آخر الاخبار
كفى تضليلا.. المفاوضات بدأت
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 06 يوليو-تموز 2010 09:20 م

حرص الرئيس الفلسطيني محمود عباس على التأكيد في جميع لقاءاته الصحافية بأنه لن يذهب الى المفاوضات المباشرة مع الاسرائيليين الا في حال حدوث تقدم في المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة عبر السناتور جورج ميتشل مبعوثها للسلام في المنطقة.

الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين قال اكثر من مرة ان المفاوضات غير المباشرة لم تحقق اي تقدم حتى الآن، وان الاسرائيليين رفضوا الرد على مقترحات قدمتها السلطة عبر الوسيط الامريكي تتعلق بالقبول بتفاهمات جرى التوصل اليها في عهد حكومة اولمرت تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية المستقلة.

هذا كلام جميل، ولكن كيف يفسر الرئيس عباس وكبير مفاوضيه وكل أركان سلطته اللقاء الذي تم بالأمس بين الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني وايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي في القدس المحتلة، أليس هذا اللقاء هو إحدى حلقات المفاوضات المباشرة التي يرفضها الجانبان علنا، ويقرانها سراً؟

عندما كشفت المصادر الاسرائيلية أنباء هذا اللقاء تلكأت السلطة في رام الله في تأكيده، ولكنها عادت واعترفت به، وبررته بأنه ليست له أي علاقة بالمفاوضات، وسينحصر في مناقشة الأمور الحياتية اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وشددت على ان الدكتور فياض ممنوع من الحديث في الشؤون السياسية، لأنها من اختصاص حركة 'فتح'.

الدكتور فياض 'كذّب' السلطة وتبريراتها هذه بشكل واضح، و'دون لف أو دوران'، عندما كشف في مؤتمر صحافي عقده بعد اللقاء مباشرة في مكتبه برام الله، انه بحث مع باراك عدة ملفات من بينها التنسيق الأمني، وضرورة وقف الاستيطان، وايقاف عمليات الإبعاد، والإفراج عن الأسرى، ورفع الحصار الاسرائيلي عن قطاع غزة، وأكد في الوقت نفسه انه بحث جميع هذه القضايا والملفات بشكل 'معمق'.

خطورة هذا اللقاء ومعانيه لا تنحصر فقط في خرق اتفاق عربي بعدم الانتقال الى المفاوضات المباشرة دون احراز تقدم ملموس، وانما في توقيته، اي قبل يوم واحد من اللقاء المنتظر في البيت الابيض بين الرئيس الامريكي باراك اوباما وضيفه الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

' ' '

رئيس الوزراء الاسرائيلي سيحاجج مضيفه الامريكي بانه لا داعي لممارسة أي ضغوط عليه لتجميد الاستيطان لاستئناف العملية السلمية، فليس لديه اي مشكلة مع الطرف الفلسطيني، والمفاوضات مستمرة على اكمل وجه، فبالأمس فقط التقى وزير الدفاع باراك برئيس الوزراء الفلسطيني وجهاً لوجه، وبحثا جميع القضايا بجدية بما في ذلك مسألتا الاستيطان وحصار قطاع غزة.

هذا التراجع المهين وقصير النظر من قبل السلطة عن مواقفها ليس جديداً ولا مفاجئاً، فقد تعودنا عليه، وبتنا لا نثق بأي مواقف للرئيس عباس ومساعديه، لاننا نعرف انها ستنهار مقابل أي ضغط أمريكي أو تحايل اسرائيلي.

السلطة ورئيسها، ورئيس وزرائها، يلقون دائماً بطوق النجاة للاسرائيليين في كل مرة يواجهون فيها عزلة دولية، فعلوها أيام مؤتمر انابوليس عندما ذهبوا دون تجميد للاستيطان، وكرروها بعد عدوان غزة عندما قبــــلوا بالمفاوضات غير المباشرة، وها هم يرتكبون الإثم نفسه بالتــــفاوض مباشرة مع الاسرائيليين في وقت ما زالت دماء شهداء سفينة اسطول الحرية لم تجف، وتهــــدد تركيا بقطع العلاقات مع اسرائيل اذا لم تعــــتذر لها رسمــــياً عن هذه المــــجزرة، وتلبي جميع شروطها الأخرى وابرزها لجنة التحقيق الدولية ورفع الحصار عن قطاع غزة.

أحد المسؤولين في السلطة قال لي في اتصال هاتفي مفاجئ اننا لا نعرف حجم معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وعلينا ان نفهم انها سلطة مقيدة باحتلال، وان اللقاء بين باراك وفياض هو للتخفيف عن الناس، وتسهيل حياتهم، والمضي قدماً في تطوير الاقتصاد واكمال البنى التحتية للدولة، وباراك هو المسؤول عن جميع هذه القضايا.

نقول لهذا المسؤول باننا نفهم ذلك كله، ونؤيد التخفيف من معاناة الناس، ولكن اليس من الحصافة ان يتأجل هذا اللقاء بضعة أيام ريثما يعود نتنياهو من زيارته لامريكا؟ ثم الا يستطيع اهل الضفة الصبر ثلاثة أيام فقط على معاناتهم وهم الذين صبروا عقوداً تحت الاحتلال؟

المسألة ليست تخفيف الضغوط المعيشية عن أهل الارض المحتلة، وانما تخفيف الضغوط السياسية عن نتنياهو، واخراجه من عزلته الدولية الحالية، وليس هناك أفضل من السلطة ورجالها في رام الله للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه.

نتنياهو قد يتعهد لاوباما باطلاق سراح بعض الاسرى الفلسطينيين شبه المنتهية فترة محكوميتهم، وسيزيل بعض الحواجز في الضفة، وسينقل بعض المناطق المحتلة من المنطقة 'ب' إلى المنطقة 'أ' التابعة للسلطة، وبعد ذلك سيطلب مفاوضات مباشرة ويطلق العنان للاستيطان مجدداً.

' ' '

اسرائيل تعيش أفضل أيامها في الضفة الغربية، تبني المستوطنات، وتهود المقدسات، وتفرغ القدس المحتلة من سكانها العرب، وتتمتع بالتنسيق الأمني الذي وفر لها الهدوء والاستقرار والأمن طبعاً، فلماذا تقدم تنازلات للفلسطينيين أو تعطيهم دولة أو أي نوع من أنواع السيادة؟

نشعر بالمرارة والألم ونحن نرى الحركة الوطنية الفلسطينية تنتقل من هدف المقاومة والتحرير إلى هدف دفع الرواتب وتأمين الاحتياجات المعيشية لأهل الضفة الغربية، تماماً مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا).

وربما لا نبالغ اذا قلنا ان المسؤولين في وكالة الغوث، خصوصا العاملين منهم في قطاع غزة، أكثر تعاطفاً ووطنية تجاه المأساة الفلسطينية وحصار الشعب الفلسطيني من نسبة كبيرة من نظرائهم في السلطة الفلسطينية في رام الله. ويمكن العودة إلى مواقف السيدة كارين أبو زيد، ومدير الوكالة في القطاع جون جينغ الايرلندي الشريف والمقارنة بين مواقفه المعارضة بشراسة للحصار وممارسات اسرائيل الدموية أثناء العدوان على غزة ومواقف بعض مسؤولي السلطة في رام الله لفهم ما نقصد في هذا الصدد.

نخشى ان تكون السلطة في رام الله 'مغرمة' بالنموذج المصري الحالي في الحكم، فكل الدلائل تشير الى انها تتحول الى سلطة يتعمق فيها التحالف بين مسؤوليها وطبقة رجال الأعمال، لأن كل هم هذه السلطة الراهن هو الاقتصاد، وقطاع الاعمال، وتسهيل حركة رأس المال، وجذب الاستثمارات لزيادة ثراء هؤلاء. أما قضية اللاجئين المعدمين او الفقراء المحرومين فليس لهم الا الفتات في أفضل الأحوال.

السيد زكريا الزبيدي أحد المناضلين الشرفاء الذي عاش خلف القضبان أكثر مما عاش في جنين، لخص الوضع المأساوي الحالي في الضفة بقوله في مقابلة مع صحيفة 'هآرتس' الاسرائيلية 'نعم.. هناك مستشفيات.. وتلاميذ أكثر في المدارس.. وسيارات دفع رباعي للمسؤولين في السلطة، وراتب آخر الشهر، ولكن الشعب الفلسطيني لم يقدم آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى، ولم يقم بثورته من اجل هذه الأشياء'.

نأمل أن يقرأ كلماته هذه المسؤولون في السلطة في رام الله.