بين التاج وسبيع: حوار المواجهة وتصادم الأفكار بقلم/ نشوان محمد العثماني
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 5 أيام الخميس 04 سبتمبر-أيلول 2008 03:16 ص
لم ينقصنا مؤخرا في بلد تعددي "ربما" إلا أن تكون للفضيلة "هذه الكلمة الجميلة" هيئة تبين لمجتمع اتهمته بالفساد الأخلاقي , خطوط المنكرات , وعناوين المعروف.. وعندما كانت هذه الهيئة قضية الرأي العام التي أثير حولها ما أثير .. تباينت حولها الآراء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار , ونادرا ما كانت بين بين.. في مجلة "أبواب" الصادرة عن "المجموعة اليمنية للإعلام" أغسطس 2008م , العدد الخامس ؛ الذي خفضت فيه قيمتها إلى "100" ريال بدلاً من"200" .. ارتسمت على صدر صفحاتها الثانية والعشرين وحتى الخامسة والعشرين "مواجهة حوارية" ناقشت "ملف هيئة الفضيلة ومحاربة المنكرات" بين "عضو هيئة الفضيلة عبد الملك التاج" و "عضو نقابة الصحفيين نبيل سبيع" .. ماذا جرى ؟؟ "هناك منكرات تتفشى , ومظاهر لم يعهدها اليمنيون ؛ مثل انتشار الدعارة والرذيلة , وأصبح اليمني في الخارج يهان ويعيّر ببنات اليمن" ماذا يضيف التاج الذي أخبره رئيس البرنامج الوطني لمكافحة الايدز أن "عدد الداعرات في عدن 2000" ؟؟؟ يقول بعدما سبق : "الغالب على المجتمع اليمني أنه لا زال مجتمعا محافظا , ومن أفضل الشعوب في المنطقة" و لا أدري كيف هذه الأفضلية بعد أن وضح بأن ثمة منكرات تفشت وأصبحنا نعير ببناتنا في الخارج .. ؟؟ و "ما الداعي للهيئة" في ظل أننا أفاضل بين شعوب المنطقة ؟ "لأننا نخاف من تبدل ذلك" لكم هو رائع هذا الاهتمام الأحادي .. مرحبا بأفذاذ يحرصون من أن ننحرف قيد شعرة في أخلاقياتنا. "في بيانها الصادر في 15 يوليو الماضي طالبتْ بحسم حرب صعدة عسكريا ودعتْ لمحاربة الجنوبيين , هذه هيئة سياسية حربية باختصار" ويتساءل سبيع "وأين الفضيلة في الدعوة للحرب؟" يجيب "لا يدعو للحرب إلا تجارها" الحوار الذي قاد تناقضا حادا (متوقعا) مال نحو شخصيات بعينها "الزنداني يريد توظيف مخرجات جامعة الإيمان , وكان لديه تطلع سابق لتكوين هيئة لحراسة المنافذ الحدودية" حسب عضو نقابة الصحفيين. نبيل الذي يعبر عن نظرة مدنية حداثية لا يرى في هدف إنشاء الهيئة إلا "مواجهة الجنوبيين" وهذا اتضح "من مخرجات ملتقاهم الأول 15 يوليو مثل الدعوة لمواجهة الدعوات الانفصالية والكوتا" وبهذا التوصيف يبرز علي عبد الله صالح في الواجهة .. مَنْ غيره سيشجعها؟ بإذن مَنْ ستتجرأ أن تعمل في إحدى المحافظات الساحلية , في بلد فيه فخامة الرئيس الآمر الناهي؟ يقول سبيع : "بدأت تعمل في الحديدة بشكل مؤسسة داخل المؤسسات منذ مايو 2007 تقريبا بعد لقاء رجال الدين في عدن" ولعل الأخطر "عند إغلاق بعض المطاعم كان هناك شخص مدني ملتح يحمل بطاقة هيئة الفضيلة , وأشخاص من النيابة وغيرها" .. لمصلحة من؟ وهل طبقتْ سماحة الإسلام؟ ومن أول مرة ترافقها النيابة؟ ( إن صحتْ هذه المعلومات ). يرى التاج أن هذا إدعاء , ويعارض من أن تكون "الهيئة هي التي أغلقت المطاعم الصينية التي كانت تقدم الخمور" وماذا بعد؟ يوضح التاج أن "هذا شرف" متأسفا "لكننا لا تدعيه , ولم نقم به" إنما المروع " في رد الذراحي الأول على الصحفيين كان التكفير واضحا تماما , واعتبر التعرض للعلماء انتهاكا للقرآن والرسول , بمعنى هؤلاء كفار" إذا صح اعتقاد نبيل سبيع فلنا أن نتخيل التراجيديا على بساط الدين : إلى أين ستقودنا؟ يستدل التاج : "لو رجعنا إلى النصوص والمصطلحات الشرعية فإن الله عندما يقول { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }" يقول إن "المراد به علماء الشرع " فربما التعرض لهم تجني على من رفعهم الله درجات .. هؤلاء العلماء "ينبغي أن تكون علاقتهم مع جميع فئات المجتمع ؛ لأنهم للأمة بأكملها , سلطة ومعارضة" ومنهم؟ من يكونوا بالضبط؟ إن كان يقصد الذراحي والزنداني فـ"متى كانا معنيين بقضايا المجتمع" ويتساءل نبيل أيضا "متى اشتغل الزنداني شغلا غير سياسي؟" مع أن هذه الهيئة تأتي كما يقول لـ"صناعة مشكلة قبل الانتخابات للإصلاح واللقاء المشترك , ولمواجهة الجنوب أيضا وهي جاءت ضمن تشكل تحالف مواز لتحالف 94م" هذه الهيئة كانت قد أنشئت في بلد ابتكارها بموجب قانون صدر عام 1980م وفيه كُتبَ إن هذه الهيئة لا يراجعها سوى الملك .. في اليمن لن تصدر بمسوغ قانوني , ولن يقال لا يراجعها سوى الرئيس .. في اليمن بعض الشيء يسير دون هذا أو ذاك ظاهريا خصوصا في المهمات الغاية في السرية. وجهة نظري هذه يعارضها عبد الملك التاج "عندما وضع مشروع الهيئة لم يلتفت إلى مشروع السعودية ولا إلى أي مشروع آخر .. فنحن في اليمن لدينا أوضاعنا الخاصة , فالحمد لله الدستور والقانون إلى جانبنا , والكل يحتكم للشريعة , والدستور والقانون هو الذي يلزم جهات الضبط القيام بدورها" إلا أن سبيع يعتقد "أنها تأتي في إطار إضعاف مؤسسات الدولة , وعملها على الأرض , حتى الآن , خرق للدستور والقانون" وهذه "وجهة نظر قانونية , هي تعطي لنفسها سلطة مطلقة تجمع بين السلطات الثلاث , وهذا خارج الدستور اليمني" وهي أيضا ( ويا للهول )"جاءت لتنمية فكرة واحدة مفادها أن الحديدة وتعز والجنوب , هي مناطق الفساد" وأرى ..هذا الابتكار , في زمن غزو الفضاء وبناء تجمعات سياحية فيه , والذي تم أخذه من براءة اختراع سعودية , وهابية سلفية , قيل أنها ناجعة للغاية , لن يألو أصحابها جهدا في التفكير بأي شيء , وإن لم يتصوره العقل , ربما يصل إلى نقطة سيتمنى معها فخامة الرئيس أحمل أمنياته – إذا سارت رياحها عكس اشتهائه – من أن يبقى على قيد الحياة فقط , وليس الرئاسة , ولِمَ لا؟ وهناك من يقول أن شرعيته مستمدة من السماء ( الإله ) دون منازع ؛ إذ هم عباد الله المخلصون , وهم ورثة الأنبياء , وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يجرؤ بالانتقاد لأي كارثة سينفذونها , ما لم ؛ فالسيف في يد الجلاد , لابد للرقاب أن تنحني . إنما من سيكون الجلاد؟ أي منهم؟ يقول عبد الملك لـ(خالد علوان - الصحفي الذي حاورهما ) "لعلك ما قرأت صحيفة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر" وفي هاتين الصحيفتين , وإن كان ليس ما يقصده التاج , كتبَ رئيس مجلس إدارة وتحرير الثانية أحمد الحبيشي في صحيفته بتاريخ 2 / 8 / 2008م , وفي الأولى بتاريخ 31 / 7 / 2008م "افتتح الحرس الكهنوتي القديم في حزب الإصلاح أجندته السياسية التي تختفي خلف مشروع ( هيئة الأمر والنهي ) بشن هجوم مسعور عن التوجهات الرامية إلى تخصيص نسبة 15% من مقاعد البرلمان للنساء , حيث وزع منظمو ملتقى هيئة ( الأمر والنهي ) كتيبا أفتى فيه بعض رجالات الدين , وخطباء المساجد الحزبيين بتحريم مشاركة المرأة في الانتخابات وتولي وظائف الولاية العامة والانخراط في العمل , ودعو إلى بقاء المرأة في المنزل لخدمة زوجها وأطفالها على نحو يعيد إلى الأذهان تجربة نظام طالبان سيء الصيت الذي أقدم على تسريح كافة النساء العاملات من العمل وحرمان الفتيات من التعليم في المدارس والجامعات بحجة أن الإسلام لا يجيز عمل وتعليم المرأة" وحسب الحبيشي فإن "الثابت أن موقف الحرس الكهنوتي القديم في حزب ( الإصلاح ) من الحقوق السياسية والمدنية للمرأة ليس بجديد" وإن كنتُ أرى أن في ذات الحزب تيارا يبدو مستوعبا لروح الحداثة العصرية .. وعودة إلى الحوار الذي يوضح لنا الطرفان موقف الهيئة من الكوتا.. يبين سبيع أن "الهيئة ضد المرأة باعتبارها مصدر المفاسد" ولستُ أدري لماذا المرأة مصدر اهتمام بالغ في قضايا يذكرها عضو نقابة الصحفيين " الحيض والنفاس والاختلاط" تعتبرها الهيئة "منبع كل المفاسد" بينما المفاسد كما يضيف "نهب الأراضي والفساد في مؤسسات الدولة والاعتداء على الحريات" المرأة التي قال عنها التاج "لابد أن تؤدي دورها , ولكن من خلال تجمعاتها وفي الوسط النسوي" لا يشترط منها "أن تكون حاضرة في الهيئة حتى تقوم بواجبها" وفي ذات الخصوص ينوه نبيل على ما حدث لطفلة عمران المغتصبة ( سوسن ) "اغتصبتْ من قبل شخص نافذ , وتولى الدفاع عنه طرف في مراكز القوى , والهيئة لن تقف في ضد الاغتصابات التي يقوم بها نافذون ضد الضعفاء" ويعتقد بـأن "الهيئة في النهاية لن تكون ضد الخمر , لأننا إذا تحدثنا عن محاربة الخمر فمن الذي يهربه ؟ مسئولون كبار في الدولة , فهل سيصطدم علماء الهيئة برؤوس التهريب؟" أمام هذا .. هذه ( الأرض الطيبة ) في الإرث التاريخي الذي دونه القرآن الكريم . هل تحتاج إلى مزيد من إدارة الحاضر بسياسة الماضي , وإعادة منتجة حلبة الصراعات لهذا السبب أو ذاك ؟ أم أنها بحاجة إلى " قوى تدرك خطورة العودة للوراء فضلا عن المراوحة في ذات المكان" كما أشار إلى ذلك رئيس تحرير مجلة أبواب في افتتاحيته لذات العدد , وإن كان " التسلط السياسي يجعل اليمنيين جميعا مجرد جنود لدى قوة واحدة ورأي واحد , سواء أكان قادما من القصر أو من المسجد فاليمن ( وفق الصوفي نبيل , وأتفق معه ) بحاجة إلى عميقة للتعدد" وأضيفُ : كم مر من الوقت لكي تعاد فيه صناعة الأزمات بقوالب مختلفة المظهر موحدة الجوهر إلى حد ما؟ ألم يأنِ للسياسي الحاكم أن يفتح عينيه منتبها بمزيد من التفحص لخطورة المأزق الذي صُنِعَ بعيدا أو قريبا من عرينه ؟ هل هذا الأسد الشائخ ما زال يعتقد أنه يستطيع مواصلة الحكم بذات السياسة , وإن كان له ذلك.. ألم يتنبه إلى ما تبقى له من مؤشر الزمن؟ وإن كنت لا أقف كليا في موقف الضد من أي من الضيفين في الحوار , إلا إنني استشعر , تواضعا , خطورة المستقبل القريب في ظل ملامح توحي في الأفق بتكرار شلالات الدماء تلك التي أغرقت الصومال أو تلك التي استنزفت الجزائر .. وليس ببعيد عنا أي احتمال لتجربة أي بلد مر بظروف مشابهة ما لم يتنبه حكماؤنا إلى اختلالاتنا وجراحنا العميقة , والتي تزداد يوما عن يوم..