الطلاب أزمة داخلية وأخرى خارجية
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الأحد 08 مارس - آذار 2009 05:44 م

معاناة تبدءا من داخل أسوار جامعة صنعاء, والجامعات الأهلية في اليمن, لتمتد إلى خارج حدود الوطن بدء من روسيا وألمانيا والأردن وسوريا والمغرب, مروراً بالبحرين وبلغاريا والهند والصين وتونس وأوكرانيا, ووصولاً بالقاهرة , وإيران والجزائر وماليزيا, هذه هي حالة الطالب الجامعي , وأصحاب المنح الداخلية والخارجية على حداً سواء, طلاب عاشوا على أحلاما وردية, كانت عيونهم ترقب المستقبل حينما كانوا طلاب في الثانوية العامة, حلموا بمنح دراسية في الخارج, تصوروا عيشاً هنيئاً , وحياة مستقرة, تضمن لهم تفوق دراسي, وتحصيل علمي ممتاز, ليعودوا إلى الوطن بمشاريع علمية عملاقة, وبحوث ودراسات تخدم أرضهم , لكن قد تأتي الرياح – أحياناً - بما لا تشتهي السفن , فالمنح الداخلية والخارجية تحولت إلى كابوس مستمر, ومعاناة تتزايد كل يوم , وعاش أصحابها بين أحلاماً لا تريد أن تعود, وحاضر من البؤس والشقاء لا يريد أن يذهب, وبين هذا وذاك أصبح الطالب الجامعي بين مطرقة وزارة التعليم العالي في اليمن وسندان الملحقيات الثقافية اليمنية في الخارج .

معاناة داخل أسوار الوطن

طلاب الجامعات اليمنية أصحاب المنح الداخلية , تتزايد معاناتهم كل يوم, يشتكى الكثير منهم عدم صرف مستحقاتهم الشّهرية ودفع رسومهم الجامعية للجامعات الموفدين إليها، فضلا عن عدم حصولهم على نتائج العام السابق، وفي أخر شكوى منهم قبل يوم واحد من تاريخ كتابة هذا التقرير, أفاد بعض طلاب الصيدلة بجامعة صنعاء أن وزارة التعليم العالي لم تصرف مستحقات الربع الرابع من العام المنصرم 2008م, بالإضافة إلى عدم صرف مستحقات الربع الأول من العام الحالي 2009م, وأكدوا أن مشكلتهم تكمن في أن الوزارة لا تُعيرهم أي اهتمام، ولا تسمح لهم بمقابلة أي شخص من المعنيين في الوزارة لحل مشاكلهم، وبعضهم وصل إلى حد اليأس من متابعة مستحقاته, فتردده على الوزارة جعله يصرف الكثير من الوقت والمال الذي لا يكاد يحصل عليه إلا بشق الأنفس, بالإضافة إلى عدم وجود من يسمع شكاويهم, وصعوبة مقابلتهم لوزير التعليم العالي.

المشكلة لا تكمن في عدد قليل من الأشخاص بل قد يتجاوز العدد أكثر من خمسمائة طالب وطالبة موزعين بين الجامعات الحكومية والأهلية في اليمن, وذنبهم الوحيد الذي أذاقهم الأمرين هو تفوقهم الدراسي.

في بداية التحاقهم بالجامعات كانوا يشكون من أن مائة دولار في الشهر الواحد لا تكفي, لكن اليوم أصبح همهم مقتصر على استلام مستحقاتهم بغض النظر عن الزيادة والنقصان, وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وببرودة أعصاب, تعرف كل هذا وحين تسأل أو تعاتب احد موظفيها الكبار يكتفي بالرد عليك أن الوزارة تعيش أزمة مالية, وان المنح الداخلية ما زالت حديثة على الوزارة، ولم تعتمد في ميزانية الوزارة من قبل.

طلاب اليمن بالخارج

المعاناة متشابهة والمشكلة هي ذاتها, والضحية هو الطالب في الداخل أو الخارج, مع فارق بسيط بينهما يتمثل في أن ثلاثية المعاناة والاغتراب والعيش خارج حدود الوطن, هي محنة يعيشها الموفدين إلى الخارج.

ونظرًا للأوضاع المأساوية التي يعيشها الطلاب اليمنيون في الخارج بسبب المشاكل المالية التي يواجهونها هناك سواء اعتمادهم الشهري الشخصي, أو أقساط الدراسة التي من المفترض أن تدفع للجامعات التي يدرسون بها ، لذلك ولغيره من الأسباب الكثيرة يطالبون بالعودة إلى اليمن إذا لم تحل مشاكلهم.

وكان عدد من الطلاب الموفدين للدراسة في الهند قد طالبوا وزارة التعليم العالي بإعادتهم إلى أرض الوطن إن كانت قد عجزت عن حل مشاكلهم ، وتسليم الجامعات الهندية رسوم الدراسة.

يوم السبت الماضي وللمرة الثانية في خلال اسبوع قام الطلاب اليمنيين في ايران باعتصام كبير داخل السفارة وقد توافدوا من معظم المدن الإيرانية التي يدرسون فيها للاعتصام داخل السفارة اليمنية في طهران، مطالبين تسلم رواتبهم التي صار لها اكثر من خمسين يوم متأخرة.

واشترط الطلاب فك الاعتصام مقابل تسليمهم مستحقاتهم، وناشد الطلاب مجلس النواب فتح تحقيق في قضية تأخير تسليمهم مستحقاتهم المالية ومعاقبة المتسبب في ذلك.

وناشد طلاب اليمن المعتصمين بمبنى السفارة اليمنية في طهران الدكتور صالح باصرة وزير التعليم العالي التعاون معهم واتخاذ الإجراءات المناسبة لحل مشكلتهم، المتمثلة في تأخير صرف مستحقاتهم.

وقال الطلاب في رسالتهم الموجهة للوزير \"معالي الوزير الأكرم نرفع إليكم بهذه المذكرة من داخل سفارتنا في طهران لنطلعكم على الأزمات المالية المتكررة إلي نمر بها أثناء دراستنا فرغم أن اليوم السبت الموافق 21/2/2009م إلا أنة لم يتم صرف المستحقات المالية الخاصة بالربع الأول لعام 2009م على الرغم من أن المساعدة قد وصلت إلى إيران\".

وتسأل الطلاب لماذا لا يتم صرف كل ربع بداية كل ثلاثة اشهر حتى يتمكن الطلاب من تسيير امورهم الدراسية والمعيشية خلال هذه المدة .

وحسب موجهي الرسالة فأن الكشف والمستحقات المالية قد تم إرسالها من اليمن منذ ما يقرب من شهر، ولكنه يتم إبقائها في بنوك دبي .

وأضاف الطلاب ان الحسابات المالية بين الوزارة والسفارة قد تؤدي أيضا إلى إرسال مبالغ ناقصة مما يزيد معاناتنا بسبب تأخير صرف المستحقات حتى يتم حل المشكلة المحاسبية بين الوزارة والسفارة.

ومن جهة اخرى يعيش الطلاب اليمنيين الدارسين في سوريا أوضاعا معيشية وتعليمية صعبة جراء تأخر تسلم مستحقاتهم المالية المتواضعة , وفي رسالة وجهوها لرئيس جامعة صنعاء جاء فيها\"إذا كنتم غير قادرين على الوفاء بالتزامات الجامعة تجاه من تبعثوهم للدراسة في الخارج، فمن الأفضل لكم وحفظًا لماء وجوهكم وسمعتكم إصدار قرار بعودتنا لنعيش بين أهلنا نأكل ما يأكلون ونشرب ما يشربون خيرًا لنا من العيش مهانين في دول وبلدان غير بلادنا، ما لم سنعود مجبرين ونحن غير مسؤولين عن قطع دراستنا في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها في سورية, وأوضحوا أنهم يعيشون وأطفالهم في شقق متواضعة وغير صحية مقاب0150$ مئة وخمسون دولار شهريا وان المبلغ المتبقي من المنحة والمقدربـ185$ دولار لا يكفي لتغطية متطلبات المعيشة و الدراسة.

الاعتصمات المتتالية للطلاب اليمنيين المبتعثين في الخارج كانت أخرها اعتصام للطلاب اليمنيين في إيران والجزائر وماليزيا ناشدوا وزير التعليم العالي سرعة صرف مستحقاتهم المالية التي تتأخر بشكل مستمر منذ ابتعاثهم إلى الخارج وحتى اليوم .

وفي معناتهم أكدا عدد من طلاب الخارج أنهم لا يقدرون على تغطية نفقاتهم الأساسية من المأكل والمشرب, فكيف بالسكن وشراء الكتب والمراجع الخاصة بتخصصاتهم المختلفة، وأنهم طلاب علم وليسوا مؤسسات فساد، وإذا كانت الدولة غير قادرة على ضمان متطلبات العيش الكريم لهم لنيل العلم فلماذا ترسلهم للدراسة في الخارج\" ، مطالبين بتسليمهم قيمة تذاكر فقط للعودة إلى الوطن.

ويفيد عدد من طلاب الخارج أن التأخير في تسليم الرواتب يعرضهم للطرد من الشقق بسبب تأخرهم في دفع الإيجار لأصحاب الشقق، وقطع التيار الكهربي عن أماكن سكنهم في حالة عدم الوفاء بتسديد الفواتير في مواعيدها.

من جهتها نفت وزارة التعليم العالي أن يكون هناك أي مشاكل دراسية يلاقيها الطالب اليمني المبتعث للدراسة في الخارج, وان الطلاب الذين يتم ابتعاثهم عن طريق التبادل الثقافي لا يجدون أي عراقيل أو تعب، وأن الوزارة هي التي تقوم بالتواصل مع الجهات المعنيّة وتقوم بجميع المعاملات إلى حين تأتي الموافقة والقبول وبعدها يتم التواصل مع الطلاب وتجهيز كافة متطلباتهم وسفرهم، ومن ثم يتم متابعة الملحقية باستقبال الطلاب، وإكمال بقية معاملاتهم في الجامعات المبعوثين إليها\".

البرلمان في وسط العاصفة

البرلمان ومن خلال المناشدة المستمرة للطلاب أحال موضوع الشكاوى إلى لجنة التعليم العالي برئاسة الشيخ/ حسين الأحمر التي أوصت الحكومة بضرورة رفع المساعدات المالية للطلاب الدارسين في الخارج بما يتناسب والأوضاع الاقتصادية للدول الموفد إليها الطلاب

وشددت تقارير اللجنة المقدمة إلى مجلس النواب حول تفقدها لأوضاع الطلاب والملحقيات الثقافية التابعة لبلادنا في كل من \"ماليزيا، المغرب، سوريا، الأردن،لبنان\" على إلزام الحكومة بضبط الملحقيات الثقافية بتسليم رسوم الطلاب الدراسية في أوقاتها المحددة وكذا تسليم مستحقاتهم المالية في أول شهر من كل ربع

كما أوصت اللجنة الحكومة بضبط عملية الإيفاد, وإبتعاث الطلاب في تواريخ محددة وإكمال إجراءاتهم المالية وإيفادهم قبل بدء الدراسة بالجامعات بمدة كافية وكذا إلزام الحكومة بضرورة إعداد الطلاب قبل ابتعاثهم إلى الخارج, وذلك بإقامة دورات في اللغات التي سيتم الدراسة بها على أن لا تقل تلك الدورات عن سنة كاملة وتتحمل أعباء ذلك جهة الابتعاث

وأكدت اللجنة في تقاريرها المقدمة للبرلمان على ضرورة وضع إستراتيجية للإيفاد تلبي احتياجات اليمن التنموية والعلمية والمراجعة الدورية لأوضاع الطلاب المبتعثين إلى الخارج, وتقويم عملية الابتعاث ومردوداتها على التنمية الوطنية، إضافة إلى دعم الجامعات اليمنية للعمل على تأهيل الطلاب في الداخل,خاصة في التخصصات الإنسانية, كي تشارك في تخفيف الأعباء المالية المترتبة على الابتعاث للخارج.

وأوصت اللجنة بإلزام الحكومة بتصفية عهد الملحقيات الثقافية أولاً بأول وتحديد التخصصات النادرة وإعلانها للطلاب في وسائل الإعلام.

ولاحظت اللجنة في تقريرها عدم وجود لوائح وضوابط تحدد مهام واختصاصات الملحقيات الثقافية في الخارج حتى الآن غير مبالغ مالية كبيرة ما تزال عهد مالية على الملحقيات لم يتم تصفيتها حتى الآن .

وأكدت اللجنة عدم كفاية المخصصات المالية للطلاب المبتعثين نظراً لارتفاع الأسعار وخاصة في الفترة الأخيرة خصوصاً وأنها قد بنيت على أوضاع اقتصادية سابقة لتلك البلدان إضافة إلى تأخير تحويل الرسوم الدراسية وعدم صرفها للجامعات في مواعيدها مما ينعكس سلباً على الطلاب وبالتالي حرمانهم إمامن التسجيل النهائي بالجامعات أو من دخول الامتحانات الفصلية, أو مناقشة رسائلهم العلمية في مواعيدها, الأمر الذي يتسبب في تأخر الطلاب عن المواعيد المحددة لتخرجهم.

وبخصوص المشاكل المتعلقة بالطلاب الدارسين في ماليزيا أوصت اللجنة بإيقاف الابتعاث في دراسة البكالوريوس حتى تلزم وزارة التعليم العالي بحل مشكلة الرسوم خارج السقف وتسديد كل الرسوم التي على الوزارة للجامعات الماليزية في فترة أقصاها ثلاثة أشهر.

وأوصت اللجنة بعدم إيفاد الطلاب المبتعثين للدراسة إلى ماليزيا إلا بعد حصولهم على شهادة التوفل باللغة الانجليزية وكذا إلزام الملحقية الثقافية بتحديد الجامعات التي ترى فائدتها للطالب اليمني.

القطاع الخاص الملاذ الأخير

عندما تستنجد الدولة بالقطاع الخاص فهذا ليس إلا دليل إفلاس , وتخلاً عن القيم المناطة بها, حتى الآن تبدوا وزارة التعليم العالي في ظاهرها حريصة على الطلاب وتفوقهم العملمي , وتبديء الرغبة بين الفينة والأخرى بمساعدتهم على ظروفهم المعيشية الصعبة بالغة التعقيد, لكن ما تكشفه الحقائق غير ذلك, فلحسان الحال ابلغ من لسان المقال , فهي حين فشلت في تنظيم المستحقات للطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج لجاءت إلى أسلوب الجمعيات الخيرية في رعاية الأيتام, ففي حفل تكريم أوائل الطلاب للعام الجامعي 2007 – 2008م الذي أقامته جمعية إقراء الخيرية بمركز رئيس الجمهورية لرعاية وتأهيل الأيتام, دعا الدكتور/ صالح على باصرة وزير التعليم العالي والبحث العلمي , التجار وأصحاب رؤؤس الأموال إلى مساعدة الحكومة في توفير مجموعة من المنح الدراسية للطلاب المتفوقين, وهذا ما تتبناه وزارة التعليم في المستقبل, لكن يبقى السؤال القائم هل سيتحول القطاع الخاص إلى ملاذ أخير للابتعاث الخارجي, في حالة أفصحت وزارة التعليم العالي عن فشلها في ذلك ؟؟ أم أن الطالب المتفوق لن يفكر في شيء اسمه (( منحة )) بقدر ما يفكر في شيء اسمه (( تحسين المعيشة )) .