هزة قلم! الأصابع النازفة!
بقلم/ د.محمد الدبعي
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و 14 يوماً
الأحد 19 أغسطس-آب 2018 03:29 م
 

تحركت الآليات العسكرية والمدرعات لتطوق جميع المداخل، وتدفقت حشود الجند وشددت الخناق على كل المنافذ، وأطبق على المكان صمت رهيب، ثم انهمر الرصاص من كل إتجاه بغزارة كأن السمآء تمطر رصاصا وبارودا وقنابل غاز، وانهارت سيول الديزل من الشاحنات المعدة لذلك وانفجرت فوهة جهنم من تحتهم لتلتهم النيران الخيام الممتدة على عدة كيلومترات بمن فيها من الأبريآء الركع السجود، رجالا ونسآءا، شيوخا وشبابا وأطفالا.
إشتعل الميدان بأكمله، وتعالت الصرخات وعلى النحيب،
وشقت هدؤ سمآء القاهرة دعوات الإستغاثة، وتطايرت الصحف وهاجت الأرض وماجت بمن في ذلك المكان، وارتفعت ألسنة النيران، وتفحمت الجثث، واختلطت الدمآء بالديزل، وروائح الجثث المتفحمة برائحة الدخان والبارود، ثم بعد فترة من الزمن انقشع الدخان وتوقف الرصاص وهدأت النيران وخمدت لكن جذوة المحرقة لم تنطفئ في قلوب من حضرها وشاهدها، وقلوب ذوي القتلى والجرحى والمختطفين.

في صبيحة الرابع عشر من أغسطس 2013 كان العالم كله على موعد مع هذا الفيلم الدراماتيكي والذي يبدو للوهلة الأولى أنه من الخيال العلمي للمخرج الكندي جيمس كاميرون، او من أفلام الخيال الدموي للمخرج الأمريكي كوينتين تارانتينو، والذي يجري تصويره للتو في قلب مدينة القاهرة، أو كأنه تصوير لمشهد من مشاهد يوم القيامة حين هاجمهم الزبانية من فوقهم ومن أسفل منهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا.

لقد قرر العسكر حرق البلد، والإطاحة بالرئيس المنتخب، وصنع محرقة للمعتصمين المدافعين عن شرعية الرئيس والذين ربما كان ذنبهم الوحيد الذي يستحقون عليه تلك المحرقة أنهم محبين لبلدهم مصر.

محرقتان فضيعتان في وقت واحد: واحدة في رابعة والأخرة في النهضة تجعلان الولدان شيبا. عدد الشهدآء تجاوز الستة آلاف إلى جانب المئات من الجرحى، وإحالة المئات منهم إلى القضاء، لتنصب لعدد كبير منهم بعد ذلك المشانق في السجون في محاكمات عسكرية سرية هزلية تشبه إلى حد كبير محاكم التفتيش في أسبانيا في القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي.
أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث كما وصفته منظمة هيومان رايتس ووتش، وشاهده العالم كله في بث مباشر.
صورة تظل شاهدة على إجرام الطغاة وأعدآء الإنسانية والأوطان، على مر العصور تحكي أن ثوارا أوفيآء لوطنهم وأمتهم أحرقوا هنا.
"ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار!"

شهر ونصف تقريبا هي المدة التي مكثها المعتصمون السلميون في رابعة والنهضة معلنين رفضهم للإنقلاب.

أربع أصابع خالدة! شاهدة على إنحطاط العالم وموت الضمير الإنساني!
السبابة، الوسطى، الخنصر، البنصر أصابع اليد الأربعة، شعار رابعة، في شكل كف مفتوحة تقطر بدم الضحايا الطاهر النازف لتروي أرض مصر الكنانة، شعار رفعه مؤيدو الرئيس المغدور به محمد مرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر".

في الذكرى الخامسة لمجزرة رابعة التأريخية نسطر هنا ونقول أن:
شعار "رابعة" لوحة إنسانية فريدة تأبى النسيان!
"يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء. لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار!"