سبعة أيام من الضحك.. سبعة أيام من الأدب..!
بقلم/ بشرى المقطري
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 07 يونيو-حزيران 2010 08:45 م

(1)

زرتك يا عدن ليس أبداً من باب الغزاة القديمين جدا، ولا الغزاة القريبين جداً، بل من باب قلبي المشرع للريح والغناء، متخففة من حزني، خلعت جلدي وتركته على شاطئك الرملي كي يجف، عطشى لبحرك أنا المتصحرة منذ مليون عام وعام في مدينة لا تعرف الماء إلا في أعياد الوحدة وأيام قليلة، البحر ترف قديم في ذاكرتي الهشة. ترف حزين ليس لأمثالي، أرى الزرقة اللانهاية فتتسع حدقتي من الدوار. ألمسه فتسيل أصابعي قلبي... خصام قديم نمى بيننا أيها البحر. خصام لم تنسيني إياه السنيين ولا الذكريات. البحر حولي يحاصر رعبي القديم فاعصب قلبي من الخوف. أمد يدي المرتجفة وأعب ماءك. مالح كالدمع. أغسل أترتبي وصخوري الجيرية المتكلسة منذ عام وعام، أبلل جفاف روحي التي لم أعد أعرف عنها شيء، أعمدني الآن إنسانة أخرى نبتت من قيض الملح والبكاء. كيف أخلع ما تبقى من قشور جلدي أيها البحر وأنسى، لأعود " بشرى" مرة أخرى، أكون أنا من جديد. لأصل ما انقطع من خيط العمر. في أي نقطة ترى علقت يا بشرى؟. وتكلست؟. في أي صدفة خبئت وجهك.؟. في أي شاطئ غاصت خطاك، ولم ينقذك أحد من الغرق..

(2)

أمي شفيقة بعيدة عني، أراها منشغلة بسعيد وإيلاف، وأنا أقف في الضفة القريبة للشاطئ منذ خمسة عشر عاماً، ضفة تذكرني بك. أرى البحر ولمعة الماء تتجاذبني ولا أطفو، أغرس قدمي في الرمل، مصلوبة كعمود من الضوء. منتفضة ببللي الحزين. الهواء يحرك أطراف ثوبي. وأنا أفكر .. أنت يا صغيرتي كهذه الريح أحسها ولا أراها. في وقوفي العالي كانت تمر الكائنات العدنية الجميلة من أمامي، منشغلة بنفسها، لا تنتبه إلى بعضها، حزينة، وخائفة هي الأخرى مطأطئة الرأس، هذا ما فعلته الحرب بكم أيها الطيبين ؟. 

من بوابة الغرق تبدو النهايات متشابهة. الذكريات تطفو كقوارب بحرية. تحمل ضحكتي وصراخي إلى سقف ذلك اليوم البعيد أعود طفلة تبني قصور رمالها، وتخبئ في نوافذها ظل الفراشات. كان علي أيها البحر أن أدور دورة زمنية كاملة حول نفسي أقطعها من الرأس إلى القدم ومن القلب إلى القلب لأعود إليك مرة أخرى كي أسامحك وأنسى. أحتاج الآن أن أنسى كل ما مر على بعد قدمين مني، كل ما علق في قشرة الروح. كل ما هو سريالي وحزين: رأيت الله في البحر والبحر في عين الله. كلاً واحدا يفيض في مساماتي، ثم صافحتك يا عدن، أهلك، ناسك، أدبائك الطيبون، بحرك الساحر، طينك الطري، كلامك العسلي، زقاق بخورك العدني، صافحتك معتذرة عن الرعب، الفيد، الأذى، الحزن، الحقد، الكذب، بالنيابة عن جيوش الدحابشة الزاحفين منذ حرب قديمة على شواطئك. الدحابشة المتعبين الآن من الحياة. العطالين عن الفرح، الأمل والحب، الدحابشة الذين ظلمتهم التواريخ كثيراً هاهم يأتون إليك في دورة تاريخية أخرى لاجئين، نازحين، حزينين، تائبين، خائفين من حروب أخرى..

(3)

السيارة الحمراء الصغيرة تتسع لحمل العالم، تقودها أمي شفيقة. الرائعة التي تضيع كثيراً أمام الجولات، والشوارع، والطرقات، والأزقة، مهيأتين للضياع الصغير، الطريق يبدأ من القلب يا أمي. وها أنا أعرف الآن طريق قلبي.لكن الطريق سيضيع مرة أخرى فندور في جولة جديدة على بعد شارعين من المكان الصحيح، فنضحك حتى نفقد القدرة على المواصلة، هذا الطريق يقود إلى أين؟. الإشارات غائبة. تبرير صغير تخترعه أمي لتخفي الحرج، وأنا بعين مفتوحة أترصد زلاتها الجميلة. في الليل أو في النهار، سيارتنا الحمراء تنهب وجه المدينة وقفاها، الضياع والخفة والضحك والتوهان يجعلنا بعيدتين عن صخب العالم صغيرتين بما يكفي لنضحك على بعضنا، أشد على قلبي وأراها تتعثر بجولة قادمة والدليل في المقعد المجاور قد يكون زميلاً هو الآخر لا يعرف مسالك عدن، إذن لا بد من الدوران والدوران حتى نفقد صلابة رؤوسنا ونكون خفيفتين، ملحقتين من الفرح.. 

(4)

وصلنا متأخرتين بعد جولة طويلة في أحد الشوارع الضيقة، وبعد الكثير من السؤال عرفنا الطريق أخيراً. عقد مؤتمر الأدباء تحت يافطة عريضة للفقيد الدكتور عبد الرحمن عبد الله إبراهيم، لكن الرجل الفقيد الذي لم أعرفه كما يجب، لم يكن حاضراً في القاعة، ولا في المهرجان الأشد بؤسا، لم يذكر الفقيد بورقة صغيرة تعريفية لحفظ ماء وجه القائمين على هذا الاحتفال الهزيل، لم يذكره الأدباء، ولا المعازيم، ولا المتفرجين أو المصفقين، لم يكتبوا شيء يدلنا عليه، شيء يسعفنا على التذكر في زمن تفقد فيه كل الأشياء الجميلة ألقها ومسمياتها. اليافطة عريضة جداً في سقف قاعة لقمان، و في مبنى الاتحاد لكن الفقيد، كان يطل من علياءه حارساً لا ينام على هشاشة الحياة الثقافية اليمنية .

(5)

تحت قبة البرلمان الأدبي في قاعة لقمان، يحي الراعي كان حاضراً هذه المرة، حلول ميتافيزيقي بجسد آخر، شبح عارف الزوكا مازال يلح علي منذ خمسة أعوام يوجه الجميع ويقود قطيع الأدباء.. " إلى الأمام در"، مسئول المنظمات الجماهيرية كان حاضراً هذه المرة، وأحد المسئولين المكلفين بترتبيط قائمة الحزب الحاكم وإغلاقها في وجه كل أديب لا يجيد التسول السياسي الرخيص، الأموال والمناصب والوعود، والتسويات الوظيفية، كانت أيضاً حاضرة وبقوة. أغلقوا قائمتهم في وجهنا. وكان الأمر برمته يثير السخرية. التدخل الصارخ للسلطة في شأن الاتحاد، التوجيهات والأوامر، الإقصاء ونفي الآخر المختلف. في محاولة بائسة وبعد نصيحة وطنية من إحدى الأديبات العزيزات حاولت امتصاص غضبي والتحدث مع احد مندوبي تعز العمالقة، لخلخلة فكرة التخندق السياسي والفرز الغريب الذي يحدث الآن. بلعت حبة اسبرين وابتسمت لفجاجة المشهد" أين يتسول الأديب صوتاً ". ما رأيك أيها السيد الفذ أن تضم اسمي في ذيل قائمتكم المصونة؟ لكن السيد الذي لم يمهلني حتى لأبلع غصتي قال بأن التعليمات محددة، والقائمة مغلقة في وجهي تحديداً، من مندوبي مدينتي البائسة الذين يتخندقون على أنفسهم ضد الآخرين. التوجيهات صارمة ولا تقبل التأويل، لكنه سينتظر اتصال من جهة ما، لأن اسمي كما يبدو في القائمة السوداء منذ سنوات طويلة. لماذا أيها السيد ؟. أنت تشتغلين ضدنا؟. طار صوابي ..من أنتم أيها الصغار ؟. من أنتم؟. لكنه لم يجب. بلعت غضبي ولعنته في سري.. ما لذي يحدث في هذا الواقع الأدبي المرير؟. كيف ينتحل الأديب صفة السياسي؟. ويبدأ الفرز فقط لأني لست كقطيع خراف الرب التي ترعى في كل مائدة، كيف يسمح بعض أدباء السلطة، ومحبين الأدب، وأصدقاء الأدب لأنفسهم أن يكونوا مطية السياسيين للانقضاض على الحياة. ما هذا القبح يا ألله؟

(6)

حضرت السياسة بوجهها القبيح الذي ينفي الآخر، ويصادر عليه صوته، وفي البيان الختامي الذي كان إلى حد ما يرضي قليلاً من غرور أحلامنا القديمة، يرضي حزننا، وخوفنا من واقع يمني ينجر كل يوم إلى الهاوية. أدان البيان كل قبيح في هذه البلاد، كل ممارسات السلطة وعنجهيتها، كل الحروب التي تجرها على رؤؤسنا، كل الجنون الذي قادتنا إليه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كل الذل والهوان الذي أرضعتنها إياه في حليب أمهاتنا، كان البيان انتصارا صغيراً على ضجرنا، وحزننا الكبير، لكن البيان الذي أقره مندوبي المؤتمر، أرادت بعض أصوات السلطة من الأدباء بعد يومين من إقراره الانقلاب على جوهر البيان، حتى يثبتوا بأن السياسة أكبر من الأدب وأن الأمل الذي شدنا من مناطقنا البعيدة: تعز وحضرموت وصنعاء وأبين والحديدة وذمار، وإب، وسيئون والمكلا كان واهياً، الأمل بأن نرفع صوتنا عالياً ونقول تعبنا من الحروب التي أكلت جلود أبائنا وأبنائنا وأمهاتنا؟ تعبنا من مصادرة الصحف والكلام ، والأفواه، والقلوب، تعبنا من بؤسنا الحزين، تعبنا من وجوهنا الكالحة من القهر والجوع، تعبنا من ضحالة أحلامنا، نريد أن يكون لنا اتحادنا البعيد عن أملاءاتكم، وسلطتكم، وبياداتكم، وعسكركم، وأدباكم الصغار، نريد أن يكون لنا مساحة للثرثرة، والحب والغناء، لكنهم صادروا كل شيء، لم يسمحوا لنا حتى أن نختلف، كان الصراخ السياسي والتشنج، والتخندق والزيف والكذب والتعالي البغيض أعلى من سقف قاعة لقمان، ومبنى الاتحاد، عطلت أعمال المؤتمر ليومين لأن البيان الختامي لم يرضي أدبائهم، لذا لم يتركوا البيان يمر. نهشوا لحمه بصراخهم العالي، ومروا على رؤوسنا. يا ألله ما هذا الجنون؟.

( 7)

لولا أمي شفيقة لفقدت عقلي من هذا الوضع البائس. كلما هممت بالصراخ أمسكت قلبي. اعقلي يا بشرى. وأنا لم يعد لدي صبر منذ زمن. كل حبالي الصوتية ذابت من الصراخ داخلي. ما كل هذا الحقد؟. تخندق بغيض نمى أيضا في المؤتمر. تخندق غريب في أصله لم يكن بين أدباء الغم والسلوى. بل كان اقتتال أعمى غير مبرر بين بعض الأديبات اللاتي بنين معسكرين متصارعين، خندقين متقاتلين بأسلحة دمار شامل، حزبين نسوين غير مؤدلجين لزعيمتين عظيمتين. لا سلام، ولا أمنيات طيبة، فقط صرامة العداء النسوي الجديد، حقد من نوع آخر، كعادتي حاولت أن ألطف السوء. لكن هذه الأحزاب الجديدة لا تقبل التسامح. لا موقف وسطي ولا يحزنون . مع من أنت يا أستاذة؟. لست مع أحد أيتها الأديبات الجميلات، أنا بالكاد أكون مع نفسي، وأحياناً لا أكون أبداً مع نفسي، لأن نفسي هذه تزعجني كثيراً، بعد أن فقدت قدرتي على الوقوف في المنتصف بين أحقادهن الصغيرة حملت رأسي وعدت إلى أمي شفيقة.

(8)

ما أبهاك يا أمي شفيقة، ما أروع روحك الطاهرة والنقية. أه لو يتعلم الناس منك قليلاً من الصبر والحكمة، كثيراً من الطيبة والجلال، لو يتعلم الآخرين، صلابة رأسك في مواجه الأحقاد، ومكائد الدهر، لو يتعلمون التسامح والرضا والقبول بالآخر كما هو، حين أكون مجنونة بما يكفي لأشتم كل ما يزعجني كنت تفتحين صدرك لصراخي العالي، لتعبي اليومي، من كل ما يدور حولي، أقف في أذنك، واشتم، أتخفف من السموم التي علقت بقلبي، من كل الحقد والغثاء والهراء الذي لحق بي، أراك وأنت تبتسمين بصبر أم حانية، أنا التي فقدت صبري، وألقي، ودهشتي منذ سنوات طويلة، أنا التي لم أعد أعرف من أنا، وأنت تعيدين إلي قليلاً من العقل والحكمة، كنت كدون كيخوتة، أحارب طواحين رأسي، وأسقط من الإعياء والتعب.. تقولين. لنذهب. أحمل رأسي اللعين وأذهب، انزلق في المقعد الأمامي، وأنسى هراء الانتخابات قليلاً، وجوها المشحون بالغضب، نضيع كثيراً، في شوارع عدن وطرقاتها، وجولاتها، الشوارع تتغير كما تقولين، والناس أيضاً يتغيرون، لكن تظل عدن كما هي بهية الروح، طازجة كقلبك الجميل، وسمو أخلاقك، وكرمك. أنت أيضاً أتعبك مؤتمر الاتحاد والخبل الذي ندور فيه، احتملت نزقي وضجري، وصخبي البائس، وتعليقاتي الكثيرة، الطرقات الليلية تبتعد مرة أخرى ونحن نودع مبنى الاتحاد، الدوران حول الأزقة، وكل الأزقة تفضي إلى قلبك. 

(9)

في السباق المارثوني طبعاً ليس في سيارة أمي شفيقة، وإنما بأصواتنا المبحوحة للوصول إلى المجلس التنفيذي، كل شي حاضراً هنا، الوعود، الأموال المغدقة على البعض، القوائم الضيقة على أصحابها، الأيمان المغلظة التي تسفح على المصاحف، الوعود المطمأنة، التخندق الصغير. ليس أبداً اسمك الأدبي المكرس في الساحة الثقافية، ليس أبداً مواقفك الصادقة والنزيهة، ليس أبداً لطفك الطيب، وشخصك النبيل، ليس أبداً مشروعك الأدبي الذي تحلم بتحقيقه، ليس أبداً هواجسك يا صريمي، ليس أبداً "نشوان لا تفجعك خساسة الحنشان"، ولا " يا عمتي منو شقل لمسعود"، أبداً ليس هذا المجد الطيب والعالي، ليس أبداً شعرية قصيدتك يا دهيس، ولا رواياتك يا مقري، ولا كتاباتك يا جازم، ولا لطفك يا ياسر، ولا قصائد البهية يا محمد المنصور، هناك حسابات أخرى لا يفقهها عقلي الصغير، تساءلت حين أبلغني أحد الزملاء بفوزي. ترى كيف نفذت من هذا الهراء السياسي؟. وهذا الحشد المخيف الذي لا علاقة له بالأدب؟. أعتقد بأني راهنت قليلاً على بعض الأدباء الذين لا يلتزمون بقائمة حزبية ضيقة ولا باملاءات نواب الزوكا، أدباء تعبوا من القرفصة خلف ظل السياسي الغبي. وحين أكد أحد الأصدقاء خبر فوزي. شعرت بالمرض لأني لم أفز إلا بعد أن تبخرت كل أعصابي، في صراع مرير وبائس بين الأديب والسياسي. 

( 10 )

سقط اللذين أحبهم. وسقط الاتحاد كمؤسسة عريقة ناضلت على مدى أربعين عاما لتحقيق الوحدة، الوحدة التي لم تصبح الآن هماً مشتركا لكثير من الأدباء، سقط المشروع الوطني والأدبي، ولم يعد سوى بعض تجار السياسية، يراهنون بالاتحاد، مطية للسلطة. ربما كان الأجدر بنا أن نصدر بيان نعي اتحاد الأدباء، اتحاد أصبح الأدباء الحقيقيين الذين يمتلكون مشاريع أدبية خارجه، والمتربعين على سدته.سياسيين متاجرين بالكلام، والمواقف، وإرسال برقيات للأخ الرئيس، أصبح الاتحاد مؤسسة متهالكة بعيدة عن هموم الأدباء ومعاناتهم، ومشاريعهم وأحلامهم. الاتحاد الآن وبعد أربعين عاماً. مجرد شيخ ضرير. مريض يثير الرعب والذعر والأسى. أصبح أيضاً في وعي على الأقل مجرد وهم ماض جميل، الاتحاد الآن، في هيئته المقبلة ربما سيمارس مزيداً من انحداره. إلى الحضيض أيها الضرير.

(11)

ليومين لاحقين أعصابنا شدت من جديد، خندقة الضيقة، وإقصاء مريض، بعض الأدباء المحسوبين على السلطة، لا يريدون تشكيل حكومة إنقاذ وطني" أقصد أمانة توافقية"، بل أمانة عامة بطيف واحد، لون كئيب، لون حكم على مدى خمس سنوات ولم يكن له مشروع ثقافي حقيقي، أو انسجام بين أعضاءه، بل كثير من الخلافات والصراعات والأحقاد. الأكثرية التي صعدت للمجلس التنفيذي هذه المرة محسوبة على السلطة- آسفة لهذا الفرز السياسي السيئ لكنه الواقع- وهم يريدون إقصاء الآخرين، المشكلة في رأيي ليس في شكل الأمانة العامة المقبلة، بل المشكلة في تبني الأديب الخطاب المتشدد في السلطة، وأن يقوم بإقصاء زملاءه. لم يصل الإخوة الأعداء إلى حل وسطي، وقبول الآخر، وأن تكون الأمانة العامة ممثلة بجميع المشارب الفكرية والتوجهات السياسية، تشكيلة الحزب الحاكم ضيقة على أصحابها، صراع مميت على منصب الأمين العام، صراع للانفراد بحكومة واحدة ذات طيف واحد، لكن الجميل في رأيي، بل والمدهش، إن أصر الأدباء السياسيين على تشكيل حكومة الطيف الواحد أن نكون الثلث المعطل كما في الحكومة اللبنانية. 

(12 )

سبعة أيام من الضحك.. سبعة أيام من الأدب. سبعة أيام من البهجة. انتهت الانتخابات، وتنفست الصعداء، أرخيت رأسي وعدت للبحر.. جولة سريعة مع أمي شفيقة.. السيارة تشق طريقها بسرعة، ونحن كراتين صغيرة مشوية في الحر. البحر يبتعد ويصبح سراب مائي، أزرق، وبعيد. الحرارة خانقة. أتنفس والرطوبة عالقة في ثيابي، أفتح مسامات روحي. ويخفق قلبي من جديد، أعود أنا مرة أخرى، تلك التي تركتها منذ أعوام طويلة، بشرى التي تشبهني الآن، أنظر للأفق وأصرخ واحد.. اثنين ... ثلاثة... هوب وسيارة أمي تسيل في شوارع عدن، دوران محموم وهائج، خفة تصعد بي إلى الأعالي، ثم أغنية مالحة فائرة تطل من سقف شرودنا " يالي تبون الحسيني".. ضوء في نفق عتمتي يمتد ليضيء الظهيرة، الناس، الطرقات، البحر، المول، بعيداً عن ملل الانتخابات، والشجارات الصغيرة التي ستذوب تحت الشمس وسنتذكرها ونضحك على أنفسنا.. بعيداً عن كل ما هو سطحي وعابر تبقى عدن في جلدي، آلهة الحب والرضا، والبهجة. حين همهمت أن أعقص ضحكتي بامتداد العالم الذي خلقت فيه مجدداً، مكتملة من خيال أبي وأمي، ضحكت من دوران أخير حول إحدى الجولات.. سألتها وأنا أسيل من العرق . ما رأيك أن نضيع اليوم في شوارع عدن ؟. أطلقت ضحكة انتصار في وجهي، ضغطت على المكابح، ودارت دورة كاملة وطويلة .. إلى تعز ، كانت للأسف قد عرفت الطريق جيداً هذه المرة.