الإسلام في السجون الأمريكية
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
السبت 20 يونيو-حزيران 2009 09:48 م

"واحد من كل 10 نزلاء في السجون الأمريكية يعتنق الإسلام"

كانت البداية تحقيقًا يحمل العنوان السابق، نشرته، في فبراير الماضي، صحيفةٌ محلية تُدعى (ذا ديلي هيرالد) تصدر في بلدة إيفريت بولاية واشنطن، كشف أنّ ما بات يُعرف "بسجن الإسلام" هو أسرع التجمعات الدينية انتشارًا بين المؤسسات الإصلاحية في الولايات المتحدة.

وفي تصريح للصحيفة قال "لورانس ماميا" (أستاذ الدين بكلية فاسار "نيويورك"): إن 10% من نزلاء السجون الأمريكية يعتنقون الإسلام، معظمهم يتبعون المذهب السني. أضِف إلى ذلك الاستطلاع الذي أجراه مؤخرًا (منتدى بيو) حيث كشف أن 1% من سكان واشنطن يعتنقون الإسلام، وهو نفس المعدل المعترف به رسميًا.

غرائب

وبزعم موقع "رايت سايد نيوز" فإن كثيرًا من نزلاء السجون يتحوَّلون إلى الإسلام لمجرد الحصول على بعض المخصصات الإضافية، مثل سجادات الصلاة، والبخور، ووجبات الحلال التي تكون عادة أفضل من غيرها. لكن ما أوردته صحيفة ديلي هيرالد فنَّد هذه المزاعم حيث ذكرت أن السبب الرئيس وراء اعتناق هؤلاء النزلاء للإسلام يرجع إلى أنهم يجدون فيه ملجئًا يفرون إليه من الإحباط الذي يشعرون به داخل السجن.

ولا يمنع هذا وجود بعض الأشخاص الذين يحملون وجهات نظر خاصة (وغريبة)، من أمثال "والتر تايلور"، 32 عامًا، الذي اعترف بأنه سجل نفسه لدى إدارة السجن كيهودي بهدف الحصول على وجبات (كوشير) التي توازي وجبات (حلال) في الإسلام. ثم سجل نفسه كأحد أتباع معتقد "ويكا"- وهو أحدث ديانة وثنية, تم إشهارها في سنة 1954-؛ ليحصل على بعض المميزات التي يُمنحها أتباعه داخل السجن، ثم تحوَّل إلى السيخية للحصول على عمامة!

الغريب أن الصحيفة ذكرت أن تايلور هذا مسلم، لكنه كان يُظهِر فقط اعتناقه لهذه الأديان طمعًا في التسهيلات التي تُمنَح لمعتنقيها، والتي هي من وجهة نظره ضرورية لممارسة تعاليم الإسلام!

وقد حذَّر تقرير صدر عام 2006 عن جامعتي جورج واشنطن وفرجينينا، من ترك الأئمة الذين يعملون داخل السجن بزيارة النزلاء بمفردهم دون رقابة من إدارة السجن، لما قد يسببه ذلك- بحسب الدراسة- من تشكيل "خلايا إرهابية"، زاعمةً أن هذا المجتمع يعتبر "تربة خصبة للتطرف"!

إعجاب

وينتمي معظم هؤلاء النزلاء الذين اعتنقوا الإسلام إلى أصول أفريقية، ويجذبهم إلى الإسلام ما يدعو إليه من مبادئ المساواة والانضباط، على حد قول "فهيم صديق"، الذي عمِل إمامًا داخل سجون الولاية لأكثر من خمس سنوات.

ويقول صديق: يتيح الإسلام لهؤلاء الأمريكيين من أصل إفريقي فرصة لتحسين حياتهم.

أحد المزايا الأخرى التي يتيحها الإسلام لهؤلاء يتحدث عنها البروفيسور "ماميا" سالف الذكر، فيقول: "تعمل المجتمعات الإسلامية داخل السجون على توفير الحماية لأفرادها. فكثير من هؤلاء لا يروقهم المبدأ النصراني (إذا لطمك أحدهم على خدك الأيمن فأدِرْ له الأيسر)، بل يفضلون المبدأ الإسلامي الذي يكفل للفرد حق الدفاع عن النفس". أضف إلى ذلك روح المسئولية والانضباط التي تتميز بها هذه المجتمعات. وفي هذا يقول أحد المسلمين: في النصرانية يعتقدون أن المسيح قُتِل تكفيرًا لذنوب البشر، لكن في الإسلام لا يوجد كبش فداء لأحد {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، كما لا يمكنني إلقاء كامل اللوم على الشيطان حينما أُذنِب.

روحٌ جديد

وفي الفترة الحرة حيث يمكن للنزلاء حضور الفصول التعليمية، كانت هناك مجموعة تمشي هونًا في الهواء الطلق، وهم يضحكون لبعضهم، ومعظمهم يرتدي قبعات فوق رؤوسهم. دخلوا إلى حجرة بلا نوافذ بعد أن خلعوا أحذيتهم وصفوا أقدامهم فوق البساط الذي كان مفروشًا في الحجرة، ودخلوا في الصلاة. وهكذا يفعلون خمس مرات يوميًا، وهم مقتنعين أن التذكرة المستمرة التي توفرها لهم هذه الفريضة تساعدهم على التزام الصراط المستقيم.

إنها قيمة المسئولية التي قال عنها فيل ثوماس، 32 عامًا: أن تكون مسلمًا هو أصعب شيء على الإطلاق، ولم يكن كافيًا مجرد أن أكون نصرانيًا؛ فالإسلام منهج يشمل مظاهر الحياة جميعها، وهو أمر جيد لأنني أبغي تغييرًا جذريًا في حياتي.

ثوماس، الذي دخل السجن منذ 12 عامًا، واعتنق الإسلام بعدها بقليل، استمر عقدًا كاملا بُعَيد إسلامه- يحاول تجنب المشاكل والابتعاد عن العصابات داخل السجن، لكنه في النهاية نجح في تغيير حياته. "كثيرون يرونني من منظور الجريمة التي ارتكبتُها، لكنني لم أعد هذا الشخص الآن، لقد أصبحتُ شخصًا جديدًا".

وتشير الصحيفة إلى أن معظم الذين يعتنقون الإسلام خلف القضبان تتغير حياتهم 180 درجة بعد ذلك، وتتغير شخصياتهم تمامًا داخل السجن، فيصبحون أكثر تحملاً للمسئولية وأكثر تركيزًا.

جنَّة

ويقول هؤلاء المسلمون خلف القضبان: السجن إما يكون كالقبر أو كرحم الأم، فإما أن يضيع المرء سنوات عمره في الداخل ويسمح لمرارة الأسر أن تُفسِد روحه، وإما أن يستخدم الوقت لتهدئة شعوره بالغضب أو الخوف أو اليأس الذي رمى به في غياهب السجن.

أحد هؤلاء النزلاء الذين اعتنقوا الإسلام خلف القضبان يُدعَى "أنتوني والر"، 31 عامًا، يقول: لقد غيَّر الإسلام كل شيء في حياتي. وإذا لم أعتنق الإسلام كنت (أو بالأحرى روحي) سأظل في زنزانة مغلقة، أو كنت سأكون في عداد الموتى الآن".

ربما لم يسمع الأمريكي "والر" يومًا بمقولة ابن تيمية رضوان الله عليه حينما كان في مثل موقفه، وإن اختلفت الملابسات، التي اعتبر فيها سجنه خلوة مع ربه.. ربما لم يسمع "والر" بذلك يومًا، لكنه أحس بهذا الشعور من شغاف قلبه، ولمسه بوجدانه، فوافق لسانه ما نطق به ابن تيمية منذ قرون، رغم أنه لا يتوقع أن يُطلَق سراحه قبل عام 2033.