المطرب المشدية والراقصة ومع رقصات الشرح اللحجي. وكل ما تهدف إليه "المخدرة" هو خلق التعارف بين الناس ومساعدة العريس للحد من تكاليف الزواج إلى جانب الترفيه على النفس والتعرف على ألوان الفلكلور الشعبي في تقاليد وطقوس الزواج بالنسبة للأجيال. كما كان يوجد قرب مدخل "المخدرة" موقد للنار والجمر يحتمي الأطفال حوله من البرد أثناء فصل الشتاء.

مراسيم ليلة الدخلة

في ليلة الدخلة قبلما يروح العريس بالعروسة تشرع المغنية والطبالة قائدة الفرقة الفلكلورية النسائية الشعبية بتوجيه رسالة استهلالية قبل البدء بالزفاف إلى بقية الطبالات عضوات الفرقة من قارعات الطبول والهواجر والمراويس للبدء بأغنية الزفاف وترديدها من قبل عضوات الفرقة وسط زغردة النساء وأهازيجهن التي تلفظ جهرا على مسامع الحاضرات. وبمجرد تمكن شاعرة ومغنية الفرقة من توجيه هذه الرسالة لعضوات الفرقة تبدأ فرقة الطبول في إعداد عدتها وهي تسخين الطبول إيذانا بالزفة واستمرار الفرحة بالغناء والرقص والزغاريد ورمي الورود والفل والكاذي على العروسة حتى يأتي موكب العريس لأخذ زوجته بعد صلاة العشاء.

وفي يوم الدخلة يأتي العريس مع موكبه لابسا العمامة الحرير والكوت السوت والمعوز المسيعدون من الحرير والمحقى الذي يربط الجنبية التي يختصرها العريس في خصره إلى جانب السيف المعلق على كتفه يصاحبه والده أو كبير القوم في العائلة أو القبيلة أو أحد الوجهاء أو من السادة مع أقاربه وأهله أو المدعوين من حارته أو قريته إذا كانت بعيدة عن قرية العروسة. وكان في القديم لا توجد سيارات لنقل أفراد الموكب أو العروس حيث كان الجميع يأتون على الأقدام ماعدا العريس الذي يكون راكبا الهودج على ظهر الجمل. ويسير موكب العريس حتى يصل إلى مسافة قريبة من موكب العروسة المستقبل لموكب العريس ويكون في مقدمة موكب العروسة المستقبل والد العروسة وإخوانها وأعمامها وأخوالها وأقاربهم وعلى مسافة قريبة من الموكبين يتقدم أحد الوجهاء من موكب العريس ويقول مخاطبا موكب العروسة: "السلام عليكم" ويطلق موكبه طلقة رصاص واحدة فيرد عليه كبير القوم في عائلة العروسة بالرد على السلام بقوله: "السلام عليكم، تفضلوا" ويرد موكب العروسة على موكب العريس بطلقة رصاص واحدة فقط. ومن عادات وتقاليد الزواج أنه إذا لم يقل كبير القوم في موكب العروسة في رده على سلام عاقل موكب العريس بكلمة "تفضلوا" بعد الرد على السلام يكون هناك هرج ومرج والتباس وسوء تفاهم يكاد يفشل العرس لولا تدخل العقلاء واللجوء إلى التحكيم القبلي العرفي وفض مثل هذا الخلاف بين أهالي العروسين في مثل هذه الحالات. وكذلك الأمر بالنسبة لطلقات الرصاص إذا لم يتفق موكب العروس أو العروسة بعدد طلقات رصاص التحية، فإذا أطلق موكب العريس طلقة رصاص واحدة ورد عليه موكب العروسة بطلقتين يقع سوء تفاهم ويتدخل العقلاء لفض هذا التشاجر وهذا الالتباس.

مراسيم استقبال موكب العريس

بعد أن يصل موكب العريس إلى منزل العروسة يتم التصافح وترديد عبارات الترحيب والتبريكات للعريس يتم تقديم القهوة المزغول والشراب والماء لمن صاحبوا موكب العريس من أهالي العروسة وأقاربهم وفي هذه اللحظة يحضر العريس وأحد الوجهاء وبعض من أقارب العريس ويكون عددهم لا يتجاوز 4 أشخاص ينتظرون في حوش منزل العروسة أو ما يسمى بـ"الدكة" ويجدون أمامهم طاولة عليها إناء كبير معدني يسمى "الطاسة" فيضع فيها العريس وأقاربه وأصدقاؤه المصاحبون له بعض نقود في الإناء تجمع فيما بعد وتعطى لـ"الماشطة".

بعدها يأذن والد العروسة للعريس بالدخول إلى العروسة وحولها تتجمع الدعوات وسط الزغردة وقرع الطبول وأغاني الزفة فيقوم العريس بمسح جبين العروسة بيده وهي مغطاة الوجه ثم يعود خارجا بخطوات ويداه إلى الوراء دون أن يلتفت وإذا لم يعد إلى الوراء بحسب التقاليد ويسير ملتويا وراء العروسة يغضب أهالي العروسة، معتقدين أن ذلك ينبئ بأمر غير مستحب في الحياة الزوجية كعدم الانسجام أو عدم الوئام. ولهذا يخطو العريس مباشرة بعد عملية مسح الوجه إلى الوراء بعد ذلك تقوم العروسة بلبس "الشيذر الستيم" الأسود وتذهب بصحبة الماشطة تؤخذ أشياؤها معها المتمثلة في فراش من القطن الناعم ووسادة من الكتان ومشجب وصحن و4 أكواب من الطين المحروق والخزف أو الزجاج وصندوق خشبي فيه دروعها وخمرتها من البخور والعود والزباد والعطور في جانبي الصندوق بالإضافة إلى الحناء والغسل وزيت النارجيل الخاص بدهن شعرها ويحملها زوجها معه راكبين في هودج على ظهر الجمل ومعه موكبه من الأهل والأقارب والأصدقاء يمشون سيرا على الأقدام حتى يصل العريس وعروسه إلى منزلهما أو إلى منطقته ترافقه "المارية" و"الماشطة" التي تقوم بتغيير ملابس العروسة وتجهيزها في منزل زوجها ليلة الدخلة. أما "المارية" فتغادر المنزل في الصباح مع "الصبحية" التي يدفعها العريس تتراوح بين العشر روبيات إلى 30 روبية بحسب شرع وكرم ومقدرة العريس. وآخر المشهد يغلب عليه الحزن من جهة أهل العروسة والابتهاج من جهة أهل العريس حيث تلاحظ الدموع وهي تنهمر على خدي العروس ومعها كل عاطفة هنية وفي هذه الأثناء لا تبخل الأم على ابنتها بالنصائح والوصايا والنواهي وكيفية التصرف خلال ليلة الدخلة بشكل خاص، تقوم بذلك في وضعية حزينة لأنها ستفترق عنها إحدى فتياتها. أما الأب فقد يكون منزويا في إحدى الزوايا كأنه لم يتأثر بفراق ابنته عنه وإن كان في العمق يعاني من ذلك خاصة إذا كانت الفتاة الوحيدة وهي التي تقوم مقام أمها في الإعداد السيكولوجي لراحة الأب ومساعدته في المواقف الصعبة هذا دون استحضار الميل الوجداني للأب تجاه ابنته أو هذه الأخيرة إزاء أبيها.

كيف تستقبل عائلة العريس العروسة؟

وبمجرد وصول موكب العروسين ينزل العريس من الناقة ويتقدم إلى الناقة التي امتطت العروسة ثم يمر تحتها وبين قدميها تتبعه أخته وهي إشارة إلى أن أهل العريس لن يؤذوها وهم في خدمتها وستكون محط اهتمام هؤلاء وواحدة من بين أفراد العائلة.

عند عتبة منزل العريس يذبح أحد الخرفان ويسيل الدم وتقدم لهما أم العريس أناء مملوءا بلبن الإبل أو الغنم عند البدوي فيشربانه إشارة إلى التفاهم والانسجام ودرء كل خلاف. ثم يتقدم العريس بعد ذلك لتوزيع "المشبك" والكعك من صحن كبير يقدم عندما تقترب على عتبة المنزل ويتم التوزيع على الحاضرين والحاضرات من المتزوجين والشابات العازبات اللواتي يطلبن الدعاء من الأولياء المعتقدين فيهم بالظفر بابن الحلال.

مراسيم القطع

بعد 3 أيام أو 8 أيام عند البعض تقام مراسم حفل القطع وفيه تنقش العروسة بنقشة سيف الدولة بالخضاب الأسود وتلجم برسم خط من تحت الأذنين أسفل الخد من الأذن اليمني مرورا بالفكين للعروسة إلى الأذن اليسرى وتمشط لها "الحاربة" شعرها وتضع فوق رأسها المشموم والكاذي والطيب والزباد. ثم تلبس العروسة المخمل المتلل وعلى رأسها المقرمة المزينة بالفل والمنديل (أو المصر المتلل على رأسها). وتحضر العروسة يوم الصبحية إلى بعد صلاة العشاء حيث تنتهي مراسم الزواج بمغادرة جميع المدعوات منزل العريس وتبدأ بعد ذلك الحياة الزوجية بحلاوتها ومرها في يوم القطع تدعو والدة العروسة نساء الحي لوجبة الغداء وفي العصر تحضر الفنانة الغنائية مع عضوات فرقتها مع الطبول والهواجر والمراويس والشاعرة الغنائية وترقص النساء إلى بعد صلاة العشاء وينتهي كل مراسم الزواج وفلكلور العرس الشعبي عند اليمنيين سكان عدن القدماء.

السياسية