لما حدث خلاف بين الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري وبلال بن رباح في القصة المعروفة فنعت الأول الأخير بأبن السوداء فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر الغفاري :"يا أبا ذر أعيرته بأمه؟.. إنك إمرؤ فيك جاهلية" ، فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب وقال :"والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك أنت الكريم وأنا المهان" ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما نشب شجار بين المهاجرين والأنصار : "دعوها فإنها منتنة" ويقصد العنصرية ، ففي الموقفين دلالة واضحة ونهي نبوي صريح عن العنصرية بألوانها وأشكالها المختلفة ، والمتمعن في حاضرنا الأليم الذي تعيشه الأمة لوجد إختلافاً كبيراً وبعداً شاسعاً عن تلك الأوامر النبوية الشريفة.

ففي اليمن باتت العنصرية القبلية والحزبية لا بل والجغرافية أيضا سمة رعناء تميز ذلك المجتمع في جميع محفظاته دون إستثناء، حيث تظهر هذه العنصرية بشكل واضح وتصل إلى أوجّها كلما تباعدت الأقطار وزادت المسافات المناطقية، ففي جنوب اليمن يقال"دحباشي" كدلالة على المواطن الذي ينتمي للشمال، وأما شمال اليمن فيرى أن أبناء الجنوب هم براغلة ولغالغة، فأصبح أبناء اليمن الواحد وهم جميعهم اليوم يحتفلون بالعيد العشرين للوحدة اليمنية ينعت كل واحد منهم الآخر بأسماء وألقاب ما أنزل الله بها من سلطان.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل زادت بؤرة العنصرية عمقاً لتصبح نموذجاً للتعالي و التزمت بين أبناء القطر الواحد وتصنيف الناس بحسب المستوى و الفئة لا بل بحسب العادة والمهنة أحياناً ومعاملتهم على هذا الأساس، فمثلاً في الجنوب يقال عن هذا حضرمي بخيل وذاك يافعي سقلوب وثالث بدوي متخلف وأما في الشمال فهذا برغلي من تعز وذاك ملحلح من المحويت وثالث عديني سرك .. إلخ.

وإذا نظرنا إلى المسألة من منظور أضيق جفرافياً لوجدنا أن العنصرية نخرت حتى جسد القطرالقبلي ذاته فهذا من قبيلة فلان وهذا من عشيرة علان وذاك سيد من آل البيت وأما هذا فهو قبيلي وذاك مزيّن وثالث شحاذ ورابع حلاق أو جزار .. إلخ.

وكل حزب بما لديهم فرحون فصاحب المدينة ينظر إلى القروي أنه غير متحضر وتفكيره محدود ويخضعللنظام القبلي لا إلى المنطق والعقل!! وعلى العكس تماماً فإن القروي ينظر إلى المدني بأنه غير قبيلي ومفرط بعرضه ولايخضع للعرف والتقليد (القبيلة!!) ، هذا فضلاً عن العنصرية الحزبية الواضحة فهذا مؤتمري وهذا إشتراكي وذاك إصلاحي.

وللأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن أثر كبير في ظهور مسميات آخرى تضيف سطراً جديداً لقاموس العنصرية والتفرقة فالحرب في صعدة أفرزت هذا سني وهذا زيدي وذاك حوثي، كما أن الحراك في الجنوب زاد الطين بلة في تصنيف اليمني إلى وحدوي وإنفصالي.

ولم يقتصر الأمر على التشاتم داخل الوطن فقط بل توسع ليشمل المغتربين خارج الوطن، فمثلا هنا في جدة دائماً ما تشاهد أن اليمنيين إذا أجتمعوا وتناقشوا في أمور تخص اليمن فإن النعرات الحزبية و المناطقية سرعان ما تظهر للعيان فترتفع الأصوات بالسباب و الشتام وذكر عيوب الآخروالسخرية منه إلى درجة أنك تشك للحظة بأن كلا الطرفين ينتمي لليمن!!.

وهذا ما كان له من دور كبير في تعديدية الطبقات الإجتماعية والقبلية وعدم تكافؤ الفرص في مجتمع واحد يدين بالإسلام وينطق بالعربية و ينعم بالوحدة.

فشيء جميل أن يفرض القانون غرامة مالية والسجن لمن يتلفظ بمثل هذه الألقاب التي تثير الشقاق والفرقة كما حدث في عدن حيث فرضت غرامة مالية لمن يشتم أحدا بكلمة "دحباشي" كمحاولة للتخفيف من حدة العنصرية لكن الأجمل أن نحاول جاهدين تغيير ثقافة العنصرية البغيظة في أنفسنا ومدارسنا و جامعاتنا ومرافقنا الحكومية و الخاصة حتى نتخلص منها نهائياً.

وفي نظري فإن كل هؤلاء ممن يتعاملون بمبدأ التفرقة فإنهم قد نسوا أو ربما تناسوا بأننا نعيش في يمن واحد نتشارك بحلوه ومره ناهيك عن القاسم المشترك الأكبر والأسمى وهو الإسلام الذي لا يفرق في الحقوق والواجبات بين الغني والفقير والذكر والانثى والعربي والأعجمي إلا بميزان الله عز وجل في الأرض وهو التقوى قال تعالى : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عن الله أتقاكم" ، وقال أيضا: " ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون" فلا يمكن أن نعيش في وطن واحد ينعم بالرخاء والوئام وهو يفتقد أهم أركان المجتمع الإسلامي القويم الذي يبنى على التكافوء والعدل والفرص المتساوية دون تفرقة أو عنصرية أي كان شكلها أو مصدرها.