طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة دعوة إلي عقد مؤتمر مانحين عاجل لدعم اليمن وقف النار في غزة واتصالات سرية لإنجاز الصفقة شرطة كوريا الجنوبية تدهم مكتب الرئيس... ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار دول عربية تبدأ بإرسال مساعدات لدعم الشعب السوري بعد سقوط الأسد روسيا تطلق تصريحات جديدة حول الاسد وتجيب عن إمكانية تسليمه للمحاكم الجيش السودانى يجبر قوات الدعم السريع على الانسحاب من شمال الخرطوم رسائل نارية من الرئيس أردوغان بخصوص سوريا وأراضيها وسيادتها خلال لقائه بقيادات حزب العدالة والتنمية
يردد الرئيس (هادي) ليل نهار، مع جوقته الإعلامية، بأن لديه مشروع سحري يلغي حالة الإقصاء، والاستحواذ والتهميش، التي كانت سائدة في عهد سلفه (صالح)، وأكثر ما يشير إليه (هادي) في هذا الشأن، هو قضية استبعاد بعض أبناء المحافظات الجنوبية من المناصب العلياء، وتسريح بعض أفراد الجيش الجنوبي السابق من عملهم، وهو ما تم فعلا بحق الكثير من قادة الحزب الاشتراكي، الشماليين والجنوبيين بعد حرب 94، وقوات الجيش والأمن التي كانت تابعة له في الجنوب قبل الحرب.
غير أن سلوك هادي وممارساته الفعلية بعيده كل البعد عن المشروع الذي يبشر به؛ فقرارات التعيين والتوظيف التي صدرت في عهده حملت طابع الاستحواذ للأقارب والمواليين، والتهميش والإقصاء لأشخاص وشرائح واسعة من الشعب اليمني بشكل غير مسبوق.
وكان المواطنون من أبناء المحافظات الشمالية هم أكثر الشرائح الذي أستهدف هادي إقصائهم وتهميشهم من السلطة والثروة. فمنذ أن أستلم (هادي) السلطة قام بشكل منهجي ومتعاظم بتجريف الشماليين، واللذين يشكلون أكثر من 80% من سكان اليمن، من المناصب الرفيعة، والوظائف العادية. وقد شمل ذلك، مئات الآلاف من الموظفين في الأجهزة المدنية والعسكرية.
وتمت عملية التجريف بأكثر من طريقة، وبحجج مختلفة. وكانت البداية عزل العديد من القادة العسكريين الشماليين، تحت مسمى الهيكلة، والذي أتضح لأحقا، أن هدفها الحقيقي لم يكن إعادة تشكيل الجيش وفق أسس وطنية، كما كان يقال، وإنما ترسيخ هادي لسلطته عبر إحلال الموالين له في تلك المناصب إلى جانب حليفه في ذلك الوقت حزب الإصلاح.
وبعد هروب هادي من صنعاء واندلاع الحرب في بداية 2015، اتخذت عملية التجريف طابع أكثر فجاجة وقبحا، حيث طالت عملية التجريف ما يزيد عن مليون موظف شمالي (حوالي 300 ألف من العسكريين، و 800 ألف من المدنيين) الذين تم حرمانهم من حقوقهم الأساسية، وبالتحديد رواتبهم التي توقف هادي عن صرفها لهم لأكثر من 20 شهر، وهي العملية التي تعني تسريحهم الفعلي من وظائفهم.
في المقابل؛ تم حصر الوظائف في المؤسسات العسكرية والمدنية التي تم إنشائها في الجنوب على جنوبيين فقط، وتخصيص غالبية المناصب العلياء والوظائف الوسطى في الوزارات والسفارات وبقية الإدارات التابعة للدولة لجنوبيين، وتم توزيع القلة الهامشية من تلك المناصب على شماليين من حزب الإصلاح، والناصري والاشتراكي وبعض الأحزاب التابعة لهادي.
وقد نال المقربون لهادي (أسريا ، وقبليا ،وجغرافيا) والموالين له من بقية المحافظات الجنوبية على الحصة الأكبر من المناصب والوظائف. فتم تعيين الأقارب وأهل البلاد (أبين/شبوة) في المناصب المهمة والحساسة. ومن ذلك: ألوية الحماية الرئاسية (النسخة المشوهة من الحرس الجمهوري) والتي خصصها لأبنه (ناصر) ووزارات الداخلية، والمالية، والنفط، وقادة الكثير من المعسكرات، والأجهزة الأمنية، والمؤسسات الإيرادية، وبعض الوزراء والسفراء والملحقين العسكريين.
وتعد وزارة (أحمد بن دغر) نموذجا صارخا لعملية التجريف تلك؛ فهذه الحكومة التي يرأسها جنوبي لم تعد تضم إلا 8 وزراء شماليين لحقائب هامشية، في مقابل 22 وزيرا جنوبيا يستحوذون على جميع الوزارات الرئيسية (الخارجية، الدفاع، الداخلية، المالية، النفط) إضافة إلى منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، والقائم بأعمال رئيس البرلمان.
وإلى جانب ذلك؛ أستحوذ الجنوبيين على معظم مناصب السفراء الذي عينهم (هادي)، وخاصة في الدول والبعثات الهامة؛ فسفراء اليمن في الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن هم جنوبيين، باستثناء السفير في الصين، وجميع سفراء اليمن في دول مجلس التعاون الخليجي جنوبيين، باستثناء سفير اليمن في سلطنة عمان، والسفراء في الدول العربية والأوربية، معظمهم جنوبيين. بالإضافة إلى ذلك حصل الجنوبيين على أكثر من 70% من تعيينات الدبلوماسيين في السنوات الأخيرة، كان معظمهم من خارج كادر وزارة الخارجية.
والأمر المثير للانتباه أن الكثير من المسئولين الجنوبيين المعينين في مناصب حساسة لديهم نزعة انفصالية واضحة، مثلما هو حال من تم تعيينهم من الحراك الجنوبي الانفصالي، أو مستترة كما هو حال معظم المسئولين الجنوبيين، والذين لا يخفون في مجالسهم الخاصة عن تأييدهم للانفصال، ومن هؤلاء وزير الخارجية الجديد، والذي رأيناه وسفير اليمن في واشنطن، يحتفلون تحت ظلال العلم الانفصالي في حفل أقامته ما يسمى بالجالية الجنوبية في أمريكا قبل أكثر من عام.
أستخدم هادي قضية الإقصاء التي طالت الاشتراكيين الجنوبيين والشماليين بعد حرب 94، ذريعة لتجريف الشماليين واستبدالهم بجنوبيين، معظمهم لم يكونوا من ضحايا عملية الإقصاء تلك بل من المستفيدين منها. فهادي وجماعته (الزمرة) كانوا أكثر المستفيدين من حرب 94 لأنها منحتهم معظم الحصة من الوظائف والامتيازات التي خصصها صالح للجنوبيين.
فعلى أثر تلك الحرب تم تعيين (هادي) نائبا للرئيس بدلا عن النائب الجنوبي السابق (علي سالم البيض) وشغل جنوبيين، معظمهم من "الزمرة"، ما يقارب ثلث أعضاء الحكومة، مع منصب رئيس الوزراء في بعض الفترات، وتم استيعاب المحسوبين على "الزمرة" في الجيش اليمني، وبقية مؤسسات الدولة.
والنتيجة أن (هادي) وجماعته كانوا هم المستفيدين من عملية إقصاء بعض الجنوبيين وتهميشهم خلال حكم (صالح)، وليس سرا أن هادي وجماعته كانوا أكثر الأطراف التي حرضت على إقصاء أعدائهم التقليديين (الطغمة)، وكانوا من أشد المعارضين لأي عملية استيعاب لهم داخل مؤسسات الدولة، لأنه كان سيحرمهم من الاحتكار الحصري للمناصب والوظائف المخصصة للجنوب. وعليه فإن هادي وجماعته هم أخر من يحق لهم الحديث عن تهميش الجنوبيين بعد حرب 94.
مارس (هادي) عملية تجريف الشماليين من مؤسسات الجمهورية اليمنية في فترة دخلت الطبقة السياسية الشمالية في حالة غيبوبة، أو إخصاء، كما وصفها الكاتب والروائي (مروان الغفوري)، فهذه الطبقة انشغلت بصراعاتها البينية منذ 2011، والذي ساهم (هادي) والساسة الجنوبيين، في إذكائها وديمومتها، واستثمارها في تعزيز سلطته. وقد تم له ذلك بكل سهولة ويسر بعد أن تواطأت معه بعض الأطراف المحسوبة على الشمال، كان على رأسها حزب الإصلاح، والذي راق له تجريف الشماليين ممن هم غير محسوبين عليه من المناصب والوظائف العامة، وإحلال مواليين لهادي وأعضائه بدلا عنهم، مثلما راق له تفكيك مؤسسات الجمهورية اليمنية، وتحديدا المؤسسات العسكرية والأمنية، وإنشاء مؤسسات بديلة في المحافظات الشمالية مسيطر عليها من قبله تحت مسمى الجيش الوطني، والذي تم إنشائه في محافظات (مأرب) و (الجوف) و (تعز).
وينطبق الأمر ذاته على بقية الأحزاب الأخرى كالناصري والاشتراكي وغيرهم، واللذين منحوا (هادي) الغطاء السياسي والدعم لتجريف الشماليين، وتفكيك مؤسسات الجمهورية اليمنية، مقابل رشوة قادة الأحزاب بالأموال والمناصب، وبعض أعضائها بالوظائف.
لم تؤدي سيطرة الجنوبيين على السلطة إلى إضعاف المشروع الانفصالي بل العكس هو الصحيح؛ فعملية التجريف تمت بالتوازي مع قيام (هادي) بدعم وتشجيع الانفصاليين من اجل استخدامهم ذريعة لإحلال جنوبيين موالين له، وتجريف الشماليين تحت حجة إرضاء الجنوبيين، وترغيبهم في الوحدة. والنتيجة أن المشروع الانفصالي أزدهر وتوسع في ظل حكم هادي.
إلى جانب ذلك لم تؤدي عملية تجريف الشماليين إلى ارتفاع شعبية هادي وزيادة نفوذه في الجنوب؛ ويرجع السبب إلى أن عملية التجريف تلك لم تتم لصالح جميع الجنوبيين وإنما لقلة صغيرة من أقارب هادي والموالين له، كون الباعث الحقيقي لتلك العملية هو الجشع والاستحواذ والمحسوبية. ولكون الأمر على ذلك الشأن؛ فأن معظم الجنوبيين تدهورت أحوالهم مثل بقية اليمنيين، ولم يقطفوا ثمار سيطرة الجنوبيين على المناصب والوظائف.
وعليه؛ فإن سلوك هادي لم يغير من مواقف الجنوبيين تجاه الوحدة أو تجاهه شخصيا ومشروع الأقلمة الذي يتبناه؛ فالسلوك الذي باعثه الجشع والاستحواذ والمحسوبية لا يقدر أن يحشد ورائه مؤيدين حقيقيين، وإنما حفنة من اللصوص والانتهازيين.
أن خطورة عملية تجريف الشماليين لا تقتصر على الجوانب الحقوقية فقط، ولكنها تمتد إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير يمس جوهر الدولة وتماسكها؛ فتجريف مؤسسات الدولة من الشماليين والجنوبيين الغير موالين لهادي، أدى عمليا إلى استبعاد الكوادر الإدارية والسياسية التي أفرزها التطور التاريخي لمؤسسات الدولة اليمنية، واستبدالها بكوادر لا صلة لأكثرهم بتلك المؤسسات، ولا يمتلكوا المؤهلات الدنيا للمناصب والوظائف التي منحت لهم. والنتيجة أداء فاشل وفاسد وباهت، لما يسمى بالسلطة الشرعية، وتمثيل مختل لسكان اليمن.
وكل هذه الأمور تخلق ظروف مثالية لتدمير الدولة اليمنية؛ فضعف الأداء السياسي والإداري خلق سلطة هزيلة لا تقدر أن تقوم بأدنى واجباتها الأساسية، وتدني التمثيل السياسي، جعلها غير مؤهلة موضوعيا لإنهاء الحرب، سياسيا أو عسكريا. والأخطر من ذلك، تحمس هذه السلطة لاستمرارها؛ فسلطة بهذا الهزال وضعف التمثيل لا يمكنها هزيمة الحوثيين عسكريا، أو احتواهم سياسيا، والوضع المثالي لها هو استمرار الحرب بايقاعها الحالي لأطول فترة ممكنة؛ فالهزيمة العسكرية للحوثيين، في حال حدوثها، ستتم على يد قوات مسيطر عليها من الشماليين، وحينها ستسيطر هذه القوة على السلطة وتستبعد هادي والمحسوبين عليه منها. والتسوية السياسية، في حال حدوثها، ستستبعد هادي وجماعته من السلطة كونهم لا يمتلكون ثقل سياسي أو عسكري أو حتى مناطقي يمنحهم حصة من السلطة التي سيتم تقاسمها في أي تسوية سياسية مفترضة.
والنتيجة من كل ذلك؛ أن هذه السلطة هي عامل تفتيت للدولة اليمنية، ولهذا كله؛ فإن التصدي لسياسة تجريف الشماليين وكشفها يعد أحد الخطوات الأولى لمشروع استعادة الدولة، وهو المشروع الذي لم يبدأ بعد.
* سينظر من نقدهم هذا المقال أو من لم يرق لهم مضمونه؛ بأن صاحبه أنطلق في موقفه هذا من تعصب مناطقي، وهو أمر لن أدخل في مناقشته، غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هنا، أن ما أنا مقتنع به ويمليه عليا ضميري؛ أنه لم يكن من حق (صالح) أن يوزع الوظائف العامة والمال العام على الأقارب والمحسوبين عليه من "سنحان" أو "حاشد"، أو الشمال، أو المؤتمر، ولم يكن من حقه أيضا فصل موظف أو حرمانه من حقه في التعيين والترقية لأنه جنوبي أو اشتراكي، أو إصلاحي أو تهامي أو تعزي أو غيره، مثلما هو ليس من حق (هادي) وزمرته الاستحواذ على الوظائف والامتيازات، وحرمان أبناء الشمال أو (سنحان) أو (حاشد) أو (الهاشميين) أو غيرهم.