بطالة إبليس
بقلم/ عمار الزريقي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 6 أيام
الإثنين 05 مارس - آذار 2012 12:26 م

تَثَاءَبَ مَخْذُولاً عَلَـى هَامِـشِ النّجْـوَى

كَمَا يَقْرَأُ النّسْيَـانُ ظَرْفـاً بـلا فَحْـوَى

وَأَطْلَقَ مِـنْ أَقْصَـى أَقَاصِيْـهِ زَفْـرَةً :

لَقَـدْ أَوْرَثَتْنِـي عَيْلَـةً مِهْنَـةُ الإغْــوَا

أُفَتّـشُ إِنْسَانِـيّـةَ الـنّـاسِ ذَاهِــلاً

فَأَلْقَى فُؤَادِي وَحْـدَهُ سِـدْرَةَ التّقْـوَى

شَيَاطِيـنُ هَـذِي الأرْضِ قَطْعـاً تَفَوّقُـوا

وصَارَ وُجُودِي بَيْنَهُـمْ فَاقِـدَ الجَـدْوَى

أَلِيْ بَيْنَهُـمْ شُغْـلٌ؟! هُـرَاءٌ، وَظِيْفَتِـي

غَدَتْ في مَهَبّ الرّيحِ ، ما هَذِهِ البَلْـوَى؟!

تَطَـوّرَ مَفْـهُـومُ الغِـوَايَـةِ هَاهُـنـا

فَأَيْقَنْتُ أَنّـي لَـمْ أَعُـدْ بَيْنَهُـمْ كُفْـوَا

وأَصْبَـحَ عِلْمـاً مَارِقـاً عَـنْ أُصُولِـهِ

بِآلِـيّـةٍ أَهْــدَى ونـازِيّـةٍ أَهْــوَى

وشَرْعِيّـةٍ لَـمْ يُـؤْتَ إِبْلِيـسُ مِثْلَهَـا

ولا راقَبَـتْ يَوْمـاً صَنادِيقَهَـا حَــوّا

**

*

أَنَـا حَائِـرٌ مِـنْ أَيّ وَجْـهٍ سَأَبْـتَـدِي

وأَيّ قُوَى الطّغْيَانِ يَسْتَضْعِـفُ الأَقْـوَى؟

وأَيّ مَعَانِـي الرّشْـدِ أَهْـدَى ضَـلالـةً

وأَيّ جِهَاتِ الغَـيّ مِـنْ أَيّهَـا أَغْـوَى؟

سَأَقْصُـدُ هَـذَا الـدّارَ ذَا القُبّـةِ الّتِـي

تَكَـادُ تَقُـدّ الضّـوْءَ أَحْجَارُهَـا زَهْـوا

إِلَيْـهِ فُضُولِـي كَـانَ يَقْتَـادُ خُطْوَتِـي

وطَيْـفُ يَقِيْـنٍ فِـيّ يَسْتَثْقِـلُ الخَطْـوَا

هُنا مَجْلِسُ النّوّابِ ، عِمْتُمْ ضُحَـىً، أَنَـا

رَسُولُ النّوَايَا البِيْضِ مِنْ هَيْئَـةِ الطّغْـوَى

تَفَضّـلْ ، وكَانُـوا دُوْنَ تِسْعِيـنَ شَارِبـاً

ثِخَاناً، ووَحْدِي كُنْتُ مِنْ بَيْنِهِـمْ نِضْـوَا

وأَطْرَقْـتُ حَتّـى حاصَرَتْنِـي بِمَقْعَـدِي

وُجُوهٌ مِنْ الإسْفَلْتِ تُغْـوِي ولا تُغْـوَى

وقَدْ هَالَنِي مِعْشَـارُ مـا فـي ضَمِيْرِهِـمْ

مِنْ الزّورِ والتّضْلِيلِ والإثْـمِ والعُـدْوا...

تَخَشّبَ في حَلْقِـي لِسِانِـي ، ومَنْطِقِـي

لأوّلِ يَـوْمٍ صَـارَ يَسْتَحْسِـنُ الّلـغْـوَا

لأنّ أَكَادِيْمِيّـتِـي فــي مَقَـامِـهِـمْ

غُثَـاءٌ قَدِيـمٌ فـي مِلَفّـاتِـهِ أَحْــوَى

فَأَمْسَكْتُ عُكّـازِي وأَزْمَعْـتُ خَارِجَـاً

وواللهِ مَـا أَدْلَيْـتُ فـي بِئْرِهِـمْ دَلْـوَا

**

وفـي ساحـةِ التّحريـرِ تَبّـتْ خِيامُـهُ

مررتُ فلا حيّـا ولا قـالَ لـي قـوّى

تباركَ مَـنْ إن مَكّـنَ النّـاسَ أفسـدوا

وسُبْحانَ مَنْ آوَى إلـى الخيمـةِ البَـدوا

**

قطعت الزبيـري راجـلاً نحـو مسجـدٍ

مناراتـه خمـسٌ تــلألأن بـالأضـوا

فأوقَفَـنـي حُـرّاسُـهُ عِـنـدَ بـابِـهِ

ولم يسمحوا لي قبلَ أن أخلعَ السِّـروا...

ولـم أكُ مُضْطَـرّاً ولا حـولَ لـي هنـا

ولكننـي طاوعـتُ وِسْوَاسَهُـمْ سهـوا

ومِـن حَيـثُ لا أدري تَبَيّنـتُ أنـنـي

صحوتُ وقد أصبحتُ في حِزْبِهِم عُضـوا

**

**

شَكَوْتُ إِلى المَشْفَـى صُدَاعـاً أَلَـمّ بـي

وَعِنْدَ خُرُوجِي أَصْبَحَتْ صِحّتـي أَسْـوَا

مُرُوراً على قِسْمِ الطّوَارِيْ وَجَـدْتُ مَـا

يَشِيْبُ لَـهُ الوِلْـدَانُ مِـنْ أَبْشَـعِ الأَدْوَا

زَبَائِنُـهُ المَرْضَـى يَمُـوتُـونَ عُـسْـرَةً

ومُخْتَبَـرَاتٌ فَيْـهِ تَسْتَثْمِـرُ الـعَـدْوَى

خَرَجْتُ ونِصْفِـي مَيّـتٌ فـي حَقِيبتـي

ونِصْفٌ مُصابٌ يَنْشُدُ الصّبْرَ والسّلـوا...

ومَن لـم يَمُـتْ بِالـدّاءِ مـاتَ بِحُقْنـةٍ

ومَن ذاقَ مُرّ العَيْشِ ذاقَ الـرّدى حُلـوا

**

سَأَطْـرُقُ أَبْوَابـاً وأَطْـوِي شَـوَارِعـاً

وأَتْرُكُ هَذَا البَحْـرَ فـي غَزْوَتِـي رَهْـوَا

وإِنْ كَانَ لا يَبْـدو لِـيَ الأَمْـرُ مُقْنِعـاً

ولكنّمـا الإفْسَـادُ لِـيْ غَايَـةٌ قُصْـوَى

وفي بابِ سوقِ العـدلِ أَلْفَيْـتُ قَاضِيـاً

ب(2000) يَقْضِي دُوْنَ أَنْ يَسْمَعَ الدّعْوَى

**

تَوَجّهْتُ نَحْـوَ القَصْـرِ أَجْتَـرّ خَيْبَتِـي

أَنُـوْءُ بِأَسْفَـارِي وَأَجْـأَرُ بِالشّـكْـوَى

عَسَـى هَاهُنَـا أَنْ يَقْضِـيَ اللهُ حَاجَتِـي

وَأَظْفَـرَ بِالمَطْلُـوبِ فـي آخِـرِ المَثْـوَى

فَأَبْصَرْتُ كَهْـلاً رَأْسُـهُ عِنْـدَ فَخْـذِهِ

وَعَيْـنَـاهُ تَبْـتَـزّانِ زُوّارَهُ عَـــدْوَا

يَصِيحُ بِأَعْلَـى الصّـوْتِ إنّـي إِلَهُكُـمْ

ويَضْرِبُ طَبْلاً وَهْوَ مِـنْ طَبْلِـهِ أَخْـوَى

فَخَامَـتُـهُ مَثْقُـوبَـةٌ مِــنْ قَذَالِـهَـا

وأَهْدَابُهُ في الصّحْوِ لا تَعْـرِفُ الصّحْـوَا

يَصُبّ كُئُوسـاً مِـنْ دِمَـاءٍ ويَحْتَسِـي

ومِنْ حَوْلِهِ حَشْدٌ مِـنَ الأُمّـةِ النّشْـوَى

**

سَأَقْصُدُ سُوقـاً خَامِسَـاً عَـلّ سِلْعَتِـي

تَرُوجُ وأَلْقَـى بَعْدَهَـا المَـنّ والسّلْـوَى

هُنَا مَجْلِسُ الشّورَى ، صَبِيٌّ أَشَـارَ لِـيْ

يَسَاراً، تَرَى مِنْ خَلْـفِ أَسْـوَارِهِ بَهْـوَا

أَلا تَـبّ هَـذا الـدّارُ قَصْـدَاً دَخَلْتُـهُ

فَأَخْرَجَنِي فِـي فَـرْثِ أَحْشَائِـهِ عَفْـوَا

خَرَجْتُ ورَأْسِي دُونَ رَأْسِـي، ولِحْيَتِـي

ُمَرّغَـةٌ فـي لَحْظَـةٍ تُشْبِـهُ الفَـسْـوَا

وفي جَبْهَتِي آثَـارُ رَفْـسٍ وفـي فَمِـي،

وذاكِرَتِـي كَـالأَرْضِ مَدْحُـوّةٌ دَحْـوَا

**

إِلَى الهَيْكَلِ الصّخْـرِيّ هَـذا الّـذِي أَرَى

أَمَامِـي لَعَلِّـي عِنْـدَهُ أَبْلُـغُ الرّجْـوَى

سَأَسْأَلُ ذَا الشّرْطِـيّ مَـا هَـذِه البُنَـى؟

- قِيَادَةُ أُمِّ الجَيْشِ فـي ذَلِـكَ المَحْـوَى

وفَاجَأَنِـي أَدْهَـى لُصُـوصٍ عَرَفْتُـهُـمْ

مِنَ القَائِدِ الأَعْلَى إِلَى الحَـارِسِ البَـوّا...

فَقَدْ فَتّشُـوا أَخْفَـى مَسَامِـي وَأَوْغَلُـوا

بِسِرْوَالِيَ السِّـرِّيِ واسْتَمْـرَأُوا السّطْـوَا

وقَـدْ كَسّـرُوا نَظّارَتِـي ثُـمّ قَـرّرُوا

خُرُوجِي عَلَـى آثَـارِ أَقْدَامِهِـمْ حَبْـوَا

وبَعْـدَ اعْتِقَالِـي وَظّفُونِـي مُـراسِـلاً

أَقُصّ إِلَى بِلْقِيْسَ عَـنْ مَـا نَـوَتْ أَرْوَى

**

**

إلى ساحـةِ التّغييـرِ واصلـتُ جَولَتـي

فَرَحّبَ بـي ثُوّارُهـا فَـوقَ مَـا أَهْـوَى

تَحِيّتُهـمْ : ( حَيّـا بهـم ) كُلّمـا أتـى

غريبٌ، وضمّـوا بيـنَ أطيافِهِـم صِنـوا

نَصَبْتُ بِأَعلـى شـارعِ العـدلِ خَيْمَتـي

بلا أيّ تَرْخِيصٍ، فسبحانَ مـن سـوى!

ولَـمْ ألـقَ شُغْـلاً ثَـمّ إلا بَطَالَـتِـي؛

فَأَمْضَيتُ شَهْراً أَمضـغُ القـاتَ والّلهـوا

تَعَلّمْتُ فيها – يا لَحَظّ الغريـبِ – مِـن

تقاليدِهِـم أشيـاءَ لا تقبـلُ المَـحْـوَا

وأبصـرتُ نُوّابِـي مِـن الإنـسِ، ثلـةٌ

بلا اسمٍ، وأخرى باسمِ مجموعةِ الإخوا...

يُـؤدّونَ شُغلـي باحتـرافٍ مُمَنـهـجٍ؛

فقد يصنعون السّمُّ فـي قالـبِ الحلـوى

ولمـا أحَسّـوا بـي رمونـي بِـحِـدّةٍ،

وشنّـوا علـى برنامجـي حملـةً شعـوا

**

أَعُـوذُ بِـرَبِّ النّـاسِ مِــنْ آدَمِـيّـةٍ

رَمَتْ تَحْتَ عَيْنِ الشّمْسِ أَخْلاقَهَا سَهْـوَا

ومِنْ شَـرِّ حُكّـامٍ غِـلاظٍ بِـلا هُـدَىً

يَثُورُونَ مِـنْ أَعْلَـى وَيُـرْدُونَ بِالفَتْـوَى

أَمَـا هَـذِه الأَرْضُ الّتِـي قِيْـلَ إِنّـهَـا

قَدِيْمَاً حَوَتْ فِي سَفْحِهَا جَنّـةَ المَـأْوَى؟

فَمِنْ أَيِّ بَـابٍ جَاءَهَـا رِيْـحُ نَحْسِهَـا

لِيَرْكُضَ فِيْهَـا المَـوْتُ كَالنّاقَـةِ العَشْـوَا

إِذَا (بَنْشَـرَ) القَانُـونُ فِـي أَيِّ دَوْلَــةٍ

هَوَتْ واسْتَبَدّتْ بَعْـدَهُ سَطْـوَةُ الأَهْـوَا

**

بـدأتُ أضيـقُ الآنَ جهـلاً بمـا هنـا

رأيتُ ، وناءت بي على كاهلـي الأنـوا

فما جئتُ إلا كـي أُكَهْـرِبَ جَوّكـم؛

وقـد كَهْرَبَتْنِـي عُنْـوةً هـذِهِ الأجـوا

وكنـتُ أناديكـم إلـى النـارِ، إنـمـا

غدوتُ بنفسي تحـتَ نيرانِكـم أُكْـوَى

فشكراً لكم.. شكـراً جزيـلاً لأنكـم

غَسَلْتُم دماغـي واعْتَنَيْتُـم بـه طهـوا

ومِنْ فَضْلِكُم أدركتُ كَمْ كنتُ ساذجـا،

وكم كانَ رأسي قبـلَ أيّامِكُـم رَخْـوا

وكانَتْ حـروفُ الجَـرّ تحشـو فراغَـهُ

وأسمـاءُ الاستفهـامِ تطفـو بـه طفـوا

وقد كنتُ أروي حولَ نَظْمِ ابـنِ مالـكٍ

ثمانينَ شرحاً توجـزُ الصـرفَ والنحـوا

وبالرغـمِ مِنهـا لـمْ أَقُـلْ قَـطّ جملـةً

خَلَتْ مِن زُحافِ القبضِ واللّحنِ والإقـوا

**

هُنا حيثُ كـانَ البـدءُ أُنهـي مهمّتـي

أطوي كتابـي عاجـلاً قبـلَ أن يُطـوى

أنـا راحـلٌ مهمـا أَلَحّـتْ مفاصلـي

لأبقى، ومهمـا صـوتُ شرعيّتـي دوّى

ألا إن بعد العُسـرِ يُسـرا، فـلا تَهِـنْ،

ومن رَحِمِ الإظلامِ قـد تولـدُ الأضـوا