بعد سيطرتها على حلب وكامل إدلب.. قوات المعارضة السورية تتقدم نحو حماة .. انهيارات كبيرة لقوات النظام مؤتمر في إسطنبول يناقش السرديات الإعلامية الدولية حول اليمن ويطرح رؤى جديدة لتصحيح الصورة النمطية مليشيا الحوثي تفرض جمعية تعاونية على المواطنين في الضالع. مليشيات الحوثي تجبر طلاب المدارس على الطواف حول مجسم الهالك حسن نصر الله .. احياء تقديس الاصنام - فيديو اختتام بطولة الشهيد حسن فرحان بن جلال لكرة القدم بمأرب. قوات دفاع شبوة تعلن ضبط خلية حوثية في مدينة عتق وتتوعد بالضرب بيد من حديد الفريق علي محسن: علم الاستقلال في 30 نوفمبر هو ذات العلم الذي يرفرف في كل ربوع اليمن علما للجمهورية الموحدة بن عديو: على مدار التاريخ كانت عدن مطمعا للغزاة وفي ذات الوقت كانت شعلة للثورة والمقاومة والانتصار التكتل الوطني للأحزاب يوجه طلبا لكافة القوى السياسية والجماهيرية في اليمن كيف حصل الملف السعودي على أعلى تقييم لاستضافة مونديال 2034؟
بات من المرجح (ليس من واضحا بعد) أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، بالمشاركة مع بريطانيا وفرنسا إلى حد ما، قد اتخذت قرارا بوضع حد للتمدد الإيراني في المنطقة، ولبرنامجها للصواريخ الباليستية.
من هذا المنطلق يرى ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران ليس اتفاقا ناقصا وحسب، بل أسوأ اتفاق ممكن.
أولاً لأنه يعترف بإيران دولة نووية، ويؤجل الاعتراف بحقها لامتلاك السلاح النووي عقدين من الزمن.
وثانياً لأنه يوفر بهذه الصيغة غطاء لاستمرار إيران في حروبها بالوكالة في المنطقة بما يهدد الاستقرار فيها، ويعزز ظاهرة الإرهاب والتطرف.لذا يصر ترامب على تصحيحه ليشمل ثلاثة عناصر: تخلي إيران عن فكرة السلاح النووي، ووقف برنامج الصواريخ الباليستية، ووقف حروبها بالوكالة.
من دون ذلك سيعلن ترامب انسحابه من الاتفاق يوم السبت المقبل. هكذا تبدو صورة الموضوع. السؤال: هل رؤية ترامب لهذا الإشكال صحيح؟ وهل وضع حد لتمدد نفوذ إيران واحتوائها مخرج ناجع من الإشكال؟
أن يكون السؤال على هذا النحو يكشف خطورة المدى الذي وصل إليه تحلل النظام الدولي نتيجة للانكفاء الأميركي، وغياب سياسة خارجية متماسكة في دهاليز صناعة القرار في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية. الاتفاق النووي مع إيران بصيغته الحالية، والموقف الغربي المتردد إزاء التمدد الروسي في شرق أوروبا والشرق الأوسط أبرز علامات هذه الحال.
السجال لا يزال مستمرا حول هذه القضية. ولا يتسع المجال طبعا لتناول كل أو جل الطروحات هنا. لكن هناك رؤية للمسألة ليست إيرانية تماما، ولا أميركية تماماً. هي رؤية أميركية لطبقة من الأكاديميين الإيرانيين الذين هاجروا إلى الغرب، خاصة الولايات المتحدة. أحد أبرز هؤلاء الدكتور ولي نصر.
كان مستشاراً لوزارة الخارجية الأميركية في إدارة باراك أوباما، ويشغل حالياً عمادة مدرسة الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة. كتب في شهر شباط (فبراير) الماضي مقالة معبرة عن الموضوع في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية.
ينطلق ولي نصر في مقالته من فرضيتين يصعب الاختلاف معه حولهما:
الأولى أن إيران ليست سبباً في الانهيار الذي حصل للنظام الإقليمي العربي في السنوات الأخيرة.
الثانية أن إيران، كما يقول، تستفيد من هذا الانهيار. وهذا صحيح. لكن المحفز لها في ذلك، وهي تتصادم مع الأعراف الدولية، ليس الحماس الثوري، كما يظن البعض، وإنما نزعة قومية لها جذور تعود للعهد الإمبراطوري. ويلاحظ في هذا الإطار ميل القيادات الإيرانية أخيرا للمزج بين التمسك بالمثل الإسلامية، وأساطير قومية قديمة.
بناء على ذلك يرى أن حل معضلة الانهيار العربي ليس في الصدام مع إيران، ومحاولة احتوائها. فهذا وفق رأيه لن يعيد الاستقرار للعالم العربي. يكمن الحل بقيام الولايات المتحدة بالمزيد من إدارة الصراع (كذا)، وإعادة التوازن إلى المنطقة. وهذا، كما يقول، «يتطلب منهجاً دقيقاً لا مباشراً، بما في ذلك العمل مع إيران وليس الصدام معها».
هذه رؤية أميركية بظلال إيرانية، لا تتماهى مع فلسفة النظام الإيراني، بقدر تماهيها مع فلسفة النظام الأميركي. هي أقرب للحس القومي الإيراني، وبالتالي للنزعة البراغماتية الأميركية، منها للحس الديني كما يتمثل في ولاية لفقيه. إلى هنا والطرح مفهوم. بعد ذلك ينزلق الكاتب لمرافعة تشبه ما يقوله وزير الخارجية، جواد ظريف، أو أحد قادة تيار الإصلاح الإيراني، بالحس القومي المعروف لدى كل منهما.
فمثلا لا يعتبر نصر أن مصدر التهديد كما تراه طهران يقتصر على أميركا وإسرائيل، بل يمتد ليشمل العالم العربي منذ الإطاحة بالملكية في العراق عام 1958 حتى 2003، بما في ذلك طبعاً الحرب العراقية- الإيرانية. حسناً، إذا كان الأمر كذلك فلماذا ذهبت إيران إلى لبنان، ثم سوريا، وقبلهما إلى العراق، ثم اليمن، وأخيراً المغرب العربي؟
هذا ليس سلوك دولة تشعر بالتهديد، بل سلوك دولة يسيطر عليها «وهْم» التوسع، ومحاولة استغلال الانهيار العربي. وهو استغلال يقر به نصر من ناحية، ثم ينسفه بدعوى التهديد العربي من ناحية أخرى. ماذا عن الطموحات الإمبراطورية التي يقر بها؟ هل يتسق أن تكون الدولة مسكونة بطموحات إمبراطورية، وبشعور بالتهديد في الوقت ذاته؟
أغرب مرافعات الكاتب تتناول تبني إيران لآلية الميليشيات، وتشبيه البرنامج النووي الإيراني والصاروخي بالبرنامج الباكستاني في مواجهة الهند. في الأولى يعتبر نصر أن الميليشيات ليست إلا جزءاً مما يسميه «استراتيجية الدفاع المتقدم».
لكن هذه الميليشيات مذهبية، وجزء من الآيديولوجيا المذهبية للنظام الإيراني التي نص عليها الدستور الإيراني منذ 1979، أي قبل انهيار النظام العربي بثلاثة عقود من الزمن. بتبنيها سياسة توسعية بغطاء مذهبي تكون إيران قد فجرت الطائفية في المنطقة، وهي تدفع ثمن ذلك بشكل باهظ.
لكن كيف يستقيم أن تكون «استراتيجية الدفاع المتقدم» سابقة من حيث الزمن لحالة انهيار النظام العربي بما لا يقل عن ثلاثة عقود؟!
وكيف يستقيم أن يكون هذا النظام في حالة انهيار، وفي الوقت نفسه يهدد إيران حتى قبل حدوثه؟ هذا فضلا عن أن النزعة المذهبية للنظام الإيراني، وللميليشيات التي يتبناها، هي بطبيعتها نزعة توسعية وليست دفاعية بأي حال. هي غطاء آيديولوجي آخر للنزعة الإمبراطورية التي يقر بها الكاتب ابتداء.
أما في مقارنته للبرنامجين النوويين لكل من إيران وباكستان، يغالط نصر واقع البلدين، والطموحات التي تقف خلف سياسات كل منهما. فالبرنامج النووي الباكستاني هو لموازنة القدرات النووية للهند التي سبقت باكستان في هذا المضمار بسنوات. وليس هناك برنامج نووي لأي من الدول العربية، وأولها الدول المجاورة لها.
ثانيا بين الهند وباكستان صراع حدودي حاد، يقترب من أن يكون صراعا صفريا، على منطقة كشمير. وليس بين العرب وإيران صراعا مشابها بهذا المستوى.
هناك موضوع الجزر الثلاث مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وشط العرب مع العراق. الإمارات تطالب منذ عقود بالتحكيم الدولي في موضوع الجزر، وإيران ترفض ذلك في شكل نهائي. وبالنسبة إلى شط العرب كان العراق مستعد للحل حتى أيام الرئيس صدام حسين الذي وقع مع إيران اتفاقا حول هذا الموضوع، فما بالك بعراق ما بعد 2003 وقد أصبح حليفا لإيران من منطلقات مذهبية مشتركة بينهما.
وقبل ذلك وبعده، لم تلجأ باكستان، ولا الهند أيضا إلى آلية الميليشيا كجزء من استراتيجية كل منهما في مواجهة الآخر. وبالتالي لا باكستان ذهبت إلى الهند من خلال حرب بالوكالة بواسطة ميليشيات موالية لها، ولا الهند حاولت الشيء ذاته. في حين أن إيران هي التي فجرت ظاهرة الحرب بالوكالة، ومن خلالها جاءت إلى العالم العربي بآلية الميليشيا من بوابة العراق ولبنان واليمن وسورية.
وآخر محاولاتها ظهرت في المغرب العربي قبل أيام عندما أعلنت الرباط قطع علاقاتها مع طهران على خلفية مساعداتها لتنظيم البوليساريو الذي يسعى عمليا لتقسيم المغرب. هل المغرب يشكل تهديدا لإيران أيضاً؟!
هنا يبرز السؤال الأهم: من هو المستهدف مباشرة بالبرنامج النووي الإيراني، وبطموحات إيران التوسعية في المنطقة؟
لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة هي الهدف، ولا حتى إسرائيل. الهدف المباشر هو العالم العربي. إيران جاءت للعالم العربي، وليس العكس. وهي التي تهدد العرب، وليس العكس كما يقول نصر.
التوسع يحصل في العالم العربي، وليس في أي مكان آخر. وهو توسع يشابه التوسع الإسرائيلي، وإن من منطلقات وأهداف مختلفة. كما استغلت إسرائيل حالة الضعف العربي، تستغل إيران الآن حالة الانهيار العربي. هدف البرنامج النووي الإيراني والحال كذلك توفير مظلة ردع أمام العرب أولاً، وأمام الدول الكبرى ثانيا، التي ترى أن هذا التوسع يشكل تهديدا للتوازنات الإقليمية والدولية.
ومع ذلك فإيران في مأزق كما العالم العربي. طموحاتها مرفوضة عربياً ودولياً، ولا تملك القدرة على تحقيقها في المدى المنظور. هي تمارس عبثاً مدمراً من النوع الذي كان يحاوله خصمها اللدود صدام حسين وإن بآلية مختلفة.
حقاً يكمن الحل بالعمل مع إيران، لكن ليس قبل تعديل الاتفاق النووي لاستعادة التوازن بين أهدافه التقنية والسياسية ولتحييد أوهام طهران، وليس قبل تخلي إيران عن آلية الميليشيات في سياساتها الإقليمية بما تمثله من تهديد لمفهوم الدولة، وهو تهديد يطاول إيران كما يطاول العالم العربي.
- د. خالد الدخيل كاتب وأكاديمي سعودي.
المصدر | الحياة