العاطفة السياسية في ستار أكاديمي : من إعدام صدام إلي إحياء شذي ليلة المولد النبوي!
بقلم/ فوزي عزالدي
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 17 يوماً
الجمعة 13 إبريل-نيسان 2007 07:55 ص

مأرب برس ـ فوزي عزالدي

ضرب برنامج ستار أكاديمي في نسخته الرابعة الذي تبثه قناة ( LBC ) اللبنانية أكثر من عصفور بحجر واحد، حين تواطأ المشرفون عليه لتتويج العراقية شذي بلقب النجمة الأولي، محققين رجة إعلامية، كان البرنامج في أشد الحاجة إليها بالنظر إلي تراجع أسهمه في المدة الأخيرة، سواء بسبب اضطراره للتعايش مع نوعية مماثلة له مثل Xfactory بقناة روتانا و سوبر ستار علي قناة المستقبل وأخيرا وليس آخرا، ستاراك المغرب العربي علي قناة نسمة TV ، أو بسبب كشف المستور عن بعض الأساليب الملتوية المنتهجة مع المتسابقين، خصوصا من ممثلي دول تعاني من الخصاصة الديمغرافية أو الخصاصة البترولية.

كانت شذي ذات المدلول الرومانسي ممثلة العراق في المزاد الفضائي. لا أحد اختارها ولكن الكل تبناها، ولا أحد سينتفع بنجوميتها، ولكن الكل بايعها، عندما ضربت العاطفة السياسية موعدا مع التاريخ ـ وهي قلما تخلف مواعيدها، موهمة الكائن المنتمي إلي رقعة جغرافية عربية بكونه يخوض معركة شرف لا يمكن الخروج منها منتصرا، إلا إذا انتصر علي مداركه العقلية، وتحول إلي آلة تعبث بلا هوادة بأزرار الجوال.. ووفق منطق التشريف ذاته، يكون فشل التونسية مروي والمصري محمد واللبناني كارلو نوعا من الخيانة الوطنية!!

أما العصفور الثاني الذي ضربه حجر ستار أكاديمي فيتمثل في تقديم خدمة سياسية، لا تقدر بثمن، حين زامن اعتلاء شذي علي منصة التتويج، الاحتفال بليلة المولد النبوي الشريف في محاولة استعادية لتطهير التوظيف السياسي للمقدسات الزمنية، والتي أصر فيها الفاعلون في العراق علي اهدار دم صدام حسين ليلة عيد الاضحي المبارك، وليت هذه الخدمة المسبقة الدفع، توقفت عند هذا الحد، فالعراقية شذي، غدت رمزا للشباب العراقي الجديد وعنوانا للمرأة العراقية المتحررة، والتي ما كان لها أن تصدح بصوتها وتتنافس في المحافل الدولية، لولا غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، فعندما تعوز الادارة الأمريكية الحجج وتفتقد لأي ذريعة نتكفل نحن العرب، بتوفير أسباب التمديد في أنفاس خطابها السياسي المتشدق بنجاح مهمتها النبيلة في أرض دجلة والفرات.

وتتكثف دلالات العاطفة السياسية المتدفقة من قمّة النجوم.. لتنظر بعين الرحمة والغفران لما صدر عن قمّة العرب من توصيف خارج السيطرة للعاهل السعودي الملك عبداللّه بن عبد العزيز حين فاجأ الادارة الأمريكية، مستبدلا مصطلح التحرير الأمريكي بمصطلح استعماري صادحا بأن العراق تحت الاحتلال .

العراق كعلامة تجارية

أسبوع فقط، بعد هذا التصريج الذي أحدث شرخا في العلاقات الديبلوماسية السعودية ـ الأمريكية، توفر قناة ( LBC ) التي يمتلك الوليد بن طلال أكثر من نصف رأسمالها، طوق النجاة، وحبل الالتفاف علي ما تخلد بالذمة السابقة الذكر، فتتعامل مع لفظة العراقية كعلامة تجارية صالحة للتوظيف في البازار السياسي، ولم تمض سوي ثوان علي استثمار المعطي العراقي حتي كانت قناتا الحرة و CNN في انتظار هذه التمريرة الفضائية، لتضع الكرة في مرمي المصالح الأمريكية، الراهنة والبعيدة.

سوّقت شذي كمنتوج سياسي يؤشر علي الشباب العراقي المتألق والمبدع، من ناحية، وعلي مواطنين عراقيين يحبون وطنهم كما لا يحبه أحد ، ولديهم ما يكفي من الترفيه، لكي يصوتوا بما لا يقل عن 7 ملايين صوت، فمن قال ان العراق تشقه الطائفية، وتحت طائلة الحرب الأهلية، وفي ذمة المجهول.!!

فات خُدّام البيت الأبيض، ان اللغة سلاح ذو حدين، قد تضمن الاطاحة بعدد من الأطروحات والمقاربات للمتعاطفين مع العراق، لكنها قد تضمر عكس ما تقول، والقول والتقول صناعة عربية محضة، لا نبدع في شيء مثلما نبدع في استنطاقها ومساءلتها حتي ان ألحقناها بموروث المؤامرات، فلئن أصبحنا في رمشة عين العار الفضائياتي، نتحدث عن عراق شذي بعد أن كنا نتحدث عن شذي العراق فإن أصحاب النوايا المبيتة وقعوا في فخ التسلل الدلالي، عندما لم يتفطنوا إلي أن شذي عراقية، نعم ولكنها ليست من العراق، وغير مقيمة به، وان عقدا ونصف من عمرها الذي قضته في عاصمة الأنوار باريس، قضاه العراق ما بين الحصار والاحتلال.. ومن أجل شذي أعطيت الأوامر ذات النفوذ المدني لكي لا ينقطع النور الكهربائي للمرة الأولي وربما الأخيرة منذ الغزو الأمريكي للعراق، وأعطيت الأوامر ذات النفوذ العسكري لكي يتجند الاعلام العراقي بمختلف مشاربه لإذابة الخلافات الطائفية والعرقية، بالتوحد المزعوم حول نجمة العراق المفترضة والمتلألئة خارج سمائه وأرضه، والممثلة للوطنية العراقية، بعيدا عن معناها الطيني

انتخابات الجوّال

وتحت حمية الوطنية زاد ثراء الشركة اللبنانية للاتصال، وتحول المتفرج العربي من شاهد إلي شهيد، فقد كان مشتاقا لتعويض حقه المكبوت في التصويت المحلي، فأقبل علي صناديق التصويت ظنا منه أنه يتلهي ويحقق ذاته بإيصال صوته إلي من يحب، إلا أنه افاق علي الرسم البياني لنتائج المبايعة وتلقي صدمة اضافية وانقلب السحر علي الساحر، مكتشفا ان سلطة المال أقوي من سلطة الفن، أولا، وان السياسة توظف كل شاردة وواردة لانعاش مصالحها، ثانيا، وان ساعي البريد الصوتي، يداه ملطختان بالتزوير، ثالثا وان الحدث الذي كان هو مداره أصبح ضحيته، رابعا، ليتساءل تحت وقع الخيبة متي كانت صناديق الاقتراع عادلة حتي نباغت بنتائج صناديق التصويت؟

وكان من طبيعة ردود الفعل أن تهبّ الآلاف المؤلفة لتحيي ممثلة العراق ليتأكدوا انها مثلهم من لحم ودم، وانها فازت عليهم فقط بشرف المحاولة، وتمضية للوقت الضائع في الانتظار، سقطوا في عبثية التبني، فمن النجمة العربية، إلي النجمة العراقية إلي النجمة السنية إلي النجمة الشيعية إلي النجمة الكردية، وكل يغني علي ليلاه بحثا عن شرعية استنفارهم مع ممثلة بلدهم وسدا لرمق جوعهم الوجودي، لنكون علي موعد مع معادلة غريبة: بعد أن كانت شذي تنتمي إليهم أصبحوا ينتمون إليها!

حرب عربية!

ستار أكاديمي هي الجامعة الوحيدة في العالم التي تضمن لك مكانا في سوق الشغل وبمقابل أكثر من محترم، فهل ستُحترم الجامعة التي تنجب آلاف المجازين، دون أي ضمان أو وعد لعمل جاهز؟ ألم يترك المتسابقون مقاعد الجامعة الكلاسيكية، ليدخلوا رحاب جامعة النجوم وها هم يصبحون احدي أبطال معركة التحرير.

انه من الجهل بمكان، أن نعتبر ستار أكاديمي لعبة بريئة ومن الحمق بمكان، أن نظن أن تلك الارساليات القصيرة التي وشحت مؤخرة الشاشة مجرد تسلية، بل هي حرب عربية ـ عربية ـ يتباري فيها شباب العلي علي الانتقام الاعلامي، من أجل أن يعتلي بنو وطنهم، منصة تتويج تنفيسا عن واقع مرير، وطمعا في رؤية علم بلدهم مرفرفا بين أيدي مراهقات، لا ينفكن عن الصراخ والصياح، اما للتأكيد علي أنهن أصغر من أن يحملنه، أو لأنهن خالصات معلوم Show .

نرفض أن يتلاعب برنامج مشكوك في نواياه ومفضوح من يتبناه بهذا الشعب وبهذه الأمة ونرفض أن يعوض ستار أكاديمي جامعة الدول العربية وأن يستدرج الملايين إلي حتفهم التلفزي. وكان علي الصحافة التونسية والمصرية واللبنانية التي تحدثت عن مؤامرة في سهرة البرايم الأخير، أن تتفطن إلي أن حقوق هذا البرنامج مقتناة من مؤسسة أنديمول والتي يمتلكها لوبي غير عربي، لا نعتقد لحظة واحدة، انه يريد لنا أن نترفه بقدر ما يريد لنا أن نتمرن علي وظيفة غسل أدمغتنا، ان بقي فيها أصلا، ما يستحق أن يُغسل.

كاتب وصحافي من تونس

fawziez@yahoo.fr

المصدر / القدس العربي