لماذا لا يقدم الرئيس إقرارا بذمته المالية ؟
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 14 يوماً
الخميس 27 مارس - آذار 2008 04:05 م

مأرب برس – خاص

مرت فترة زمنية تقارب العامين على تشكيل لجنة(مكافحة الفساد) واقرار قانون اقرار الذمة المالية وبدء تطبيقه على شاغلي الوظائف العامة الا ان الرئيس صالح لم يقدم بعد اقرارا بذمته المالية وثروته الشخصية رغم حساسية منصبه كرئيس للجمهورية يشغل الموقع الأول في سلم الوظائف العامة ما يفرض عليه أن يكون القدوة في احترام الدستور والالتزام بتطبيق القانون وعكس ذالك يوحي بمدى حالة الانهيار والفو ضى والفساد التي وصلت اليها البلد كحصاد لـ3 عقود من حكم شبكة قوى المصالح .

 في الدول التي تتسلط عليها أنظمة الحكم الفردي يكون الزعيم الفرد هو الدستور والقانون والمال العام والجيش والثوابت والماء والهواء وكل شئ ، لكننا هنا أمام حالة صارخة نراها بالعين المجردة تهان فيها كرامة البلد وتداس قيم النزاهة والشرف ويلغى فيها أخر ما تبقى من اعتبار و أثر لنظام وقانون وبواسطة المسؤل الأول عن تطبيق القوانين والنظام ومن ناحية أخرى فان رفض أو تهرب رئيس الجمهورية عن تقديم إقراره بذمته المالية يعطي الضوء الأخضر والدرس العملي لوزرائه ومسؤليه بالتعامل مع القانون بنفس طريقة المسؤل الأول في الدولة .

قانون الذمة المالية في ذمة الله ام في ذمة الفساد ؟

ما يفسر عدم تقديم الرئيس اقرار ذمته المالية الى لجنة مكافحة الفساد يعود أصلا الى طبيعة تركيبة السلطة الحاكمة في اليمن والتي تقوم على الجمع بين ممارسة التجارة و مهام الوظيفة العامة ابتداءاً من أعلى الهرم القيادي في الدولة فالرئيس صالح الى جانب كونه رئيسا للجمهورية يستغل سلطاته ووظيفته العامة في الاشتغال بالأعمال التجارية وامتلاكه للشركات و قطاعاته الاستراتيجية وتوزيعه للأنشطة الاستثمارية على أفراد أسرته وموالين له وهذا بحسب شهادات لشخصيات مقربة منه في الحزب والسلطة وينسحب الأمر مباشرة على كافة مستويات السلطة اذ تنتشر ازدواجية ممارسه التجارة والوظيفة العامة في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية ويعد هذا الازدواج بحد ذاته سببا رئيسيا وجوهريا في عدم الامتثال لقانون الذمة المالية ومن ناحية أخرى فإن الجمع الحاصل بين الاشتغال بالتجارة والوظيفة العامة من اهم عوامل استشراء الفساد وفتكه باقتصاد البلاد واخلاقيات الناس و تلك الازدواجية هي أيضا التي منعت الرئيس صالح عن تقديم كشف بممتلكاته وثروته الشخصية بحسب قانون اقرار الذمة المالية ، هذا الى جانب ان عدم تطبيق القانون المشار اليه على جميع المشمولين ومنهم رئيس الجمهورية الذي يقع على رأس قائمة شاغلي الوظيفة العامة يوضح بجلاء عن انعدام الجدية وانتفاء ارادة حقيقية للاصلاح ووقف الفساد ونهب المال العام ، اذ ان مثل هذه الاستثناءات للرئيس أو لغيره هي بحد ذاتها ضربا للقانون وتمييعا له وافراغا له من دستوريته ومن ثم تجييره واستغلاله واضافته الى سابقيه من الأنظمة والهيئات والقوانين ليكون جزءاً من المنظومة القانونية لحماية مصالح قوى الفساد وتحصينها من المسألة والعقاب .

هل يرفض الرئيس قانون الذمة المالية ؟

الرئيس صالح لديه ما يخاف عليه من أموال وأرصدة واستثمارات فهو حريص بأن لا يفصح عنها وأن لا يقدم بها كشفا للجنة الفساد التي شكلها بنفسه ومع ذلك يصر الرئيس أن لا يقدم حتى اقرار شكليا ببيان ثروته الشخصية الى لجنة لن تستطيع أن تحاسبه أصلا لأن رئيسها مدير مكتبه ورئيس جهاز المخابرات ,فالشعب اليمني يعيش أغلبية ثلثيه تحت خط الفقر ومع استفحال الفساد وتضاعف مصالحه غير المشروعة على حساب تجويع السواد الأعظم ما تسبب ذلك في انهيار الطبقة الوسطى وصيرورة المجتمع اليمني الى فقر مدقع وجوع سافر فيما لم يجد الرئيس من حلول غير أن يهدد شعبه بالتجويع وبالمزيد من ارتفاعات الأسعار خاصة القمح الذي حدد قيمته حاليا عند سعر 7000 ريال للكيس وهدد بارتفاعه الى : 20000 ريال في حالة أنه غادر السلطة والى جانب ذلك فإنه وضع خيارات اخرى امام مواطنيه وهي أما أن يقبلوا بالفساد القائم ويصبروا الى ما لانهاية على الجوع والا فإن عليهم أن يشربوا من ماء البحر لكن الرئيس صالح الذي يعيش شعبه جوعا وفقرا وحياة ويطالبهم بشرب البحر يعيش هو في حال مختلف تماما فالرجل يمتلك مقاطعات زراعية شاسعة تمتد مساحتها بعشرات الكيلومترات .

ايرادات النفط والتي تعد أهم مورد سيادي للبلد يلفها الغموض و السرية و يتصرف بها الرئيس صالح كثروة شخصية بمنتهى الحرية بعيدا عن أية رقابة دستورية او تشريعية ويؤكد رئيس مجلس النواب الراحل الشيخ عبدالله الأحمر قائلا بأن : ( ايرادات النفط لاتسجل بحسابات رسمية ولا تقدم لمجلس النواب و لا أحد يعلم عنها شيئا) اذ انه ظلت الايرادات البترولية تستخدم في الانفاق العبثي على مراكز قوى الفساد وصناعة توزاناته وتمويل النزاعات والحروب الداخلية وكذلك في الاثراء الشخصي والسيطرة العائلية على القطاعات النفطية والاستراتيجية هذا بالاضافة الى أن تقريرا كانت نشرته مجلة الدبيلوماسي اللبنانية في أغسطس 2004 كشفت فيه عن جزء من ثروة الرئيس الصالح التي قدرت بالمليارات .

موازنة القصر الرئاسي هي شق الأخر لموازنة الدولة و منفصلة بنفس الوقت عن موازنة الحكومة وأرقامها مهولة وبنودها سرية وغير خاضعة للاشراف والرقابة الدستورية والتشريعية عليها وبنفس الطريقة يتم التصرف بها شكل فردي من قبل رئيس الجمهورية ولا أحد غيره يعلم عنها وعن أوجه صرفها شيئا كما هو حال إيرادات النفط وقد تم الكشف مؤخرا عن دخول يحي مقصع خال رئيس الجمهورية برأسمال مقداره 20 مليون دولار في شركة مساهمة لانتاج الأسمنت في منطقة حضرموت مع العلم ان المذكور ليس رجل أعمال وانما موظف في القصر الجمهوري وينتمي الى اسرة الرئيس صالح .

لا استثناءات . . وقائمة سوداء بالرافضين

وهنا نوجه تساؤل الى لجنة مكافحة الفساد وهو : هل تستطيع على الأقل الزام الرئيس صالح بالمثول لقانون الذمة المالية وتقديم إقراره المالي حتى يمكن الجزم بإمكانية نجاح القانون في أن يؤتي ثماره في مجال مكافحة الفساد من خلال تطبيقه على جميع المشمولين دون محاباة أو استثناءات ؟

بكل تأكيد تستطيع لجنة مكافحة الفساد أن تتخذ مجموعة خطوات بسيطة ستستطيع بواسطتها من الوصول الى تطبيق القانون على جميع المشمولين ابتداءاً من موقع المنصب الأول ، فيمكن أن تقوم هذه اللجنة في حالة جديتها واستشعارها لمسؤلياتها الوطنية والدينية بتفعيل مبدأ الشفافية عن طريق نشر قائمة سوداء وعرضها أمام الرأي العام بأسماء كافة الشخصيات الرافضة لتقديم اقرارات ذممها المالية وفقا للقانون مع مواقعهم الوظيفية في الهيكل الاداري للدولة مهما كانوا هؤلاء الاشخاص ومهما كانت مناصبهم ودون محاباة أو استثناء أحد ، وفي هذه الحالة سيجد هؤلاء الرافضين تطبيق قانون الذمة المالية عليهم بأنهم مكشوفين أمام الرأي العام وسيشعرون حينها أن الأضواء مسلطة عليهم وان ثرواتهم وممتلكاتهم هي حديث الناس وعند ذلك لن يكون بمقدورهم غير تقديم اقرارات بذممهم المالية وبما يمتلكون من أرصدة وثروات وفق مقتضى القانون