ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا
* يثور جدل كبير في الشارع اليمني هذه الأيام حول مشروع قانون أقرته الحكومة اليمنية قبل عدة أسابيع وأحالته للبرلمان باسم (قانون حماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي) ولا يزيد عدد مواده على أربع عشرة مادة تضمن أغلبها إجراءات عقابية أخطرها ذلك الجزء المتعلق بحرية الرأي، ولم يتضمن مشروع القانون أية مواد تنص على كيفية حماية الوحدة الوطنية من خلال ما يمكن أن تقوم به مؤسسات التعليم والشباب والإعلام والثقافة والإرشاد الديني وكذلك دور المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني، أي أن القانون اكتفى بالتركيز على الأسلوب العقابي السلبي في تحقيق هذا الهدف النبيل وأغفل كلية الأسلوب الإيجابي فبدا كما لو أنه قانون يستهدف الانتقاص من الحريات باسم حماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي!
في الحقيقة أن فكرة وجود قانون لهذا الغرض هي فكرة نبيلة ومهمة بلاشك خاصة في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة العربية ككل وما يجري في بعض أقطارها من محاولات حثيثة لإحياء النزعات الطائفية والدينية والعرقية بما في ذلك اليمن الذي واجه في الآونة الأخيرة حرب عصابات سياسية بغطاء مذهبي وعرقي في منطقة صعدة، كما واجه كذلك محاولات دؤوبة لإحياء نزعات شطرية من خلال الحديث عن مشكلات عامة وكأنها تخص المحافظات الجنوبية فقط والتي كانت تشكل جمهورية اليمن الديمقراطية قبل عام 1990م، لذلك يمكن أن تكون فكرة إصدار قانون لحماية الوحدة الوطنية للبلاد أمرا في غاية الضرورة في مثل هذه الظروف، إلا أن من الأهمية بمكان أن تأتي مثل هذه القوانين كحاجة وطنية وليس كرد فعل، فالحاجة الوطنية تدفع باستمرار لصدور القوانين بروح إيجابية بينما صدورها كردود فعل يجعل منها ذات اتجاهات سلبية وهذا يذكرنا بقانون (العيب) الشهير الذي صدر خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، فقد صدر ذلك القانون كرد فعل على مساحة الحريات التي بدأت في عهده لهذا جاء كقانون قمعي لم يلق أي قبول ولم يكتب له الاستمرار وأصبح مجرد ذكرى تثير الضحك لدى المصريين.
المعارضة اليمنية أعلنت كالعادة معارضتها لمشروع القانون كما تعارض كل شيء وأي شيء دون أن تقدم أي رؤية بديلة، والمشكلة أن مشروع القانون بصيغته المطروحة ساعد المعارضة على أن تبدو على حق في قلقها على مستقبل الحريات في اليمن, فالمشروع وفر لها مادة غنية تصول وتجول بسببها وتثير الشارع السياسي اليمني وتستفز الدول الغربية ومؤسساتها المعنية برعاية العملية الديمقراطية في اليمن... ويرى كثير من المراقبين السياسيين أن القانون لو صيغ بحذق أكثر لكان سحب البساط على المعارضة بمعنى أنه لو تضمن في الأساس مواد تقدم رؤية لوسائل وأساليب ترسيخ وتعميق الوحدة الوطنية من خلال دور إيجابي لمؤسسات الدولة والمجتمع لتسبب ذلك في إحراج المعارضة ومنعها من الاعتراض عليه، أو على الأقل سيقسمها إلى قسمين في طريقة التعاطي معه... فالتياران الإسلامي والقومي في المعارضة كانا سيقفان بجانب القانون بكل تأكيد لو تمت صياغته بالصورة المشار إليها ربما مع بعض المقترحات لتحسينه، فيما كان التياران الانفصالي والإمامي سيعترضان عليه بالتأكيد باعتبارهما الخصمين الأساسيين لأي توجهات عملية ميدانية تعمق الوحدة الوطنية.
مر اليمن الشمالي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بتجربة فريدة فيما يخص تعزيز الوحدة الوطنية من خلال وحدة الرؤية المنهجية في التعليم والتقنين فذابت كثير من رواسب ومخلفات عصور الأئمة، فيما نجح الحزب الاشتراكي بسطوته وأمميته في جنوب اليمن خلال نفس الفترة في تجاوز المشكلات القبلية التي خلفها له الاستعمار البريطاني إلى حد معقول... إلا أن الاختلالات السياسية والاقتصادية التي حدثت بعد وحدة شطري اليمن عام 1990م – نتيجة اندفاع السياسيين للتعاطي مع التعددية وحرية الصحافة دون ضوابط – أنعشت الكثير من النزعات المذهبية والجهوية والقبلية والعرقية وفيما بعد الشطرية فلم تعد تجربة الرؤية المنهجية الفكرية الواحدة في التعليم والتقنين كافية للحد منها، وأصبح لزاما على المؤسسات المعنية بهذا الجانب أن تقدم رؤية جديدة تتفق مع المتغيرات الهائلة التي حدثت على الساحة اليمنية وهو ما لم يحدث حتى هذه اللحظة... وأهم من ذلك أن تقوم هذه المؤسسات الحكومية المعنية بالتعليم والإعلام والثقافة والإرشاد الديني والشباب بالاستعانة بجهود منظمات المجتمع المدني الفاعلة باعتبار الأمر يهم المجتمع كله وليس الحكومة فقط.
كان هناك تفاؤل في الحقيقة بأن يصاغ قانون حماية الوحدة الوطنية وفق رؤى جامعة بحيث تصبح العقوبات هي الخط الأخير في حمايتها، لكن مشروع القانون صيغ على عجل كما يبدو إذ عبر عن ذلك أحد المعنيين بصياغته بأن مواده تم تجميعها من عدة قوانين نافذة مع إجراء بعض التعديلات المشددة عليها... ولذلك يعتقد المراقبون أن الرئيس علي عبدالله صالح سيوجه بسحب هذا المشروع وإعادته إما للحكومة لإعادة صياغته بصورة تتناسب مع متطلبات المرحلة وإما لحوار الأحزاب الجاري حاليا بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان... وهذا الموقف المتوقع للرئيس صالح في نظر المراقبين ليس غريبا عليه فهو انتصر لحرية الرأي دوما في مواجهة (المكارثيين) طوال السنوات الماضية ، ناهيك عن أن المشروع يتصادم مع البنود الواردة في برنامجه الانتخابي بخصوص قضايا حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وإلغاء عقوبة حبس الصحافي، خاصة أن مواد المشروع صيغت بطريقة مطاطة تقبل التأويل عند التطبيق وقد تنحرف به في اتجاه لا يتفق مع الأهداف التي جاءت فكرة القانون من أجل تحقيقها, الأمر الذي سيزيد الساحة اليمنية توترا في ظرف دقيق وحساس يتطلب قدرا أكبر من التوافق بين القوى السياسية.