عبدربه هادي.. سنة ثانية رئاسة
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
السبت 23 فبراير-شباط 2013 12:47 م

بعد مرور مئة يوم من عهد الرئيس هادي كتبت مقالاً بعنوان (مئة يوم من عهد الرئيس هادي) حاولت من خلاله التقييم السريع لما أنجزه الرئيس هادي خلال تلك الفترة من عهده الرئاسي، الذي يفترض أن يمتد لعامين بموجب نصوص المبادرة الخليجية، وتطرقنا فيه للمنجزات التي يتوقع الشعب اليمني من الرئيس هادي تحقيقها خلال ما تبقى له من مدته الرئاسية.

اليوم والشعب اليمني يحتفل بمرور عام على رحيل الرئيس السابق وانتخاب هادي رئيساً توافقياً جديداً للجمهورية اليمنية فضلنا أن لا نتوقف عند ما حققه الرئيس هادي خلال العام الأول لرئاسته فقد صار معروفاً للجميع؛ بغض النظر عن مدى توافقه مع الطموحات التي كان يأملها أبناء الشعب من عدمه، فالمرحلة التي يقود فيها الرئيس هادي البلاد ليست مرحلة عادية لكنها مرحلة انتقالية مليئة بالصعوبات والتحديات التي يدركها الجميع.

وارتأينا بدلاً عن تقييم العام المنصرم الحديث عن الملفات التي ينتظر أبناء الشعب اليمني من المهرة إلى صعدة من رئيسه إنجازها خلال العام الثاني والأخير من مدة رئاسته الانتقالية، وهي مهام كثيرة، لكننا سنقتصر بالحديث عن أهم تلك الملفات؛ والتي تتلخص من وجهات نظرنا بالتالي:

استمرار عملية الإصلاح

لا ينكر أحد بأن عملية إصلاح الأوضاع الفاسدة قد قطعت شوطاً لا بأس به، لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب الذي ينتظره الناس، إلى جانب أن التغيير في أكثر الأحيان لم يركز على اجتثاث المسؤولين الذين ثبت فسادهم لكنه عمل على نقلهم إلى مواقع جديدة، وكذلك فإن كثير من التغييرات ركزت على تغيير الأشخاص أكثر من عملها على اجتثاث الفساد، ولا أحسب أن ذلك هو التغيير الذي ينتظره الناس.

إن التغيير المطلوب إنما يتمثل بالقضاء على الثقافة المتخلفة التي زرعت في أذهان الناس خلال الفترات السابقة، والتي تمجد السلوكيات السيئة، وتصور العابثين والفاسدين والناهبين بأنهم (رجال وحمران عيون)، وتنظر بعين الاحتقار إلى الإنسان السوى الذي يحترم القوانين والأنظمة ويمارس عمله وحياته في إطارها، فتغيير تلك الثقافة المدمرة وكل من لا يزال يعتمدها منهاجاً لحياته هو ما ننتظره من الأخ الرئيس وحكومته.

إنجاح مؤتمر الحوار

لا يخفى بأن مؤتمر الحوار الوطني الذي ظل موعده يتأجل باستمرار منذ شهر مايو 2012م سيمثل نقطة مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر، والذي تقرر أخيراً انعقاده في منتصف شهر مارس القادم، فكل أبناء الشعب قد وضعوا آمالهم على نتائج هذا المؤتمر لتخرجهم إلى طريق سوي ومزدهر وآمن.. تكون العدالة والمساواة والشراكة الوطنية في السلطة والثروة عنوانه الأبرز.

ويؤمل الجميع في الرئيس هادي بأن يكون الربان الذي يقود السفينة اليمنية إلى بر الأمان، وأن يحفظ للوطن اليمني وحدته الجغرافية والسياسية من سقطرى إلى كمران. ومن بداهة القول بأن جذوره الجنوبية ستعطيه دافعاً قوياً لذلك، لكونها تسحب البساط ضد أي تهم يوجهها دعاة الانفصال لسلطات الدولة اليمنية الحالية بممارسة التمييز المناطقي والتشطيري ضدهم، ولعل ذلك ما يجعل بعضهم يتعمد توجيه الإساءات للرئيس هادي ويصفه ب(المسخ) أو (الديكور) رغم علمهم اليقيني بعدم صحة ذلك.

هيكلة الجيش والأمن

من الطبيعي أن يعمل الرئيس هادي على استكمال خطواته التي بدأها نحو إتمام الهيكلة الكاملة لقوات الجيش والأمن، ومن الضرورة بمكان أن تتخذ الهيكلة بعداً وطنياً، وأن لا تقتصر التعينات في المناصب العسكرية والأمنية على بعض أبناء مناطق محددة في الشمال والجنوب كما هو حادث الآن، ونكتفي بضرب مثال على ذلك بحصر قيادة الأمن المركزي وأركان حربه في محافظة واحدة؛ وكأن المحافظات العشرين الأخرى قد عقمت عن الإتيان بقائد يتولى أحد الموقعين.

ويظل استتباب الأمن هو المعيار الذي يقيس الشعب بواسطته وجود الدولة وانتشارها، وهو مع الأسف الشديد مازلنا نفتقده إلى اليوم، حيث تنتشر عصابات التقطع والاعتداءات في ربوع مختلف المحافظات والمديريات من غير أن يجد المواطن العادي من ينصفه منها؛ رغم أن الجناة معروفون بالاسم، ومعلومين للجهات الأمنية، وليت الأمر قد اقتصر على ذلك، لكننا نجد أن بعض العاملين في الجهات الأمنية والعسكرية هم من يتواطأ مع عصابات التخريب والعبث ويتسترون عليهم.. بل ويقدمون لهم العون والحماية.

تأمين الحياة السياسية

تعاني الحياة السياسية في اليمن من اختلالات تخل بأداء القوى السياسية بمختلف مشاربها، وتجعل من الأحزاب القائمة مجرد قبائل سياسية؛ ومن زعمائها مجرد مشائخ مخلدين لها يديرونها بعقلية الامتلاك، ولعل ما يحدث في مصر وتونس من عبث في ممارسة السلطة والمعارضة من قبل جميع أطراف الحياة السياسية يتطلب منا وضع معايير واضحة وسليمة لممارسة الحياة السياسية والتعددية في اليمن خلال مستقبله المنظور.

ونحسب أن انتقال رئاسة حزب المؤتمر الشعبي – الذي بات وشيكاً – إلى الرئيس هادي أو إلى الدكتور الإرياني سيساعد على تحقيق مزيد من التوافق بين القوى السياسية اليمنية، وسيمكنها من تشكيل كتلة تاريخية تقود اليمن إلى بر الأمان . ومن المهم التأكيد هنا بأن السلاح والسياسة لا يجتمعان؛ سواء تمثل ذلك بالجماعات أو القبائل أو الأفراد، الأمر الذي يتطلب وضع معايير صارمة تنظم تجارة السلاح وحمله وحيازته، خصوصاً بعد انتشاره المذهل في الآونة الأخيرة، وتمنع من يخالف ذلك من تولى أي مهام رسمية أو حزبية.

الاعتراف بالثورة الشعبية

بات واضحاً أن الرئيس هادي يتعامل مع ثورة شعبية شهدتها اليمن، ويبدو ذلك واضحاً في أحاديثه التي يعزي فيها التغيير إلى الشباب، وكان أخرها خطابه الرسمي في الذكرى الثانية للثورة الذي حرص على توجيهه لشباب الثورة عبر صحيفة الثورة الرسمية، وكذلك خطابه الموجه للاحتفال الجماهري الذي شهدته مدينة عدن بالذكرى الأولى لانتخاب الرئيس هادي ورحيل صالح. وكان لافتاً حديث معظم قنوات التلفزيون الرسمي للدولة ومحطاتها الإذاعية وصحفها عن الذكرى الثانية للثورة، وإفساحها المجال لتغطيتها بشكل واضح.

لكن كل ذلك لا يكفي.. فجميعنا يعرف بأنه لولا الثورة الشعبية لما رحل صالح ولما أصبح هادي رئيساً، لذلك نحن ننتظر اعترافاً صريحاً من الرئيس هادي وحكومة الوفاق بثورة فبراير الشعبية، بحيث يصبح يوم انطلاقها من تعز في 11 فبراير يوم عطلة رسمية مثله مثل ثورة سبتمبر وأكتوبر، فذلك الاعتراف سيجعل من مهام سلطات الدولة تنفيذ أهداف الثورة في التغيير والتطوير، وسيجعل من ذلك معياراً لتقييم أداء هذا المسؤول أو ذاك، وهو ما سيدفع بحياتنا خطوات متقدمة صوب المستقبل.

خلاصة القول

هذه أبرز الملفات التي نتوقع أن يعطيها الرئيس هادي جل وقته في العام المتبقي من رئاسته الانتقالية، ونسبة نجاحه فيها هي من ستحدد تجديد ثقة القوى السياسية ومن ورائها الشعب اليمني به، وإمكانية منحه الثقة من جديد لقيادة الدولة اليمنية بعد الخروج من المرحلة الانتقالية إثر اتمام الحوار وانجاز الدستور الجديد، بحيث يستمر رئيساً للدولة اليمنية إن اختارت اليمن النظام الرئاسي أو المختلط، أو يصبح رئيساً للحكومة إن تم التوافق على النظام البرلماني.

وإن كانت الشواهد التي نلمسها تؤكد بأن الفترة الانتقالية لن تنتهي بعد عام من الآن، وسيحتاج الأمر إلى عام أو عامين آخرين لتهيئة البلاد للانتقال صوب الدولة المدنية الديمقراطية التي تتحدد سلطاتها بناء على الاحتكام الصادق والنزيه لصناديق الاقتراع.. وهو حلم نتمنى أن لا يطول انتظارنا له.