لماذا الضجيج؛ كل قناة مسئولة عما تبثّه..!
بقلم/ سامي الكاف
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 14 يوماً
الثلاثاء 05 أكتوبر-تشرين الأول 2010 05:16 م

من المفترض أن يعقد مجلس وزراء الإعلام العرب في شهر أكتوبر الجاري دورة استثنائية لاقرار (إنشاء مفوضية الإعلام العربي)؛ الذي أصبح وشيكاً في نظر وزراء الإعلام العرب..!

مجلس وزراء الإعلام العرب كان قرر بتاريخ 24/1/2010م تأجيل إنشاء مفوضية الإعلام العربي، على أن تعقد اللجنة الدائمة للإعلام العربي اجتماعاً استثنائياً، بمشاركة خبراء قانونيين وإعلاميين من الدول العربية، والمؤسسات والهيئات العربية الممارسة لمهام إعلامية، لمناقشة الملاحظات الواردة من الدول العربية على مشروع المفوضية.

من الواضح أن الهدف الأساس من إنشاء مفوضية الإعلام العربي هو حماية الأنظمة القائمة في الدول العربية قبل أي حديث أخر له صلة مفترضة بـ"حماية حقوق هذه الشعوب"..!

غير أن مجلس الوزراء العرب في اجتماعه، المُشار إليه بعاليه، أشار إلى "ضرورة السعي لدى القنوات الفضائية الأجنبية لعدم بث برامج إعلامية تحريضية ضد العرب والمسلمين".

بالتأكيد ثمة أشياء أخرى - لا شك مهمة ولو من الناحية النظرية- أتخذها اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب كقرارات، يمكن الاشارة إليها، منها: ضرورة مواصلة الدول العربية لجهودها الإعلامية لمكافحة الإرهاب والتطرف والعنف والطائفية والتحريض عليها، مع التمسك بحرية الإعلام والدفاع عنها ورفض محاولات التضييق عليها، وضرورة التمييز بين الإرهاب وحق الشعب العربي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؛ بخلاف ضرورة التزام الدول المانحة لتراخيص البث الفضائي والشركات المشغلة للأقمار الصناعية بالمعايير والضوابط الخاصة بالبث الفضائي؛ وهو ما سيسعى إليه مجلس وزراء الإعلام العرب عبر هذه المفوضية بكل ما استطاع إليه سبيلاً لغرض واحد لا غير، وهو: إحكام سيطرته على أداء الرسالة الإعلامية للإعلام العربي.

على الرغم من كل ذلك، لا أحد لديه ذرة ثقة بالإعلام العربي عندما يكون الحديث يتعلق بضرورة "التمسك بحرية الإعلام والدفاع عنها"؛ فما بالنا بـضرورة "الدفاع عن هذه الحرية"..!

يقول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن مشروع إنشاء مفوضية عامة للإعلام العربي "يهدف إلى تحديث منطلقات الخطاب الإعلامي العربي، وضمان مستوى عام من الموضوعية في محتواه، كسباً لثقة المواطن العربي، وإرساء لمصداقية هذا الخطاب لدى الرأي العام العالمي".

لكن لننظر الآن إلى الموضوع من هذه الزاوية: ما زال المواطن العربي حتى الآن فاقد الثقة تماماً في الخطاب الإعلامي العربي.

في الواقع ثمة من العرب، وهم كثير جداً، يفضلون مشاهدة القنوات الغنائية التي تعتمد على أغاني الفيديو كليب التي تعتمد على الترفيه، والتسلية، والرقص، والرقص العاري، كأساس لرسالاتها الإعلامية..! ، بل في مقابل ذلك؛ ثمة من يرى أن قنوات أجنبية ناطقة بالعربية مثل: بي بي سي، دويتشه فيله، روسيا اليوم، الحرة، فرانس 24، تقدم خطاباً إعلامياً يتسم بالحداثة، وفيه قدر كبير من الموضوعية.

ومع ذلك؛ يقول عمرو موسى طبقاً لـ"الشرق الأوسط" أن مشروع المفوضية الذي اقترح الأمين العام إنشاءه "يهدف إلى التعامل الماهر مع كل ما ينشر ويذاع عن العالم العربي وقضاياه". وفي ما يتعلق بمبادئ العمل الإعلامي، قال: "يؤكد مشروع المفوضية على دورها في احترام المبادئ المهنية الأساسية في جميع أشكال العمل الإعلامي ومراحله، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، والمصداقية، والشفافية، والنزاهة، والحيادية، والاستقلالية، واحترام حريات الآخرين وخصوصياتهم، ونقاء محتوى المادة الإعلامية وشكلها من كل ما من شأنه التحريض على الكراهية والعنف والتطرف والإرهاب والتمييز على أساس العرق أو اللون أو النوع أو الدين، وتصوير الجنوح الاجتماعي بشكل تبريري".

لاحظوا أن مبادئ العمل الإعلامي كما جاءت في اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب خاصة تلك المتعلقة بـ"احترام حريات الآخرين" المرتبطة بشكل أساس بـ"الحقوق" لا معنى لها عند حكومات الدول العربية عندما تقوم قنوات أجنبية بتسليط الضوء مثلاً على حريات المواطنين العرب وحقوقهم المفترضة..!

يقول رئيس نقابة الصحفيين اليمنيين الأسبق الأستاذ عبدالباري طاهر في مقال له تم نشره أخيراً: "كان الأستاذ حسن اللوزي وزير الإعلام من أكثر وزراء الإعلام اليمنيين والعرب اهتماماً بالقيود على حرية الرأي والتعبير، وبالأخص البث التلفزيوني والشبكة العنكبوتية فهو صاحب مبادرة وضع الفضاء الإعلامي العربي تحت الإشراف المباشر. وقدم ورقة للجامعة العربية رفضتها ليبيا الدولة الشمولية وقطر الدولة الليبرالية".

حسناً.. لنبتعد عن الخطاب الإعلامي اليمني الذي يتسم بسلبيته المفرطة تجاه حرية الرأي والتعبير؛ فهو أمر معروف لدى اليمنيين عن ظهر قلب. لكن عوضاً عن ذلك؛ لنتذكر معاً على سبيل المثال لا الحصر، أنه في العام 1994م أُطلق تلفزيون الـ"بي بي سي" العربي بتمويل من شركة أوربت السعودية. وبعد أن بثت القناة برنامجاً عن (حقوق الإنسان في السعودية) قطعت شركة أوربت البث في 1996م..!

في الضفة الأخرى من الموضوع كصراع ناتج عن حماية مصالح؛ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتحرك بما يتناسب وسياساتها تجاه الإعلام العربي بما يحقق لها مصالحها. فمجلس النواب الأميركي أتخذ قراراً يدعو لـ"فرض عقوبات على مشغلي الأقمار الصناعية التي تحمل قنوات تلفزيونية فضائية مصنفة كقنوات إرهابية". بالإمكان هنا استحضار قناة "المنار" كمثال.

لكن قناة "المنار" هذه يُنظر لها على أساس أنها بطولية في رسالتها الإعلامية عند كثير من العرب خصوصاً من الفلسطينيين؛ وهي النظرة ذاتها التي ينظر لها الحوثيون بالنسبة إلى ما تقدمه قناة "العالم" الإيرانية في اطار رسالتها الإعلامية..!

يقول عمرو موسى: "أن مؤسسات الأقمار الصناعية العربية، شأنها في ذلك شأن أي أقمار أخرى في العالم، لا تتحمل مسؤولية عن محتوى البرامج التي تبثها أي قناة خاصة، وأن إنفاذ التعاقدات مع القنوات يعتمد على حصول كل قناة على ترخيص بالبث من الجهات المعنية في الدول التي تصدر من أراضيها إشارة البث"؛ يعني من الآخر: "كل قناة مسئولة عما تبثه". حسناً.. لماذا إذاً كل هذه الضجة لإنشاء مفوضية الإعلام العربي...؟!

ومضة:

الانتماء الوطـني في أسـوأ مراحله. لاحظـوا: إنه يتلاشـى وحسب....!