آخر الاخبار

الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف على غرار اقتحامات واتهامات نظام الأسد.. مليشيات الحوثيين تقتحم عمارة سكنية بمحافظة إب بقوة الحديد والنار وتروع سكانها اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا

برنامج الإخوان وحديث في النفس
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 23 يوماً
الأحد 21 أكتوبر-تشرين الأول 2007 08:14 م

مأرب برس - خاص

لعلّ من أهم أسباب وعوامل انتشار وتوسع حركة الإخوان المسلمين أنها حركة تعتمد الإسلام شرعةً ومنهاج حياة، وأنها كذلك استطاعت أن تخرج بالإسلام من الفكرة إلى الحركة، ومن مجرد العقيدة إلى ميادين وضروب الحياة المختلفة، فقدّمت هذه الحركة الإسلام إلى الأمة بمفهومه الواسع والشامل والمتجدد، وفق أصول الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح، هذا القدر من الاستمساك بالإسلام عقيدة وشريعة أمر تحسد عليه هذه الجماعة، منذ نشأتها، وإلى يومنا هذا، وقد لَقيت في سبيل هذا الطريق الكثير من العنت والظيم والإقصاء والمحن والفتن، مالا يخفى على أحد .

بيد أن هذا الحديث لا يعني الانتقاص من أخواتها الأخريات من الدعوات الإسلامية الراشدة التي قدمت الكثير أيضا للإسلام وللأمة، على اختلاف في الدرجات والفضل والسابقة، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

ولا يعني هذا أيضاً أن هذه الحركة غير قابلة للنقد والتصويب والنصح وتقويم وتقييم المسار والسير، على أساس من منهاج النبوة، فالدين النصيحة،كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

 كما أن النصح أيضا لا يستلزم دوماً النهي عن المنكر في كل الأحوال، بل يعني ابتداءً الأمر بالمعروف، وهذا الأخير هو الأسبق والأوجب في دنيا التناصح بين المؤمنين .

ولعلّ من أكثر القضايا الفكرية التي حظيت بالنقاش من نخبة من المفكرين والمثقفين، في الأوساط الإعلامية والصحفية هو برنامج الإخوان، وقد لقي هذا البرنامج الكثير من الحوارات والنقاشات والأطروحات الصحفية، لعل من أبرزها مقال الدكتور فهمي هويدي في الشرق الأوسط "الإخوان في برنامج حزبهم.. ظالمون ومظلومون" بتاريخ: الأربعاء 22 رمضـان 1428 هـ 3 أكتوبر 2007 العدد 10536، والمقال مع روعته كعادة مقالات الأستاذ هويدي إلا أني أختلف معه في بعض النقاط، كما سيأتي:

من أكثر القضايا التي نوقشت في البرنامج، قضية هيئة كبار العلماء التي يجب أن تكون هيئة استشارية للسلطة التشريعية، وخلو برنامج الجماعة من الإشارة إلى أحقية المرأة، وأحقية الأقباط في رئاسة الدولة، هذه القضايا الثلاث، تحدثت عنها الصحافة كثيراً، فيما لم يتحدث عنها علماء وفقهاء الشريعة ولم يدلوا بدلوهم بالشكل المطلوب، رغم أنها تمثل قضية من قضايا الدين الهامة، ومن قضايا الأمة الأكثر إثارةً للجدل، لا يجوز بحال غض الطرف عنها .

أولاً: قضية وجود هيئة من كبار العلماء وأنه يجب على السلطة التشريعية أن تطلب رأي هذه الهيئة التي فيها كبار علماء الدين في الأمة على أن تكون منتخبة أيضا انتخابا حرا ومباشرا من علماء الدين، حيث ضج الكثير من هذه المسألة، فيما الناظر الحصيف لا يرى ثمة إشكالاً في الأمر، إذا ما كان في الأمة أخصائيون شرعيون، لديهم آلة النظر والاجتهاد الشرعي الصحيح، فالنوازل والحوادث في مسيرة المجتمع الإسلامي متجددة دوماً وتتطلب هذا، بل وتفرضه، وعدم وجود علماء مجتهدون، أو عدم كفايتهم، في مراكز القرار في الأمة، يخشى أن يودي هذا إلى انحراف بسير الأمة ونظامها عن جادة الصراط المستقيم، حيث لا تكفي النوايا الحسنة والطيبة نحو الإسلام، بل لا بد أن يعزز هذا بالعلم الشرعي الكافي، سيما وأنّ تاريخ الأمة الإسلامية وفي أزهى عصوره كان هذا ديدنه على طول وعرض التاريخ الإسلامي، بداءً من عهود الخلفاء الراشدين، وإلى يومنا هذا، فالذين يريدون حذف هذه القضية من برنامج الإخوان هم يريدون من الأمة إما التخبط وإما الاحتكام إلى الهوى، وإلا فما الإشكال في الأمر؟!، والله تعالى يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43.

والتعلل والتحجج بالخوف والخشية من فكرة "الدولة الدينية" أمر لا مبرر له، فلعمري أليس الدستور المصري ينص على أن الإسلام دين الدولة، فما الغضاضة أن تنحو مصر نحو الإسلام، دين الله رب العالمين، وأن تقترب من دينها وثقافتها الأصيلة؟!!.

إن الدولة الدينية مرفوضة جملة وتفصيلا على الطريقة الكنسية النصرانية، لأن النصرانية دين حرّف وبدل وتلاعب به الأحبار والرهبان والقسس والبابوات، لكن قيام الدولة على أساس الدين الحق، وهو الإسلام، واجب وجوباً شرعياً دينياً، قال الله تعالى :{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13، ومن المعلوم أن وظيفة الحاكم في الإسلام التي تعارفت عليها الأمة هي إقامة الدين وسياسة الدنيا به . 

فالذين يخشون من الدولة الدينية قد يكون لديهم الحق كله إذا كانت هذه الدولة الدينية قائمة على الخرافات والخزعبلات والأباطيل، وصكوك الغفران، وقائمة على مبدأ "أغمض عينيك واتبعني" لكن أن تقوم دولة دينية على أساس الإسلام الدين الحق، القائم على الإخاء والحب والسلام والعلم والهدى، واحترام حقوق الأقليات، وضمان حمايتهم وسلامتهم، وتحقيق العدالة والمساواة والحرية، بين كل رعايا الدولة الإسلامية ومواطنيها، فتخوف أحسب أنه لا مبرر له، ولا يجوز أن نستحي من المناداة بالدولة الدينية، على هذه الأسس الربانية العظيمة .

على أن الدولة الدينية في الإسلام في حقيقتها دولة مدنية يقودها الدين والوحي المعصوم، ويحكمها النظام المؤسسي، وقائمة على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدالة والمساواة، والتعاون والتناصح بين الحاكم والمحكوم، وهو ما يختلف تماماً عن فكرة الدولة الدينية في الغرب، القائمة على السطو والظلم والاضطهاد ومصادرة حرية الرأي والفكر، والقائمة على الخرافات والأساطير، بسبب ما لحق الكتب المقدسة من تحريف .

لكن يبقى القول أن فكرة هيئة استشارية من كبار العلماء والتي وردت في برنامج الإخوان، فكرة صائبة ورائعة ورائدة، غير أنه يجب أن يكون فيها قدر من حق الإلزام والرقابة، ولا يكفي أن تكون هيئة استشارية، مجردة من كل شيء، بل يجب أن يكون القرار فيها للأغلبية من العلماء المجتهدين، ولهذا القرار صفة الإلزام إذا ما صدر من أهل الاختصاص والعلم والاجتهاد، لأن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، وأولو الأمر على الراجح من الأقوال هم العلماء والأمراء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59.

وإذا كنا نعيب على الحكومات الاستبدادية تسخيرها العلماء للفتيا حسب حاجة الحكام وأمزجتهم، فلعمري لعل الصورة تتكرر هنا حذو القذة بالقذة، إذا ما كان كبار العلماء فقط يستأنس برأيهم في الأمة، وتصبح آراؤهم للبركة وإضفاء المشروعية وحسب، دون أن يكون لها صفة الإلزام الشرعي، لا سيما في المسائل القطعية، غير المحتملة للخلاف .

الأمر الآخر: يظهر جلياً أن الحاجة ماسة لاسيما في مصر لهذه الهيئة من العلماء، حيث يقل كثيرا ذوو الاختصاص الشرعي، وقد يغض الطرف عن الفكرة في بعض البلدان، إذا ما كانت مراكز القرار فيها العدد الذي فيه الكفاية الشرعية للفتيا، لكن تشتد الضرورة والحاجة في تقديري في مصر، إذا قلّت أو خلت المجالس التشريعية والتنفيذية، وبالأخص الصف الأول من القيادات من العلماء والمجتهدين، فهنا يتعين الأمر ويصير لازماً وضرورياً.

 وبالتالي فليس هنا ما يدعوا لدهشة واستغراب الدكتور هويدي ولا غيره، من فكرة الدولة الدينية، وأن الجماعة لم تكن يوماً تكرس هذا المبدأ، إلا في عهد المؤسس حسن البنا، كما قال، بل الصحيح أن الفكرة نابعة من صميم الإسلام، وحاجة الأمة وظروفها، لا سيما في ظرفها الراهن، لكن على أن تكون هذه الهيئة ذات سيادة، وتتاح لها حرية البحث العلمي الشرعي وفق ظروف النص ومتعلقاته الواقعية.

وهذا لا يعارض بحال وجود سلطة تشريعية ومجلس نواب، حيث يبقى دور المجلس التشريعي سن القوانين فيما لا نص شرعي فيه، إضافة إلى الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ودور هيئة العلماء هو النظر في ما إذا كانت القوانين والتشريعات توافق الشرع الحنيف ولا تعارضه، وبالتالي لا معارضة بين الوظيفتين، إلا اللهم في حالة واحدة أن يكون المراد هو تبييت النية المسبقة في سن قوانين تخالف الشريعة باسم الشعب، ومن تحت قبّة البرلمان! .

ثانياً: فكرة خلو البرنامج من الإشارة إلى ولاية المرأة للدولة، هذه نقطة إيجابية تحسب للجماعة وبرنامجها الأصيل، ولست أفهم هنا سبباً للمناداة بولاية المرأة الولاية العظمى، في الوقت الذي أجمعت فيه الديانات السماوية الثلاث على كون المرأة ليست أهلا للولاية العظمى، من ذلك ما ورد في الإنجيل (العهد الجديد):

"أيها النساء اخضعن لرجالكن، لكن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء"  .

وهذا الخضوع الذي أشار إليه العهد الجديد، يتنافى مع ولاية المرأة على الرجال، فضلاً عن دين الإسلام الذي أجمع علماؤه من المتقدمين والمتأخرين على أن المرأة لا يجوز أن تتولى رئاسة الدولة، وهذا الإجماع قائم منعقد لم ينخرم بعد بإجماع آخر مثله أو أقل منه، ممن يعتد بهم من العلماء المجتهدين وإلى يومنا، ولي رسالة مفتوحة، نشرها موقع مأرب برس عن ولاية المرأة، أهديتها إلى الأستاذة توكل كرمان رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود بعنوان "رسالة مفتوحة إلى الأستاذة توكل كرمان" سردت فيها أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين في المسألة وبعض التفاصيل والتفريعات في الموضوع، مما لا أرى لزوماً لتكراره هنا، فليرجع إليها في موقع مأرب برس .

 هذا في الجانب العقدي الفكري، أما الجانب العملي فالدول المسماة بالعظمى وإلى هذه اللحظة ليس فيها رئيسة دولة واحدة، فكيف يريد منا المبطلون أن نكون نصارى أكثر من النصارى، أو أمريكيون أكثر من الأمريكيين؟!!، وأن نزج بالمرأة المسلمة إلى أتون محرقة السياسة، رغم أن العالم الأول لم يصل بعد إلى هذا المستوى من التحلل والتفسخ .

إن برنامج جماعة الإخوان الذي ألغى حق المرأة في الولاية العظمى(رئاسة الدولة) أحسب أنه برنامج نابع من صميم الإسلام، ويوافق ولا يخالف المتبقي من الديانات السماوية التي لم تطلها بعد يد التحريف، ونابع أيضا من ضمير الأمة وثقافتها وهويتها الأصيلة، يجب أن تعض عليه الجماعة بالنواجذ، وألا تستجيب لنداءات المبطلين، وذوي الأهواء والأمزجة والأذواق غير السليمة، أو أن تستجيب الجماعة للضغوط الدولية، بصورة أو بأخرى، والواجب أن تتتشبث هذه الجماعة بالإسلام، ولا يستخفنها المبطلون.

ثالثاً: مسألة حق الأقباط في الولاية العامة (رئاسة الدولة)، فالمسألة ليست أيضاً محل إشكال لا عند المسلمين ولا حتى لدى النصارى، على الحقيقة، وكما قال الدكتور هويدي في مقاله الآنف الذكر" فكرة الاحتفاظ بمنصب رئاسة الدولة لأتباع دين معين ليست بدعة في الدساتير الحديثة، إذ هي موجودة في اليونان والدنمارك وإسبانيا والسويد وانجلترا وبعض دول أمريكا اللاتينية" .

ولا أجد زيادة تذكر بعد كلام الدكتور فهمي، حيث لا عطر بعد عروس، كما قيل، إلا اللهم التأكيد على مبدأ الحرية الدينية في الإٍسلام، وأن الإسلام يرعاها غاية الرعاية، ولا يعني في الإسلام أن يكون رئيس الدولة مسلماً لا يعني هذا اضطهاد الأقليات غير المسلمة، كما فعلت الكنيسة في تاريخها الأسود، مع أتباعها وأعدائها على حد سواء، فالإسلام وعلى مدى تاريخه الطويل يحظى كل أتباع الديانات فيه بالحرية والسلام والعدالة والكرامة، وقد طفحت الكتب الغربية قبل الإسلامية بالحديث عن هذه الحقيقة .

ختاماً: رغم اختلافي مع جماعة الإخوان في بعض الرؤى والتفاصيل والاجتهادات، غير أني أجدني هنا في نهاية المطاف أقف في صف الموافق غير المخالف لما ذهبت إليه الجماعة في برنامجها لاسيما هذه النقاط الثلاث، داعياً إلى الثبات عليها وعدم التراجع عنها، كما أدعوا أن يقف علماء ومثقفو الأمة إلى صف دينهم وأصالتهم وقيمهم وعروبتهم، وألا ينجروا وراء الدعوات الغريبة على أصالتنا وترابنا وتراثنا الإسلامي المجيد، وأسأل الله الكريم أن يلهم المسلمين أجمعين جماعات وفرادى، حكاما ومحكومين للعمل بدينه، والاعتزاز بشرعه والحياة والموت على ذلك .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،

Moafa12@hotmail.com