الأزمة اليمنية على مفترق طرق
بقلم/ علي مبارك ملص
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 26 يوماً
الخميس 09 يونيو-حزيران 2011 10:12 م

لا تزال الأزمة اليمنية تنتقل من منعطف إلى آخر هو اشد منه ولا يزال - وهذا ما يدعوا للغرابة والعجب الشديد - اللاعبون بخيوطها يصرون إصرارا شديدا على إلباسها لباس الغموض وثوب الإرباك وإن المتتبع لها لا يكاد عجبه يتناهى حتى ما يلبث أن يصطدم بصخرة تهوي به في مكان سحيق من الدهشة والاستغراب وكلما أمعن النظر فيها ليفك لغز أو يمسك بخيوطها عاد إليه البصر خاسئا وهو حسير وعلى دموية وقائعها وتناغم إيقاعها الدرامي تتشتت رؤى وتتطاير تحليلات وتقف الباب أهل الحجا والبصيرة دون أن يستطيعوا فك لغز من الغازها أو خيط من خيوطها

وإزاء هذا كله يبقى هذا الشعب المظلوم الواقع بين سندان النظام ومطارق اللاعبين بخيوطها هو الدافع الحقيقي لفواتيرها الباهظة والمتحمل الأساسي لآثارها الكارثية المدمرة فما يسفك من دم هو دمه وعلى أرضة وما تزهق من أرواح هي أرواح أبناءه وفلذات أكباده وما يخرب حقيقة هو واقعه ومستقبله والمستفيدون من ذلك كله هم اللاعبون بخيوطها واللاهثون وراء تعميق جراحها الغامقة ومع الأسف الشديد فإن كثير من أبناءه أو ممن يحسبون كذلك لا يلوون على ذلك في شيء ولا يحسبون له حساب بل أصبحوا إما أدوات جاهزة لأعدائه أو أبواق فاجرة لخصومه . ومع كل ذلك لا بد أن يفيق أبناء هذه الثورة على وقائع هذا الواقع الفضيع ويخرجون من عنق زجاجة هذه الأزمة المستحكمة

ومهما يحدث في ظل هذه الأزمة ومهما استخدم النظام ومن وراءه من استراتيجية الإرباك للفاعلين في هذه الأزمة فإن المدقق يرى أن كل ما يحصل ما هو إلا لعب بالحبال أو قل تلاعب بذقون الرجال فالنظام ومن يريد له طول بقاء لاشك أنهم قد وضعوا ورتبوا الكثير من الأوراق على الطاولة وكلما احترقت واحدة دفعوا بالأخرى وقد افلحوا في جانب إطالة أمد هذه الأزمة لكنهم بالمقابل فشلوا في أن يجنوا منها إلا بريق الاحتراق وتطاير الرماد . والسؤال الذي يجب أن يطرح اليوم ماذا على الثوار أن يفعلوا وماذا على من ناصروهم أن يلتزموا وفي ظني أنه وبعد أن آلت هذه الأزمة إلى هذا الحال من خروج أو إبعاد الفاعل الحقيقي فيها وهو رأس النظام لا بد أن تحدث بعض الأمور حتى تبلغ الثورة مدتها وتحط الأزمة رحالها ويقطف الثوار ثمرتها ومن هذه الأمور ما يأتي :

1- يجب أن تستكمل الثورة أجلها وتكمل نجاحها لأنها هي العامل والفاعل والمحرك الأول لها وإن حاول النظام وأعوانه ومناصروه أن يبعدوها عن ساحة النزال وأن يصوروا وكأنما هي ذيل لخصومه ويقزموا حجمها ويطفئوا جذوتها وهم يعلمون أن خصومهم لو لاها لما وقفوا في وجوههم هذا الموقف وينبغي على شبابها وقادتها أن يتماسكوا في آخر لحظة من لحظاتها ويعلموا أن أحلك لحظات الليل ظلمة هي اللحظة التي تسبق الفجر وأن ينقضوا على البقية الباقية من آثار هذا النظام المتهالك وأن يسدلوا الستار عنه وإلى غير رجعة وبنفس الوسائل التي التزموها في بدايتها وختموها في نهايتها .

 2- أن يعي كل من ارتبط بهذه الثورة أو دعمها بأنه جزء لا يتجزأ منها وأنه محقق لهدفها وناصر لقضيتها وأن الوصاية عليها لا تنبغي إلا منها ومن خلالها فهي لم تلد ناقصة ولم تترعرع قاصرة فيجب على الجميع أن يكونوا عونا لها لاستكمال أهدافها وتحقيق غاياتها وبالتالي يكون الجميع والجميع بلا استثناء هو المشارك فيها والقاطف لثمرتها .

3- أن من يعتقد الوصاية على هذا الشعب الأبي والمظلوم عليه أن يدرك كل الإدراك إنما هو في حقيقة الأمر يضع جميع البيض في سلة واحدة وأن ما يخلطه من أوراق وما يحدثه من ارباك للمشهد اليمني على جميع المستويات أو إضعاف لثورته وشبابه لتحقيق هدفه المنشود وتمرير مخططه المقصود إنما يحفر بذلك بينه وبين هذا الشعب حفرة قد يكون هو أول الساقطين فيها والخاسرين منها ويجعل بينه وبينهم هوة يصعب مع الزمان ردمها وخصوصا إذا كان ذلك المقصود منه إطالة هذا النظام المتهالك وتشجيعه على الإيغال في الدماء والفساد وليس من ذلك غاية سوى الحفاظ على المصالح والتشبث بالنظام ولو كان طالحا .

4- ليعلم الساسة الهرمون والذين اصبحوا لأي فرصة يتلقفون من أجل تحقيق مآرب خاصة ومطالب عفا عليها الزمن قد تكون صحيحة أو مقبولة قبل إشعال هذه الثورة المباركة أما وقد أصبحت الثورة في نهايتها وقريبة من قطف ثمارها فلا يسعهم اليوم إلا أن يكونوا والثورة على كلمة سواء وتكاتف على اجتثاث ما تبقى من أثر لهذا النظام ومعلم لهذا الظلم المقام فلا يصح اليوم الإذعان لرغبة نفس جامحة أو ضغط جاء من هنا أو هناك بل لابد من استكمال الطريق وإن عاد أي عائق أو تعويق .

5- أن يتعرف الجميع ويعي ما قام به النظام في خلال الفترة المنصرمة إنما هو عبارة عن رقص الطائر المذبوح وأن جميع الأساليب والطرق ماهي إلا عبارة عن وسيلة لإجهاض الثورة وأن ما تحمله الثوار أو من ناصرهم ليس كونهم خصما للنظام وحده بل إن النظام خصم للجميع فهو قد يستهدف طرف من اجل ذر التراب على العيون أو تشتيت الرأي العام أو إشغال أطراف الثورة بإشعال حرق هنا وإحداث نيران هناك وفي النهاية فإن ذلك يصب في هدف واحد هو إجهاض الثورة وتشتيتها أو على أقل تقدير تأخيرها عن بلوغ أهدافها 

6- أنه وبعد أن وصلت الأزمة إلى مراحلها الأخيرة وفصولها النهائية فإنها اليوم تقف في مفترق طرق لا بد أن تختار فيه أما الانفراج وتحقيق الأهداف وإما التشتت واختلاط الأوراق والأول بلا شك هو نجاحها والثاني بلا شك هو الهدف الاستراتيجي للنظام وأعوانه وأن هذان الأمران متلازمان ومتضادان لا بد أن يدفع أحدهما الآخر وأن هذه سنة التدافع في الكون ولولاها لما عمرت أمه ولا انتصرت ثورة وإن أي أسلوب أو طريق للجمع بينهما إنما هو ضرب من محال وجمع بين المتضادات والمتناقضات فلا بد أن تختار الثورة طريقها الذي رسمته وتحقق هدفها الذي اختطته وتحذر لجميع الأساليب الذي يريد استدراجها إلى الجمع بين المتناقضات أو التراجع عن أهدافها المرسومة وغاياتها المطلوبة